تمخض الجبل فولد فأرا! فهل
سيصبح هذا الفأر يوما أسدا؟ أم سيبقى فأرا؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
من وحي جنازة شكري بلعيد: استوطنني
أمل كبير في غد أفضل لتونس بعد ما شاركت في تشييع جثمان المناضل اليساري الراحل و ثاني زعيم لليسار التونسي بعد الرمز حمة
الهمامي، أحترمهما و أجلّهما و أقدر نضالهما، لكنني أحتفظ و أتمسك باختلافي الفكري
معهما و في نفس الوقت أؤمن إيمانا راسخا بأن الاختلاف الفكري لا يفسد للود قضية
توهمت البارحة و تمنيت أن
يصبح وهمي حقيقة، أن الصفر فاصل أصبح رقما واحدا قائما يتبعه أصفار عديدة! فلماذا
يلازمني و يؤرّقني إذن هذا الإحباط الكبير رغم الحقيقة الماثلة بين عيني، و المتجسّمة
في صدق و حرارة نضالات جماهير تونس و مصر و اليمن خلال المد الثوري العربي المتواصل؟
يبدو لي - و الله و أهل
الاختصاص أعلم - أنها أزمة ثورية عربية - أعظم من انتفاضة و أقل من ثورة - على حد
قول الأستاذ
الجامعي للفلسفة، الدكتور اليساري عبد العزيز لبيب في لقاء مباشر معه بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بن شرف يوم غرة فيفري
2013
لو شككت في كل شيء فلن
أسمح لنفسي بالتشكيك في صدق و ثورية الملايين من المواطنين المهمّشين التونسيين و
المصريين و اليمنيين من أمثالي و أمثالك،
الذين هبّوا إلى الشارع بكل جرأة و شجاعة و انتفضوا غضبا لكرامتهم ضد الطغاة
الثلاثة بن علي و مبارك و صالح
و الله أكاد أبكي حسرة
على ما آلت إليه الأمور بعد الثورة في تونس و مصر و اليمن. بُلينا ثلاثتنا بحكومات
إسلاموية فاشلة في تحقيق أهداف الثورة و عاجزة "حتى على فرض الاستبداد" (لا
أحبّذ الاستبداد على الديمقراطية و لا أؤمن بشرعية العادل المستبد لكنني أردت فقط
التدليل على عجز الحكومات الإسلاموية التونسية و المصرية و اليمنية. للأمانة العلمية،
لقد قالها شاعر الوجد والهيام والحب عمر بن أبى ربيعة: "ليت هندا
أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد واسـتبدت مـرة
واحـدة إنمـا العــاجز مـن لا يســتبد" فجعل هارون الرشيد يكرر قوله : إنما العاجز من لا يستبد)، و بُلينا أيضا بأحزاب معارضة يسارية و قومية و ليبرالية غير
قادرة على التأثير على هذه الحكومات و معالجة فشلها الواضح و لو قيد أنملة. هل
الفشل هو قدرنا يا ترى؟ أم هو مكتوب في جيناتنا؟ أم ترانا لا نستحق جني ثمار ما
ناضلنا من أجله، شغل، حرية، كرامة وطنية؟
فرحت، و لكن تجري
الرياح بما لا تشتهي السفن! فرحت بألفيات الثوريين التونسيين و بمليونيات المصريين
و اليمنيين و لكن لم يدم فرحي طويلا و خيّب الإسلاميون و الصندوق ظني. رغم اختلافي
الفكري الجذري معهم، كنت أعتقد أن المناضلين الإسلاميين، أناس جدّيين و منضبطين و
مخلصين و وطنيين لكنني فوجئت بعد فوزهم الساحق في الانتخابات، و لم أر حتى الآن،
لا جِدّ و لا انضباط و لا إخلاص و لا وطنية. سفّهوا أحلامي، سامحهم الله! ساعدتهم
اللعبة الانتخابية، و ساندتهم أمريكا و السعودية و قطر (الثالوث المدنّس)، و مهّدت
لهم الطريق، الأرضية الاجتماعية الدينية و الهوية العربية الإسلامية المتجذرتان و المتأصلتان
في شعوبنا العربية منذ خمسة عشر قرن مع الإشارة أن ليس لهم فيها، لا باع و لا استحقاق،
وجدوها عربة مجهزة حاضرة فركبوها و لم يركبوا الثورة كما يردد خصومهم
الثورة حصان جامح لا
يُركب إلا من قبل الثوريين
أتمنى أن يكون بصرنا قد
خدعنا لا أكثر و لا أقل فرأينا الشبلَ الصغيرَ فأرًا صغيرًا
يستحيل أن تتمخض كل
هذه المعاناة الثورية فيخرج من رحمها و من
شقوقها سلطة عاجزة و معارضة أعجز فكأن اللبؤة أنجبت فأرا
أتمنى أن يكون كل ما عشته بعد
الثورات العربية كابوسا و عند انبلاج الفجر سيزول، و أتمنى من اليسار العربي أن "يتماهى مع مجتمعه و يتكلم بلسانه (المجتمع)، و ينطق بمنطقه" (عبد الله العروي)، و يخضع
لقانونه، و أتمنى
أيضا أن يرجع الإسلاميون إلى رشدهم و يتذكروا ما فعله فيهم الاستبداد و هم أكثر مَن
اكتوى بناره و دفع ثمنه غاليا، أتمنى أن لا يفقدوا ثقتنا السابقة فيهم، أعارضهم و
لا أعاديهم، أحبهم و لا أكرههم، و كيف لي أن أكرههم رغم يساريتي غير الماركسية و
لي فيهم ابنة محجبة و أقارب عزيزون و أصدقاء حميمون و لم أرَ منهم على المستوى
العلاقات الذاتية بحمام الشط و بمسقط رأسي جمنة (قبلّي)، إلا التقدير و التبجيل و الاحترام، احترام أستجديه و أفتقده
من أعز أصدقائي اليساريين المنتمين حزبيا بحمام الشط، لكن و الشهادة من الحق، أتمتع بقدر
كبير من التقدير من قبل اليسار الفكري غير المنتمي حزبيا، خاصة من قبل مجموعة نادي جدل
- مشرفين و مشاركين - بالاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي
تاريخ أول نشر أو إعادة نشر على النت
حمام الشط في 9 فيفري 2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire