jeudi 28 mars 2019

كيف أفهم ديني ؟ مواطن العالم



آخر دين توحيدي في تاريخ البشرية. دين يشمل البشرية بأسرها وليس حكرًا على المسلمين وحدهم. دين غير إقصائي وغير عنصري وغير متعصب. دين أتى برسالة للعالمين. دين أممي عالمي غير قومي وغير وطني وغير طائفي وغير فئوي. أفهمه كدين للمحبة والتقى والورع والتسامح والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة البشرية. دين يحس بآلام الإنسان أيًّا كان دينه أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو جنسه أو جنسيته. دين لا يفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. دين يعترف بكل الأديان ويكرّمها ويبجّلها، ويحترم كل الرسل وكل الأنبياء الذين سبقوا نبينا.

أفهم الدين كعلاقة 100  %حميمة عمودية مباشرة مع الله و100 %حميمة أفقية مباشرة مع مخلوقات الله. وللأسف الشديد، لقد حصره أكثرية المسلمين في الشعائر والطقوس الخارجية التي - على أهميتها – لا يمارسها المسلم إلا بشكل ميكانيكي أو آلي مُفرغ من كل معنى روحي أو تأثير أخلاقي على الشخص المسلم نفسه قبل غيره. قد يمارس بعض المسلمين جميع الطقوس بخشوع مشهدي وبكل مواظبة وانتظام، ثم يسرقون أو يغشّون في تجارتهم وأعمالهم أو يحقدون على جيرانهم لأنهم ليسوا من دينهم أو مذهبهم..

الإسلام 5% شعائر و95% معاملات (الشعائر والمعاملات، كلها تدخل فلسفيًّا في باب العبادات). الدول الأكثر تطبيقًا لمبادئ الإسلام حسب دراسة بريطانية: إيرلندا 1، الدانمارك 2، السويد 3، ماليزيا 33، أول دولة عربية في الترتيب الكويت 48، السعودية 91، مصر  128 (مصدري للأسف ضعيف جدًّا: مذيع مصري في قناة مصرية، سمعته حديثًا في مارس 2019).

ما نَفْعُ التديّن هذا في مثل هذه الحالة؟ لقد فهموا الدين الإسلامي كطاعة سلبية وخضوع لعلماء الدين ودعاته، وقد استولى هؤلاء الأخيرين على العقيدة الإسلامية واستخدموها ووظفوها واستغلوها أسوأ استغلال لإشباع جشعهم وتحقيق مآربهم ومآرب ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم، بل حرّفوا المقاصد النبيلة للدين الإسلامي عن مسارها الصحيح، وقسّموا الناس إلى شيعة وسنّة وسلفية وإباضية، إلى حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية، إلى إسلاميين وعَلمانيين، إلى أصوليين وحداثيين، إلى مذاهب إسلامية متناقضة متناحرة متباغضة متقاتلة، واستغلوا خشوع وميل عامة المسلمين للتقى والإحسان لكي يأخذوا منهم الصدقات والزكاة ويراكموا الأموال ويبنوا القصور.. وهكذا شاع الشقاق والنفاق والحسد والغيرة والأحقاد في المجتمعات العربية والإسلامية، ولم يبق من الدين الإسلامي إلا المظاهر الخارجية الفارغة، والأحكام المسبقة المتوارثة التي تحوّل البشر إلى وحوش عن طريق الطائفية والمذهبية والتعصب والجهل والتزمت، وذلك لأنها تَحرم المسلمين الأميين والمتعلمين غير المثقفين من استخدام عقولهم بشكل حر وتخنق فيهم شعلة العقل البشري.

هذا العقل الذي ينبغي أن ننطلق منه لكي نؤسس مجتمعا آخر أكثر حرية وأكثر إنسانية. إن القرآن يعلمنا أفضل القيم الأساسية الضرورية لسلوكنا اليومي في الحياة. إنه يعلمنا أن الله موجود، أيّاً كان تصورنا له، ويعلمنا أن الله يسهر على مصير البشر، كل البشر دون تمييز، ويشملهم بعنايته ويأمرهم أن يحبوا بعضهم بعضا. ألم يقل الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؟ هل يوجد في العالَم  تسامح أكبر من هذا؟ فكيف حوّل بعض علماء الدين ودعاته رسالة محمد السمحة هذه إلى تعصب ودعوة للعنف وإكراه في الدين وملاحقة لكل عالِم أو مفكر أو مبدع أو فنان أو فيلسوف لمجرد أنه عَلماني؟ كيف حوّلوا الشيء إلى نقيضه وحرّفوا الدين عن مبادئه الأصلية السامية؟ في الواقع إن الدين بالنسبة لي هو المحبة والتسامح والحرية المطلقة والكرامة البشرية والعدالة الاجتماعية والمعاملة الحسنة والسلوك المستقيم أولا وأخيرا. أما كل ما عدا ذلك فطقوس وشعائر تختلف من هذا المذهب إلى ذاك ولا تؤثر في الجوهر الطاهر الخالص. في نظري هناك إذن جوهر للدين، وهناك قشور وقوالب خارجية، والمهم هو الجوهر لا القشور. المهم هو الرسالة الروحية التي علمنا إياها الرسول والتي تدعو أساسا إلى التقى والعمل الصالح.

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.

ملاحظة هامة
النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 187، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شرح فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث هذا النص وفي هذه الصفحة والصفحات التي تليها بالتحديد عن الدين المسيحي في القرن 17م.  استعرت منه القالب اللغوي للنص وطوّعته وحشوته أفكارا معاصرة ولكأن الكاتب إذ يصور حالة المسيحية في ذلك العصر يتحدث عن حالة الإسلام والمسلمين اليوم! يبدو لي أنني قد قمت بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة ودون تعسّف أوتحريف أو تجنّ على النص الأصلي ودون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 مارس 2012.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire