samedi 20 janvier 2024

تقديم الكاتب محمد كشكار، أم تقديم كتابه "حدّث أمين معلوف قال..." ؟ بقلم عبد الحق الزموري، باحث في تاريخ الذهنيات، ومترجم، مدير مؤسسة أبعاد للدراسات المستقبلية

 

عندما عرض عليّ الصديق محمد كشكار تقديم كتاب جديد له حول أمين معلوف، لم أتردد في الاستجابة لطلبه، وكنت أعلم منذ مدة حرصه على قراءة كل ما أنتج هذا الأخير من رواية وتاريخ وسياسة ... (أكّدَ هو نفسه قائمة كتب معلوف التي قرأها في الصفحة 125 من كتابه) وقد أشْرَكَنا عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي قراءاته اليومية لكتاب معلوف الأخير "متاهات الحيارى"، ما شجعني ودفعني إلى اقتنائه.

إختلِفْ مع الرجل كيف شئتَ، واعترض على آرائه وتحليلاته بما يُمليك عليك عقلك ومواقفك، ولكن لا يمكنك بأي حال أن تغمطه حقّه في الاعتراف له بالحرص الشديد على القراءة، وانفتاحه على كل ما يقع بين يديه من كتب ومجلات، وتبجيله للعلم وأهله بقطع النظر عن موقفه منهم، واستعداده الدائم لتصويب طريقه كلما كشفت له الحقيقة عن وجه من وجوهها.

إحترامي للدكتور محمد كشكار، وتقديري لنزاهته الفكرية وشجاعته الأخلاقية، هما ما دفعاني إلى الإسراع بالاستجابة لطلبه تقديم كتابه هذا، قبل أن أقرأه حتّى، اعترافا له بالمعروف.

ولكن بعد قراءتي المتأنية للكتاب، ساءلتُ نفسي هل يحسُنُ بي (أو بغيري) كتابة تقديم له ؟ هل سيتناول التقديم أفكار معلوف أم تعليقات كشكار، وهذا الأخير لا يرسم بوضوح – في الكثير من الأحيان – الحد الفاصل بين هذه وتلك ؟ وهل يمكن التقديم لآراء معلوف المُنتَجَة خلال أربعة عقود دون دراسة نقدية لها في أفق الزمن الطويل وتطور السياقات الحافّة بإنتاجها ؟

يعرض علينا الدكتور كشكار كمًّا هائلا من أفكار معلوف ومواقفه الخاصة من بعض القضايا الأساسية بالنسبة له كالهوية والدين، أو من بعض الأحداث التاريخية التي لا تشكل بالضرورة أولوية في مسيرة مُنتَج معلوف. كان عرض الكاتب لتلك القضايا هنا طبقًا لقائمة من الموضوعات المُنتقاة، (دون ربطها بتواريخها وسياقات تحريرها)، وطبقا أيضا لانشغالات شخصية يبحث لها كشكار عن إجابات؛ وقد اعتمد في عرضه لها أسلوبًا غير مألوف، نَحَتَه – أو فُرض عليه – في سياق تفاعلاته الحينية، أثناء القراءة ومشاركة قُرّائه على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به (وقد أهداهم كتابه هذا في صدر هذا العمل).

لذلك ربما سمحنا لأنفسنا أن نفهم من اختيارات رؤوس الموضوعات التي عرضها كشكار على لسان معلوف اهتماماته هو الشخصية في الزمن الراهن، وبالتالي تتبع مناقشاته الخاصة في سياق مُحدَّثٍ جدا (زمانًا ومكانًا). عاينّا ذلك في كثير من فقرات عرضه، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قوله في الصفحة 48 "ما أنشره من آراء موضوعية حول الإسلام والمسلمين لو لم يكن نقلا عن أمين معلوف المسيحي لاتّهمني رفاقي بالتقرب من الإسلاميين" (!!).

ولكن ما شدّني بشكل خاص في هذا الكتاب فصله الأخير الذي عنونه (ظُلمًا): "إضافة للكتاب"، وهو في الحقيقة – برأيي –أهم ما ورد فيه.

يناقش كشكار، ابتداء من الصفحة 126، آراء الفيلسوف كريستيان دو دوف حول الصفات الوراثية والصفات المكتسبة في الإنسان، ويتوسع معه في مراتب النفس (بصنفيها: الأمّارة بالسوء والخيّرة)، وقدرات الإنسان في التحكم فيهما وتعديلهما عبر آلة التعليم (يعرض لمفهوم الجهاد الأكبر الإسلامي)، وعبر الدعوة إلى تبني علم الــــــــ"ما فوق الوراثي المُخي"، الذي أطلق عليه (تأسّيًا بالاستعمال الأكاديمي له) تسمية "التخلّق"، وهو – كما يصفه (ص 138) – "نضالٌ يربّي النفسَ، يدرّبها، يصقلها، يهذبها" ... لذلك يعتبر الكاتب أن من أكبر المصائب التي حلّت بنخبنا في العصر الحديث أخذنا بالنضال السياسي أداة لتغيير الإنسان، وهو في الحقيقة "أكبر خدعة استوردناها من الغرب".

 

تاريخ أول نشر على صفحتي الفيسبوكية: حمام الشط في 20 جانفي 2024.

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire