vendredi 8 mars 2019

هل خرجنا من الجاهلية، وهل طبقنا فعلا ما أمرنا به الإسلام؟ مواطن العالَم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 14 ماي 2013.

أبدأ بأجمل بدءٍ وهو ذكر القرآن الكريم وأسوق لكم من صلبه تعريفا من التعريفات المتعددة والمختلفة لمفهوم "أمّة": "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ".
لللأسف الشديد، يبدو لي - حسب التعريف القرآني أعلاه - أن أمتنا، الأمة الإسلامية لا نرى وحدتها تتجسم وتتحقق إلا لماما في المساجد والجوامع والأعياد والمواسم (موسم الحج، الإفطار في رمضان، المصافحة في عيد الفطر، الأضحية في عيد الأضحى، صلاة الجنازة، قراءة الفاتحة وما تيسّر من الأحزاب في الأفراح والختان و"الفرْق" و"الأربعينية" و"الألفية" (كلمة ألفية لا تعني ألف يوم بعد الوفاة بل تعني عدد السور أو الأحزاب الذي يكررها القارئ الورع أو المأجور تحضيرا لهذه المناسبة الدينية ترحّما على الميتين، عادة دينية حية في مسقط رأسي جمنة).
وفي غير هذه الأماكن وغير هذه المناسبات لم نر أمتنا يوما اتفقت على كلمة سواء منذ الفتنة الكبرى بين علي رضي الله عنه وعائشة أم المؤمنين، بل رأينا وما زلنا نرى العكس فهي قد اتفقت على أن لا تتفق، "اتفق" جلها فيما بينهم على التقاتل، الغش، الكذب، الزيف، الفرقة، الجفاء، النفاق، انعدام الضمير المهني، عدم إتقان العمل، خيانة الأمانة، التجارة بالعرض والأرض والدين، والتفويت في الأوطان تحت طغيان الأعداء وجبن المسلمين العرب: فوّتوا في القدس الفلسطينية إلى إسرائيل، ولواء الأسكندرون السوري إلى تركيا، وسبتة ومليلة المغربيتبن إلى إسبانيا، وطنب الصغرى وطنب الكبرى الإماراتيتين إلى إيران، وشط العرب والأهواز العراقيين إلى إيران أيضا، وجنوب السودان إلى دولة جنوب السودان الانفصالية المسيحية الجديدة. ألم نكن في الجاهلية هكذا، قبائل تتصارع ولا تهدأ فيما بينها؟

فهل تجاوزنا اليوم ظلام الجاهلية والقبلية إلى نور الإسلام ووحدة الأمة الإسلامية بعد رحلة دامت 14عشر قرنا؟ أنا أشك ودليلي هو التالي وأتمنى أن أكون مخطئًا في تحليلي لأنني أعشق هذه الأمة ولذلك أقسو عليها أحيانًا:
-         أمرنا الإسلام أن لا نُكرِه غير المسلمين على الإيمان بالإسلام (تقول الآية الكريمة: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر")، لكن الإمبراطوريات الإسلامية (الأموية والعباسية والعثمانية)، وككل الإمبراطوريات في عصرها، لم تشذ على القاعدة فتوسعت بواسطة السلاح وفتحت واحتلت نصف العالَم غير الإسلامي بالقوة، ولكنها خرجت بعد قرون مهزومة مدحورة من نصف البلدان التي احتلتها تحت الضربات المسلحة لعدو محتَل غير مسلم (مثل إسبانيا وصقلية وبلغاريا وألبانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وغيرها من البلدان الأوروبية التي احتلها العثمانيون الأتراك).
وفي المقابل، دخل الإسلام إلى إفريقيا السوداء عن طريق الصوفية دون استعمال السيف فانتشر فيها دون عنف ولم يخرج منها حتى اليوم. ودخل أندونيسيا (دولة تضم اليوم أكبر عدد من المسلمين غير العرب مقارنة بالدول الإسلامية المعاصرة الأخرى) عن طريق التجار المسلمين دون سيف ولم يخرج منها حتى اليوم. وحديثًا دخل أوروبا الشمالية وأمريكا وكندا وأستراليا دون عنف عن طريق المهاجرين المسلمين الجدد من عمال ومفكرين وتجار وعلماء متجنسين وغير متجنسين.
-         أمرنا الإسلام بالصلاة خمس مرات في اليوم و قال لنا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولو كانت صلاتنا كذلك لكُنّا خير أمة أُخرِجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولَما كانت حالتنا اليوم كما هي عليه الآن، ولَما عششت المشاكل الاجتماعية  في ديارنا ولَما سكنت التصورات غير العلمية عقولنا على مدى 14 قرنا (فقر، جهل، إدمان على الكحول والمخدرات، لواط، دعارة، سرقة، اغتصاب، رشوة وغيرها).
-         أمرنا الإسلام أن نتآخى في الله، فتقاتلنا فيما بيننا وتقاسمنا لحمنا غنائم بيننا والباقي أكله الطيرُ.
-         أمرنا الإسلام أن نكون رحماء بيننا أشداء على الأعداء، ففعلنا عكس ما أمرنا به: تغافلنا على عدونا الصهيوني وهو على مرمى حجر من سوريا، وذبح المسلم منا أخاه المسلم، شق قلبه وأكله حيا أمام كاميرات العالم أجمع.
-         أمرنا الإسلام أن ندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لم ندعُ إلى الله بل دعونا لأنفسنا ولأحزابنا ولحركاتنا السياسية الحديثة ولمذهبنا ولطائفتنا ولعرقنا ولمصلحتنا الوطنية الشوفينية الضيقة بالكلاشنكوف والحزام الناسف.
-         أمرنا الإسلام أن نحرر العبيد تدريجيا، فأبقينا عليهم عبيدا على مدى 14 قرنا حتى جاءت المكننة وحررتهم من بين أيدينا وأيدي الأمريكان.
-         أمرنا الإسلام أن نحترم ونكرّم المرأة ونبجلها، فأصبحنا نُعَرَّف في العالم بهضم حقوق المرأة حقًّا وباطلاً. 
-         أمرنا الإسلام أن نرد المعروف بأحسن منه، فتنكرنا الإسلاميون المنفيون للعَلمانية والعَلمانيين الغربيين الذين استضافوهم وأجاروهم وأكرموهم في أوقات الشدة وحموهم من ظلم وبطش حكامهم المسلمين و وفّروا لهم منبرا إعلاميا حيث لا منبر لهم في بلدانهم الإسلامية.
-         أمرنا الإسلام أن نتصدق بقسط قليل من أموالنا وثرواتنا وهي والحمد لله غزيرة جدا، فلو طبقنا أمره حرفيا لما بقي في البلدان الإسلامية فقير مسلم واحد.
-         أمرنا الإسلام بالوالدين إحسانا، فلو طبقنا أمره حرفيا لما فُتِح بيت واحد للعُجّز وفاقدي السند العائلي في البلدان الإسلامية.
-         أمرنا الإسلام أن نلتقي عند الاختلاف على كلمة سواء، فالتقينا على إقصاء بعضنا البعض وتكفير بعضنا البعض والاعتداء على بعضنا البعض والتنكيل ببعضنا البعض منذ أن غابت شمس العدالة مع اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
-         بقي لنا بصيص واحد من الأمل، ولو أهملناه هذه المرة لانقرضنا وذهبت ريحنا بلا رجعة وانقرضت معنا حضارتنا مثل ما حدث لحضارات عدة مثل حضارة الفراعنة في مصر وحضارة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية والجنوبية: أمرنا الإسلام - وبإلحاح - بالأخذ بناصية العلم والعمل، ولو طبقنا العلم والعمل بالفعل - وهما عبادتان - مثل ما فعلنا في القرن الثالث والرابع هجري، لعَدَونَا وسبقنا ظلنا وظل الأمم المتقدمة التي سبقتنا كما فعلت كوريا الجنوبية التي كانت تُصنّف في خمسينات القرن الماضي كثالث أفقر دولة في العالَم.

خاتمة: اقتراح جزءٍ من الجواب على سؤال "لماذا لم نطبق فعلا ما أمرتنا به الأخلاق السامية والنبيلة؟" ولسنا وحدنا نوصَم بهذا العجز فغيرنا أيضًا لم يطبقْ:
ADN: C`est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien et conçu pour l`homme primitif de la forêt
لا تغترّ أيها الإنسان، فأنتَ والشانبانزي تتشابهان في 98،5% من الجِينات المشتركة (Gènes communs)، وأنت وشجرة المَوز في 60%، ونبات الأرز يفوقُك في الجينات عددًا: هو 30-40 ألف جِينة، وأنتَ 25-30 ألف فقط!
لمزيدٍ من الاطلاع لمَن رغب في الاطلاع، أرجو قراءة مقالي الذي نشرته البارحة الجمعة 8 مارس 2019 وعنوانه "مجموعةٌ من الأسئلةِ، أرّقتني طيلةَ عقودٍ! وجدتُ لها اليومَ جوابًا في كتابٍ؟ فكرة كريستيان دو دوف، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم" وشكرًا.

الإمضاء
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه"، عبد الله العروي.
"المثقف لا يجيد فعل شيء على الإطلاق، اللهم، إلا الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار والكلمات. غبر أن هذه الأفكار تحتاج لما يجسدها لكي تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج لحركات اجتماعية"، جان زيغلر.
"يخون المثقف وظيفته، إذا كانت هذه الأخيرة تتقوّم بالرغبة في التأثير على النفوس"، ريجيس دوبريه.
"ما أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا  وما أصعب أن تكون لنا رؤوسهم"، مطاع الصفدي.

مواطن العالَم:
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر، لذلك لا يضيرني إن قرأني واحد أو ألف لكن يبقى الكاتب منعزلا إذا لم يكن له قارئ ناقد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

تاريخ إعادة النشر والتحيين: حمام الشط، السبت 9 مارس 2019.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire