"جواز عتريس من فؤادة باطل"! تأليف و توظيف مواطن
العالَم د. محمد كشكار
بمناسبة عيد الحب العالََمي،
أهدي هذا المقال إلى العشيقين غير المتزوجين، الثوار و تونس، بعد شهر العسل، من 17
ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011، قضوه بين شوارع و ساحات سيدي بوزيد و تالة و
القصرين و بوزيان و بنڤردان و دوز و صفاقس و بنزرت و الكاف و ساحة محمد علي و شارع
بورڤيبة و شارع محمد الخامس و القصبة في تونس العاصمة
مِن عادات العرب القديمة أن لا يزوجوا ابنتهم (تونس فؤادة) إلى عشيقها (الثائر)، خاصة إذا ما تظاهر هذا العشيق بحب عشيقته و تغزّل بها علنا في الشوارع و الساحات. و عروستنا (تونس) مطلّقة مرتين، الطلقة الأولى مفروضة عليها رغم عدم ميلها الكثير إلى الحاكم الأول (بورقيبة)، أما الطلقة الثانية فقد قرر مصيرها أبوها (الشعب) و طلقها من الحاكم الثاني (بن علي) إنشاءً، حفاظا على شرف ابنته و شرف العائلة من القيل و القال الذي دار و انتشر حول نزوات العريس الثاني و خاصة عندما بدأ يعنف زوجته هي و أبنائها البالغين و القصّر و بدأ يخونها علنا أمام القاصي و الداني
خَطَبَهَا الثالث و هو الحاكم الثالث، فرضيت به حياء و خجلا من أجل عيون أغلبية
عامة القرية و طمعا في هدايا أعيان القرية المجاورة (الثالوث المدنّس: أمريكا و
السعودية و قطر). تعجل أبوها (الشعب) و زوّجها إلى الخطيب الثالث (الحاكم عتريس) و
هي لم تكمل بعدُ شهور العدة و ربما تكون حاملا من الحاكم الثاني رغم ثبوت عقم هذا
الأخير قبل و بعد الزواج. استبشر أهل القرية و هم يجهلون أن البنت (تونس فؤادة) مكرهة "مغصوبة مصلوبة و بالقهر منقادة و بالذل مطلوبة"، و فرحوا و زغردوا و رقصوا كما لم يرقصوا منذ زواجها
الأول. قدم الخطيب الثالث للعروسة مهرا غاليا، لم يقدر على تقديمه منافسوه من
العاشقين الثوريين المهمّشين. غضب أبناء عمومة الزوج الثاني و استشاطوا غضبا معتقدين أنهم أولى من الثالث بأرملة
ابن عمهم، فقام كبير أهل العريس الثالث و ألّف بين قلوبهم و منح أعيانهم أعطية و ضمهم إلى حاشيته و بفضله و
نوره و بركاته أصبحوا ثوريين بعد ما كانوا أزلاما و فلولا و مندسّين و من نعَم
الله على هؤلاء الأخيرين، أن وجد شيخنا فيهم "حكماء" فعيّنهم في مجلس الحكماء
من العادات التقليدية
للعائلات التونسية الكريمة أن يدعو العريس (الحاكم الثالث) جميع سكان القرية الصغيرة
إلى الغداء و العشاء لمدة سبعة أيام متتالية (المدعوون المحتملون هم المواطنون
التونسيون بجميع أطيافهم، إسلاميون مستقلّون و يساريون و عَلمانيون و حداثيون و
قوميون و ليبراليون و نقابيون قاعديون و حقوقيون و فنانون و مبدعون و صحافيون و
مثقفون مهمّشون و شعراء و منتجي العلم و الفكر و الأدب، نساءً و رجالا، شيبا و
شبابا، عمّالا و عاطلين، جنوبيين و شماليين، أغنياء و فقراء، تجارا و فلاحين)،
سبعة أيام يكون فيها الضيوف أسيادا و أهل العريس خدما و "سيد القوم خادمهم"
(نهضاويو السلطة)، يستقبلون ضيوفهم ببشاشة و حب و ود و احترام حتى لو كانوا
مختلفين معهم قبل العرس و يقدمون لهم - دون تمييز و عن رضاء تام - ما لذ و طاب من
الطعام و لا يأكلون إلا بعد أن يشبع كل أهل القرية خاصة بعد جوع هؤلاء الذي دام
منذ حرب الجلاء في 1962. غفل أهل العريس عن استجلاب طباخ ماهر فتولت مهمة الطبخ قريبات
العريس اللواتي أتين من المهجر و اللواتي نسين أصول الطبخ التقليدي التونسي، فكانت وليمة العرس مالحة و كالحة، ، كل مَن
ذاقها من أهل القرية، لفضها و فضّل جوعه القديم عليها، و قديما قالوا أن الجوع هو
أمهر الطباخين
خرج جل أهل القرية ناقمين على
سوء تنظيم أهل العريس لعرسهم، و ذلك لعدم قيامهم بواجب الكرم و الضيافة على أحسن
ما يُرام، لا لانعدام الكفاءات في صفوفهم بل "شوية من الحنة و شوية من رطابة
اليدين" كما يقول المثل الشعبي التونسي، من سوء حظهم وقعوا تحت مطرقة الثالوث
المدنس و سندان معارضة حزبية إيديولوجية تعشق السلطة مثلها مثل "النهضة"
و لا تعشق "تونس - فؤادة" مثلها مثل "النهضة" أيضا. لحق بالخارجين
عن العرس، نفرٌ من "رابطة حماية أهل العريس أو الحاكم لثالث" متسلحين
بعصي غليظة و قذفوا الخوارجَ بالحجارة و اتهموهم بإفساد عرس "عتريس و
فؤادة" العلني الأول و تفاخروا أمام الملأ بكبرياء بنضالهم ضد الزوج الثاني
(بن علي) الذي دام زواجه بتونس ثلاثة عقود، ثلاثون عاما، ذاقوا فيها أهل العريس
الثالث أو الحاكم الثالث الأمرّين من تقتيل و سجن و تعذيب و تشريد و سرية، و قالوا
لمنافسيهم في حب "تونس فؤادة": أقدّمتم مهرا مثل الذي قدمناه نحن قربانا
للعروسة يا بني علمان، نحن قدمنا مائة شهيد و ثلاثين ألف سجين و عشرات الآلاف من
المنفيين قسرا و اضطرارا، هل تشردت و تشتتت عائلاتكم و اغتُصِبت بناتكم و جاع
أبناؤكم و أُهِينت كرامة زوجاتكم، حاملات القفة أسبوعيا، و حُرمتم ظلما من حضور جنازات أمهاتكم و آبائكم و طُردتم من جامعاتكم ، و هل هجم المدجج بالسلاح و الكلاب، البوليس الغاشم بالعشرات، على
دياركم و شبهة على ديار أقاربكم من تحت الأرض و من شقوق الجدران و من فوق السطوح و
الأسوار، ظنا منه أنه سيقبض على ابنكم الشاب الخوانجي المنتمي البرئ الهارب ذعرا
من التعذيب، و أقضَّ مضاجعكم و أيقظ أبناءكم الرضع و التلاميذ مفزوعين في أنصاف ليالي
شتاء بارد و قارص؟
أما عاشق "تونس -
فؤادة" الجديد فهو "شكري بلعيد" الشهيد، رمز قبيلة بني علمان خصم
قبيلة الإخوان، و قد عارض بشدة و شراسة زيجة
"فؤادة بعتريس" قبل و بعد حدوثها، أضرب و اعتصم و تجمّع و صاح في القرية غاضبا مزمجرا و قال مرددا وراء أهالي الدهاشنة في نهاية فيلم الراحل حسين كمال عن رواية
"شيء من الخوف" للروائي المصري العظيم ثروت أباظة، و قد أصبح من
كلاسيكيات السينما المصرية الرائعة، بطولة الفنانة الرائعة شادية والفنان القدير محمود
مرسى
جواز عتريس من فؤاده باطل
يا بهية يا فؤادة مغصوبة
مصلوبة
بالقهر منقاده بالذل
مطلوبة
صوت الدفوف غطى على دمعة
مغلوبة
قرب خلاص عالبنية يرفع
لها الطرحة
حوشوا الصبية يا ناس
مسروقة منهوبة
شرف الصبايا انداس
وحقوقها مسلوبة
يمامة راح تندبح والدم
راح ينساح
دم العباد للركب صبحت
بلاد أشباح
ياللى شفت وسكت فالحق
بتماطل
جواز عتريس من فؤاده باطل
قلب البلد معصور من
الحرقة
خفافيش ظلام و ديابة سرقوا البلد سرقة
ودى زفة كدابة 30 سنة
غرقة
ملعون أبو التوريث
عتريس ورث عتريس شنق
البلد شنقة
الناس بقوا أرانب فجحورها
مرعوبة
و فؤادة يا خوانا
بالطاغية منكوبة
حافضل أنادى وأنادى ولآخر
المشوار
هاصرخ و أعارض وأعادى
ولا أرضى ذل وعار
و لا عوم على عومهم
فينك يا شيخ بَراهيم
تمشى فجنازة الصبى
تشعل مشاعل نبى وتنور
التعتيم
معادش شيىء فاضل لا زعيم
ولا مناضل
بس الجوازة هتفضل جوازة
بالباطل
باطل
باطل
باطل
عتريس سلطان القرية و المتحكم
في أهلها و الذي يريد أن يبسط عليهم سطوته وجبروته و هو عاجز "حتى على فرض الاستبداد"
و الانفراد بالحكم و الاستقلال بالرأي عن أسياده المتجسمين في الثالوث المدنس
"أمريكا و قطر و السعودية"، فتواجهه الفتاة "تونس فؤادة"
وتتحداه. حاول قبل الزواج استمالتها لترويضها و تدجينها و قهرها فرفضته و لفضته. أجبرها
أبوها (الشعب) على الزواج من عتريس غصبا عن طريق لعبة صندوق الانتخابات النزيهة و
الحرة و الشفافة. ثار "شكري بلعيد"، عاشق العروسة الذي أصبح بعد استشهاده، رمزا و زعيما للثورة بليبرالييها و يسارييها ، انتفض شكري ضد الزيجة الباطلة بسبب رفض فؤادة
لعتريس، فاغتِيلَ من قبل مجرم مرتزق مأجور مجهول
أنا أحمّل "النهضة"
كحزب حاكم، المسؤولية الأخلاقية و القانونية و السياسية الكاملة و التامة في جريمة
قتل منافسها في حب و عشق "تونس فؤادة" و خصمها الفكري و الإيديولوجي و
السياسي و الاجتماعي، الشهيد "شكري بلعيد". بعد موت هذا الأخير و ليس
الآخر، ذاع سر عشقه و هيامه و نُشر شعره الغزلي بـ"تونس فؤادة"، فثارت القرية
الصغيرة - نصرة لشاعرها العاشق - بقيادة أبو الشاعر، "الشيخ - الشعب الواعي"
و صمّمت على أن الزيجة باطلة و تقدم أهلها
لتحرير الفتاة من منزل "المغتصب الشرعي". ثم يُغلق الستار و تنتهي
المسرحية الهزلية بمشهد درامي (جنازة شكري بلعيد)، و يطلّق عتريس فؤادة، و يتنحى الحاكم "النهضة"
عن السلطة المطلقة رضوخا لإرادة الشعب و يعترف بفشله قبل أن يخلعه - كما خلعوا
الذين من قبله - أهل القرية الذي جعل لكل منهم ثأرا لديه
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي أو بالحيلة، لأن الحيلة تُعتبر عنفا غير مباشر
و مقنّعا
الكتابة بالنسبة لي، هي
مَلْءُ فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن
أن تتخيلوها
تاريخ أول نشر أو إعادة نشر على مدونتي و صفحاتي
الفيسبوكية
حمام الشط في 14 فيفري 2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire