jeudi 14 mars 2019

يومان في المنستير: قدمتُ محاضرةً علميةً، مدينةٌ جميلةٌ وجدتُ فيها ما أبحثُ عنه وما كنتُ دومًا أنشدُه دونَ خجلْ، ألا وهو الاحترامُ المتبادَلُ بين الأشخاصِ بغضّ النظرِ عن الاختلافِ في الأفكارِ! مواطن العالَم



بعد النيران الصديقة الذي اصطليتُ بلهيبها في مقهى الشيحي وفي الفيسبوك وما زلت، والنار تبقى نارًا تحرقُ حتى ولو جاءت من صديق، بل قد يكون وقعُها أكبرَ. وجدتُ ضالّتي في المنستير: أبحث عن الاعتراف والاحترام، لا بسب نرجسية "الأنا" المنتفخ، بل لأن الاعترافَ حقٌّ لكل مجتهدٍ غير انتهازيٍّ، والاحترامَ حقٌّ لكل فردٍ يحترم الناس، كل الناس. أنشدُ تطبيقَ مبدأ المعاملة بالمثل الذي يقول "أحترمُكَ، فواجبٌ عليك إذن وليس مزية أن تحترمني، وعلى كل احترامٍ نرد باحترامٍ يساويه أو أكثر منه، ليس لك اختيارٌ آخرَ  وما جزاءُ الاحسانِ إلا الاحسانُ 
(à gentillesse, on ne peut rendre que gentillesse, on n`a pas d`autres choix).

تاريخ الندوة التربوية: الاثنين 11 مارس 2011 (10h 30-13h).
مكان الندوة التربوية: المعهد النموذجي بالمنسير. استقبلني مديره ورافقني إلى باب القاعة المعنية، بارك الله فيه.
الحضور: 26 مشاركًا: صديقي وضيفي أنا، المتفقد المنظم والمشرف، و24 أستاذ تفكير إسلامي (10 زميلات محجبات جميلات و12 زميل محترم).
لن أكتبَ عن محتوى المحاضرة (عنوانها "هل ندرّس معارفَ أو قِيمًا")، سوف أنشرها صوتًا وصورةً حالما تصلني من من المنستير من سي لطفي البكوش.

قابلتُ ثلاثة أصدقاء، واحد قديم واثنان جدد. سأبدأ بالقديم ثم الجديد فالأجدّ:
-         محمد الهادي بن سلطان، أستاذ علوم متقاعد، أصيل الرڤاب، منذ 15 سنة استقر هو وعائلته بالمنستير، صديق دراسة (69-74)، وفاءٌ، لُطفٌ، لَباقة في الحديث، لِياقةٌ في المعاملة، احترامُ الآخر رغم اختلافنا الإيديولوجي منذ الشباب وحتى اليوم، مُصَلٍّ مُواظبٌ، من المصلّين القلائل الذين نَهَتْهُمْ صلاتُهم عن الفحشاء والمنكر والجهر بالسوء، نَهَتْه بالفعل وليس بالقول فقط، فهو في نظري المسلمُ المثاليُّ نظريًّا وواقعيًّا. وجدتُه يوم الأحد في انتظاري في محطة القطار، ضيّفني في داره بكرمٍ حاتمِيٍّ رغم تواضع دخله كمعيل وحيد لعائلة من خمسة أنفار، ثلاث بناتٍ كالنسمة، لا تسمع لهن لغوًا وكأن الدارَ فارغةٌ. تحدثنا ساعات وساعات، تذكرنا شقاواتنا أيام الدراسة في بوغرارة ومونفلوري وباردو وباب عليوة وسبيطلة الثكنة. كان أقرب صديق إليّ خلال ست سنوات. رافقني في الغد إلى المعهد النموذجي وبقي معي حتى قرب موعد سفري في القطار إلى حمام الشط.

-         محمد بوڤرين، أستاذ تفكير إسلامي بالمعهد النموذجي وباحث جامعي يعدّ ماجستير في ديداكتيك اختصاصه. يرحم والدين المؤسسِين الفرنسيين لهذا العلم الجديد نسبيًّا، عام 70، وفاءًا لهم، أذكر منهم أساتذتي الأجلاء: كليمان مدير أطروحتي، جيوردان، أستولفي، سيمونو، كوكيدي، أورانج، إلخ. زارني هذا الصديق مرة وجاءني خصّيصًا من المنستير إلى مقهى الشيحي بعدما قرأ مقالاتي على الفيسبوك. لن تستطيعوا أن تتخيّلوا كم أسعدتني زيارته وكم أعتز بصداقته؟ هو مهندس الندوة التربوية بالتنسيق مع المتفقد وتحت إشراف هذا الثالث العظيم. بعد المحاضرة والنقاش، ضيفني التفكير الإسلامي (بوڤرين والبكوش) في مطعم محترم وبقيا معي حتى الرابعة مساءًا، احترامًا لشخصي واحتفاءًا بي.

-         لطفي البكوش، اكتشافٌ رهيبٌ وطاقةٌ متجددةٌ، متفقد تفكير إسلامي، إمام جمعة، باحث جامعي وفيلولوڤ (محقق مخطوطات قديمة، زار إيران بحثًا عن نادرِها))، درَس الصورة والسينما، يحذق اللغة الأنڤليزية والفرنسية. ما زال الخير في الدنيا. أثناء الغداء وفي المقهى، عرضتُ عليه بعض أفكاري التي تنتقد الأئمة والمتفقدين والمعاهد النموذجية فوجدته في بعضها قد سبقني جرأةً وتجديدًا. مثقفٌ أشبهه، متفتحٌ ومحاورٌ متأدّبٌ لَبِقٌ يفرّق بين الفكرة وصاحب الفكرة، يحترمُ الشخصَ ويجاملُه لكنه يناقشُ الفكرةَ وفي العلم لا يجامِلُ. ثلاثتهم ناسٌ كُمَّلٌ وناسٌ "أبَّهَةٌ"!

أما عن أساتذة التفكير الإسلامي بالمنستير، فمقالٌ واحدٌ لا يكفي للحديث عن خصالهم الحميدة: أنصتوا لمحاضرتي الطويلة (1h 10mn) بأدبٍ كاد يَصِلُ إلى مستوى الخشوع، قاطعني واحدٌ فقط. بعد انتهاء الندوة، صافحوني وشكروني واحدًا واحدًا، زملاء وزميلات دون استثناء، وحتى الذي قاطعني جاء واعتذر، بادلته اعتذارًا باعتذارٍ على ما بدر مني خطأ عندما رددتُ عليه بتشنّجٍ غير لائقِ بمحاضرٍ في العِلم وتفارقنا أصدقاء.

جرت العادة أن أعرض كتبي الأربعة في مثل هذه المناسبات، ثلاثة جلبتُها للعرض وليس للبيع (نفذتْ الطبعة الأولى ولن أكرّرها لأسبابٍ يطولُ شرحُها) وعشر نُسخٍ من كتابي الأخير للبيع. طلب مني المتفقد تخفيضا ودون ترددٍ استجبتُ. أعلمتُ الزملاء أنني لا أتكسّبُ من تأليفي ونقلي ونَشْرِي للعلم والمعرفة، سواءً كان في شكل مقالات أو كتب أو محاضرات. أبيعُ كتبي من أجل استرجاع ثمن طباعتها ورغم هذا قلت لهم: مَن أراد منكم اقتناءَ نسخةٍ دون أن يدفعَ فحلالٌ عليه ونفسي مطمئنةٌ. في آخر الندوة بقيتْ نسختَين فقط، سلمني المتفقد ثمنَ سبعةٍ فقط. فرحتُ بمَن دفعَ وصدّقوني فرحتُ أكثر بمَن لم يدفع لأن هذا الأخير صدّق كلامي ونفّذه.

خاتمة: أسعدتوني يا أهل المنستير، الله يسعدكم دنيا وآخرة، دعاءٌ صادقٌ نابعٌ من قلبِ مسلِمٍ تونسيٍّ عَلمانيٍّ يساريٍّ غير ماركسيٍّ وغير ملتزمٍ دوغمائيًّا، لا بيساريته ولا بإسلامه 
(Un penseur libre et non engagé ni politiquement ni religieusement)!

إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 15 مارس 2019.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire