mercredi 8 décembre 2021

علي حرب يجيب على سؤال: لماذا تكتب ؟

 


علاقة المؤلف بنصه ونتاجه هي علاقة أساسية. إنها تشبه علاقة الأب بابنه أو الخالق بمخلوقاته. ولهذا يتعلق الكاتب بما يكتبه ويتعصب إليه. وقد يستفزه الكلام عليه أو بغضبه ويحمله على الرد والهجوم. ومع ذلك فالنص ينفصل عن صاحبه، إذ النص هو في النهاية أثر له كينونته المستقلة. والأثر لا يشهد على حقيقة مؤلفه بل يفرض نفسه علينا بقدر ما يخفي حقيقته ويحملنا على استنطاقه. ومن هنا يمكن قراءة النص من دون إحالته إلى مؤلفه. ينبغي برأيي فصم علاقة الأبوة أو الملكية بين الطرفين، لكن ننظر إلى النص المكتوب في ذاته وبمعزل عمن ألفه وكتبه. بعبارة أصرح، بالنسبة إليّ كقارئ لا المعنى يسبق اللفظ ولا الرؤية تسبق الكلام. ولهذا فأنا أتعامل مع النص بوصفه فضاء للتأويل أو إمكانا لتعدد المعنى واختلافه أو تشظيه. والنظر إليه من هذا المنظار يتطلب طريقة جديدة في المعالجة أو المقاربة. فإذا كانت المناهج التقليدية أو السائدة تسعى إلى معرفة مقاصد المؤلف أو شرح القول أو التقاط المعنى، فإن المناهج الجديدة ترمي، بخلاف ذلك أو بعكس ذلك، إلى تفكيك المعنى وإعادة إنتاجه، بالعمل على زحزحته أو تحويله أو قلبه أو تفتيته أو حتى تغييبه وذلك بالكشف عن اللامعنى القابع وراء المعنى. بكلام آخر: معنى القول، وأعني ما لا يقوله الكلام، أي معنى المعنى، هو حجب القول لبداهته..

 

ما تعلمته من مدرسة الفلاسفة ومؤسسات المعرفة أن البداهة هي وضوح وانكشاف أو ما شابه. ولكن ما اكتشفته بفكري أن البداهة هي الأساس المحتجب للكلام...

 

أقول من جديد بأنني لست صاحب مشروع ثقافي. ولست داعية إلى تثقيف الغير أو تهذيبه أو تحريره. الكتابة هواية أمارسها وأستمتع بها. ..

 

سواء تعاملت مع ذاتي ككاتب أو كمشتغل في ميدان الفلسفة، فإني لا أود أن أدعو الآخرين إلى أي دعوة. أخشى أن أمارس دعوتي بطريقة استبدادية فاشية على ما مورست الدعوات عندنا. وأنت تعلم كم عانينا وما نزال من أهل العقائد والمذاهب ومن أصحاب الدعوات والأدلوجات ناهيك بالأحزاب والتنظيمات...

 

أما أنا فأرى أنك تدافع عن مفهوم للكتابة يحيل القارئ إلى مجرد متعلم أو متلق ويجعل منه موضوعا لسلطة الكاتب والنص. المفهوم الذي أحاول بسطه هو بالعكس يتيح للقارئ أن يسترجع مبادرته أو أن يمارس فعاليته. إنه مفهوم يتطلب قارئا يلتفت إلى ذلك الشيء الذي يخفيه الكاتب فيما هو يكتب والذي منه يستمد سلطته أو أثره. آن لنا أن نعترف بهذه الحقيقة، وهي أن الكتابة، أيا كانت مجالاتها، ليست هما معرفيا تنويريا بقدر ما هي ممارسة سلطوية على القارئ. إنها إستراتيجية متعددة يتداخل فيها المعرفي والسلطوي والعشقي والعصبوي والجمالي... وإذا شئت مقاربة أخرى أقول إنها نوع من العرض نعرضه على القارئ. فنحن نشبه التجار من هذه الناحية، أي أننا نقدم للقراء عروضا جديدة هي عبارة عن "المستجدات" من الأساليب والأفكار أو النظريات..ففي كلا الحالين ثمة نظام للعرض. والفرق بين كاتب وآخر، هو في قوة النظام أو في جمال العروض. ولا تعجب لهذه الاستعارة. فلكل محدث جذر قديم. فالمناطقة العرب قالوا بأن العلم بحث عن العوارض الذاتية. وليست العوارض سوى ما نعرضه بعلمنا على الأشياء...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire