تاريخ أول نشر على
النت: حمام الشط، الخميس 17 جويلية
2014.
قال الفيلسوف
الألماني العظيم هيجل: "كانت الثورة الفرنسية، الحدث الذي اتخذ الرؤية المسيحية للمجتمع الحر
القائم على المساواة، ونقلها من السماء إلى الأرض".
وعلى خطاه أقول: "لم تقع الثورة العقلانية
العربية بعدُ، الثورة التي سوف تتخذ الرؤية الإسلامية للمجتمع الحر القائم على
المساواة، وتنقلها من السماء إلى الأرض".
بقي قرآننا وحديث نبينا، محمد صلى
الله عليه وسلم، مؤجلَين، وبقيت أقوال صحابته وأقوال مفكرينا ومصلحينا حبرًا على
ورقٍ:
- قرآن: "لا إكراه في
الدين". ونحن نُعدِم مجتهدينا (مثل الشهيد السوداني محمود محمد طه في عهد حسن
الترابي)، أو نغتالهم (مثل الشهيد المصري فرج فودة وقد برر اغتياله بعد وقوعه
الشيخ المصري محمد الغزالي)، أو نكفِّرهم (مثل التونسي الطاهر الحداد والمصريين
علي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد وجمال البنا).
ونحن نُعدِم مفكرينا أيضًا (مثل
الشهيد الحلاج و ابن المقفع)، أو نغتالهم (مثل الشهيدين اللبنانيين حسين مروه
ومهدي عامل أو محاولة الاغتيال الفاشلة التي وقعت للمبدع المصري و العربي الوحيد
الحاصل على جائزة نوبل للآداب الروائي الرائع نجيب محفوظ)، أو نكفِّرهم (مثل
الفرنسي الجزائري محمد أركون والتونسيين الطاهر الحداد وألفة يوسف وعبد المجيد
الشرفي ومحمد الشرفي ومحمد الطالبي والمصرية نوال السعداوي).
- قرآن: "كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ". وهل نحن اليوم كذلك؟ يبدو لي أننا لسنا كذلك!
- حديث: "الناس سواسية
كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". وهل كنا يومًا
كذلك؟ يبدو لي أننا ومنذ 14 قرنا لم نكن يومًا كذلك!
- حديث: "لا يؤمن
أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهل يحب السلفيون الجهاديون لإخوانهم في
سوريا وليبيا والعراق ما يحبون لأنفسهم؟ وزبانية السيسي والمالكي والبشير وبشار
وبوتفليقة والسادس: هل يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم؟
- قال عمر بن الخطاب، رضي الله
عنه: "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟". أنبِئك يا
فاروق أن العبيد لم يتحرّروا نهائيًّا إلا في القرن التاسع عشر ميلادي، أي بعد
صيحتك الشهيرة بثلاثة عشر قرن، في عصر الزعيم المسيحي الأمريكي إبراهام لنكولن وقد
تمّ ذلك بفضل تطوّر وسائل الإنتاج ومكننتها.
- وقال أيضا: "لو عثرت
بغلة في العراق فأنا المسؤول عنها لأنني لم أمهّد لها الطريق". أنبِئك يا
فاروق أن الدول العربية تتمتع اليوم بأكبر نسبة في العالم في حوادث الطرقات لأن
مسؤولينا لم يمهدوا الطريق لبغالنا، عفوًا لسياراتنا الحاملة لفلذات أكبادِنا.
- "النظافة من الإيمان والوسخ
من الشيطان". يكفي أن تتجول في العواصم العربية لتعرف هل نحن من المؤمنين أو
من الشياطين؟
- "أمة اقرأ" هي اليوم
أقل أمة تقرأ!
- رمضان: الشهر الفضيل،
الشهر الكريم، الشهر العظيم، شهر التقوى، شهر الصبر، شهر التكافل الاجتماعي، شهر
الإحساس بالفقر والتعاطف مع الفقير، كلها شعارات إنسانية جميلة لكنها شعارات وهمية
محفوظة في القلوب أو في الكتب السماوية على رفوف المكتبات وللأسف لم ننقلها بعدُ
إلى الأرض وبقيت معلقة في السماء. أما الواقع المر السائد اليوم داخل الدول
العربية الإسلامية، فهو مغاير تمامًا لما دعا له الإسلام ونبي الإسلام، فشهر
رمضان، هو شهر يزداد فيه التبذير وتكثر فيه الأنانية وتطغى فيه الفوارق الاجتماعية
وتُحتكَر فيه السلع الأساسية الضرورية وتَرتفع فيه الأسعار وتتفشّى فيه كل أنواع
الرذيلة الاجتماعية مثل الغش والكسل والكذب واالنميمة والنفاق والغضب لأتفه
الأسباب. أنتظر عهدًا يجيء يومًا نصبح فيه قادرين على وصفِ أنفسنا بما هو فينا،
وليس بما هو موجود في القرآن وكتب الفقه، يومها فقط نستطيع القول أننا وضعنا
إصبعنا على الداء وشرعنا في وصف الدواء.
ملخص الحديث وليس
خاتمته: "إن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم"، آية رائعة قالها الله تعالى مخاطبا الناس. طبقها
نسبيا بعض المسلمين المقيمين في الدول غير العربية أو الدول المسيحية، وطبقتها
حرفيا مخلوقات الله من غير المسلمين المقيمين في الدول الغربية المسيحية وبعض
الدول الآسيوية غير المسيحية، ولم يأخذ بحكمتها تماما المسلمون المقيمون في الدول
العربية. لله في خلقه شؤون! هؤلاء الأخيرين - وفي الواقع المعاصر هم الأخيرين في
كل مجالات الحياة العصرية - لم يفقهوا معنى الإسلام حتى اليوم فبقوا متخلفين عن
واجباتهم منذ حوالي عشرة قرون (منذ حرق كتب ابن رشد نهاية القرن 12م)، بقوا قاعدين
ينتظرون رزقًا أو عدلاً أو نصرًا يأتي من السماء. لو لم يمنعني العلم واتقاء جهل
الجاهلين، والله أكاد أجزم أن الرزقَ والعدلَ والنصرَ لن يأتوا إلا بالعلمِ
والعملِ والصدقِ والإخلاصِ.
إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ
في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في
الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle
individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا
يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ
فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم
بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ
نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
تاريخ إعادة نشر على
حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 7 مارس 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire