ماذا يوجد في العاصمة الفريدة ؟
توجد فيها السلطة ويتجمع فيها
نوابُ الشعب للتحايل على الشعب وتمرير قوانين أغلبها يخدم شركاءهم في الحكم وبعضها
يجازي لوبيات الفساد على كرمِهم وقليلها يلبي مطالب الشعب، طبعًا دون تعميمٍ
ظالِمٍ وغير علمي. تجمّعٌ يسهل التأثير عليه واستمالته بالمال أو بالإعلام أو
بالوعد بمنصبٍ عالٍ في الحكومة. عذرهم الشرعي الوحيد الذي يختفون وراءه يتمثل في
الديمقراطية غير المباشرة لمونتسكيو ناسين أو متناسين أن الديمقراطية المباشرة
لروسّو تكمل الأولى وتُجمّلها وتهذبها وتعيد أنسنتها على حد قول إدڤار موران،
فيلسوف الإنسانية.
تستقر فيها كل الوزارات وجميع
مقرات الشركات الكبرى ومن مينائها، رادس، يمر ثلثي السلع المهرّبة.
تستفرد بأكبر التظاهرات والمهرجانات.
تعشش فيها أوكار المخابرات،
وبحرصها عل تجميع كل المصالح العليا في مدينة واحدة تسهّل عليهم مهامهم وتريحهم من عناء التنقل بين المدن حتى لا ينكشف أمرهم. أما راحة
المواطن الذي يتنقل من ڤبلي (تبعد عن العاصمة 500كم) لاستخراج وثيقة إدارية فاسأل
عنها نوابه.
العاصمة تأكل الغلة وتحتقر
مَن أنتجها وتستهزئ من لهجته في مسلسلاتها التلفزية.
ماذا يوجد في المدن الأخرى ؟
يوجد في النهر ما لا يوجد في
البحر: في مدينة دوز يوجد نشاط ثقافي جمعياتي نسائي نفتقده نحن سكّان مدينة حمام
الشط. في مدينة جمنة توجد تجربة اقتصاد اجتماعي تضامني لا توجد مثلها أو أقل منها
في العاصمة.
في جل المدن الصغرَى تُمارَس
الديمقراطية المباشرة في أبهى صورها السلمية والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
جل المصانع الكيميائية أبعِدت عن العاصمة ولا يهم الطبقة الحاكمة إن مات خليج ڤابس محضنة سمك البحر الأبيض المتوسط وعش صغاره
(La pépinière des alevins)
أو تَلوَّثَ جو صفاقس وشاطئها.
تعليق:
حتى ولو تميزت كل الدول
بعاصمة واحدة، فلماذا لا نكون السباقين في تعدد العواصم ؟
ما ضرّ لو طُبِّق التمييز
الإيجابي في هذا المضمار وتعددت العواصم واقتربت السلطة من المواطن حتى تَسْهُلَ مراقبتها ويقل تعرّضُ ممثليها للفساد ويصعب على الجواسيس والسفراء التأثير على
قراراتهم السيادية.
لماذا لا تستقر وزارة الثقافة
في الكاف مثلا ووزارة الشؤون الدينية في القيروان ووزارة الطاقة في ڤفصة ووزارة
الاقتصاد في صفاقس ووزارة البيئة في ڤابس، ووزارة السياحة في جربة، إلخ ؟
لماذا لا يُوزَّع نشاط
التصدير والتوريد البحري بالتساوي على
عدة موانئ مثل ميناء صفاقس وڤابس وجرجيس ؟
خاتمة: أيها المسؤولون خطِّطوا
للمستقبل وإلا سيتجاوزكم الزمن كما تجاوز مَن سبقكم رغم قبضته الحديدية. المستقبل
ملكٌ للأجيال الصاعدة والقادمة، ومَن يرفض التأقلم معه سينقرض، فالعلم
والتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة حتمًا ستهزمكم عاجلاً وليس آجلا، فلا تهنؤوا
في عاصمتكم الوسخة الباهتة ولا تتباهوا علينا وتفتخروا بانتهازيتكم وتفاهتكم في بلاتوهات
تلفزاتكم السخيفة.
إمضائي
"عَلَى كل
خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)
وَ"إذا كانت كلماتي لا
تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 15 جوان 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire