jeudi 9 décembre 2021

صمويل هنتنڤتون، أخطأ وأصاب في نظريته "صِدامُ الحضاراتِ" ! تأليف أمين معلوف، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 


 

نص أمين معلوف:

أصاب هنتنڤتون خاصة في صدام الأديان (1996). نظريتُه، ورغم فضاعتها فقد أيدتها الأحداث المتتالية سريعًا في أوائل القرن 21 ميلادي.

أخطأ كثيرًا عندما تنبأ بأن هذا الصدام سوف يقع بين "دار الكفر" و"دار الإسلام" (التسميات بين معقّفين من عندي، معلوف كتب: Les différentes aires culturelles)، وسوف يعزز اللحمة بين المنتسبين لكل دارٍ.

يبدو أن العكس هو الذي حصل: ما يميز عالمنا اليوم ، ليس انصهار المجموعات الصغيرة داخل المجموعات الكبيرة (العالم الغربي، العالم العربي-الإسلامي، إلخ.)، بل العكس أي السعيُ الحثيثُ لتجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم في جو مشحون بالرداءة والخساسة والعنف والحِدّة والفظاظة والحِقد والإقصاء والكراهية والتمييز والعنصرية.

نحن نرى اليوم أن ظاهرة العنف والتجزئة في "دار الإسلام" أصبحت ظاهرة للعيان ولا تحتاج إلى تحليلٍ أو برهان. يبدو لي أن المسلمين قد أخذوا عهدًا على أنفسهم بتجميع كل مساوئ هذا الزمن الردى وضخموها إلى حد العبثية. نجحنا (المسلمون) والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، نجحنا في تشويه صورتنا في عيون غير المسلمين ومن فرط ذكائنا لم نغفل عن تشويهها في عيوننا نحن، أقصدُ المسلمين الوسطيين غير المنتمين للإسلام المتزمّت أو الإسلام العنيف. أشعلناها وبأيدينا، أشعلناها حروبًا أهلية، دموية، ضارية، شديدة، عنيفة، وفتَّاكة في أفغانستان ومالي ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ونيجيريا والصومال والسودان.

(إضافة مواطن العالم: والبلدان الإسلامية، التي سَلِمَت من الحرب الأهلية، أصابها التهريب والفساد والإرهاب والهوانْ، مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب والأردن وباكستانْ. انفردنا بالحالة القُصوى ولم نر لحالنا مثيلا، لا في الغرب ولا في الصين ولا في الهند ولا في برّ بني عريانْ).

أما الحالة الأدنى فنجدها أيضًا في العالَم غير الإسلامي، في أسكتلندا وإيرلندا المملكة المتحدة، كاتلونيا أسبانيا، كورسيكا فرنسا، كوزوفو سربيا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دول الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي سابقًا (كانوا 9 دول ثم أصبحوا اليوم 29)، إلخ.

 

يبدو لي أن بوادر الانقسام بدأت تبرز وتكثر في كل مجتمع وعلى مستوى الإنسانية جمعاء، وفي المقابل بدأت عوامل الوحدة تتناقص. يبدو أن العالم كان مرصوصًا بأسمنتٍ مغشوشٍ.

 

إضافة مواطن العالم:

جاكلين الشابي، عالِمة الأنسنة والإسلاميات (Anthropologue et islamologue) قالت: "الدين يخلق مجتمعًا، والمجتمع يخلق دينَه".

عالمنا العربي-الإسلامي، عالمٌ مرصوص بأسمنتٍ مغشوشٍ، أسمنت متكون من "تديّن أغلبية المسلمين المعاصرين": الإسلام جاء رحمة للعالمين، دين التوحيد جاء للسلام والوحدة بين الحضارات والأمم، ونحن جعلنا منه عاملَ تفريقٍ وفتنةٍ وعنفٍ وإرهابٍ. أقصينا من رحابه غير المسلمين، وكأنهم ليسوا من مخلوقات الله ولا يستحقون رحمته سبحانه. ظلمنا أنفسَنا وما ظلمنا أحدٌ، "جَنَتْ على نفسها براقش". الرسالة المحمدية وحّدت بيننا وخَلقت منا أمة واحدة وحضارة واحدة بعد ما كنا أممًا متعددة وحضارات مختلفة -عرب، أمازيغ، فرس، أتراك، منغول، تتار، أوروبيون، هنود، إلخ.-  ونحن خلقنا دينًا على مقاس أنانيتنا وجشعنا وشهواتنا البهيمية، دينًا لا يمت لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم بصلة، ليس بسبب تعدد مذاهبه بل بسبب تناحر مذاهبه وتقاتل مريديها من شيعة وسنّة وسلفية.

 

إمضاء مواطن العالَم:

الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تُمارَس على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l`échelle individuelle)، وهي فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le croyant) وعند غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d`une société ou d`un état).

الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، جمني حَمَادِي (أصيل حي الحمادة بجمنة)، حمّام-شطي (مقيم بحمام الشط)، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ هي لشخصيتي إغناءُ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي بالنسبة لي إفقارُ.

 

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

 

Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, mars 2019, 332 p, 22 €, p. 245.

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 5  ماي 2019.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire