dimanche 2 février 2025

Voilà le lien de mon 1er livre : ma thèse de doctorant sur l'épigenèse cérébrale (UCBL1, 2007)

https://theses.hal.science/tel-00495610/document

قائمة كتبي الستة عشر

 

إصداراتي بداية من سنة 2010 إلى بداية سنة 2025. مواطن العالم د. محمد كشكار

Ou plus exactement mes 15 compilations d’articles inspirés par une multitude de penseurs libres

 

ستة عشر كتابًا :


 
 1. Enseigner des valeurs ou des connaissances ? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages. 

2. Le système éducatif au banc des accusés ! « Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas », Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.

4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017، 488 صفحة.

5. حكايات طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.

6. حدّث ميشيل سارّ قال...، طبعة حرة، تونس 2022، 110 صفحة.

7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.

8. حدّث ﭬاستون باشلار قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.

9. حدّث أمين معلوف قال...، طبعة حُرّة، تونس 2024، 174 صفحة.

10. حدّثت جريدة "لوموند ديبلوماتيك" قالت... (النسخة الفرنسية 2019-2023)، طبعة حُرّة، تونس 2024، 290 صفحة.

11. النقد هدّامٌ أو لا يكون. هدّامٌ للتصورات غير العلمية. 2024،  440 صفحة.

12. حدّث حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، قال... 2024، 88 صفحة.

13. عاشق الفلسفة، 2024، 293 صفحة.

14. خواطر حول اللغة والفن والثقافة والعلم/الدين والهوية والسريالية والذكاء الاصطناعي، 2025، 280 صفحة.

15. نِساءْ.. حيف متواصل وثورة مستمرة، تونس 2025، 63 صفحة.

16. مُخْتَلَفٌ عَلَيْهَا.. الإيديولوجيا: "حُرِّيَةٌ عِنْدَ تَشَكُّلِهَا، قَمْعٌ عِنْدَ تَمَكُّنِهَا"،

تونس 2025، 805 صفحة.

 

 

 

 

Mon 16e livre : مُخْتَلَفٌ عَلَيْهَا.. الإيديولوجيا : حُرِّيَةٌ عِنْدَ تَشَكُّلِهَا، قَمْعٌ عِنْدَ تَمَكُّنِهَا


  

Image sur la 1ère page de couverture :

Empreintes de mains réalisées par des chasseurs-cueilleurs voici 9 mille ans dans la « Grotte aux mains », en Argentine. Ces mains mortes de longue date donnent l’impression de sortir du rocher et d’être tendues vers nous. C’est une des reliques les plus émouvantes du monde des anciens fourrageurs… mais personne ne sait ce qu’elle signifie (in Yuval Noah Harari, Sapiens. Une brève histoire de l’humanité, Ed. Albin Michel, 2015, 492 pages, 24 euros, page 75).

د. محمد كشكار

مواطن العالم 

أصيل جمنة ولادة وتربية


مُخْتَلَفٌ عَلَيْهَا..

الإيديولوجيا

"حُرِّيَةٌ عِنْدَ تَشَكُّلِهَا، قَمْعٌ عِنْدَ تَمَكُّنِهَا"



تقديم

المناضل القومي الميداني النفطي حولة


أبدأ بأفضل تعريف للإيديولوجيا وفي نفس الوقت أقوى نقد لها:

"كل الإيديولوجيات، حرية عند تشكلها، قمع عند تمكنها".


« Les idéologies sont liberté quand elles se font, 

oppression quand elles sont faites »

(Jean Paul Sartre, 1948, qu’est-ce que la littérature ? Collection idées / Editions Gallimard p.193)



ليست لي موهبة في الكتابة ولا حِرَفِيّة الكتّاب ولا أحذق الفصحى. 

أكتب من أجل مِلْءِ فراغ التقاعد لا أكثر ولا أقل.

"وما فائدة الأقنعة على الوجوه والعورات عارية ؟"

 توفيق بكار، ص 27 و28

المصدر: موسم الهجرة إلى الشمال، الطيب صالح، دار الجنوب، تونس 2016، تقديم توفيق بكار، 156 صفحة، الثمن: 6،400 د. ت.


الإهداء 

تحية إلى كل من شجعني على الكتابة والنشر بالكلمة الطيبة مثل صديقي خميس حسني أو قرّائي على الفيسبوك المنتشرين في جميع بلدان العالم، أو بشراء نسخ من كتبي الستة عشر مثل صديقي الدكتور أحمد الذهبي باسمه الخاص أو صديقي سامي الطاهري باسم الاتحاد العام التونسي للشغل أو أصدقائي بمقهى الشيحي أو أصدقائي بجمنة، أو بعرض نسخ من كتبي للبيع مثل تلميذي السابق لطفي الموظف بمكتبة الكتاب بالكوليزي.

 

فهرس 

تقديم النفطي حولة..............................................8

حول الإيديولوجيات............................................33

1. نقد الرأسماليّين والليبراليّين والعولمة...............40

2. نقد الماركسيّين.........................................182

3. نقد الإسلاميين.........................................464

4. نقد القوميين............................................653

5. المُلْحَقات................................................606

مُلْحَقات حول الرأسماليّين والليبراليّين والعولمة.........597

مُلْحَقات حول الإسلاميين....................................774

مُلْحَقات حول القوميين.......................................799

إصداراتي......................................................804

نهاية............................................................807

تقديم المناضل القومي الميداني النفطي حولة


تقديم الكاتب قبل تقديم الكتاب:

لمّا طلب مني الصديق والكاتب والباحث والمفكر محمد كشكار تقديم كتابه الضخم الجديد "مختلف عليه" رحّبت مباشرة بهذا الاختيار. وذلك ليس ترحيبا فحسب، بل أكثر من ذلك بكثير. اذ اعتبرته قد شرّفني بهذه المهمة. وبحكم أنني زاملت الأستاذ محمد كشكار في التعليم الثانوي، واقتربت منه واحتككنا مع بعض في الحقل النقابي والسياسي وحتى الفكري في بعض المناسبات التي أتيحت لنا ولا سيما بعد التقاعد خاصة. وهنا سأروي شهادة للتاريخ في علاقتي بالأخ محمد كشكار لن أنساها أبدا ما حييت.

ما أثارني فعلا في بداية علاقتي معه هو اصطدامي لأول مرة في موقفه وقتئذ من الشهيد المغتال صدام حسين. وكان ذلك بمناسبة غزو العراق سنة 2003. حيث كان ولا يزال يعتبر أن صدام حسين دكتاتورا متسلّطا على الشعب العراقي. وبالتالي يصنّف النظام العراقي في خانة الأنظمة التوتاليتارية الدكتاتورية.  بل يصفه حتى بالنظام الفاشي أصلا. 

ومن هنا كان خلافي العميق معه باعتبار أنني أتبنى نظرية وايديولوجية الفكر القومي الاشتراكي ذو الخلفية الناصرية. ولما كنّا نلتقي في تجمعات وندوات إطارات نقابية في دار الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس في ذلك الوقت. وخاصة أن دار الاتحاد ببنعروس كانت تتميّز بإقامة عديد الأنشطة الفكرية والثقافية الداعمة للمقاومة الفلسطينية ولقضايا الأمة العربية ولكل القضايا الإنسانية العادلة المؤمنة بالفكر التقدمي. ذلك أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان عصيا ومحصّنا من التفكك الداخلي في تلك المرحلة رغم وجود التيار البيروقراطي الانتهازي الذي كنا نوجهه. بل أخر شيء كنت أذكره أنه كان يوجد نادي جدل للفكر وقتئذ لما كان الأخ محمد مسلمي كاتبا عاما للاتحاد الجهوي على ما أظن.

مواقف لا تنسى رغم حدتها:

ولا زلت أذكر في تلك اللقاءات السياسية والنقابية كم كان التناقض والخلاف بيني وبين الأخ محمد كشكار حادا في الموقف من الشهيد المغتال صدام حسين. ولا سيما زمن الغزو الأمريكي البريطاني للعراق بتواطئي الأنظمة العربية الرجعية التي منحت الامبريالية الأمريكية والبريطانية عديد القواعد العسكرية التي كانت تنطلق منها قاذفات البي52 لتدمير العراق وإبادة الشعب العراقي بكل أنواع القنابل الفتاكة والمحرمة دوليا. وفي احدى المناسبات التي تعددت وقتها وتنوعت لا زلت أتذكر انعقاد تجمع جماهيري كبير ساخن في دار الاتحاد لمساندة العراق ودعمه شعبا وقيادة : حكومة ونظاما وجيشا. 

إلاّ أن ما شدّ انتباهي واستشاطني غضبا هو طبعا تدخل الأخ محمد كشكار الذي كان حقيقة تدخلا استثنائيا. وجاء في تدخله بعدما أكد على مساندته للشعب العراقي وإدانته للتدخل في شؤونه موقفا صادما ضد الشهيد القائد الرمز صدام حسين الرجل الوطني. حيث صبّ جام غضبه في الشهيد القائد صدام حسين. 

فقمت من داخل القاعة وأنا أصيح منفعلا شديد الانفعال للتصدي لموقفه الهجومي الكاسح على الشهيد المغتال. وقد حال بيننا وقتها الأخ بلقاسم العياري الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل الذي كان يشرف على التجمع في تلك المرحلة. 

وبطبيعة الحال قمت بالرد الصاخب والغاضب على ما جاء في خطاب الأخ محمد كشكار. وقد أعجب كل الحاضرين، خاصة وأنه كانت ترتفع حناجر مئات الحاضرين من داخل القاعة لتقاطعني بالتصفيق مدحا للقائد صدام حسين والشعب والجيش العراقيين.

وهكذا تواصلت في تلك المدة علاقتنا متوترة نسبيا. بيد أنه وبعد تدمير العراق واعدام قياداته الوطنية وإخراجه نهائيا من معادلة الصراع العربي الصهيونيّ، باعتبار أن العراق كان يمثل الجبهة الشرقية المتقدمة في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة.

وبعد تلك الفترة الانفعالية في علاقتي بالأخ محمد كشكار اكتشفت أنه انسان آخر. حصل ذلك على إثر محطة انتخابية خاصة بالنقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس، حيث ترشحت بصفة فردية كمستقل. وقد نلت بعض الأصوات التي كان السبب فيها الأخ محمد كشكار، بعدما التقيت معه مجددا في تلك المحطة، وأودع كل ثقته في شخصي. بل من نكد الدهر أنني لم أحظ بأصوات من يدعون أنفسهم أنهم قوميون.

ومنذ تلك التجربة اقتربنا ببعضنا البعض. وكان لقاؤنا من نوع آخر. بمعنى كان لقاء نوعيا. يجمع بين نقاط الاخلاف ونقاط الالتقاء بصفتنا مثقفين تقدميين ديمقراطيين. 

ولعل هذا الاستدعاء لتقديم الكتاب الذي شرفني به هو مرشد ودليل عملي على أنه يحترم الرأي المخالف. ليس ذلك فحسب بل يدافع عنه. أي بكلام آخر يعطيك حقك في أن تكون مختلفا عنه. وهذا الأمر ليس هينا في ساحة من المثقفين والسياسيين في الساحة التونسية أغلبهم مازال يعتبر نفسه فوق الحقيقة. فمازلتَ كمواطن وناشط ومثقف تتخاطب مع من يعتبرون أنفسهم أنهم على صواب وأنك على خطأ. وما زالتَ معرَّضْا في حواراتك اليومية لتلتقي مع من يظن نفسه أنه القديس والزعيم الأوحد الذي يملك الحقيقة المطلقة وكأنه الإله. 

ولعله من هنا جاء عنوان كتاب صديقي محمد كشكار" مختلف عليه". وهو كذلك. ولقد أصاب كبد الحقيقة مرة أخرى بعد شهادتي هذه لفائدته. فهي شهادة له لا عليه.

كان هذا مدخلا لتقديم الكتاب. وأي مدخل أحلى من هذا أهديه إلى القراء حتى يعلموا علم اليقين أنهم فعلا يقرؤون لمثقف تختلف معه ولا تختلف عليه.

تقديم الكتاب:

أولا) القضية الأساسي التي خاض فيها: من خلال مراجعة الكاتب لمساره الفكري والسياسي ركز على أهمية تصالح اليسار مع هوية شعبه. 

ثانيا) في سياق مساره السياسي تناول الكاتب مواضيع سياسية مباشرة ومختلفة ومتنوعة. مع الإسلاميين أو القوميين وخاصة مع خصومه الماركسيين.

ثالثا) في إطار مسار النقد الفكري طرح الكاتب بعض الإشكاليات الفكرية والفلسفية بشكل مباشر أو غير مباشر وخاصة مع الماركسيين وبشكل أقل حدة مع الإسلاميين والقوميين. 

من هنا، وبنظرة بانورامية يظهر الكتاب وكأنه يتضمّن سيرة ذاتية للكاتب السياسية والفكرية، أرادها أن تكون مستفزّة للبعض، ومثيرة للبعض الآخر. وهو يستعرض هذه السيرة المتنوعة المشارب سواء الفكرية أو السياسية أو النقابية أو حتى الوجودية يبدو للقارئء أنه :

1) صادق فيما يكتب. وهذا ينم عن أخلاق الرجل والقيم التي نهل منها وتربى عليها.

2) شجاعته وجرأته في طرح آرائه خاصة مع الخصوم في مجال الفكر أو السياسة. وتبرز شجاعته النادر وجودها باعترافه الشخصي بالخطأ. فهو من المفكرين الذين يقبلون النقد ولو كان موجعا. بل بالعكس تراه متسامحا ورحيما مع خصومه (مثلا مع الإسلاميين). فها هو يقول في الصفحة   61 « إمضائي: يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.»

مما يلفت النظر في هذا الكتاب:

-الدعوة لرفض التعصب والانغلاق، من خلال استعمال العقل والفلسفة والتفكير العقلاني. وهنا يضع التيار الماركسي والقومي والإسلامي كلهم في خانة التفكير السلفي، بما أنهم يقرؤون الحاضر بالماضي السلفي. والغريب أنه ليس الماضي كما كان يجب أن يكون مرتبطا بسياقه وظروفه والقوانين التي كانت تحكمه، بل الماضي الستاتيكي يستحضرونه ويستعيدونه في الراهن كبديل. 

- الدعوة للحرية والتحرر من كل المعوّقات والمكبّلات التي تحول دون حرية الفكر والتفكير، واعتبار الحرية أسمى القيم الإنسانية التي وجب الدفاع عنها. بمعنى أعطي الحرية لخصمي حتى يعبر عن فكرته النقدية بالإصغاء إليه، كما أدافع عن حريتي لأتمكن من الرد عليه بروح غاندية سلمية. فهو بهذا الأسلوب غاندي الهوى ويساري التفكير. بيد أنه يضعك أمام صورة المثقف اليساري التقدمي المستقل. ليس ذلك فحسب بل يضعك أمام صورة اليساري المتصالح مع هويته العربية الإسلامية.

ما أبرزه في نقده للتيار الماركسي باعتباره يساريا مستقلا غير ماركسي وغير ملحد:  

ففي الحقيقة الأستاذ والمفكر محمد كشكار وضع اصبعه على أزمة الفكر اليساري الاشتراكي بصفة خاصة والفكرالتقدمي بصفة عامة. ألا وهي إشكالية التصالح مع هوية الشعب المفْتَرَض فيه كون هذا اليسار يناضل من أجل طموحاته في التحرر والاشتراكية والعدالة. وبالتالي كان عليه أن يتبنى قضية الهوية العربية – الإسلامية بما أنها تمثل التعبيرة الثقافية والناتج الحضاري لـ14 قرنا خلت.

ومن هنا كان الواجب الوطني والقومي والنضالي الحركي يفرض عليه أن يكون متمكنا من فهم الإرث الثقيل للتراث العربي-الإسلامي وقراءته ودراسته بشكل عقلاني، يكون مستجيبا لشروط حركة التحرر العربية في سياقها وظروفها الجدلية الراهنة. وهكذا يصبح متماهيا مع شعبه يتكلم لغته وينبض بسكناته ويحسّ بإحساسه ويعيش معه. ولا يعيش في برجه العاجي كمثقف نخبوي ذو الطبيعة البورجوازية الصغيرة المتذبذبة عادة كما جاءت في النظرية الماركسية في الصالونات والغرف المغلقة والنزل ذات الخمسة نجوم.

لذلك كان الأستاذ محمد كشكار أمْيَل إلى رفض هذا النوع من المثقفين اليساريين وحتى القوميين وغيرهم من النخب الحديثة الذين يناضلون بمعزل عن الجماهير الشعبية. حيث ترى أغلب قواعدهم ومنتسبيهم من الأساتذة والمعلمين والجامعيين وقلما تعثر على عامل أو فلاح في صفوفهم.

بينما عكس ذلك يعطينا الكاتب أمثلة دالة على انخراط عمال وفلاحين ومهمشين في صفوف حركة النهضة باعتبارها حركة إسلامية. وهذا يثبته الواقع السياسي عندنا. بل من الغريب والعجب العجاب أنك تجد العمال والفلاحين في صفوف الحركات السلفية الوهابية المتطرفة والمتشدّدة.

ومن العناوين المعنية بهذا الخطاب النقدي للماركسية هو العنوان التالي ص 220 «أيها اليساريون التونسيون أفيقوا، إن العالَم يتغيّر مِن حولِكم ولو بُعِث معبودُكُم ماركس لَغيّر بَيانَه بِـبَنانِهِ».

وفي هذا الباب كان أميل لليسار اللاتيني وهو المتصالح مع الكنيسة وبالتالي مع هوية شعبه وتراثه في الربط الجدلي التاريخي بين الاشتراكية ولاهوت التحرّر. (انظر مقتطفات من المقال :  الدرس الأول ص108). وأحسن ما كتبه في هذا الإطار ما جاء في ص 284 حيث يقول (وتجاهلوا (ويقصد الشيوعيون) رأي ماركس في الدين: "الدين صرخة المظلوم وصوتُ مَن لا صوتَ له وقلب عالم بلا قلب وروح عالم بلا روح". وماذا يريد أن يفعل الماركسيون العرب ؟ يريدون سحب عكّاز المسلم دون أن يوفِّروا له عكّازا أفضل !).

وفي نفس السياق وفي ص 427 يقول "ومجنونٌ مَن يحلمُ بدولةٍ شيوعيةٍ في مجتمعٍ مسلمٍ. حكام الاتحاد السوفياتي البائد كانوا "أشطرَ" منك مليون مرّة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعًا ومُدَوّياً بعد 70 عامَا من المحاولات الديكتاتورية الدموية، والدليل القاطع على وجاهة طرحِي هو التالي: خَمْسُ دول إسلامية خرجت من رحم دولة الاتحاد السوفياتي الملحدة رسميًّا (كازخستان، تركمانستان، أوزباكستان، قرغيستان، وطاجيكستان ومجموع سكانها مجتمعة يبلغ حوالي 60 مليون مسلم)." 


- وفي مفهومه لليسار التحرري "libertaire" الذي تعرّض له Michel Onfray فهو يختلف عن اليسار الليبرالي "الحزب الاشتراكي الفرنسي" لأنه مع انه يؤمن باقتصاد السوق لكنه يرفض مجتمع السوق ويضرب مثال لذلك (واحة جمنة) انظر ص 55

- في نقده لليسار الماركسي يعطي بعض الأمثلة في نصوص مفترَضة من بعض الكتاب فيقول مثلا " رفاقك فضلوا المناصب والكراسي وركنوا إلى رَغَدِ العيشِ...." وهنا يقدم أحد اليساريين الذين صمدوا لأكثر من 80 سنة في العهد البوقيبي والنوفمبري ".

تعليق حول القانون المحتمل "تجريم المسّ بالمقدسات" ص 480. هنا يدعو الكاتب إلى احترام حرية التعبير منتقدا حزب النهضة فيما يخص قانون حرية الضمير الذي أكد فيه على " تجريم المس بالمقدسات". وهذا بطبيعة الحال سيكون سيفا مسلطا على الخصوم باسم هذا المفهوم الهلامي. ويعطي مثالا مهما في هذا السياق ضمن فهم نظري عقلاني في معارضة الشيطان لله وهو يحاوره.

وفيما يخص ما جاء في تفسير الكاتب في تفسير ظاهرةَ الصحوةِ الإسلاميةِ في تونسَ ص 486. حيث اعتبر أن النزعة البورقيبية المتطرفة في عملية التغريب والتي حدت ببورقيبة إلى أن تجرأ للدعوة جهرا بإلإفطار في رمضان في سياق رؤية عزل تونس عن محيطها العربي وخاصة عزلها عن الشرق العربي، إلى جانب دعوته وتأسيسه للفرنكفونية كلها بعض العوامل الداخلية التي تفسّر عملية الصحوة، إلى جانب انعكاسات نكسة 1967. 

أما في نقد الكاتب للقوميين حيث ذهب إلى القول بأن القوميين نهضويون. هنا قول للكاتب لقد أخطأت وجلّ من لا يخطئ. وحتى يكون موقفي موضوعيا أقول إنه يمكن أن نجد فيهم ولا سيما في حركة الشعب جناحا أو لنقل جيبا يميل للنهضة ولكن ليس نهضاويا. 

الدعوة للتربية على مكارم الأخلاق ص 516 وفي نفس الغرض أي الدعوة للأخلاق الاجتماعية الذي يضعه في شكل هجرة كل ما هو شاذ وخارج التربية الإسلامية على أساس الفضيلة والقيم النبيلة تحديدا في الصفحات 634 و635 يقول مثلا اقتداء بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فيما معناه:"ماذا نهجر ولمَن نهاجر ؟

- نهجر الحداثة ونهاجر إلى الأصالة (L'indigénisation).

- نهجر الانبتات ونهاجر إلى التجذّر.

- نهجر النمو الرأسمالي ونهاجر إلى النمو التضامني (تجربة جمنة).

- نهجر التقييم الجزائي للتلميذ (أعداد) ونهاجر إلى التقييم التكويني للتلميذ (دون أعداد).

- نهجر الفلاحة الحديثة (أسمدة كيميائية) ونهاجر إلى الفلاحة التقليدية (دون أسمدة كيميائية).

- نهجر الإضراب ونهاجر إلى المفاوضات.

- نهجر التسيّب ونهاجر إلى الانضباط.

- نهجر الجهاد الأصغر (جهاد غير المسلمين) ونهاجر إلى الجهاد الأكبر(جهاد النفس).

- نهجر المدينة ونهاجر إلى الريف.

- نهجر النفاق ونهاجر إلى الصدق. و ........."

وهنا أقول للكاتب لقد أصبت في هجرة القيم المتوحشة لليبرالية والنيوليبرالية التي تعذي رفي الفرد الفردانية والأنانية والجشع الرأسمالي المفرط من أجل الربح وإعادة إنتاج الربح دون أدنى مراعاة لأي قيمة إنسانية. لبل كل القيم لديها هي مادية ربحية.

 انتصارًا للعِلمِ اختصاصِي وليس انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكلّ مقامٍ مقالٌ ؟ ص 561


- يتعلم فيه الفصحى والنطق السليم للحروف مثلما تعلمتهما أنا في "خَلوة" (كتّاب) جمنة في الخمسينيات عند "المِدِّبْ" محمود، الله يرحمه ص 569

(Un bain linguistique)

يخافون على الصغار من التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99%.

مَن هُمْ ؟

هم رفاقي اليساريون الستالينيون والأقربون إليهم الحداثيون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين، كُرهُهم الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين.

ميشال أونفري، الفيلسوف اليساري الفرنسي، قال: "الحضارة اليهودية-المسيحية تحتضر ولا أمل في نهضتها من جديد مهما فعلنا ومصيرها كمصير باخرة "التيتانيك" عندما اصطدمت بجبل الثلج وغرقت في قاع المحيط. والسبب فقدانها لقِيم العدالة والحرية والأخوة والمساواة (Justice, Liberté, Égalité, Fraternité) التي قامت من أجل تحقيقها الثورة الفرنسية، واقترافها لجريمة إبادة أربعة ملايين مسلم مسالم مدني بريء منذ حرب الخليج الأولى إلى اليوم (1990-2016) في أفغانستان والعراق والصومال والشيشان وليبيا وسوريا واليمن دون أدنى أي ذنب اقترفوه سوى التوق للحرية والعدالة الاجتماعية". (المصدر: دروس ومحاضرات وحوارات ميشال أونفري على اليوتوب.) ص 629

في نقد الكاتب للأنظمة العربية:

وعلى الرغم من صوابه في نقد الأنظمة العربية مثل (مصر ناصر وسوريا والعراق واليمن الجنوبي الذي تبنى الشيوعية) التي تبنت الاشتراكية خيارا اقتصاديا من أجل العدالة الاجتماعية، إلاّ أنه لم يكن موضوعيا فيما ذهب إليه. ولنعطي مثالا على ذلك في التجربة الناصرية وما أدت إليه قرارات مثل تأميم قناة السويس وهو قرار وطني سيادي من جهة، وكذلك قرار اشتراكي من جهة أخرى. وتلتها قرارات 1963 الاشتراكية في تحديد الملكية الزراعية لضرب الاقطاع وتبني القطاع العام باعتباره قطاعا استراتيجيا بصفته قاطرة التنمية. وهكذا دخلت مصر الناصرية تجربة التخطيط الاشتراكي الذي نتج عنه الصناعات الثقيلة وتطور الاقتصاد في عديد المجالات التكنولوجية. هنا ربما ألتقي مع الأستاذ محمد كشكار في مسألة الديمقراطية مع أن السياق العالمي في ذلك الظرف كان في الواقع يبرر الاستبداد نسبيا أو كليا (بورقيبة مثلا في تونس). والنظام الناصر تنطبق عليه هذه النسبية.

وفي نفس الموضوع فاني أتفق مع الكاتب مثلا في مفهوم الطبقة حيث يقول في ص 249 (الوعيُ بالصراع الطبقي في العالم العربي كان ولا يزال مفقودًا لغياب مفهوم الطبقة نفسه عند العرب، تُعرّفُ الطبقة بوعي العمال بالانتماء إلى طبقة البروليتاريا وليس بوجودهم المادي كعمال في السوق الرأسمالية).

ولعل ما دعّم به الكاتب موقفه تجاه الأيديولوجية الماركسية من خلال كتاب "نقد النص"، للكاتب علي حرب (انظر نص علي حرب ص 124)

وما تجدر الإشارة إليه في موضوعة اليسار والاشتراكية هو النموذج التونسي في واحة جمنة الرائعة التي قدمت تجربة حية في الفعل الاشتراكي بمفهوم الاقتصاد التشاركي الاشتراكي، أو التعاوني التعاضدي بالمعنى الاجتماعي التضامني. (انظر هنا ص 291). 

ويقدم حلا بديلا لليسار فيما يقوله عن نفسه في ص 317 (يساري غير ماركسي وعلماني على الطريقة الأنـجلوساكسونية المتصالحة مع كل الأديان وحداثي ناقد للحداثة وما بعد الحداثة غير منبهرٍ بهما ومسلم لا يتحدث إلا بلغة مجتمعه المسلم.) 

وفي موضوع آخر يذكرنا الكاتب بأن الماركسية لا تؤمن بمهزلة حقوق الإنسان لأن جوهر نضاله يكمن في تحرير البروليتاريا. وأن هذه المفاهيم هي مقولات البورجوازية وهي مقولات مخادعة لحقوق العمال (انظر صفحة 383)

أزمة الحداثة في عصر ما بعد الحداثة والتحديث:

وفي جانب آخر تطرّق الكاتب إلى مأزق الحداثة والتحديث للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما في مرحلة النيوليبرالية المتطرفة والمتوحشة. ويضرب لنا المثال الساطع على التناقض الصارخ لمنظومة الحداثة التي تدّعي حقوق الإنسان والديمقراطية فيما يرتكب في غزة من إبادة جماعية وحشية غير مسبوقة. بل إن ما يحصل في غزة والذي وقع استنساخه في لبنان من طرف الحركة الصهيونية بوصفها حركة عنصرية استيطانية كقاعدة متقدمة للحلف الأطلسي الاطلنطي الناتوي بقيادة الامبريالية الامريكية.

وما يحصل في غزة خاصة وهي عملية إبادية وحشية ما بعد نازية بدعم وشراكة غربية أمريكيا من خلال الوحش الصهيوني الوريث الطبيعي لإرهاب عصابات شتيرن والهاغانا الشبيه بالإرهاب الداعشي المصنوع في الغرب. ومن خلال تلك المجازر الإبادية يتكشّف الوجه الحقيقي لما يسمى بالمدنية الغربية والعالم الحر وزيف الديمقراطية وحقوق الإسان. هذا العالم الأخرس والأعمى والأبكم الذي لا يرى ولا يسمع إلا بعيون صهيونية يعود بنا من جديد وفي الألفية الجديدة إلى عالم التوحش للإنسان البدائي، بل وأكثر منه بكثير. ما يطرح على مفكري الغرب وفلاسفته الثورة والتمرد على هذه المركزية العنصرية للرجل الأبيض.  

فلب هذا النظام المرتكز على رأس المال وهو عموده الفقري يقول فيه الكاتب في الصفحة 149 « (...) أخضعونا غصبًا لمصالحهم الأنانية الضيقة. نجحوا في تجنيدِنا وقودًا لحروبهم، مات مَن مات منّا والأحياء منّا انتدبوهم خدمًا لهم مقابل لقمة العيش. وضعونا في جيوبهم وكان هدفهم الحقير هذا من أولَى أولياتهم وأوكدِها على الإطلاق. وسائلُهم هي هي، لم تتغير عبر الزمن ورغم التطور والتحضر المشوه أوروبي المركز، ..... ». وفي موضع آخر من الكتاب وتحديدا في ص 106 يؤكد نقمته على الحداثة وما بعدها قائلا: « أنا عدوٌّ شرسٌ للحداثة وما بعد الحداثة، خاصة في ثوبها الرأسمالي المركزي-الأوروبي الحالي (eurocentrisme) "العنصري الإرهابي ».   

وهنا يعطي الكاتب محمد كشكار مثال لقيم الشرق ممثلة في ماليزيا وبالتحديد ما قاله مهاتير محمد الزعيم الماليزي في ص 139.

(سنة 1996، توجه مهاتير محمد، الوزيرُ الأولُ الماليزيُّ المسلِمُ، إلى رؤساء الحكومات الغربية وقال: القِيم الآسيوية قِيمٌ كونية، أما القِيم الأوروبية فهي قيمٌ أوروبية فقط. الآسيويون يعتقدون أن الازدهارَ الاقتصاديَّ هو خيرُ دليلِ على التفوقِ الأخلاقيِّ وأن النجاحَ الماديَّ يتبعه حتمًا رجوعٌ إلى الثقافة المحلية والقوةُ الصناعيةُ تولِّدُ دومًا القوةَ الناعمةَ".)

هذا أهم ما جاء في الكتاب طبعا حسب اجتهادي ووجهة نظري. وهنا أقول للقارئ الكريم، ربما انني قد أهملت بعض الأفكار التي جاءت في الكتاب، أو بعض المواضيع. والسبب هو غزارة المواضيع التي تطرق إليها الكاتب وتنوعها وفي بعض الأحيان تشابهها وتشابكها وتداخلها. وهو عبارة عن عصارة تجربة لرجل خاض في معمعان الحياة السياسية والنقابية والفكرية والعلمية والبحثية. وقد استخلص منها الكاتب عبر كثيرة وأهمها التصالح مع مجتمعه وبيئته التي يعيش بين أهلها بعقلية علمية ناقدة ترفض التحجر والجمود الفكري. 

انتهى التقديم



حول الإيديولوجيات


الكاتب المتعصب لإيديولوجيته (communiste ou islamiste ou nationaliste) لا يمكن أن يكون موضوعيًّا في إنتاجه ولا حرًّا في مواقفه. هو داعية فاشل.

لا فرق بين تونسي وتونسي إلا ما زاد عن واجبه تطوعا في خدمة الصالح العام. الخيرُ خيرٌ، أتى من يساري أو سلفي أو نهضاوي أو قومي لا يهم.

مفاهيم أوظّفُها في تحليل كل الظواهر باستثناء العقيدة والإيمان:

Didactique, biologie, gènes, épigenèse, interaction, émergence, complexité, épistémologie, anthropologie, approche systémique, socioconstructivisme, béhaviorisme, dévolution, obstacles, conceptions, zone proximale de développement, conflit intra-cognitif, conflit socio-cognitif, métacognition, pédagogie de projet, contrat pédagogique, etc.

الليبرالية والقومية والشيوعية والإسلام السياسي: "الإيديولوجيات: هي حرية في بداية تشكلها، قمع عند نهاية تشكلها لذلك أنبذها لكنني لا أنبذ معتنقيها لأنهم قد يتخلون عنها كما فعلتُ أنا". (Source : Sartre Jean Paul, 1948, qu’est-ce que la littérature ? Collection idées, Editions Gallimard, p.193)

هزيمة 67، هي هزيمة إيديولوجِتَيْ القومية العربية والماركسية العربية، هزيمةٌ فتحت الباب للسلفية النفطية. ثلاثتهم: ماضوية ولاعقلانية ودوغمائية. (ياسين الحافظ، الهزيمة والايديولوجيا المهزومة، 1978)

أكبر خدعة هي "النضال السياسي" والدليل ما إن يتسلم المعارضون المناضلون السلطة حتى يظلمون ويقوم ضدهم مناضلون آخرون والشعب هو الضحية.

أكبر من مارس الديكتاتورية والإرهاب في التاريخ المعاصر هم النازيون يليهم الماركسيون يليهم القوميون العرب يليهم الدواعش. أعارضهم جميعا.

أعارض النهضة وأتعاطف مع النهضاويين. تخليتُ عن الماركسية ولم أتخلَّ عن الماركسيين. أممي والعروبة أصلي والقوميين أهلي.

"كل الأحزاب في العالم العربي بُنِيت على المنوال الستاليني، اليسارية منها والقومية والليبرالية والإسلامية وحتى داعش". (فيلسوف حمام شط)

لماذا تخلفنا ؟ إجابة إسلامي: بسبب نقص في التعصب الأعمى للإسلام. قومي: .. للقومية. يساري: .. لماركس. أنا أقول: بسبب هذه الإيديولوجيات الثلاث.

لو ذهبتَ إلى ألمانيا وأنت لا تتكلم لغتهم فستجد صعوبة في التفاهم معهم، كذلك يجد العرب اليساريون والقوميون والليبراليون صعوبة في التفاهم مع مجتمعاتهم المسلمة لأن لغتها الإسلام.

لغة اليسار هي الستالينية أو الناصرية، لغة النهضة هي الليبرالية، لغة المجتمع التونسي هي الإسلام، لغة لا يتقنها أي حزب (أقصد الحضارة الإسلامية لا الوحي)!

يساريونا وإسلاميونا وقوميونا ودستوريونا انحنوا أمام غزو النمط الاستهلاكي الغربي المهيمن ولم يصمدوا وكان بإمكانهم مقاومته لو أرادوا.

يساريونا وقوميونا وإسلاميونا ودستوريونا: مَثلهم كمَثل سمكة داخل إناء لكنها لا تدرك أنه يوجد إناء. لايقبلون النقد الخارجي ولا يقومون بالنقد الذاتي.

يساريونا وقوميونا وإسلاميونا ودستوريونا في الخطابة فصيحون في الحِنكة السياسية متوسطون في النوايا صادقون في التطبيق فاشلون بل عاجزون. (Source d’inspiration : Fatma Lakhdhar, De quoi Demain sera-t-il fait ? Le monde arabo-musulman fait sa révolution, éd. Nirvana, Tunis 2013, 175 pages, Prix : 14 d. t.)

NB : l'auteure a mentionné seulement les islamistes et moi j'ai généralisé son jugement.

أنا رجل أسبّق الخير في كل الناس، في 1978 خاب ظني في الدساترة، في 1967 يئست من القوميين، في 1989 طلقت الماركسية، آخر خيباتي الدواعش 2011-2020.

يبدو أن الصدقَ خَصلة غير متوفّرة في سياسينا التجمعيين واليساريين والقوميين والإسلاميين، فكفّوا عن الحلم ولا تنتظروا منهم خيرًا كثيرا. أرجوكم  !

يبدو أنه من الأفضل في بعض الأحيان أن تصدمنا حرية التعبير على أن نعيش دومًا تحت الوصاية وكأنّنا أطفالٌ. (Le Monde diplo, juin 2024)



1

نقد الرأسماليّين والليبراليّين والعولمة

الدولة الحديثة (l’état-nation) تدّعي أنها ممثلة الله على الأرض (بيدها حكم الإعدام)، وفي ديننا الله لا شريك له، لذلك أرفض تغول الدولة الحديثة على المواطن.



"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدمير" (قرآن): توصيف دقيق للرأسمالية الليبرالية الحالية المتوحشة.



يساري وأقول أن صرخة "لا إله إلا الله" هي أفضل شعار يُرفع ضد الطغاة وكلمة "الحمد لله" هي أفضل رد على شروط FMI وأمثاله المرابين.

البلدان الغربية لم تعد تغزونا بالدبابات بل أصبحت تستعمرنا بالبنوك والقروض الكريهة

(FMI, BM, BCE, club de Paris, etc)

LeMondediplomatique, janvier 2022

« Nous avons un système socialiste pour les riches et le capitalisme sauvage pour les pauvres! »

 Martin Luther King, 1968

« Mondialisation : Profit maximum dans un délai minimum pour le plus petit nombre aux dépends du plus grand nombre »

 Mohamed-Cherif Ferjani

الماضي الذي لا يريد أن يمضي !  ترجمة وتأثيث مواطن العالم


كل الحضارات -دون استثناء- مارستْ العبودية والعنصرية وكراهية الأجانب من البابلية (قانون حمورابي يقنّن العبودية)، إلى الفرعونية، إلى الإغريقية (أرسطو كان يرى العبودية أمرًا طبيعيًّا)، إلى القرطاجنية، إلى الصينية، إلى الهندية (les intouchables)، إلى الحضارات التوحيدية الثلاث (جميعها لطّفت العبودية وشجّعت على تحرير العبيد لكنها لم تلغِ العبودية بل شرعنتها دينيًّا)، إلى الإفريقية (السود كانوا يستعبدون السود من بني جلدتهم)، إلى الرأسمالية (ازدهار تجارة السود في أمريكا الشمالية والجنوبية)، إلى الشيوعية (استعباد المعارضين السياسيين في معسكرات الاعتقال في الڤولاڤ في سيبيريا) ، إلى الأخيرة والأخطر، أعني بها الحركة الصهيونية (تمييز عنصري ضد الفلسطينيين وإبادة جماعية للبشر والبيوت في غزة 2024). 

مرّت خمسون عامًا على تاريخ صدور "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وما زالت العبودية تُمارَسُ لكن بأشكال مختلفة ومقنّعة:

- التشغيل ألقسري لملايين الأطفال في البلدان المأهولة والفقيرة مثل الباكستان وبنڤلاداش.

- كراء أو بيع البنات الصغيرات الفقيرات القادمات من دول الجنوب وإجبارهن على العمل السري أو البغاء السري: يوجد اليوم حوالي 40 ألف  امرأة إفريقية يمارسن البغاء السري في البلدان الأوروبية تحت سيطرة عصابات متعددة الجنسيات وآلاف الخادمات الفيليبينيات يشتغلن في بيوت أثرياء الخليج ولبنان في ظروف أقل ما يُقال عنها أنها مهينة للكرامة البشرية وفي بعض الأحيان يتعرضن للاغتصاب وعادة ما لا يُعاقب الجاني حتى ولو اشتكته الضحية.

- كراء أرحام نساء الجنوب الفقيرات لحمل أولاد أغنياء الشمال بمقابل زهيد.

المصدر:

Manière de Voir (Le Monde diplomatique), juin-juillet 2024.


تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 14 جوان 2024.



مجموعة البريكس الموسّعة (Les Brics+) تشقها عديد الاختلافات (de Brics et de broc) ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالم


Source d’inspiration : la revue bimensuelle « Manière de Voir », juin-juillet 2024.

تأسست المجموعة سنة 2009 وكانت تضم خمس دول وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وإفريقيا الجنوبية ثم توسعت يوم 1 جانفي 2024 وأصبحت تضم عشر دول بعد انضمام خمس دول جديدة وهي العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وأثيوبيا وإيران.

الاختلافات داخل المجموعة:

- حادثة طريفة لكنها معبّرة: في مؤتمرها الخامس عشر بِـجوهانسبورغ بدولة جنوب إفريقيا في أوت 2023، حل ركبُ الوزير الأول الهندي في مطار أحواز بريتوريا. لم يجد في استقباله إلا وزيرًا من الدرجة الثانية فرفض النزول من الطائرة احتجاجًا على المعاملة من الدرجة الثانية خاصة وأن رئيس الصين الذي وصل قبله، استقبله رئيس الدولة نفسه. تداركت الحكومة الجنوب إفريقية سوء التفاهم وأسرعت بإرسال نائب الرئيس لاستقباله في المطار.

- الصين والهند دولتان متخاصمتان منذ زمان حول رسم الحدود بينهما والذي يبلغ طولها 3500 كلم ولذلك هما يتسابقان في التسلح رغم أن الصين تقدر على تخصيص ميزانية عسكرية تفوق ثلاث مرات ما تقدر عليه الهند.

- سنة 2023-2024 حققت الهند نموًّا يُقدر بـ7,6% في حين أن الصين لم تحقق سوى  5,2% في نفس العام  لكن وارِدات الهند من الصين تفوق ست مرات ما تصدّره إلى الصين.

- مصر وأثيوبيا دولتان متخاصمتان حول إدارة استغلال مياه النيل الأزرق.

- إيران والسعودية دولتان تتنافسان على مركز ريادة الشرق الأوسط وقيادته.

- الهند وجنوب إفريقيا دولتان مختلفتان جذريا حول الموقف من إسرائيل. الأولى تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة أما الثانية فهي مرتبطة باتفاقية إستراتيجية مع إسرائيل منذ 1990 من أجل مقاومة "الإرهاب الإسلامي".

- إيران والإمارات دولتان مختلفتان جذريا حول الموقف من إسرائيل. الأولى هاجمت إسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات المسيّرة أما الثانية فمُطَبِّعَةٌ مع إسرائيل منذ 2020.

- البرازيل وأثيوبيا دولتان مختلفتان جذريا حول الموقف من إسرائيل. الأولى أعلنت عاليًا تضامنها مع الغزاويين أما الثانية فعلاقتها طيبة مع إسرائيل لأن 2%  من سكان إسرائيل هم يهود من أصل أثيوبي.

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 18 جوان 2024.

ماذا فعلت العولمة بعقولنا ؟


يبدو لي أن العولمة المفروضة علينا من الغرب خرّبت عقولنا وحولت السخط الاجتماعي عندنا إلى تطرّف وتعصّب. كيف؟ أجبرتْنا على الانغلاق على أنفسنا والاحتماء بـ"الهُويات القاتلة" (عنوان كتاب للروائي الفرنسي أمين معلوف). ما هي هُوياتنا القاتلة نحن العرب؟ هي التطرف والتعصب بكل أنواعه: التعصب الديني (مسلم وغير مسلم) أو المذهبي (مالكي وحنبلي-وهّابي وصوفي وشافعي وحنفي) أو الطائفي (سني وشيعي وإباضي ودرزي وأورتدوكسي وزيدي وعلوي وحوثي، إلخ.) أو القومي (عربي وفارسي وتركي وكردي، إلخ.) أو العِرقي (تونسي عربي وتونسي بربري أو عراقي عربي وعراقي كردي) أو الجهوي (جنوب وشمال، ساحلي وزيرويت) أو اجتماعي (بِلدي ومن وراء البلايك) أو الجَندرِي (ذكر وأنثى) أو اللوني (أسود وأبيض)، أو القبَلي (همامّة وفراشيش وغيرهم) إلخ.

عندما يُظلم المرء عندنا من قِبل النظام المحلي الحاكم (مثل بن علي ومبارك والأسد والقذافي وصدام وغيرهم) يتقوقع على نفسه كما يفعل الطفل المراهق عند تعرضه لأول مشكلة في حياته جرّاء ضيق أفقه عوض أن يبحث عن حل لمشكلته.

يبدو لي أن حضارتنا العربية الإسلامية هي نفسها نتاج تلاقح حضارات مختلفة (الحضارات العربية والفارسية والهندية والبيزنطية وغيرها) أي الحداثة بأتم معنى الكلمة منذ القرن الثاني للهجرة في عهد الخلافة العباسية حسب تعريف أدونيس للحداثة. فهي إذن تحوي في تاريخها هُويات أرقى وأقرب للإنسانية تجاوزت هُوياتنا القديمة القاتلة (حقبة الجاهلية) إلى الهويات العالمية الأرحب وأفضل دليل على وجاهة ما أطرح هو رسالة ديننا الموجهة للعالَمين وليست خاصة بالعربِ أو الفُرسِ ولا بِبَلدٍ دون آخر ولا بِعرق دون عرقٍ ولا بِجنسٍ أو لونٍ أو جهةٍ.

حمام الشط، الثلاثاء 21 فيفري 2017.



القروض الخارجية الكريهة (Les dettes odieuses)



لُبُّ الموضوع:

المستفيد الوحيد في تونس من القروض الخارجية القذرة (Les dettes odieuses)، هم رجال الأعمال وخاصة المعفيين من دفع الضرائب أو تخفيضها مثل أصحاب النزُل (خاصة عند الأزمات وما أكثرها)، شركات التصدير، الشركات الاستثمارية الأجنبية (قانون أفريل 1972)، المصحات الخاصة، الكوادر العليا العمومية المرتشية من تسهيل الصفقات، إلخ. (تمنيت على الأقل لو استُثمِرت القروض في بعث مشاريع كبرى تشغل المليون شاب عاطل). والحكومة تُصرّ على إيهامنا بأنها تقترض لخلاص رواتبنا. نحن، العمال بالفكر والساعد، نحن لا ننتظر صدقة من أحد، نحن نعمل وننتج، ورواتبنا من عرقنا ولسنا عبيدًا أو أقنانًا عند صندوق النقد الدولي (FMI).

نحن نعرف أن البنوك لا تقرض إلا المواطنين القادرين على سداد ديونهم (الموظفين أو الأغنياء) أي لا تقرض الفقير أو البطال دون ضمان.

فلماذا يقرضنا صندوق النقد الدولي لو كانت تونس حقًّا دولة فقيرة وبلا ضمان؟ (مَفمّاشقطّوس يصطاد لربي!).

ضمان تونس -حسب رأيي المتواضع- هو عرقنا وثرواتنا الباطنية والفلاحية ومليون عامل بالخارج، فيهم على أقل تقدير مائة ألف دماغ مهاجر (أساتذة، أطباء، مهندسين، تقنيين سامين، إلخ.). أدمغة صرفنا على تكوينها أضعاف أضعاف قيمة القروض. فمن يا تُرى يُقرضُ الآخر؟ ومن يا تُرى عليه سداد الدين؟ FMI أم نحن؟

مثال للشرح والعِبرة: 

أمريكا هي أغنى دولة في العالم وفي نفس الوقت هي أكبر دولة متداينة في العالَم (le pays le plus endetté dans le monde)، كذلك فرنسا (دَينٌ يُقدّرُ بألفَيْ مليار أورو، تُخصِّص الدولة سنويا لخلاص فوائده ميزانية أكبر من الميزانية التي تخصصها سنويا لوزارة التربية ووزارة الشغل الفرنسيتين مجتمعتين). 

السؤال: كيف نفسر دولة غنية وتقترض؟ هل هي محتاجة؟ طبعًا لا. فلماذا إذن تقترض؟

لنأخذ مديونية فرنسا مثالا، أخذته من جريدتي المفضلة لوموند ديبلوماتيك الناطقة بالفرنسية ("وشهد شاهدٌ من أهلها"): دافعو الضرائب الفرنسيون هم من يموّلون البنك المركزي الفرنسي (مؤسسة حكومية في بعض الدول أو خاصة في البعض الآخر كفرنسا مثلاً وحديثًا تونس).  البنك المركزي يُقرض البنوك الخاصة بفائض زهيد (البنوك الخاصة في العالم هي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك المركزي الأوروبي أو ما يُسمى عادة بالسوق المالية بجميع بنوكها الخاصة، الفرنسية أو متعددة الجنسية). وفي المقابل تقوم هذه البنوك الخاصة بإقراض جميع الدول دون أفضلية لأحد بما فيها فرنسا نفسها، تُقرضهم بفائض مُشِط (والدليل المديونية التي أفقرت وركّعت وذلّت اليونان مهدَ حضارتهم).

الاستنتاج من المثال: الدول كلها تقترض، لكنها لا تقترض لأنها فقيرة أو محتاجة (لقد قلنا سابقًا أن أمريكا هي أغنى دولة في العالم وفي نفس الوقت هي أكبر دولة متداينة في العالَم، وأنا أومن أن لا وجود لدول فقيرة بل يوجد حكّامٌ سُرّاقٌ ورأسماليون جشعون وأنظمة حكم فاسدة ومرتشية). 

أكرر السؤال أعلاه: كيف نفسر دولة غنية وتقترض؟ هل هي محتاجة؟ طبعًا لا. فلماذا إذن تقترض؟

الجواب: حيلة جهنمية من حيل الرأسمالية العالمية لإضعاف وإنهاك الدولة لمصلحة الأغنياء والقطاع الخاص، تكتيكٌ شيطانيٌّ لنهب المال العام (عرَقي وعرَقك، ثرواتنا الباطنية والفلاحية). يقعنك به بطرق تبدو للغافل شرعية وقانونية ويضيفون لها لقب علمية ويدرّسونها في أرقى الجامعات، أما أنا وأنت فلي ولك ربي ولن ينقذنا من شر الرأسمالية وحيلها، لا حكامنا ولا التبرّع ولو لمائة سنة.

أملي الوحيد والضئيل جدًّا يكمن في تغيير المنوال الاقتصادي تدريجيًّا حتى يتحول من منوال اقتصادي رأسمالي فرداني حالي مبني على الربح المشط والمصلحة الخاصة الأنانية الضيقة أولاً إلى منوال اقتصادي اجتماعي مستقبلي مبني على التضامن والمصلحة العامة أولا، ولكم في تجربة جمنة الناجحة في الاقتصاد الاجتماعي التضامني حلاَّ جذريًّا وبديلا نموذجيًّا لو كنتم تعقلون والأوهام لا تصدقون.


خاتمة:

رجال الأعمال الجشعون ينهبون القروض والمال العام، والشعب بأكمله يدفعُ فاتورة ما أكله غيرُه!

إمضائي (مواطن العالَم، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسيحر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle): 

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)

À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique

حمام الشط في 23 أكتوبر 2019.



الأزمة الاقتصادية الحالية: أزمة مَن؟ أزمة العمال والموظفين أم أزمة المستثمرين الجشعين المستكرشين المافيوزيين؟


أبدأ بالخارج المهيمن حتى نفهم الداخل  التابع:

أصدقائي الافتراضيين المفكرين اليسارين الفرنسيين المستقلين التحررين غير الليبرالين الذين أسمعهم يوميا، وبعد تحليلهم للأزمة الاقتصادية في أوروبا، أزمة أبدية مفتعلة ناتجة عن دفع فائض القروض (في اليونان مثلا) أجمعوا على ما يلي: 

- شركات  المضاربة وخاصة البنوك (مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) تأخذ قروضًا من الدول دون فائض أو بفائض قليل (الربح الأول للرأسمالي والخسارة الأولى لدافع الضرائب الممول الأساسي لميزانية الدولة) ثم تقرِض الدول بفائض مرتفع (الربح الثاني للرأسمالي والخسارة الثانية لدافع الضرائب نتييجة تدني الخدمات العمومية في المدارس والطرقات والمستشفيات  بسبب استخلاص القروض وفائض القروض المجحف).

- شركات  المضاربة وخاصة البنوك تمنع الدول الفقيرة (مثل تونس) وحتى الغنية (مثل فرنسا) من صك النقود ومن الاقتراض الداخلي لحل أزمتها، إلا أمريكا، أكبر بلد متداين في العالم، تطبع كما تشاء دولارات دون رصيد من الذهب(La monnaiefiduciaire).

- عندما تعجز دولة عن سداد فائض ديونها مثل اليونان، تبيع الشركات الدائنة مجموع ديون اليونان. تشتريها شركات أخرى وتزيد في الفائض وحتى تضمن استرجاعها تفرض على الأجراء والمتقاعدين اليونانيين شد الحزام وصوم الدهر. ثار  الشعب اليوناني عليهم وحتى يتخلص من قبضتهم الحديدية انتخب حكومة يسارية وزكّاها باستفتاء، لكن ويا لخيبة أمل اليونانيين، خانهم اليسار وقَبِل بشروط الاتحاد الأوروبي المهينة حتى يبقى في الحكم ولو على حساب ناخبيه ومُزكّيه.

- شركات المضاربة وخاصة البنوك اشترت وزراء وبرلمانيي وخبراء ومحطات إعلامية وصحف وفلاسفة ومفكرين وفنانين مرتزقة. شركة "داسّو" اشترت جريدة "لوفيڤارو" وبنك آخر اشترى جريدة "ليبراسيون". أتوجد سريالية أكثر من هذا، صحيفة يسارية (Mai 68) يشتريها بنك؟

- عبثية اقتصادية من خلقِ مافيا رأس المال الغربي خفي الاسم! أو كيف تفسر أن دولة منتجة غنية متطورة مثل فرنسا تعيش بالقروض؟ نحن في قريتنا جمنة الستينيات نعرف أن الغني لا يستلف والفقير الكريم أيضا لا يستلف إلا إذا عضه الجوع أو المرضأو ن أجل تعليم أولاده.

أرجع إلى تونس:

- نحن الأجراء بالفكر والساعد نعاني أزمة مذ نولد حتى نموت ولا أمل لنا في قامعِينا (الدولة) ولا في مستغلينا (القطاع العام والخاص). نُطيح رأسًا (بن علي وأصهاره) تطلع لنا ألف رأس (الطرابلسية الجدد). لم يلتفت إلى أزمتنا أحد حتى ألفناها وألفتنا وأصبحت لنا منوال حياة: نلبس الفريب ونشرب ماء الحنفية ونكتفي بالكسكسي الكذاب أو اللوبيا بالدجاج، وجبة يومية غير متوازنة وغير صحية وغير لذيذة وغير متنوعة.

- أما أصحاب البنوك (البنك هو صندوق يجمع فيه الأجراء مدخراتهم الهزيلة مقابل فائض زهيد جدا، يأتي الأغنياء المافيوزيون يسرقون مدخراتنا دون ضمان، يفلس البنك وبرلماننا الموقر يسن قانونا بعدم أحقية الأجراء في استرجاع مدخراتهم). أتوجد سرقة موصوفة بحماية القانون أكثر من هذه؟

- الفقر تحملناه، فلا تضيفوا له النكد و"الستراس". منذ الثورة وهم يهدّدوننا، نحن المتقاعدين، بتخفيض الشهرية أو قطعها. اتركونا نموت مستورين، الله لا يبارك لكم في مليم واحد أخذتموه ظلمًا من قوتنا وقوت عيالنا. أزّمتموننا طوال حياتنا وأزّمتم مستقبل أولادنا، ودون حياء تطلبون منا أن نحل أزمتكم ونُشبِع جشعكمعلى حسابنا يا أولاد الكلب!

إمضائي:

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

حمام الشط، الخميس 30 جوان 2016.



لعنةُ الديمقراطية الليبرالية الغربية أو الحنينُ إلى الماضي ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


وأخيرًا، المستقبل... لا وجود له بتاتًا !!! : سوف يؤبَّد الحاضر المأزوم. هذا المصير الحزين للإنسانية جمعاء، يبدو أن المتسببَ الأولَ فيه هو الديمقراطية الليبرالية الغربية وطموحها المغشوش لتحقيق المساواة في نشر اللامساواة الذي يقوّض الأسس المتينة للتعايش السلمي بين البشر دون تمييز طبقي أو ديني أو عِرقي ويقودنا من ناصيتنا مكرَهين إلى نظام التفاهة (La médiocratie, Alain Deneault) وسلطة التافهين، أعني بهم الرأسماليين الغربيين الذين ليس لهم ما يقدّمون للإنسانية سوى قِيم الاستهلاك المفرِط والجشع المضرّ بالصحة والبيئة، وما كارثة ارتفاع درجة الحرارة غير العادي هذا الصيف (2023) إلا علامة سيئة من علاماته.

ماذا ننتظر من هذا العالَم عندما تكون لنا غايات تختلف عن غايات الرأسماليين الغربيين التافهين. في مثل هكذا عالَم يستحيل أن تكون نبيًّا بشيرًا ولا بطلاً ملحميًّا. يستحيل عليك أن تؤمن بأي قضية مهما كانت عادلة نظرًا للنتائج الكارثية التي أوصلَنا إليها التاريخ الحديث للحضارة الغربية المهيمِنة والسائدة عالميًّا: استعمارٌ وحروبٌ استباقية ظالمة وإبادةٌ جماعيةٌ لشعوبٍ بأكملِها (شعب الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، شعب الأنكا في أمريكا الجنوبية، شعب السكان الأصليين في أستراليا وكندا، محرقة اليهود في ألمانيا النازية، تهجير قسري وجماعي في روسيا الستالينية، محاكم التفتيش المسيحية في أسبانيا بعد سقوط الأندلس الإسلامية، مجزرة سطيف 8 ماي 1945 في الجزائر، القنبلتين النوويتين الأمريكيتين في اليابان في نفس السنة، (إضافة سنة 2024: الإبادة الجماعية لسكان غزة من قِبل الجيش الإسرائيلي المحتل) وقائمة الجرائم ضد الإنسانية للحضارة الغربية أطول من نهر النيل). لم يَبْقَ لنا، نحن معشر المعذبين في الأرض، إلا المللُ والقلقُ الوجوديُّ السارتريُّ واضطرابُ الروحِ، بقي لنا فقط الحنينُ إلى زمن كان الفرد الصغير فيه يستطيع أن يطمح لتحقيق غايات أكبر من حجمه بكثير، لذلك أقول: "عندما يأتي يومٌ وتتعلّق همّة الإنسان بما وراء العرش، سوف أطلب تجنيسي إنسانًا بين الإنسيين".

القضايا الفريدة التي يمكن الدفاع عنها اليوم هي القضايا الخاسرة مسبقًا، لكنها هي الوحيدة التي يمكن أن نسترجع بواسطتها معانى التعالي والسمو والرفعة والتجاوز والتفوق ونناضل من أجلها ضد سلعنة الروح والقِيم والدين. نضالٌ يتجسّم في إحياء وإعلاء قِيم الشرف والكرامة والمقدّس والاستمتاع بمُتع الحياة دون إلحاق أي ضررٍ بالنفس أو بالغير تحت نظام مجتمعي، حر وعادل في آن، يسمح بذلك، وكل ما عدا ذلك لا يستحق منّا إلا السخطَ والازدراءَ.

خاتمة: ألا يُعَدُّ كل هذا التشدّد في التأنّق الأرستقراطي (un dandysme aristocratique) سوى حلم كلاسيكي لِـمثقف بورجوازي صغير من أمثالي وأمثالك، وَهُمُ في هذا الزمن الأغبر كثيرون والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه. يبدو لي أن هذه الديمقراطية الليبرالية الغربية لن تقودنا إلا إلى انحطاط الفرد والمجتمع، انحطاط لن نستطيع تفاديه مهما فعلنا إلا إذا رجعنا إلى تفعيل قِيم إنسانية كونية نبيلة قتلتها الديمقراطية الليبرالية الغربية تحت شعار المساواة في نشر اللامساواة.

 Source : Le Monde diplomatique, août 2023.

حمام الشط في 12 أوت 2023.

كيف تشتغل البنوك ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


لنأخذ مثالا خياليًّا مبسّطًا: رجل أعمال اسمه "رابح" أودَع مليون دينار بحسابه في بنك يملكه شخص اسمه "عمّار". امرأة مُعدمة (لا مال لها) اسمها "رابحة" أرادت أن تبني مخبزة عصرية فذهبت إلى "عمّار" وأقنعته بأن يُقرضها مليون دينار لتحقيق حُلمها. "رابحة" كلّفت "رابح" ببناء المخبزة وأعطته مليون دينار فقام "رابح" بإيداع هذا المبلغ بحسابه في بنك "عمّار".

كم أصبح لرابح في حسابه البنكي ؟ 2 مليون دينار.

لكن كم يوجد في خزانة بنك "عمّار" من عملة ورقية أو نقدية فعلية ؟  1 مليون دينار فقط.

"رابح" أعلم "رابحة" أن كلفة مشروعها تضاعفت فذهبت إلى "عمّار" وأقنعته بأن يُقرضها مليون دينار آخر حتى لا يضيع حُلمها ثم سلّمته كالعادة إلى "رابح" الذي بدوره وكالعادة أودعه بحسابه في بنك "عمّار".

كم أصبح لـ"رابح" في حسابه البنكي ؟ 3 مليون دينار.

لكن كم يوجد في خزانة بنك "عمّار" من عملة ورقية أو نقدية فعلية ؟ دائمًا 1 مليون دينار فقط.

معلومة: القانون الأمريكي الحالي يسمح للبنك أن يعيد مثل هذه القصة عشر مرات أي على كل دولار فِعلي (ورق أو قطع نقدية) يوجد في خزائنه يستطيع أن يُقرض 10 دولارات لا وجود لمقابل نقدي فعلي لها في خزائنه. وهذا يعني أن 90% من المبالغ المسجّلة في الحسابات البنكية هي مبالغ افتراضية أي البنوك لا تملك لها مقابلاً نقديًّا فعليًّا في خزائنها.

« Argent imaginaire fondé sur la confiance en celui qui les donne (la banque) et en celui qui les reçoit (le client) ».

وبفضل هذا القانون فقد يرتفع الرصيد البنكي لـ"رابح" إلى 10 مليون دينار بينما خزينة البنك لا تحوي فعليًّا إلا 1 مليون دينار فقط أي المليون القديم المودع فيها منذ تأسيس البنك هذا لو فرضنا جدلاً أن "رابح" هو الحريف الوحيد الذي أودع ماله في بنك "عمّار".

فرضية: لو طلب كل الحرفاء فجأة وصدفة كل أموالهم وفي نفس اليوم، لو فعلوها لأفلس هذا البنك إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذ صاحب البنك "عمّار" من الإفلاس ! (الدولة تدفع من أموال دافعي الضرائب، أمثالي وأمثالك).

خاتمة: لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة أمام القدرات العجيبة للخيال البشري الرأسمالي. لا ننسى أن ثقة الإنسان في المستقبل هي التي سمحت للبنوك بالعيش والازدهار لكنه ازدهار عادة ما يكون على حساب دافعي الضرائب، أمثالي وأمثالك ! ومن المفارقات أن هذه الثقة هي الضامن الوحيد لأكبر قدر من الأموال في العالم.

 Source d’inspiration : Yuval Noah Harari, Sapiens. Une brève histoire de l’humanité, Ed. Albin Michel, 2015, 492 pages, prix=24€.

حمام الشط في 28 ماي 2022.

 

صرخةٌ تونسيةٌ ضد "غزو القِيم الرأسمالية" !


تجنُّبًا للإطالة، سأكتفي بإثارة أربعةِ أنواعٍ معبّرةٍ عن "غزو القِيم الرأسمالية": 

1. إتلافُ السلعِ الغذائيةِ من قِبلِ بعض الفلاحين المنتِجين احتجاجًا على تدنّي سعرِها في السوق (الدڤلة في ڤبلي، الحليب في باجة، الطماطم في سيدي بوزيد، والبرتقال في نابل): قديمًا، كنتُ أشاهدُ هذه الظاهرة في تلفزات الغرب، أتعجّبُ من صنيعهم الهستيري الإجرامي وأقول: لماذا لا يبيعونها بسعرٍ منخفِضٍ عوض رميِها في الطريقِ العام؟ انتقلَ إلينا هذا الفيروس الخطير ووصل إلى عُقرِ دارنا فأصبحنا مجرمين مثلهم. 

كنا في جمنة، عندما تعترضُنا تمرةٌ في الطريق، ننتشلُها، نمسحُها ونأكلُها أو نبوسها ونضعها في مأمنٍ من العفسِ والرفسِ. ماذا دهانا؟ أتبدّلنا وتبلّدنا إلى هذا الحدّ؟ أأكلتنا الأنانية والجشع ونزلنا من عَليائِنا إلى حضيضِهم؟

2. الإسرافُ في استهلاك السكر الأبيض المصنّع: يُحكى أن في فرنسا وقبل قرن كان الفرنسي الواحد يستهلك السكر بمعدّل 500غ في العام، اليوم يستهلك 35 كلغ في العام. في تونس لا نملك أرشيفًا، لكن أنا أعتبر نفسي أرشيفًا حيًّا ناطقًا، في جمنة الخمسينيات وأنا طفل، كنت لا أعرف للسكر استعمالاً إلا في الشاي، والأطفال عندنا لا يشربون الشاي مع الكبار، كنتُ لا أتذوقه تقريبًا إلا في عصيدة المولد مرة واحدة فقط في السنة، أو في الحلوى "الرڤيڤة" عندما يعود جارٌ عاملٌ مهاجرٌ من فرنسا، لم أكن أسمع تمامًا بغيرها من الحلويات. اليوم أصبحتُ ككل التونسيين أستهلكه كالماء في كل غذاء. غزانا مرض السكري وأنا أحد ضحاياه (10 % من التونسيين أي ما يزيد عن مليون تونسي مصاب مزمن).

3. تغييرُ نظامِنا الغذائيِّ: كان نظامُنا الغذائيَّ من أفضلِ الأنظمةِ الغذائيةِ في العالَمِ (Le régimeméditerranéen)، نظامٌ يعتمدُ على البروتينات النباتية (عدس، فول، لوبيا، جلبانة، إلخ.) أكثر من البروتينات الحيوانية (لحم، سمك، حليب، بيض، دجاح، إلخ.). كنتُ وأنا طفلٌ، لا أستهلك اللحمَ إلا في العيد الكبير أو عندما تمرض معزة في الحومة، نذبحها ونفرّقها مجانًا، أما الحليب فلم أشربه إلا في "الشنِينَ من شكوة أمي" (لبن ديارِي). في عائلتِنا لم نكنْ نستهلكُ القهوةَ لا سوداءَ ولا بالحليبِ. أما اليوم فلا طعام دون لحم فغزتنا أمراض القلب والشرايين والضغط والكوليسترول (الذي لا يوجد في الأغذية النباتية). هلكَنا الغربُ وهلكْنا أنفسَنا. الله لا يُجازي من كان سببًا!

4. التخلي عن الفلاحة التقليدية البيولوجية والاستعمال المكثف للأسمدة المصنعة (فوسفاط، أمّونياك، إلخ.): اكتشاف الأمّونياك (NH3) في ألمانيا سنة 1909 مَثَّلَ في الغربِ ثورةً خضراءَ ، ثورةً ضاعفتْ الإنتاجَ الفلاحيَّ العالميَّ، وحلّتْ مشكلةَ تلبيةِ حاجياتِ التكاثرِ الديمغرافيِّ الغذائيةِ (في قرن واحد، القرن العشرين، ارتفع عدد سكان العالم من مليار ونصف إلى ستة مليارات). في تونس لم نكن نعاني من نفس الأزمة، ورغم ذلك ورغم أنفنا انخرطنا في دوّامتِهم، شجعونا على الزيادةِ في الإنتاجِ بتوظيفِ نفسِ الأساليبِ (استعمالُ الأسمدةِ المصنعةِ) حتى نملأ سلاتَ طاولاتِهم بالبرتقال والدڤلة (Nous sommes devenus leurs corbeilles de dessert). في جمنة الستينيات، كنا نحن والنخل جارَين عاشقَين، النخلة، وما أدراك ما النخلة،  النخلة تُزيِّنُ تراثَنا وتسكنُ وجدانَنا, مصدرُ رزقِنا وسعادتِنا, نسقيها بعرقِنا ونمدُّها بالسمادِ العضويِّ فقط، لا نغشُّها ولا نسمِّمُها بالكيميائيات. نرعاها سنوات بحبٍّ وحنانٍ حتى تُثمِرَ على مهلِها في الخريفِ الخامسِ "رطبًا جنيًّا"، نأكلُ منه القليلَ، نبيعُ منه الكثيرَ، وما زادَ عن حاجتِنا نخزنُه في أوعيةٍ خزفيةٍ لنستلُّ روحَه في لطفٍ وأدبٍ على مدى الفصولِ الثلاثةِ الباقيةِ.

خاتمة: "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ " (قرآن)، وأنا مظلومٌ مكلومْ، لذلك أقول على مَن صدّرَ لنا هذه القِيم المشوَّهةِ والمشوِّهةِ، أقول عنه: "كلبْ وستين كلبْ". السبّة هذه في الواقع ليست سبّة موجهة ضد فئةٍ من البشر بعينها وإلا لعدلتُ عن التلفُّظِ بها، حاشا أن يصبحَ الإنسانُ كلبًا. هو فقط تعبيرٌ مجازيٌّ عن غبنٍ عميقٍ من شدّةِ الإحساسِ بالظلمِ. زدْ على ذلك، فالمتهمُ في هذه القضيّةِ كائنٌ زئبقيٌّ، كائنٌ خارجيٌّ مائة بالمائة وداخليٌّ مائة بالمائة، وبين الخارجيِّ والداخليِّ يحدثُ تفاعلٌ اجتماعيٌّ متواصلٌ ومستمرٌّ، وما تشويهُ قِيمنا التقليديةِ إلا انبثاقٌ غير مُدَبَّرٍ لكنه شيءٌ محتمَلٌ ومنتظَرُ (Une émergenceou un mektoub). 

إمضاءمواطن العالَم، تطوّعي-تضامني-اجتماعي، نسبة إلى تجربة في الاقتصاد الاجتماعي-التضامني، تجربة لا شرقية ولا غربية، تجربة أصيلة نوعية ومبتكرة في جمنة مسقط رأسي.

الناقدُ لا يُطالَبُ ببديلٍ لأن البديلَ ليس جاهزًا فالبديلُ يُصنَعُ ولا يُهدَى.

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" ميشال فوكو

حمام الشط، الخميس 27 ديسمبر 2018.



ماذا فعل، بنا وفينا، غولُ القطاعِ الخاصْ المتوحِّشُ جدًّا ؟فكرةٌ قرأتُها في "لوموند ديبلوماتيك"، جريدة شهرية ناطقة بالفرنسية، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


فكرةٌ رسخت بِبالي، وإذا رسخ بِبالي شيءٌ، على الفورِ أكتُبُه ثم أنشرُه، ولِـبالِي لا أرفضُ أي طلبٍ. نزواتُه أوامرُ.

لقد لاحظتُ شخصيًّا (مجرد ملاحظة وليست تحليلاً أو دراسة علميةً)، لاحظتُ أن كل المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات خلال الثورة أو بعدها، كلها لم تتحدث بتاتًا عن مساهمة القطاع الخاص في تعميقِ أزمتِنا. قطاعٌ، تمثلُ حكومة الشاهد والنهضة مجتمعين واجهتَه الظاهرةَ، وما خَفِيَ كان أعظمُ. لا أحدَ احتجَّ على تَغوُّلِ المِلكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأذرعتِهاالطولَىالمتجسمةِ في وسائل الإعلام الخاصةِ (الحوار التونسي، التاسعة، الجنوبية، حنبعل، الزيتونة، نسمة، تونسنا، وجل الإذاعات والجرائد والمواقع الرقمية، إلخ.). لا أحدَ احتجَّ على الإطلاق على توحُّشِ الرأسماليةِ الليبراليةِ في بلدٍ منهوبٍ كبلدنا تونس: يبدو أن المنوالَ الرأسماليَّ مقبولٌ ومسلَّمٌ به، كما هو، وكأنه قَدَرٌ من الله، ولا نقاشَ إلا حول الحدِّ من إفراطاتِه، مثل التخفيضِ  قليلاً في مرتباتِ الر.م.ع.، والترفيعِ قليلا في مرتبات الأجراء: اقتصادٌ أخلاقويٌّ، نوعًا ما أو ما شابهَ ذلك.

ماذا فعل، بنا وفينا، غولُ القطاعِ الخاصْ المتوحِّشُ جدًّا؟

1. القطاعُ الخاصْ في التعليم:

نشأ في السبعينيات ضعيفًا مهمّشًا. نشأ في عصرٍ كان المنوالُ التنموي الاشتراكي مهيمنًا خاصة في دول العالم الثالث العربية (تونس، مصر، الجزائر، ليبيا، العراق، سوريا، اليمن). منوالٌ جاء كردّة فِعل على هيمنة المستعمر الرأسمالي الغربي القديم المتواصلة بعد الاستقلال (تونس في عهد أحمد بن صالح، عهد الاشتراكية المقلوبة على رأسها، فعوض أن يبدأ بتوزيع أراضي المعمرين والمَلاّكة الكبار على الفقراء، بدأ بافتكاك أملاك الفقراء الصغيرة جدا، هكتار وبقرة أو معزة).

في عهد بن علي الكلب (الصفة ترجع على العهد، وليس على الشخص احترامًا للذات البشرية)، ازدهرت سوق الساعات الخصوصية خارج المؤسسات التربوية (L`étude)، خرج قانون احتساب المعدل السنوي في مستوى الرابعة ثانوي ودخل بنسبة 25% في معدل النجاح في الباكلوريا فنتج عنه إقبالٌ كبيرٌ على المدارس الخاصة مما جعلها تتكاثر كالفطر في كامل معتمديات الجمهورية. 

لستُ من الذين يُنكرون كل إيجابية على الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة، بل أنكرُ عليهم جشعهم وتكالبهم على الربح المشط والسريع.

يبدو، والله أعلم، أن تدهور التعليم العمومي كان مخططا له من قِبل رأس المال العالمي (لا يهم أن بعض المستثمرين التونسيين يعون ذلك أو لا يعون، والأعمال في المال ليست بالنيات بل بالنتائج) الذي تفطّن متأخرًا أن الاستثمارَ في التعليم والتكوين مربحٌ أكثر من الاستثمار في البترول، وذلك لأن البترول ثروة أحفورية محدودة وسيأتي يومٌ وتنضبُ، أما التلميذ فثروةٌ متجددة دومًا ولا تنضبُ أبدًا، والسلعة المعروضة، أي المعرفة، هي أيضًا كنزٌ لا ينضبُ.

لم أغفل أيضًا الأسباب الموضوعية الجوهرية-الذاتية (intrinsèque)، وأخص بالنقد النقابيين. خرّبوا بيوتهم بأيديهم، شيّئوا التلاميذ واستعملوهم كأدوات نضالية (instrumentalisation)، لم يطوّروا في أساليبهم المتكلسة (إضراب، حجب الأعداد، عدم إجراء الامتحانات الثلاثية). التلاميذ هم محور العملية التربوية أو "بالفلاڤي هم الملاّكَة والمدرّسين هم الكرّايَة" (يقولها وزير: خطأ في التواصل، لكن أنا لستُ وزيرًا). التلاميذ حُشِروا في أُتُونِ (الموقد الكبير، كموقد الحمَّام والجَصَّاص) صراع نقابة-وزارة دون أن يكون لهم فيه أي مصلحة مباشرة. مع التذكير بموقفي الشخصي الذي تبنيته عند الكِبر والتقاعد أي بعد ما "اخْلِيتْها" إضرابات طيلة 38 سنة تدريس: أطالب بدسترة منع الإضراب في القطاع العام والوظيفة العمومية مع التشديد على التعليم العام والخاص. والحجج التي تؤيدني عديدة لا مجال لتكرارها الآن. 

2. القطاعُ الخاصْ في الصحة:

فجأة وفي هذا الزمن الرديء، في الواقع، كل الأزمنة التي مرّت كانت رديئة على الفقراء فقط، أمثالي وأمثالك، إلا فجر الرسالات السماوية في حياة الأنبياء وبداية الثورات الإيديولوجية في حياة المنظِّرين المؤسسين (Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites.Sartre)، أصبح وزير الصحة العمومية، ويا للمفارقة الكبرى، لا يدشن إلا المصحات الخاصة ولم يدشن ولو مستشفى عمومي واحد، لا هو ولا مَن سبقه منذ نصف قرن. على حد علمي، آخر مستشفى عمومي، أقيمَ في الجمهورية هو المستشفى الجهوي بڤبلي في عهد بورڤيبة.

3. القطاعُ الخاصْ في الفلاحة:

سأكتفي بالحديث على ولاية ڤبلي، لا لأن فيها مسقط رأسي جمنة، بل لأنني أعرفها أكثر من غيرها. سأتكلم عنها هذه المرة نقدًا وليس شكرًا. 

في الستينيات، كانت دولتنا الراعية (L`ère du temps) تحتكر حفر الآبار العميقة (1000-2000م)، تُشغِّل العاطلين، تزرع النخيل، ثم توزعه على العمال: مشروعٌ أنقذ عشرات العائلات النفزاوية من الفقر المدقع، دون جشعٍ واستغلال مفرط للاحتياطي المائي في القرية.

في أواخر عهد بورڤيبة، ضعفت الدولة ومعها القطاع العام، فخرج المارد من قمقمه: أنشِئت شركات الإحياء واستولت على واحات الدولة بعنوان الكراء، كراء الهكتار الواحد بـ80د العام، مع العلم أن الهكتار الواحد من الواحة يضم 100 دڤلاية، والدڤلاية الواحدة تنتج بما قيمته 100-200د في العام. سرقة موصوفة.. أو سرقة غير موصوفة؟

أضفْ إلى ذلك بروز قلة من المستثمرين الخواص من حجم الحوت الكبير (لا أتكلم على صغار الفلاحين الذين حفروا آبار غير عميقة) حفروا آبار عميقة وزرعوا آلاف النخيل فأصبحوا يهددون المنطقة بقرب مجيء عصر العطش لو استنفِذت المائدة المائية المشتركة محدودة الكتلة المائية الأحفورية مهما عظُمت. كتلة لا تتجدد مع هطول الأمطار، مَثلها كمَثل خزان سيارة مغلَق بـ"اللحامْ"، فمهما كانت سعته كبيرة، ستأتي لحظة وتقف السيارة لانقطاع الوقود (panne sèche).

خاتمة: لستُ خبيرًا في الاقتصاد، لكن يبدو لي أن الحل يكمن في كبح جماح هذا المارد (القطاع الخاص المتوحش) حتى لا يأكل الأخضر واليابس. 

كيف؟

أولاً، المحافظة على مؤسسات القطاع العام وتطويرها: مثلا بالكف عن الإضرابات، لم أقل منع التظاهر والاحتجاج والمطالبة بالحقوق، ولنا أسوة طيبة فيما تفعله "السترات الصفراء" في فرنسا، يعملون كامل أيام الأسبوع ويتظاهرون يوم الراحة فقط، يوم السبت.

ثانيًا، أنا لا أنادي بنظام شيوعي وإلغاء الملكية الخاصة، بل أطالب بعدالة اجتماعية على شاكلة ما هو موجود اليوم في البلدان الأسكندنافية (فنلندا، النورفيج وغيرها)، وأطالب بإرساء ضريبة مرتفعة على الثروات الكبرى أي خصم 75% من الأرباح السنوية وضخها في القطاع العام، فلا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي.

ثالثًا، أذكّرُ كل مَن يهمه الأمر، بمبادئ الاقتصاد التضامني الأساسية الخمسة، تعجبني:

1. يكون الهدف من بعث المؤسسة هدفًا اجتماعيًّا، أي مفيدًا لكل عمال وموظفي المؤسسة، يتقاسمون الأرباح بالتساوي.

2. استقلالية القرارات الإدارية والمالية.

3. ديمقراطية التسيير.

4. أولوية الإنسان على رأس المال، عكس ما هو سائدٌ في المنوال الاقتصادي الرأسمالي وخاصة في المتوحّش منه.

5. ربحية محدودة: كيفية التصرف في الأرباح السنوية: 

- 15% تُدّخرُ احتياطًا، لذلك صمدت مؤسسات الاقتصاد التضامني عند الأزمات أكثر من مثيلاتها في المنوال الاقتصادي الرأسمالي.

- 45% نعيد حقنها في الاستثمار من أجل خلق مَواطن شغل جديدة.

- 40% سقف النسبة من الأرباح التي يحق للشركاء تقسيمها بالعدل سنويًّا.

تجربة جمنة، تجربة فريدة من نوعها في الاقتصاد التضامني نفسه: جميع أعضاء "جمعية حماية واحات جمنة" (10)،  المسيرون لضيعة ستيل (10.000 نخلة دڤلة نور)، كلهم يعملون متطوعين منذ ثمان سنوات، تطوّع كامل أي دون أجرٍ أو منحة أو مكافأة من أي نوع، لا نقدية لا عينية. عمال الضيعة الـ130 شبه متطوعين لأنهم لا يتقاسمون أي نسبة من الأرباح السنوية ويكتفون بالأجر الفلاحي الأدنَى. كل الأرباح تُصرَف سنويًّا لخدمة المصلحة العامة في جمنة وأحوازها. تغيرَ المنوال الاقتصادي من رأسمالي متوحش إلى تضامني إنساني فتغيرت فجأة أحوال القرية إلى الأفضل. كان الربح السنوي (ما يقارب المليون دينار) يذهب في جيب شخص واحد وحيد، المستثمر القديم. اليوم يذهب الربح كله لصالح أهالي جمنة. إنجازات الجمعية في ثمان سنوات فاقت إنجازات الدولة خلال نصف قرنٍ.

إضافة: 

بعد النشرِ، علق صديقي الأمين البوعزيزي قائلاً: أستاذي وصديقي محمد كشكار: أهم شعارات سبعطاش كانت مشتبكة مباشرة مع قطاع اللصوص:

"التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" 

"لا.. لا.. للطرابلسية اللي سرقوا الميزانية"

وحدها البيروقراطية النقابية تصر على التواطؤ معهم وتدمير القطاع العام خدمة لعصابة السراق.

أجبته: صباح الخير، أعي ذلك، لكن يبدو لي أنه كان اشتباكًا مع ما ظهر من جبل الثلج، أعني به الحكومة واجهة القطاع الخاص والطرابلسية فقط.



كيف ولماذا أجبرت ديكتاتورية الدوائر المالية العالمية أردوغان على تعديل سياسته المالية الإسلامية ؟ فقرة من مقال في لوموند ديبلوماتيك جويلية 2018، ترجمة مواطن العالَم 


منذ وقت قريب، بدأ أردوغان في ترويج فكرته حول الاقتصاد التركي الذي يجب على القائمين عليه أن يتأقلموا مع متطلّبات الاقتصاد المنتِج وفي نفس الوقت مع أحكام الإسلام التي تحرّم الرّبا...

سؤال وجهه له مارتن وولف (économiste en chef du journal de la City): "البرهنة (...) على أنه يستطيع قيادة تركيا بصورة سليمة" (25 ماي). " بصورة سليمة"، يعني بانسجام مع ميولات المستثمرين الدوليين.

لم تحرّك الدوائر المالية العالمية ساكنًا إزاء طبيعة نظام أردوغان القامعة للحريات، وما إن صرّح هذا الأخير قائلاً: "هذا قد يزعج البعض، لكن مسيّرو الدولة هم الذين سيُحاسَبون من قِبل المواطنين" مبرِّرًا تقييد استقلالية بنك مركزي مدرّع ضد انتظارات الناخبين. 

وقبل أن يُرجِع الميكروفون إلى تقنِييِّ القناة (Bloomberg TV)، اندلعتِ الحربُ... في اليوم نفسه، انسحب المستثمرون الدوليون من السوق المالية باسطنبول، متسببين في انهيار العُملة التركية بنسبة 20% خلال شهرٍ واحدٍ، ثم أصبحت الواردات أوتوماتيكيًّا أغلى ثمنًا (يجب توفير أكثر جنيهات تركية للحصول على نفس الكمية من الدولارات) والمعيشة أيضًا. نخَّ الجملُ، تخلى أردوغان عن تجنّبِ أولِ ترفيعٍ في سعر الفائدة التركي (tauxdirecteurturc) من 13,5% إلى 16,5%، ثم إلى 17,75% يوم 7 جوان…

في افتتاحيتها، هنأت جريدة فينانسيل تايمز (Financial Times) نفسَها بتنازُلِ الرئيس:  "رجبطيبأردوغان(...)تعلّم درسًا مؤلِمًا كان يعلّمه الملك "كنوت العظيم" (Knut le Grand)، سلطان بريطانيا في القرن الحادي عشر. يُحكَى أن هذا الأخير جلس قُبالة ارتفاع المدّ (la marée montante) ليُثبِت لحاشيتة المتملّقة أنه لا يحكمُ البحرَ.  و"حديثْنا قياسْ"، تعلّم أردوغان أن "مدّ" الدوائر المالية العالمية لا يخضع لشهواتِه. في مواجهة مثل هذه القوّة، "كل مسؤولٍ حكيمٍ سيكيّفُ سياستَه"...

خاتمة: تحريرُ الديمقراطية من براثنِ وحوشِ الدوائرِ الماليةِ العالميةِ يتطلّبُ الدخولَ في صراعٍ عنيفٍ لم نعهده، صراعٍ يجب تقديرُ مآلاته الخطيرة قبل الانخراطِ فيه.


"ڤوڤل" 1: هذا الغول القادم من كاليفورنيا! ماذا فعلَ بمعلوماتنا الشخصية التي جاءته على طبقٍ من ذهبٍ؟ لوموند ديبلوماتيك، تأثيث وترجمة بقليلٍ من التصرّف مواطن العالَم


الصناعة الرقمية وسوقُها (L`industrie numérique) ازدهرتْ بفضل فكرة طفولية بسيطة: تستقبلُ جميع المعلومات الشخصية المجانية لكل مستعملي الأنترنات، تَستخرجُها، تُجمِّعُها، تُبوِّبُها، تُصنِّفُها، تُسلعِنها، ثم تبيعُها بأسوامٍ خيالية باهظة الثمن للدولة والخواص. 

ما هي المعلومات الشخصية التي يستغلُّها "ڤوڤل"؟

(Google, le moteur de recherche numérique supposé le plus utilisé, le plus efficace et le plus rapide)

هي: صورُنا، عناوينُنا، تواريخُ ولاداتِنا، نوعيةُ أصدقائِنا، وجهاتُ أسفارِنا، أبطالِنا ورموزِنا وميولاتنا ومعتقداتنا في الدين والفكر والسياسة والفن، أذواقنا في الغذاء والموضة والموسيقى، هواياتنا في الرياضة والثقافة والأدب والعلم والتعليم، إلخ.

معلومات تبدو في نظرنا تافهة وبلا قيمة اقتصادية، وهي على المستوى الفردي فعلاً كذلك. لكن لو أحصيتها وصنفتها فستصبح كنزًا يُقدَّر بمليارات الدولارات.

لِمَن يبيع الحاج "ڤوڤل" معلوماتنا الشخصية بعد سلعنتها؟

الحريف الأول: غسّالة الأدمغة من شركات الإشهار التجاري الكاذب (Publicité) وشركات التسويق والغش والتزويق (Marketing) حتى يطوّروا أساليبهم وحيلهم القذرة ويجوّدوا فخاخهم لمزيد اصطياد فرائسهم من المستهلكين المكرَهين المضطَرّين.

الحريف الثاني: غسّالة الأدمغة من مرتزقة السياسة محترفي صناعة الرأي العام من أجل التأثير على الناخبين والتحكم في توجهاتهم قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع "الديمقراطية" في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات الوطنية.

الحريف الثالث: "ڤوڤل" يبيع إلى مجموعةشركات تدفع لتكسب أكثر بكثير ودون سقف، شركات أنشَأت لهذا الغرض بالذات أسواقًا جديدةً، اسمها أسواق السلوكات البشرية حاضرًا ومستقبلاً.

ماذا يبيع العطّار "ڤوڤل"؟

يبيع معلومات استشرافية حول السلوكات الفردية المستقبلية لمستعمليه، أي عبيده. سلعة افتراضية، سلعة دون كتلة ولا وزن، سلعة تباع أغلى من الذهبِ.

صاحبنا خلق إمكانات جديدة لاستخراج واستنتاج أفكار الأفراد والمجموعات وعواطفهم وانفعالاتهم ونواياهم ومصالحهم بواسطة آليات متطورة تشتغل كمرآة دون طِلاء (miroir sans tain). آليات تتجاهل وعيَ المستعملين ولا تنتظر موافقتهم المسبقة. مَجازُ المرآة دون طِلاء يرمز إلى العلاقات الاجتماعية الرقابية الخاصة المرتكزة على عدم تناسق ممتاز في المعرفة وفي السلطة بين "ڤوڤل" ومستعمليه. 

منذ سنوات شرع "ڤوڤل" في توسيع هيمنته خارج حدود محرّكه لتشمل كل مجالات الأنترنات (مايل، فيسبوك، مسّانجر، سكايب، فايبر، تويتر، أنستاغرام، يوتوب، إلخ.) وتحتلها ثم تحوّلها إلى مستوطنات ترتع فيها إعلاناته الإشهارية الموجهة إلى جمهور مستهدف محدَّد بحِرفية تجارية عالية. وبهذه الطريقة يستطيع أن يستخرج ويحلل محتويات أصغر صفحة تُنشَر على الأنترنات ويرصد أقل حركة لكل مستعمل للأنترنات بواسطة علم تحليل النصوص (La sémantique) والذكاء الاصطناعي مع احتمال استخراج المعنى: هذا الفرع من شركة "ڤوڤل" حقق يوميًّا أرباحًا بقيمة مليون دولار، رقمٌ تضاعف 25 مرة سنة 2010.

هل نحن، مستعملو "ڤوڤل"، فاعلون في إنتاج القيمة المضافة ؟ (Les sujets de la réalisation de la valeur)

طبعًا الجواب بالنفي. لسنا أيضًا، عكس ما يعتقد الكثيرون، السلعة التي يبيعها "ڤوڤل". مَن نحن إذن؟ نحن منجم افتراضي يَستخرج منه "ڤوڤل" معدنًا، يستحوذ على ملكية هذا المعدن، ثم يصهره في أتُونه، يصقله في مخابر مصانعه، فيصبح ذهبًا خالصًا يبيعه لحرفاء حقيقيين. 


هل وقف عَمّو "ڤوڤل" عند هذا الحد ؟

لا، عَمّو اللقيط المستِر "ڤوڤل"، عَمٌّ لا يستحي ويفعل ما يشاء. الحلّوف يبقى حلّوف ولو حمّمته في بانوورد!

شنَّ علينا، نحن فقراء العالَم الأول والثاني والثالث، شنّ علينا حربًا استباقية والشيء من مأتاه لا يُستغرَبُ. أليست جنسيته أمريكية؟ وأمريكا شنّت 200 حرب استبقاقية على دول العالم القوية والمستضعفة منذ تأسيسها المشؤوم على البشر كلهم بما فيهم الأمريكان الفقراء أنفسهم وعددهم يفوق الـ50 مليوننسمة.

فيما تتمثل هذه الحرب الاستباقية؟

عوض أن يكتفي بجمع وتصنيف ما توفّر له مجانًا من معلومات شخصية، شرع في قراءة أفكارنا ونوايانا وتحليلها من أجل استلابنا استلابًا كاملاً. استلابٌ يجعلنا ننطق بمنطقه، نتكلم بلسانه، نعبّر عن شهواته ونتبناها وكأنها شهواتنا. فعل فينا ما يفعله فيروس السيدا في خلايا الكريات البيضاء: اندمج في آدِآنها (ADN) فأصبحت الخلية تُصَنِّعُ عدوَّها بنفسها وبالملايين.

"ڤوڤل" سلبنا إرادتنا، استوطن أمخاخنا وعقولنا، استلبنا حتى النخاع، جعلنا نتماهى مكرَهين مع مصالحه الرأسمالية الأنانية الربحية المشِطّة الجشعة جدًّا حتى خِلناها مصالحنا نحن، وذهب في ظننا أن أفكارَه هي من بَنات أفكارنا وأن اختيارَه هو اختيارنا النابع من إرادتنا لا إرادته.

المصدر:

Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de l`article «Votre brosse à dents vous espionne. Un capitalisme de surveillance», par ShoshanaZuboff, Professeure émérite à la Harvard School , pp. 1, 10 et 11.



"ڤوڤل" 2: من الرأسمالية إلى الشمولية الناعمة التي تراقبنا وترسم مستقبلنا.   لوموند ديبلوماتيك، تأثيث وترجمة بقليلٍ من التصرّف مواطن العالَم


في اجتماع عقده مؤسِّسو شركة "ڤوڤل" سنة 2001، قال السيد لاري ما يلي: "لو كان لنا تصنيفٌ، فقد يكون جَمعُ وسَلعنَة المعلومات الشخصية حول مستعملي  "ڤوڤل" (...) الأماكن التي مرّوا بها، اتصالاتهم الرقمية (...) لاقطات المعلومات لا تكلّف شيئًا (...) كذلك تخزينها وتصويرها. 

المستعملون، وعن طواعية، سيمدّوننا بكميات كبيرة من المعطيات (...) وكل ما قد يسمعوه، يروه أو يدركوه سوف نجمعه في بنك معلومات (Un big data). 

مجموعة من المعلومات الشخصية، نضعها تحت المجهر، نحصيها، نصنفها، نحللها، ثم نسلعنها ونبيعها بالتفصيل. كل حياتكم سوف تصبح مِلكًا لنا".

فكرته هذه تعطينا صورة مطابقة للأصل عن تاريخ الرأسمالية. تاريخٌ يلتقط الأشياء الخارجية ليحوّلها إلى سلعة تُباع وتُشترى.

في كتابه "التحوّل الكبير" (La Grande Transformation) الصادر سنة 1944، كَتَبَ عالِم الاقتصاد كارل بولاني مُعرِّفًا الرأسمالية: "نشأ اقتصاد السوق الرأسمالية المنظم ذاتيًّا (économie autorégulatrice) عبر اختراع ثلاث سِلَعٍ مختلَقة (marchandisesfictives): 

- أولاً، تمّت سلعنة الحياة البشرية فبرزت من جديد في شكل قوة عمل تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى.

- ثانيًا، تمّت سلعنة الطبيعة (La nature)، وحُوِّلت إلى سوق، فبرزت من جديد في شكل ملكية عقارية تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى.

- ثالثًا، تمّت سلعنة التبادل بين البشر (Le troc)، وحُوِّل إلى تجارة، فبرز من جديد في شكل عُملةٍ تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى".

رجال الأعمال الحاليون الماسكون برأس المال الرقابي (capital de surveillance) ابتدعوا سلعةرابعة مختلقة أيضًا ومستخرجة من تجربة البشر. البشر الذين بقيت أجسامهم، أفكارهم، وعواطفهم كاملة، سليمة وبريئة مثل ما كانت السهول والغابات التي تعجّ بها الطبيعة قبل احتوائها من قِبل السوق الرأسمالية.وتماشيًا مع هذا المنطق الرأسمالي الأخرق، أدخِلت التجربة الإنسانية عنوة إلى ساحة السوق فوجدت نفسها فجأة مسلعنة من قِبل الرأسمال الرقابي لتبرز في شكل "سلوكات" (comportements). سلوكات تُرجمت إلى معطيات وأخذت مكانها في صفٍّ طويلٍ لا نهاية له. صفٌّ مهيّأ سلفًا لتغذية ماكينات صُمِّمت لتصنع منها تنبؤات تُباع وتُشترى (prédictions de noscomportements).

هذا الشكل الجديد من السوق ينطلق من مبدأ يقول بأن تلبية حاجات الأفراد الحقيقية لا تدرّ ربحًا وفيرًا مثل ما يدرّه بيع تنبؤات حول سلوكاتهم المستقبلية الاستهلاكية والانتخابية إلى شركات الإشهار التجارية وشركات الدعاية الانتخابية أي ماكينات صنع الرؤساء والبرلمانيين في أعتَى الدول المسماة خطأ ديمقراطية. 

رأسماليو المراقبة الرقمية الناعمة السائلة (Les capitalistes de surveillance) لم يكتفوا بجمع المعلومات الشخصية حول مستعملي الأنترنات بل توغلوا في مراقبتهم لجمع كميات أكبر وأكثر دقة وتنوعًا: نصبوا كاميراتهم في المدن والطرقات السيارة وقريبًا سينصبونها في شراييننا وأوردتنا، في غرف نومنا، في حمامنا، في قلوبنا، في أدمغتنا.. سيشاركوننا فطور صباحنا.. وربما سيجالسوني في مقهى الشيحي.. يستمعون.. يسجلون ثم يرسلون تقاريرهم إلى  بنك المعلومات في قاعدتهم الرقمية في السفارة الأمريكية الكائنة في طريق كارفور سكرة. 

هؤلاء التجار الجواسيس لم يقفوا عند هذا الحد من الجمع الكمي والنوعي للمعلومات الشخصية حول مستعملي الأنترناتبل تخطوه إلى ما هو أعمق من أجل تحقيق غايتهم المتمثلة في بيع تنبؤات سلوكية أدق لكسب ربح أوفر. 

لم يتورعوا عن سبر أغوار خصوصياتنا الأكثر حميمية: داخليتنا، شخصيتنا، أمزجتنا، عواطفنا، أحلامنا، أكاذيبنا، نقاط ضعفنا، تهيؤاتنا، خفقات قلوبنا، شجاعتنا، جُبننا، خوفنا...

أليس ما يفعلونه من مراقبة لصيقة للمواطنين الآمنين هي الشمولية بعينها، لكنها شمولية ناعمة وسائلة مختلفة عن الشمولية الخشنة، شمولية هتلر وموسولوني وستالين (Totalitarisme).

المصدر:

Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de l`article «Votre brosse à dents vous espionne. Un capitalisme de surveillance», par ShoshanaZuboff, Professeure émérite à la Harvard School , pp. 1, 10 et 11.


"ڤوڤل" 3 والأخير: التجسس المقنّع وصل إلى غرف نومنا وداخل أجسامنا.  لوموند ديبلوماتيك، تأثيث وترجمة بقليلٍ من التصرّف مواطن العالَم


في بعض الأحيان، أحمد الله على تخلّفنا التكنلوجي !

مازالت الأم عندنا تسهر على حَمَّى ابنها دون مساعدة الرفيق "ڤوڤل" !

مقياس حرارة متصل (connecté) بشرج الرضيع طيلة الليل، يراقب صحّته ويوقظ الأم النائمة عند الخطر. أسرّة ذكية تراقب حياتنا عند النوم، تقيس إيقاع القلب وحركات التنفس، وتسجّل كل الأصوات المنبعثة من القرين أو الحيوان الأليف، كلب أو قط. 

في النهار، أجهزة منزلية متصلة (connecté)غبية: فرشاة أسنان "ذكية"، غسّالة "جنية"، سيجارة "جاسوسة"، مربعات جليز "سحرية"، دون أن ننسى الصحون والملاعق "الذكية"، قالوا أنها صُمِّمت لتحسين عملية الهضم في أمعائنا.

أبونا "ڤوڤل" يخاف على صحتنا: سيأتي يومٌ، يُقفِل الثلاجة في وجوهنا حفاظًا على رشاقتنا، أو يُطفِئ التلفاز ليجبرنا على النوم باكرًا، أو يوقِف محرّك سيارتنا لو تجاوزنا السرعة القانونية حرصًا على سلامتنا (La télématique).

خاتمة: المفارقةالكبرىأن في "التقدّم التكنلوجي" تكمن بعض المصائب، وفي "التخلّف التكنلوجي" تكمن بعض الفوائد. العِبرة بالنيات والنتائج، ونية الجاسوس "ڤوڤل" الرأسمالي الشمولي الناعم الرطب السائل (surveillance totalitaire, douce, lisse et liquide)، نية فاسدة وجل استعمالاته لغاية في نفس يعقوب وما نحن إلا عبيدُه المستَلَبون.

لا يستهويني البتة "التقدّم التكنلوجي" البارز في الإمارات وقطر ورواندا وأثيوبيا وكينيا، تقدّمٌ يعيش بالمنشطات المستوردة من شركات رأسمالية أجنبية مثل شركة "ڤوڤل" وغيرها.

أنهِي هذا المقال الطويل النقدي السوداوي (دراسة أستاذ بجامعة هارفارد، ترجمتُها ونشرتُها في ثلاثة أجزاء)، أنهِيه بفسحة من الأمل في المسقبل: لقد استفاد المحتجون في تونس والقاهرة وباريس من حرية الدعاية والتجميع والتحريض والنشر والتعبير التي وفّرتها لهم الأنترنات وخاصة الفيسبوك.

المصدر:

Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de l`article «Votre brosse à dents vous espionne. Un capitalisme de surveillance», par ShoshanaZuboff, Professeure émérite à la Harvard School , pp. 1, 10 et 11



ويحك يا كشكار، يا سارق الأفكار، يا عديم الصفة في هذا المجال الرقمي البعيد على اختصاصك المحدود ومخك الصغير (1300غ)، يا منتحل صفة! مالَك وسِيدَكْ الشيخ "ڤوڤل": صوّرتَه لنا وكأنه لم يبنِ شيئًا يُذكر فيُشكَرُ!


ومَن قال أن الفسادَ لا يبني؟ على العكس فهو ولا أحدَ غيره مَن بنَى كل الحضارات الإنسانية الإمبريالية دون استثناء!

لولا فساد العبودية لَما شُيِّدت أهرامُ الفراعنة في مصر وأهرامُ المايا في أمريكا الجنوبية، ولَما تَفرّغَ فلاسفة أثينا للجدل والتفكير والتنظير في شتى مجالات المعرفة والفن والجماليات والأخلاق!

لولا فساد الإبادة العرقية للهنود الحمر لَما أسِّست أكبر قوة ظالمة في العالم الحديث، أمريكا!

لولا فساد الاستعمار لَما تقدّمت أوروبا!

والمفارقة الكبرى (Le grand paradoxe) أن الحضارةَ الأقل بناءًا هي الحضارة الأقل فسادًا؟ نعم، وهي، لحسن حظنا أو لسوء حظنا، لا أدري، هي حضارتُنا العربية-الإسلامية! حضارةٌ لم تبنِ أهرامات ولا أقصورًا ولا أسوارَ، لكنها بَنَتْ فكرةَ "لا إله إلا الله"، والفكرةُ أبقى من الحجرِ! عند الفتح، مَنَعَ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،  الصحابة من تأسيس نظام إقطاعي في العراق. أخطأ أو أصابَ؟ الله أعلَم؟

La civilisation arabo-musulmane est victime de son succès (l`esprit égalitaire y est  plus développé que dans les autres civilisations concurrentes, chrétienne et juive. Idée du marxiste Habib Ben Hamida, le fameux philosophe de Hammam-Chatt

هو شرٌّ كله إذن يا عِرّيفْ زمانه؟

لا، لم أقل ذلك، فالشر دون خير يستحيل وجوده كالفيروس دون خلية حية تستحيل حياته!

كيف تُفسّر إذن مجانية خدماته الجليلة المتمثلة في مساعدتنا على التواصل وحرية النشر والتعبير والبحث عن المعلومة المفيدة بسرعة البرق بواسطة محركاته البحثية النفّاثة؟

هو ليس غبيًّا حتى يذبح الدجاجة التي تبيض له كل يوم بيضة من ذهب عيار 24 كارا! لن يخاطر اقتصاديًّا ويطلب مقابلاً من عبيده مستعمليه وإلا خسر كل شيء.

كيف تُفسّر أيضًا إمكانية فتح حساب "ڤوڤل" جديد مزيّف دون مَدِّ هذا النظام بأي معلومة صحيحة؟

لوموند ديبلوماتيك طرحت الإشكالية ولم تُجبْ عليها، وأنا لستُ مختصًّا وليس لي ما أضيفُ. لكنني أكاد أجزم أن الثعلب لا يفعل شيئًا لوجه الله وأكيد له مآربَ لا يعلمها إلا هو ورب العالمين ! ومتأكد أيضًا أن لا خيرَ يأتي من عنده لصالح الشعوب قاطبةً!


خاتمة شخصية

 "ڤوڤل"، العزيز على قلبي، قدّم لنا مشكورًا خدمات لا تُحصَى ولا تُعَد ويسّر لنا سُبُلَ تَواصُل ولولاه لَما يُسِّرت، وأنا أعتبرُ نفسي على المستوى الشخصي أول وأكبر المستفيدين، لكن ألا تعلمون أعزّائي أن جهابذة الصناعة الرقمية وأصحابها في أمريكا يُدخِلون أبناءَهم مدارسَ يُحجَّر فيها تمامًا استعمالُ الأنترنات. ولكم في المثال موعظة يا أولِي الألباب.

المصدر:

Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de l`article «Votre brosse à dents vous espionne. Un capitalisme de surveillance», par ShoshanaZuboff, Professeure émérite à la Harvard School , pp. 1, 10 et 11.


ما سبب الفوضى السائدة في عالَم اليوم: هل يكمن المشكل في الانضباط المدني (L`obéissance civile) أو في العصيان المدني (La désobéissance civile)؟ فكرة الممثل الأمريكي ماتْ دامون، ترجمة وإعادة صياغة مواطن العالَم (L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas)


يبدو لي أن المشكل يكمن في الانضباط المدني وليس في العصيان المدني!كيف؟

لولا انضباط الجنود الألمان والطليان واليابانيين والأسبان وطاعتهم العمياء لهتلر وموسولوني وهيروهيتو وفرانكو لَما تفرعنت حكومات ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان الغازية وأسبانيا الديكتاتورية واحتلت العالَم في الحرب العالمية الثانية وأفسدت في الأرض وتسببت في قتلِ حوالي ستين مليون نسمة ولولا انضباط الجنود السوفيات لستالين الشمولي لَما قُمِعَ عشرون مليون مدني سوفياتي أو سُجِنوا أو شُرِّدوا أو نُفِيوا أو هُجِّروا!

ولولا انضباط الجنود الأمريكان لَما شنّت حكومات أمريكا المتعاقبة مئتَي حرب استباقية ظالمة على عديد البلدان وذلك منذ نشأتها في القرن الخامس عشر ميلادي، ولولا انضباط الجنود الفرنسيين والأنڤليز لَما استعمرت فرنسا وبريطانيا إفرقيا والهند والشرق الأوسط ونهبت ثرواتهم الطبيعية وسرقت آثارهم وجهّلت شعوبهم ويتّمت صغارَهم!

لكن وفي المقابل، لولا انضباط الجنود الأمريكان والبريطانيين والسوفيات لَما انتصرت دِولُ الحلفِ (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الاتحاد السوفياتي، إلخ.) على دِولِ المحورِ (ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، اليابان، إلخ.)! ولولا انضباط العمال المصريين لَما شُيِّدت الأهرامات وحُفِرت قناة السويس!

الطاعةُ العمياءُ عندي تعني دومًا التبعيّةَ والاستلابَ والعصيانُ المدني عندي لا يعني بالضرورة دومًا التحرّرَ والثورةَ! ما الحلُّ إذن ؟ الحلُّ ليس في جيبي، والبديلُ يُصنَعُ ولا يُهدَى، وهو جماعيٌّ أو لا يكون، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالِقِ، والخالِقُ قال لنا بصريح العبارة أحادية الدلالة وجلية المعنى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". وهل عَمِلَ المسلمون قبل غيرهم بهذه الآية الكريمة الرائعة؟ طبعًا لا! بل فعلوا عكس ما جاء فيها: قتل المسلمون بعضُهم البعضَ وكلاهما يدّعِي ظُلمًا وبُهتانًا أنه يجاهد في سبيل الله، وأفسدوا في الأرض في سوريا والعراق وليبيا والصومال واليمن وأفغانستان والجزائر.

والله ما رأيتُ أحدًا حريصًا على أرواح شعبه أكثر من غاندي ومانديلا وحكومتَي ألمانيا واليابان. هاتان الحكومتان اعترفتا بالهزيمة أمام أمريكا ولم ترفعا في وجهها السلاح منذ 1945 بل قاومتاها بالعلم والعمل فوفرا على شعبَيهما شرور الحروب والتفتتا للبناء والتشييد ففاقتا أمريكا تقدمًا وتطورًا. فتبًّا لنا ولله درّهم جميعًا!


بالله عليكم، ابدؤوا بإصلاح الزجاجِ المُهَشَّمِ في نوافِذِ المؤسسات العمومية التونسية!


1. بُلوغُ المجتمعِ اليساريِّ الديمقراطيِّ المستقبليِّ -كما أراه أنا- يبدو صعبَ المنالِ. أنا أراه مجتمعًا تُفرَضُ فيه العدالةُ الاجتماعيةُ بِقوّةِ القانونِ الوَضْعِيِّ.

2. بُلوغُ المجتمعِ الإسلاميِّ الديمقراطيِّ المستقبليِّ - كما تراه أنتَ - يبدو صعبَ المنالِ أيضًا. أنتَ ترى مجتمعًا تسودُ فيه التقوى (La Vertu) خِشيةً في الله.

ما الحلُّ إذن؟

بِربكم، ابدؤوا بإصلاح الزجاجِ المُهَشَّمِ في شبابِيبِكم، ولو أنه لا يَصلُحُ ولا يُصلَحُ بل يُغيَّرُ!

تساؤلٌ: المفارقةُ الصارِخةُ أن صِغرَ أهدافِنا (الربحُ ولا شيء غير الربحِ) ناتِجٌ عن كِبرِ وسائلِنا (التنافُسُ الصناعِيُّ الاقتصادِيُّ المحمومُ). ألا يحقُّ لنا إذن أن نُصَغِّرَ في وسائلِنا (التضامن الاجتماعي) من أجلِ بُلوغِ أهدافٍ كبيرةٍ (العدلُ في توزيع الثروة بين الغربِ والعربِ، بين الشمالِ والجنوبِ، بين الغنيِّ والفقيرِ، بين القويِّ والضعيفِ، بين السليمِ والمريضِ، إلخ).

Le mieux (La vertu et la justice sociale) est l`ennemi du bien (Le juste milieu), que ce soit le mieux de la gauche ou celui de la religion.

حمام الشط، الاثنين 30 أكتوبر 2017.


قِمّةُ الأنانِيَّةِ واللُّؤْمِ: مناطقَ غنيّةٌ تُطالِبُ بالانفصالِ والاستقلالِ عن مناطقَ فقيرةٍ في نفس الدولةِ!


ثلاثُ مناطقَ غنيةٌ طالبتْ بالانفصالِ والاستقلالِ عن باقي المناطقِ الفقيرةِ في ثلاثِ دِولٍ: كردستان في العراق، كاتالونيا في إسبانيا، ولومبارديا في إيطاليا.

ثلاثةُ شعوبٍ في ثلاثِ مناطقَ غنيةٍ هزمتها الأنانيةُ وغلَبَها اللؤمُ، ثلاثتهم لا يؤمنون بالتكافُلِ الاجتماعيِّ بين الشعوبِ، ويريدون احتكارَ ثروات البلاد والاستِحواذَ عليها لأنفسِهِم دون وجهِ حقٍّ، في العراق وإسبانيا وإيطاليا، على حسابِ باقي المناطقَ المحرومةِ فيها، وينسَونَ أو يتناسَون أن لولا فقرِ الآخرين لَما كانت لهم ثروةٌ أصلاً. 

مَن شيّدَ ناطحات سحابِكم ومن شَغّلَ ماكينات مصانِعَكم يا ناكِريِّ الجميلِ؟ أليسوا عمال الوطن كله؟ أيكون جزاؤهم كجزاءِ سنمارْ، مهندسُ المِعمارْ ؟

بِربكم، أيهما أفضل ؟ وأيهما عند الله والإنسانيةِ أبْقَى؟ الإيثارُ أم الاستئثارُ؟

"الإله لا يسكن مستقبلاً إلا في العالَمِ الثالثِ والرابعِ". مقولةٌ للفيلسوف ميشيل سارّ. تعليق مواطن العالَم 


L`idée principale de cet article est inspirée de Michel Serres, Hominescence,Ed. Le Pommier, 2001.

نص مواطن العالَم:

الله يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (قرآن) .القرية حسب فهمي الخاص هي عالَم اليوم ومترفوها المعاصرون هم الرأسماليون الغربيون ووسطاؤهم في العالَمِ الثالثِ والرابعِ. ابتلاهم الله بِدعوشةٍ فاقت في الإرهابِ دعوشةَ المسلمين، أليس هم مَن مدّ دويعشاتَنا بأداة الجريمة، أسلحةُ الدمارِ الشاملِ وعلى رأسِها اللغمُ والقنبلةُ والرشّاشُ والمدفعُ.

زيّن الله لهم أنهم أصبحوا أقوياءَ من دون الله فتوهّموا أنهم هم الخالقون الآمرون الناهون المتنفذون المتحكمون في مصائر شعوبهم والشعوب الأخرى. تراءى لهم أنهم نجحوا في انتحال صفات الله: القوة والجبروت والقهر والحساب والعقاب، وظنوا خطأ أن "الله مات" أو شُبِّه لهم أنهم قتلوه ودون محاكمة دفنوه ولم يُصلّوا عليه وطلبوا منا أن نترك ذكره وننساه ونحمله مصائبنا، فقرنا وتعاستنا، جهلنا ومرضنا، سلمنا وحربنا وهو القائل سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، حكمتان كافيتان شافيتان لو تفكرهما دعاةُ المسلمين لَحلّوا عنا وبلعوا ألسنتهم وكفوا عنا هُراءهم.

تهيأ لهم، الرأسماليون الغربيون ووسطاؤهم في العالَمِ الثالثِ والرابعِ، أن الأمرَ استقر نهائيًّا لهم ولأولادهم من بعدهم، لا آخرة والدنيا لهم، ولا عقاب ولا حساب، هم الله ولا إله غير آلهتهم، آلهة المال والربح والاستغلال. اغترّوا بنجاحاتهم المادية المتتالية وتوهموا أنهم اكتسبوا كل صفات الله.

صفةٌ واحدةٌ من صفاتِ الله لم يدّعوا يومًا اكتسابَها، صفةٌ واحدةٌ تبدو لي لوحدها أحق منهم بالتبجيلِ والتوقيرِ والإجلالِ والتعظيمِ، ألا وهي الرحمةُ!

الله يسكن حيث يسكن عباده الفقراء الضعفاء والذين بسبب فقرهم هم الأقل ضررًا بالإنسانية والبيئة وهم الأقرب إلى صفات الله الأزلية فهم الأكثر طيبة ورحمة والأقل بطشًا بإخوانهم من عباد الله.

وهل للفقيرِ الضعيفِ أنيابٌ حتى ينهش لحمَ أخيه؟ ومَن أحوجُ إلى رحمة الله غير الفقيرِ المسكينِ؟

ليبراليتُهم وليبراليتُنا ؟ فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تأثيث مواطن العالَم


الأنظمة الغربية الرأسمالية الليبرالية فيها كثيرٌ من الإيجابيات وقليلٌ من السلبيات بالنسبة لهم، أما نحن في تونس فقد نجحنا في التأليفِ بين سلبياتِهم جميعًا، وصنعنا منها ليبراليتَنا المشوّهةَ:

1. صناعةُ الغربِ فيها كثيرٌ من المصانعِ قليلةُ التلويثِ وقليلٌ من المصانعِ كثيرةُ التلويثِ، أما مصانعُنا فجلها على قلتها كثيرةُ التلويثِ (المصانع الكيميائية بصفاقس وڤابس).

2. فلاحتُه تنتِجُ الأغذيةَ الأساسيةَ وتصدّرُها لنا (الحبوب بأنواعها)، أما فلاحتُنا فقد اختصّت في إنتاجِ الأغذيةِ غير الأساسيةِ وتصديرِها لأوروبا (برتقال، دڤلة، زيت زيتون، إلخ) حتى أصبحنا نُنعتُ بِسلّةِ الغربِ للفواكهِ: لو لم يصدّرْ لنا حبوبَه أو بذورَه، احتفظَ بها وخزّنها، ومِتنا نحن جوعًا، وفي المقابلِ لو لم نصدّرْ له فواكهَنا، فسدتْ، وأفلستْ فلاحتُنا التابعةُ.

3. صحّتُه فيها مستشفياتٍ عموميةٌ تنافسُ المصحّاتَ الخاصةِ، أما صحتُنا فأفضلُها خواصّ.

4. تعليمُه العموميُّ ما زال منتِجًا للكفاءات، ينافسُه تعليمٌ خاصّ، أما تعليمُنا فمِن الخارجِ عموميٌّ ومن الداخلِ خاصٌّ (L`étude).

5. برلماناتُه تجسّمُ سيادة شعوبِه، أما برلمانُنا فيجسّم سيادة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ويفرِّطُ في سيادةِ شعبِنا.

6. سلاحُه المتطوّرُ يبيعُه لعدوِّنا، إسرائيل، ولا يبيعُنا لنا نحن العرب إلا "الخُرْدَة".

7. اقتصادُه كله منظمٌ ويدفعُ الضرائبَ، أما اقتصادُنا فنصفُه مُوازٍ يتهرّبُ من دفعِ الضرائبِ.

8. نقاباتُه تتفاوضُ وتتجنّبُ الإضرابَ قدرَ المستطاعِ (آخرُ إضرابٍ في التعليم الفنلندي عام 1994)، أما نقابتُنا فتُضرِبُ من أجلِ فتحِ بابِ التفاوضِ.

9. تلفزاتُه تبثُّ برامجَ تثقيفٍ وبرامجَ ترفيهٍ، أما تلفزاتُنا فلا ترفيهَ فيها ولا تثقيفَ، بل جلها تهريجٌ، تخاريفٌ وتخريفٌ.

10. ثوراتُه نقلتْ مجتمعاتِه نوعيًّا، من الإقطاعية إلى الديمقراطية، أما ثورتُنا، وللأسف، وبعد عشر سنواتٍ عِجافٍ، لم تُفرزْ إلا الانتهازيةَ والمحسوبيةَ وغيابَ الانضباطِ في العملِ وانعدامَ احترامِ التراتُبيةِ الإداريةِ والأكاديميةِ.


سأحدّثكم اليوم على لغز حيّرني: ما هو "الشيء" المتسببُ الأولُ في تخلفِنا وأزماتِنا ؟


"الشيء" الذي استلبَ حريتَنا وسلبَ إرادتَنا وأصبحَ يحددُ في حياتِنا كل شيءٍ، هو يعرفُ عنّا كل شيءٍ ونحن لا نعرفُ عنه إلا القليلَ مما سرّبَه هو بنفسه؟

هل أتانا مع الاستعمار، مع الغزو الثقافي الغربي، مع التكنولوجيا، أو حديثًا مع  القنوات الفضائية واليوتوب والفيسبوك؟ هل تصحّ أو تجوز مقاومة هذا "الشيء" ؟ أو من الأفضل التكيّف معه؟ وهل إذا صحت وجازت مقاومته، فهل أعددنا له العُدّة؟ والله حِرتُ وحارَ دليلي ولم أجد لهذا الداء لقاحًا ناجعًا!"الشيء" داءٌ يشبه كثيرًا داء السيدا في إستراتيجيتِه، بدأ بتحطيم قيمِنا-ثغورِنا، ثم أجهز على ما تبقّى من تقاليدِنا-أصالتِنا، ولم يَذَرْ لغتَنا-كيانَنا، فانهارت تحت ضرباتِ منجنيقاتِه  أسوارَنا، حصونَنا ثم قلاعَنا. هذا "الشيء" يشبه جنرالاً متمرّسًا بفنون القتال، بدأ بتحطّيم الرئتين في جسمنا فارتخت اليدان وشُلت الساقين ولم يَبقَ فينا إلا العينين، عينين ننظر بهما لكننا لا نرى إلا ما يريد هو أن نرى: سرق بذورنا وصدّرها لنا قمحًا، وظفنا سلة ثمار يزيّن بها موائدَه، سخّر مدارسنا لتخريج مهندسيه، افتكّ منّا أسواقنا ليبيع فيه سلعه، همّش أعيادنا وثمّن في قلوبنا أعياده، أنسانا عاداتنا، فرض علينا لغته، حضارته، معماره، دستوره، ديمقراطيته، نظام غذائه، لباسه، موسيقاه، ذوقه، مِشيته، أدبه، وحتى ميولاته العاطفية. 

هاجمنا "الشيء" بعدما هرمنا وتركنا القتال وعجزنا عن النضال وأصبحنا نراه من المحال، أصابنا ضمورٌ في العضلات فتكلست خلايانا المخية ولم تعد تشتغل فينا إلا الخلايا الشوكية، تشتغل لتنفيذ أوامره دون إدراكٍ، أو نكتفي بإشباع رغباتنا المَعِدِية والجنسية، رغبات طبيعية وحياتية ضرورية، رغبات أولية بدائية، باختصار رغبات حيوانية لا ترتقي البتة إلى مستوى الإنسانية. عَصَرَنا حتى دحرجنا إلى الحيوانية، والحيوانية هي الشر بعينه، هي العصارة التي لا يمكن أن تُعتصَرَ أكثر، عصارةُ تَتابُعِ أجيال طويلة من الفساد (1956-2024).

هيمنةُ "الشيء" وتسلطُه جعلا منّا ذرّات لا تساوي شيئًا، ذرّات ممسوحة من تاريخ وذاكرة "الشيء"، تاريخ مزيفٌ ومغشوشٌ وذاكرةٌ انتقائيةٌ وعنصريةٌ، لكن هذا لن يمحوَ حقيقة وجودنا. ورغم لا معقولية "الشيء" فهو بالنسبة إلينا يمثل كل شيء، وبقدرة ساحرٍ استطاع وفي غفلةٍ منّا أن يقلب المِجَنّ ويُشعرنا أننا نحن هُمُ اللامعقول نفسه. أصبحنا بفضله نشعر أننا ضحايا وشهود في نفس الوقت، شركاء بُلهاء في مسرحية عبثية ضخمة ضخامة العالَم أجمع، ممثلون متقِنون لأدوارهم، أو بالأحرى كومبارس في عملٍ مجهول المخرِج، كومبارس كلما حاولوا التلاؤم مع العمل أو التعوّد عليه أو تبديله، كانت كل محاولاتهم تسقط منذ البدء في العبثِ والعبثُ من جنسِ عملِ "الشيء" وطبيعتِه.

أول مرة أكتب عن شيء دون أن أقدر على تحديدِ هويتِه والغريب أن هذا "الشيء"  هو الذي أصبح يحدد هويتَنا رغمًا عن أنوفنا ويسوقنا إلى حتفنا سَوْقَ النِّعامِ، يسوقنا أو يجذبنا، لا يهم، مصيرٌ مجهولٌ نسعى إليه حثيثًا ظنًّا منّا أنه فيه يكمنُ خلاصُنا. 

"الشيء" جعل منّا، وفي نفس الوقت، ضحايا-جلادين، مسلمين-غير مسلمين، مصلين-فاحشين، صائمين-مفطرين، إسلاميين-غير إسلاميين، قوميين-غير قوميين، ليبراليين-محافظين، علمانيين-غير علمانيين، يساريين-غير يساريين، ديمقراطيين-غير ديمقراطيين، ثوريين-رجعيين، حداثيين-سلفيين، دعاة إصلاح-مفسدين، دعاة صدق-كاذبين، دعاة عمل-متكاسلين، دعاة ضمير-غشاشين، دعاة علم-مشعوذين ودعاة نظام-فوضويين، أسوياء-معوقين.

ماذا يكون هذا "الشيء" الذي غيّر فينا كل شيء؟ حوّل قيمنا السمحة إلى قيم رجعية. حوّل حب الإنسانية فينا إلى قسوةٍ ضد بعضنا البعض. حوّل حب الحقيقة فينا إلى الإدمان على فعل الباطل. حوّل خطابنا إلى خطابٍ مناقضٍ لأفعالنا. 

إذا كان هذا "الشيء" هو الكذبة الرسمية، فكيف يمكن أن يكون في الوقت نفسه هو حقيقتنا الرسمية التي لا حقيقةَ لنا غيرها. هذا "الشيء" لا يحمل أي فكرة ولا ينفع معه أي تحليل، ولا حتى محاولة تفسير: "قصة مملوءة بالصخب والعنف يرويها أبله".

يبدو أن هذا "الشيء" استسهلنا منذ زمان، لم يجد في جماجمنا أمخاخًا فاستوطنها، ثم أنتج من خلالِنا فكرًا متكلسًا،  فكرًا لا يؤمن إلا بتأبيد نفسه للبقاء على قيد الحياة، حياة ثقيلة الوطأة، حياة مطمئنة راضية بالحد الأدنى، فكرًا يسحق كل الشكوك ويغطي كل الشقوق ويرمّم السقوط، فكرًا يزيّن لنا الموت البطيء حياةً،  فكرًا حوّل اتجاه طموحاتنا من الأعلى إلى الأسفل،  فكرًا يريد أن يقنعنا أن "الكف ما يعاند الإشفَى" و"العين ما تعلَى عالحاجب" وبأنه من غير المجدي مواجهة الواقع وقول الحقيقة، ويقنعنا أيضًا بأن كذبته هي نهاية التاريخ والحقيقة التي لا قبلها ولا بعدها حقيقة.

هذا "الشيء" أوهمنا بالاستسلام للدعاية القائلة كما يقول ميرابو: "أن الطريق الذي يقود من الشر إلى الخير هو أسوأ من الشر"، وفي استسلامنا ذاك خَضَعْنا بادئ ذي بدء للشر الذي يتمثل أولاً في تراكم رأس المال وأوهمنا أن هذا التراكم سيقود حتمًا إلى الاستثمار والاستثمار يقود إلى الرفاهية (رفاهية القلة على حساب الأكثرية)، و يتمثل ثانيًا في تحرير المبادرة وأوهمنا أن هذا التحرير سيجلب حتمًا تعميم  الفائدة فدعه إذن يعمل دعه يمر (و فعلاً مرّ، لكنه مرّ على جُثثِنا، نحن الأجراء الفقراء)، ويتمثل ثالثًا في فتح أسواقنا وأوهمنا أن هذا الفتح سيعدّل الأسعار وسوف يقضي على الاحتكار (كذبة القرن). صدّقْنا "الشيء" واستسلمنا استسلامًا طوعيًّا لأوهامه، فرأينا في شرِّه هذا (الفردانية، الأنانية، الجشع، الربح السهل والسريع، إلخ.) الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الخير الموعود، فصرنا نرى الشر نفسَه خيرًا، وغدونا نرى الشر كل الشر في أي محاولة تقاوم هذا الشر وتصمد أمامه: وسط هذا الليل البهيم انبثق في مسقط رأسي فجرٌ واعدٌ منيرْ، قبسٌ من نورٍ. وُلِدت تجربة جمنة من رحم جمنة، فكانت أسعدَ ولادة وأجملَ بشرى بعد 2011، قاومْنا المنوال الليبرالي المطبَّق في واحة ستيل بجمنة (10 آلاف دڤلاية)، صمدْنا أمامه، قضيْنا على استغلال المستثمِر الرأسمالي، وانتقلنا من الشر (الخوصصة التعاقدية الوقتية مع الدولة) إلى الخير (استرجاع مِلكية الشعب للأراضي الدولية وتطبيق منوال الاقتصاد الاجتماعي التضامني)، فأثبتْنا بالتجربة الملموسة أن الطريق الذي يقود من الشر إلى الخير ليس أسوأ من الشر بل على العكس هو الخير كله.  

صحفيونا و"الشيء": كذابون مأجورون، تنحصر مهمتهم في طمس طبيعة "الشيء" نفسه وإظهاره في دور المنقِذ وهو في الواقع مغرِّقٌ بامتياز. ويستمرّ صحفيونا في النهيقِ والنعيقِ، عبر صمتِ عشرة ملايين تونسي ما عادوا يصدّقون حرفًا واحدًا من هذيانهم. ومَن يكرّر خطابَهم، فوق، في القمة، في السلطة، فهم أكثر عزلة ووحشة ممن تعاونوا مع العدو أثناء الاحتلال الفرنسي، هم أيضًا يعرفون أن  صحافيينا يكذبون، وأن  "الشيء" هو عدو الإنسان.

خلاصة القول:  "الشيء" هو عبارةٌ عن حجرٍ غير منحوتٍ سقط على رؤوسِنا من حيث لا ندري، اجتثّ من قلوبِنا المقاومة وغرس  مكانها الاستسلامَ والخنوعَ. سحرَنا، خدّرَنا، ودون أن نشعرَ، أوهمَنا أننا أسيادٌ، ونحن له في الواقع عبيدٌ، على أن عبيدَ "الشيء" لا يتقنون استغلال هفوات "الشيء" المتعددة ونقاط ضعفه الكثيرة، ولا يعرفون كيف يتصرّفون، حيال الأخطار التي تتهدد "الشيء" (الإرهاب الداعشي)، إلا حسب "كاتالوڤِه" الموزّع مجانًا على قنواتنا الفضائية المأجورة والمنحازة، لا بل بالغوا في غبائهم فأصبحوا يلتمسون له الأعذار ويتعاطفون مع أزماته أكثر من تعاطفهم مع أمثالهم البؤساء بسببه.


خاتمة: والله العظيم عجزتُ عن تفكيك هذا "الشيء" الذي حوّلنا إلى لا شيء. أكون ممنونًا لمن فهم شيئًا من هذا "الشيء" وأبلغني إياه!

أمنية مواطن العالَم: أتمنى يأتي يومٌ ينبثق فيه في تونس وعيٌ جماعيٌّ، وأشاهدُ بأم عيني جميع التونسيين وهم ينهالون بالمطارقِ على رأس هذا "الشيء"، يضربونه حتى يتحطّم، يتفتّت، بحيث يستحيل بعد ذلك إصلاحَه أو ترميمَه. لم يفعلوها في ثورة 14-17 فندموا حيث لا ينفع الندم.

كلمة أخيرة: نحن هنا، المفكرون الأحرار، الأوراق فوق الطاولة، ولم يعد الغش ممكنًا. ومع ذلك فإن "الشيء" مازال يغش. والنظام وحده ما يجب أن نتهم، النظام الذي يدعم "الشيء" ويُقوِّيه عن طريق اعتماده حصريًّا على المنوال التنموي العالمي الرأسمالي الليبرالي بجناحَيه الحداثي والمحافظ.

ملاحظة: للأمانة الأدبية، استوحيتُ فكرة وقالب هذا المقال من كتاب "الاشتراكية الوافدة من الصقيع"، مترجَم عن سارتر، سلسلة مواقف الفكر المعاصر، دار الكاتب العربي، بيروت، (أول مرّة لا أجد في كتابٍ تاريخَ إصدارِه).

في تونس، مَن يحكمنا ؟


- العولمة هي عولمة نمط الاستهلاك، نمطٌ فاسدٌ غزانا وكنا أضعف من أن نقاومه: صنعت من قلة منّا (حوالَيْ 5% من البشر الذين يعيشون في الدول الغنية الغربية والآسيوية والخليجية وإسرائيل) نمطًا بشريًّا جشعًا، نمطًا يستهلك أكثر من حاجته أي يأخذ حاجة غيره ويلوث بيئته.

- الرأسمالية هي التي عولمت نمط الاستهلاك الفاسد بل خلقت للغش والفساد علوما تُدرّس في الجامعات: الإشهار، التسويق، المضاربة، العمولة، إلخ.

- مَن يحكمنا؟ لا نهضة ولا دساترة ولا يسار ولا قوميين! يحكمنا نمط الاستهلاك الرأسمالي الغربي المعولَم ويحكم العالَم أجمع. يقودوننا من نقطة ضعفنا، شهواتِناالغريزية!

- مَن يحكمنا ؟: معضلة (أي مشكلة لا حل قريب لها في الأفق). للأسف، "لا وجود لحلول محلية لمشاكل وُلدت وترعرعت في ظروف عالمية" (Zygmunt Bauman) لكن نحن لنا ضِلعٌ فيها كبيرٌ ومسئوليةٌ أكبرُ.

- المعذرة، عندِيَ حلٌّ، لكنه حلٌّ مُرٌّ كالحنظلِ، حلٌّ فرديٌّ وسلبيٌّ لكنه حلٌّ مجرّبٌ وناجعٌ: جهاد النفس والرضا بالقدر، أي كبحُ الشهوات الغريزية. لو عُمّم لأصبح مقاومة !


المنوالُ التنمويُّ الاقتصاديُّ الرأسماليُّ الليبراليُّ العالميُّ العقلانيُّ العلميُّ: أمامنا خيارٌ واحدٌ، نأخذه نتطوّر اقتصاديًّا، لا نأخذه نتخلّف اقتصاديًّا !


ملاحظة منهجية: سأوصّفه ولن أحكم له أو عليه (juste un constat et non un jugement). وما مدي عمق تكويني الشخصي في العلوم الاقتصادية حتى أحكم له أو عليه ؟ رأيي الشخصي لا يهم في هذا المقام فأنا أحلم بمنوالٍ مغايرٍ تمامًا،  منوالٍ تنمويٍّ اشتراكيٍّ-ديمقراطيٍّ يشبه المنوال المطبّق في بعض البلدان الأسكندنافية أو ما هو أفضلُ منه، ألا وهو المنوالُ التنمويُّ الجمنيُّ، تجربة جمنة في واحة ستيل بعد الثورة حيث التطوّع هو سيد الموقف داخل جمعية حماية واحات جمنة وأعضائها الإحدى عشر، الأنبياء الباذلون لأقصى جهودهم والناكرون لذواتهم من أجل خدمة المصلحة العامة على حساب سعادة عائلاتهم على مدي ثماني سنوات، أي منذ استرجاع الواحة -أمّ العشرة آلاف نخلة دڤلة نور- من براثن المستثمر الرأسمالي المافيوزي غير الليبرالي وغير العلمي وغير العقلاني وغير العالمي. 

هذا المنوالُ التنمويُّ الاقتصاديُّ الرأسماليُّ الليبراليُّ العالميُّ العقلانيُّ العلميُّ، منوالٌ لا يتدخّلُ فيه الدين ولا الأخلاق ولا الوطنية ولا السيادة الوطنية ولا التضحية من أجل الوطن ولا "هَيّا ناقْفو لْتونسْ" ولا القومية ولا القِيم ولا الضمير المهني ولا الأصالة ولا حب العمل ولا الحضارة ولا الثقافة ولا التقاليد ولا التاريخ. لكنه في المقابل لا يمسّ الدين ولا التقاليد، وأفصحُ مثال على ذلك هو نمط عيش اليابانيين الذي لم يتغيّر رغم تطورهم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، حيث يقال إن الزوجة ما زالت تغسل ساقَيْ زوجَها بكل حِنّيّة عند رجوعه من العمل. سبق وقلنا إنه عقلانيُّ علميُّ، فكيف ستتدخّلُ فيه كل هذه المفاهيم غير العلميّة وغير العقلانيّة؟ وهل تدخلت قبله في الرياضيات والفيزياء أو البيولوجيا ؟ وهل توجد رياضيات إسلامية وأخرى بوذية أو مسيحية ؟

والدليل على نجاعة هذا المنوال الذي أحكي عنه هو التالي: طبقتْه دول إسلامية مثل ماليزيا وتركيا وأندونيسيا فنجحت، وكذلك فعلت كوريا الجنوبية الكونفوشيسية-المسيحية والصين الكونفوشيسية-الشيوعية والهند الهندوسية-الإسلامية ورواندا الكحيانة الخارجة للتو من حرب أهلية وجارتها أثيوبياالجيعانة، كلها دولٌ تحققُ في تنمية مذهلة منذ عشر سنوات تقريبًا. 

عارَضَتْه اليونان فذلّتها الدوائر المالية العالمية (FMI, BM, BCE) فانصاعت. تركيا أردوڤان ترددت وأرادت تحريم الربا البنكي، هددتها نفس الدوائر فرضخت وهي صاغرة. 

لم تطبّقه كل الدول العربية والنتيجة واضحة للعيانْ، لا تحتاج لإثباتٍ أو برهانْ !

السؤال: لماذا لم نطبّقه، نحن العرب خاصةً ونحن نملك المال والرجال (اقتصاديونا ومهندسونا وعمالنا أثبتوا كفاءاتهم في هذا المجال خارج الوطن) ؟

الجواب: لا أدرِي !

أدرِي فقط أنها تقاومه. لمصلحة مَن؟ الله أعلَمُ!

أقف ضد التنمية مذ أصبحت لفائدة قِلّةٍ من البشر !


ماذا جنينا نحن العرب من التنمية الرأسمالية الغربية؟ لم نجن منها سوى الهيمنة على شكل استعمار مباشر وغير مباشر، مباشر في فلسطين وغير مباشر في باقي الدول العربية!

ماذا جنت منها البيئة؟ تلوّثًا شمل الغذاء والهواء والأرض والبحر!

ماذا جنى منها العالَم؟ حربًا عالمية أولى وثانية، مات فيهما ما يقارب المائة مليون نسمة!

ماذا جنينا من التطور العلمي الجيني؟ بذورًا هجينة تحتكر بيعها بعض المخابر (Les graines génétiquement modifiées)! أما العلاج الجيني  فما زال يتعثّر(La thérapie génique).

ماذا جنينا من التطور التكنولوجي؟ قنابل نووية وأسلحة أخرى أشد فتكًا في الحروب الكلاسيكية المتعددة!

في المقابل، جنينا منها تطوّرًا في الطب، لا يستفيد منه على أحسن وجه إلا الأغنياء، وهؤلاء لا يمثلون إلا واحدًا بالمائة من سكان العالَم!

تطوّرًا في الاستهلاك لم يزدنا إلا أمراضًا مزمنة ومستعصية كالسرطان والسكري وأمراض القلب والشرايين!

تطوّرًا في الخدمات جعل منًّا رهائن لدى البنوك!

تطوّرًا في الاتصال أفقدنا استقلالنا وخصوصياتنا!

تطوّرًا في التعليم، تعليمٌ معلّبٌ خالٍ من القيم التضامنية!

خاتمة: أنا لا أطمح لتنمية تشيّد المصانع وتُعلِي البنيان وفي نفس الوقت تقتل الرحمة في قلب الإنسان. أنا لا أطمح لتنمية تضحّي بمستقبل الأجيال القادمة إرضاءً لأنانية الأجيال المعاصرة. أنا لا أطمح لتنمية تهدم الإنسانية في الإنسان وتنزّله منزلة أقل من الحيوان. أنا لا أطمح لتنمية تزيدني عمرًا (L`espérance de vie pour les deux sexes enTunisie: 76 ans) وتأخذ من عمر جاري الإنسان في أغلب البلدان الإفريقية (50-60 ans).



حيلةٌ، يبدو أنها انطلت علينا: قانون "العرضْ والطلبْ" مولودٌ دون أبْ وهو الذي يتحكّمُ في الأسعارِ !


نسينا أن "الأولَ يُولِّدُ الثاني"، ونسينا أيضًا أن هذا القانون ليس طبيعيًّا ولا مُنزَّلاً. هو آليةُ استغلال اخترعتها الرأسماليةُ لِملئ جيوبِ الأغنياءِ وإفلاسِ الفقراء لا أكثر ولا أقل. العرضُ، المغشوشُ المنمَّقُ والمزوَّقُ، هو مَن يخلقُ نهمَ الاستهلاكِ لدى المواطن المحرومِ، وخاصة لدى الأطفال المحكومين بغرائزهم حيث يطلقون العنان لشهواتهم مستفيدين من عطفِ وحنانِ آبائهم وأمهاتهم. هو قانونٌ جائرٌ، وضعه الأغنياء لصالحهم، وهم وحدهم مَن سَنّه وشرّعه وطبقه من أجل تحقيقِ الربحِ السهلِ والسريعِ. قانونٌ لا يمتّ للتضامنِ بين البشرِ بصلةٍ، لا من من قريبٍ ولا من بعيدٍ.

قانونٌ ضد الواقع ومناقضٌ نافٍ له، فمثلاً: هذا العام (2017) عام صابة في الدڤلة والزيتون. هل زاد العرضُ وانخفض سعرُ البيعِ بالتفصيلِ؟ الجواب بالنفي طبعًا، على العكس نَدُرَ العرضُ وارتفع السعرُ!

لماذا ؟ لعدة أسبابٍ، أذكِّرُ ببعضها:

- احتكارُ الإنتاجِ من قِبلِ التجارِ الوسطاءِ (الهبّاطة في سوق الجملة) وتخزينُه في غُرَفِ التبريدِ (العلمُ والتكنولوجيا يستفيدُ منهما الأغنياءُ أكثر من الفقراءِ) بهدفِ التحكمِ في العرضِ لإذكاءِ غريزة الشراءِ لدى المستهلك.

- بعدَ "الهبّاطة" يأتي "الخضّارة" (تجار التفصيل) ويرفّعون في هامش الربح المقنن بكل شجعٍ مستغلين ضَعف الدولة وغيابَ مراقِبِي الأسعارِ النزهاءِ.

- منافسةُ السيّاحِ والمقيمينَ الأجانبَ تساهمُ نسبيًّا في تعميمِ الندرةِ وارتفاعِ الأسعارِ.

- تصديرُ سلعَنا النادرةَ والضروريةَ، تصديرٌ دون تعليبٍ (En vrac) وبأبخسِ الأثمانِ ودون ضرائبٍ على المصدّرِينَ (تونس تمثل سلةَ غلالٍ جيدةٍ وفريدةٍ من نوعها في العالم بما توفره من دڤلة النور وزيت الزيتون) وفي المقابل استيرادُ سلعٍ غير نادرةٍ وغير ضروريةٍ ومُشِطًّةِ الثمنِ (مواد التجميل والعطورات الأجنبية وسيارات البورش واليُخوتِ الفاهرةِ الفاخرةِ).

الله لا يسامحهم، خلقوا في مجتمعاتنا عاداتٍ وتقاليدَ لا تمت بصلةٍ لهويتنا العربية الإسلامية ولا لنمط عيشنا المتوسطِي (Modèle méditerranéen):

مثال: كنا في الخمسينيات ونحن صغارًا، لا نستهلك سكرَ الحانوت الأبيض إلا مرة في السنة، نَفَّةٌ في عصيدةِ المولدِ النبويِّ الشريفِ، وكان كبارُنا لا يستعملونه إلا في الشاي (لم نكن نستهلك القهوةَ ولا الحليبَ)، وكان معدلُ استهلاك السكر عند البالغين في جمنة لا يتجاوز تقريبًا 10 كلغ في السنة. اليوم وللأسف تضاعف الاستهلاك ثلاث مرات وشمل الكبارَ والصغارَ. لا أستثني نفسي من هذا النقد، فأنا أيضًا تشوهتُ وأصبحتُ من عُشاق عصيدة الزڤوڤووالحلويات العربي، شيئان اكتشفتهما لأول مرة وأنا في سن 13 سنة عندما سافرتُ، ولأول مرة أيضًا، من جمنة إلى ڤابس لمواصلة تعليمي. 

لِمن لا يعلم: السكر الأبيض ليس غذاءًا حياتيًّا للجسم (Ce n`est pas un aliment, ni essentiel ni vital) وفي مقدورنا أن نستغني عنه تمامًا ونهائيًّا ولن يمسنا بحول الله أيُّ سوءٍ أو نقصٍ في التغذية. انتباه، هذا لا يعني أن السكر بصفة عامة (الموجود طبيعيًّا في الغلال والنشويات والبقول الجافة) ليس غذاءًا حياتيًّا للجسم بل هو الغذاء والمحرك الأول وهو كالبنزين للسيارة ودونه لا تتحرك العضلات ولا يفكر المخ. هو المغذي الخلوي الأساسي بامتياز (Un nutriment essentiel et vital) ودونه لا تنتجُ الخليةُ أي طاقةٍ. نستهلكُ السكر في الكسكسي، المقرونة، الخبز، الفول، الرمان، التمر، إلخ، وفي الأمعاء الدقيقة وبعد عملية الهضم الكيميائي يتحولُ جله أو كله ومهما كان مصدره إلى نوع واحد أحد من السكر وهو سكر الجليكوز (Le glucose) الذي يدخلُ في الدورة الدموية لتنقله إلى جميع خلايا الجسم من ساسِكْ إلى رأسِكْ، فالخليةُ - لعِلمكم - لا يهمها إن كنتَ غنيًّا أو فقيرًا، يهمها فقط مغذِيَها الخلوي (الجليكوز) ولا يعنيها من أي مصدرٍ جاء، من الغلال االغالية أو من الغلال الرخيصة.

اقتصادُ السوقِ الرأسمالية، هذا الغولُ "يستهدف البطنَ لا الرأسَ، يبحثُ على الانخراط الغريزي والأعمى في منظومته لا الاختيار الواعي، يستدعي العاطفة لا العقل وذلك عن طريق تهييج المشاعر لا الاستنجاد بالرأي المقنِع، يرمي الطُّعْمَ للصغار ليصطاد الكبارْ، يا له من ماكرٍ جبّارْ. الشهوانيّةٌ ضد الذكاءِ، مَكْرٌ قديمٌ قِدم تاريخ الأديان، مَكْرُ رجال الدين ورجال الأعمال. الاثنان تحالفا ضدنا، نحن الفقراء، واستلبوا عقولَنا، غيّروا سلوكَنا السويَّ، شوّهوا عاداتنا وتقاليدنا، حرّفوا هويتنا وديننا، استرقّونا، دجّنونا. أخضعونا غصبًا لمصالحهم الأنانية الضيقة. نجحوا في تجنيدِنا وقودًا لحروبهم، مات مَن مات منّا والأحياء منّا انتدبوهم خدمًا لهم مقابل لقمة العيش. وضعونا في جيوبهم وكان هدفهم الحقير هذا من أولَى أولياتهم وأوكدِها على الإطلاق. وسائلُهم هي هي، لم تتغير عبر الزمن ورغم التطور والتحضر المشوه أوروبي المركز، وسائلٌ لا تستعمل غير التمويه ولا تخاطب فينا إلا الغريزة والجهل. باعونا الريحَ في المراكبِ والوهمَ في الكواكبِ، وجعلونا، دون أن نشعر، نحب ونشتهي نمطَ حياتهم: جمالُ أجسامِ عارضاتِ أزيائهم، هالةُ نجومهم البرّاقة الجذابة، نواب ونائبات، وزراء ووزيرات، ممثلين وممثلات، محللين ومحللات، منشطين ومنشطات. (...) زمنُنا الحاضرُ يتجاهل الدينَ والتقوَى والخيرَ والتراحمَ، والخرافةُ تُعشش في ظلمات لاوعيِنا والسحر والشعوذة والتدجيل. اقتصاد السوقِ الرأسمالية، وعكس ما يمارسُه الأساتذة العلماء النزهاء في الجامعات الحكومية، يُرَسِّخُ الاعتقادَ في كل ما هو غير عقلاني وغير منطقي. (...) والواقع المزري لعموم الفقراء هو هو منذ الأزل: معاناةٌ، ألمٌ، مرضٌ، جهلٌ، بؤسٌ وعَوَزٌ للأغلبية منهم. واحد في المائة فقط من البشرية، أغنياء ٌنجوا على حساب البقية التي سال لعابَها أمام سرابِ السعادةِ الموعودةِ، وهي في الحقيقة سعادةٌ، عن طريق الرأسماليين مستحيلةٌ، وبأيدي هؤلاء قبل ولادتِها موؤودةٌ. تحت مشهدِ العالَمِ المُجَمَّلِ هذا، يغفو للأسف ماردٌ رأسماليٌّ، ماردٌ ليس في قلبه ذرّةٌ من الرحمة، ماردٌ غالبًا ما يلتجئ إلي توظيف أيقوناته الرمزية حتى يستعبدنا أكثر ويؤبد بؤسنا ويعمّمه. لنحفر قليلا تحت رمل الشاطئ المتراكِمِ علّنا نعثُرُ على الرصيفِ القديمِ." (أونفري). 

شَهُّونا، شوّقونا للمليار والجڤوار، عقّدونا ثم حرمونا، هبّلونا، جنّنونا. الهجرةُ، الهجرةُ لمَن استطاع إليها سبيلا، ومَن لم يستطع فليس أمامه لتحقيقِ ما بعثوه فيه سوى "الحَرْقَه" حلاًّ وبديلا.

Référence: Michel Onfray, La lueur des orages désirés, Éd. Grasset, 2007, p. 172.

خيبةُ تليها خيبةٌ، هكذا عوّدتنا الأنظمةُ العربيةُ والإسلاميةُ، أتمنى أن تشذَّ تركيا عن القاعدةِ المألوفةِ في مواجهةِ الشيطانِ الأكبر، الدوائرُ الماليةُ العالميةُ بقيادةِ أمريكا. الأملُ ضعيفٌ جدًّا!


خيبةُعبد الناصر، كيف كان قبل حربِ 67 وكيف أصبح بعدَها؟

خيبةُصدام، كيف كان قبل حربِ 1990 وكيف أصبح بعدَها؟

خيبةُطالبان، كيف كانوا قبل حربِ 2001 وكيف أصبحوا بعدَها؟

خيبةُالباكستان، صاحبةُ القنبلةِ النوويةِ الخضراء حاميةِ الإسلامِ، انبطحتْ لأمريكا التي احتلّت ُ جارتَها أفغانستان وهي تحت حكمِ حليفِها طالبان. الغريبُ أنها برّرتْ انبطاحَها لأمريكا بعذرٍ أقبحُ من ذنبٍ، لم تستحِ وقالت: لن أدخلَ في حربٍ ضدّ الأمريكان دفاعًا عن دولةٍ إسلاميةٍ جارةٍ حفاظًا على القنبلةِ النوويةِ الخضراء حاميةِ الإسلامِ!

كفاني يا قلبُ ما أحمِلُ *** أفي كل عَقْدٍ خيبةٌ تتكرّرُ!

شعوري الخاص لا يعني الأتراكَ ولن يُحبِطَهم إن عَزَموا ولا يلزمهم في شيءٍ، أتمنى من كل قلبي أن يصمُدوا، ولا يكتفوا بالشعبوية والدمغجة أو بتعويض سيد أمريكي بسيد روسي! أتمنى أيضًا أن يتمخّضَ الجبلُ التركيُّ ويلدَ عِوضَ الفأرِ أسدًا! أشكّ كثيرًا!

الرضوخُ لأمريكا هو قدرُ الأنظمةِ الانتهازيةِ لكنه ليس قدرَ الشعوبِ الأبيّةِ، والصمودُ ضدّها ليس مستحيلاً، على شرطِ تغييرِ منوالِ التنميةِ (من اقتصاد ليبرالي تابع إلى اقتصاد اجتماعي تضامني مستقل مثل ما تجرّأت وفعلت جمنة -مسقط رأسي- في تجربتها الرائدة في تونس).  وعلى شرطِ الاستعدادِ لتحمّلِ تبعاتِ قرارِ استرجاعِ السيادةِ الوطنيةِ كاملةً لا منقوصةً: حربٌ شعواء، اقتصاديةٌ وعسكريةٌ، لا تُبْقِي ولا تَذَرْ، لم يشهدْ التاريخٌ لها مثيلاَ.

حمام الشط، الخميس 16 أوت 2018.


بمناسبة عيد الأضحى المبارَك، رسالة مضمومنة الوصول إلى بعض الحداثيين التونسيين من "جماعة النَّمَطْ"!لوموند ديبلوماتيك، تونسة وترجمة بتصرّف مواطن العالَم


"نمط حياة" (Style de vie) فُرِضَ علينا، نحن التونسيون، من قِبل الاستعمار الفرنسي، الدوائر المالية العالمية العليا (FMI, BM, BCE, etc)، البنوك المحلية، صُنّاع الموضة، مهندسي الماركيتينڤ، تجار حقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية الأجنبية وممثليها المحليين المرتزقة (ما فمّاش ڤطوس يصطاد لربي)، مستوردي الإيديولوجيات، لائكيِّ فرنسا منبتِّي الهوية حداثيِّ الهانة ورڤود الجبّانة، إلخ. 

نمطٌ، قمةٌ في السلعنة، سلعنةُ المرأة والتقاليد والقيم، سلعنةٌ توظِّفُ نوعًا من العلوم والجمالية (Esthétisation)، جمالية تدّعي تعويضَ كل ما هو طبيعيٍّ ومحسوسٍ في الحياة بما هو مُصنّعٌ وافتراضيٌّ، تكتيكٌ جهنّميٌّ مُبيّتٌ يُنسيك الطبيعة وجمالها، يُنسيك حتى أهلك وناسك وأصلك ودينك ولغتك وتاريخك وهويتك، يستلبكحتى النخاع. تكتيكٌ، لا غاية له إلا الربح السريع ولا وسيلة إلا الاستغلال الفاحش. تكتيكٌ، يشرِّكك في إفلاس نفسِك بنفسِك! تكتيكٌ، عوّدنا على "حاضرٍ دون حضورِ" لواقعٍ معدَّلٍ جينيًّا، حيث لا يوجد شيء لم تطله، وبصفةٍ لا رجعة فيها، آفات الكذب والتزويق والغِش والتلوّث والفساد.

هذا هو البرنامج المشترَك الذي يحاول فلاسفة أذكياء خبثاء عديمو الأخلاق والضمير، مرتزقةُ الماركات العالمية المشهورة، يحاولون أنسنته وعَلمنَته وتجميله وتسويقه لنا تحت يافطة برّاقة كذّابة، كُتِبَ عليها مفهومٌ  اسمُه "نمط حياة عقلاني تقدّمي حداثي" الذي أصبح قيمةً مضافةً (Valeur ajoutée)، أصبحوا يحاولون إذلالَنا وإجبارَنا على الرضوخِ والانصياعِ والاستِلابِ والتبعيةِ والعبوديةِ.

هل يوجدُ في آخر النفقِ بصيصٌ من الأملِ؟

مقاومةُ هذا النمط وأصحابه والداعين إليه في بلادنا، هدفٌ ليس مستحيلا، وذلك عن طريق الرجوع الواعي للطبيعة النظيفة البريئة الحرة: نظامنا الغذائي المتوسطي، صلة رحمنا، هندسة بنائنا، فلاحتنا التقليدية البيولوجية بطبعها، قِيمنا السمحة، احترامنا للمرأةِ ولمن هو أكبر منا سنًّا وقدْرًا، إلخ.

خاتمة شخصية: "الحلم الذي لم يتحقق، هو حلم قابلٌ للتحقيق" (الأناركي جوزيف ديجاك، 2016).

المصدر:

Le Monde diplomatique, août 2018, p. 28, extrait de l`article : « Beauté toujours en instance» par Annie Brun, écrivaine.


"روابط حقوق الإنسان في العالَم": مكسبٌ أم ماكياج لواقع يسود فيه "غياب حقوق الإنسان" ؟ نص ميشال أونفري. تعريب مواطن العالَم، مؤمنٌ بحقوق الإنسان وضحيةٌ لِـحقوق الإنسان الغربية الرأسمالية


"انتفاضة ماي 68 في فرنسا فتحت البابَ على مصراعيه لِـعولمة الرأسمالية الليبرالية وتحرير السوق من كل الضوابط الاجتماعية. ومن أجل تبليعِنا هذه الحربوشة المُرة وُظِّفت فلسفة الأنسنة (L`humanisme) وإيديولوجيا حقوق الإنسان اللتان استُعمِلتا كأدوات إيديولوجية (Des adjuvants idéologiques) لتأبيد الفقر وتجميل استغلال المؤجّر ومحاولة تجبير "الكسر المتكرر لظهر الأجير". 

انتشار البؤس (La misère) بكل أشكاله المُزرِية والمتعددة وتفشّيه في جميع بلدان العالم (الفقيرة منها والغنية، في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يعيش أربعون مليون ساكن تحت خط الفقر)، وارتفاع منسوب الاستلاب (L`aliénation)، وغياب قوانين المنافسة الحرة النزيهة والشفافة: ثلاثة أدواء لم تجد لها علاجًأ لدى مُشعوذي حقوق الإنسان سوى الصدقة المنظمة بشفقة وإذلال وإهانة وسخرية ودعاية مُمَسرَحة سخيفة. ولِـتبريرِ الفقرِ أخلاقيًّا وتغطيةً لـعجزِهم عن تحقيق العدالة الاجتماعية الفعلية، التجأ أنصار الأنسنة - فرسان حقوق الإنسان وتُجار الأوهام ومرتزقتهم المثقفون الانتهازيون- إلى مَكيجة وجه الاستغلال الرأسمالي البشع المُرعِب وستر تشوهاته وتجميله وإخراجِه في شكل  "مؤسسات خيرية خادعة ومُخادِعة" مثل جمعيات  المتطوعين ومهرجانات التبرع المشهدي عبر الحفلات البورجوازية الخيرية وعبر التلفزة (Le téléthon). وكل ما بدا الفقرُ للأغنياء قابلا للاحتمال من قِبل الفقراء بل ودينيًّا مستحبًّا، تكفيرًا عن الخطيئة الأصلية (Le péchéoriginel)، كل ما بدت إزالته للفقراء صعبة بل مستحيلة وغير وارِدٍ التفكير فيها".

تعليق مواطن العالَم:

- الغربُ المسيحي بِـتاريخه الاستعماري الأظلم ومحاكم تفتيشه الدينية القروسطيةونازيته وفاشيته وستالينيته: ألا يخجل من نفسه عندما يَسِمُ ديننا وحضارتَنا بالتطرف والعنف والبربرية؟

- منذ حرب الخليج الأولى، قتل الغربُ قرابة أربعة ملايين مسلم (تصريح لميشال أونفري): ألا يُفكر قليلا قبل أن يعتبر كل المسلمين إرهابيين محتمَلين؟

- أمريكا التي حاصرت العراق اقتصاديًّا وتسببت بصفة واعية ومباشرة في قتل مليون طفل عراقي: ألا يستحِي رئيسها الحالي من نفسه عندما يَحرِم المسلمين من دخول بلاده بعنوان حمايتها من عنفنا؟

- فرنسا حطمت ليبيا بقنابل طائراتها في ظرف أسبوع أو أسبوعين: ألا تحق اللعنة على حكامها من ديڤول إلى ساركوزي؟

- الغربُ المؤسسُ لـدولة إسرائيل العنصرية والداعِم لسياستها الاستيطانية والمُسلِّح لجيشها الغاصِب والراعي السخي والمساند المتحمس لِـصلفِها وعنجهيتهاوبربريتها وتوحشها وعدوانيتها المجانية طيلة 69 سنة: ألا يتحرّج من تصنيف "حماس" منظمة إرهابية ؟

خاتمة:

وإذا أتتك مذمتي من ناقِصٍ (الغرب المسيحي) فهي الشهادة بأنه (الغرب المسيحي)، ليس ناقصًا فقط بل وقحٌ وقليلُ تربيةٍ وعديمُ الذوقٍ!

حمام الشط، الاثنين 3 أفريل 2017.

صرخةُ غضبِ ظرفيةٌ مِن عربي معاصِر ضد حكام الغرب المعاصِر والملايين من مواطنيه المرتزقة في الحرب والسلم: والله العظيم أشهد أننا -ورغم تخلفنا أو بسببه- أقرب منكم إلى الإنسانية!مواطن العالَم، أمَمِيُّ الانتماء وغاندي الهوى 


أجيبوني يا غربيون وقولوا لي بالله عليكم هل العربُ هم مَن قاموا بالجرائم التالية ضد الإنسانية:

- استعمار البلدان المتخلفة ونهب ثرواتها وإذلال سكانها الأصليين وسجن وتشريد وتجويع وتجهيل وقتل الملايين منهم (قرابة المليون ونصفمواطن مدني جزائري بريء قتلتهم فرنسا خلال احتلالها الاستيطاني للجزائر الذي دام 130 سنة).

- الحربان العالميتان الرأسماليتان العبثيتان من أجل الهيمنة والمال وقتل مائة مليون ضحية، فقراء غربيون وغير غربيين.

- القنبلتان النوويتان الأمريكيتان في هيروشيما وناغازاكي والمائة ألف ضحية من المدنيين اليابانيين الأبرياء في دقيقة واحدة سنة 1945.

- الحروب الأخيرة ضد مصر وغزة وفيتنام والصومال ويوغسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا والقائمة لا زالت مفتوحة.

- الاستعمار الجديد "الناعم" عن طريق المِنح والهِبات والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

- حق الفيتو في الأمم المتحدة.

- بَعْثُ دولة الكيان الصهيوني المحتَل الاستعمارية الاستيطانية العنصرية.

حكام العرب، تلاميذ الغرب، مجرمون هُواة، لم يستعمروا بلدانَكم ولم ينهبوا ثرواتِكم ولم يقتلوا أولادَكم، وما "داعشنا" إلا هجينةٌ مشوهةٌ من صُلبِنا وصُلبِكم، وهي مجرمةٌ-إرهابيةٌ في حقنا قبل أن تكون مجرمةً-إرهابيةً في حقكم، والدليل المأساوي الجنائزي أنها قتلت منا -وبِأسلِحَتِكم- أضعافَ أضعافَ مما قتلت منكم.

قال لي محاوري في المقهى: عقليتهم متقدمة على عقليتنا.

أجبته: لو كان التقدم ما فعلوه فـ"ربي إخَلِّينّا تخلفنا"، ولو كان العقلُ ما أتَوا فأمِتْنا يا ربي غير عقلاء! والغربيون الذين أحبهم وأحترمهم، هم أساتذتي في الثانوي والجامعة وبعض العلماء والفلاسفة الذين أقرأ لهم ويشاركونني موقفي الإنساني هذا وجميع فقراء الغرب المظلومين نسبيًّا مثلنا. 

ما هي مواصفات الفرد التونسي الذي أنتجه النمط الحضاري الرأسمالي المافيوزي خلال ستين سنة ؟فكرة ميشال أونفري. تَونسة مواطن العالَم


Pamphlet


لقيطُ حضاراتٍ. ليس بِـملحدٍ وليس بِـمسلِمٍ، شِبْهْ شِبْهْ. نصف جاهلٍ نصفُ مثقفٍ. مغرورٌ محدودٌ. طيّعٌ لرئيسِه صلبٌ مع مرؤوسيه. ضعيفٌ مع الأشدّاء شديدٌ مع الضعفاء. خبيثٌ خبثُه مكشوفٌ. يعبد المالَ ولا يعصَى له أمرًا فإن لم يكن بين يديه فهويعرف أقرب السُبُل إليه. عاشقٌ للحيلة وتاركٌ للفضيلة. نبي مختص في التفاهات والأفكار البتراء وحب الذات الصغيرة. أناني حتى النخاع. مستهلك للأساطير والخرافات. ثقيل الظل لم تغير من قِيَمِه السوقية ثورةٌ بأكملها. غيرُ مهذبٍ. غيرُ قارئٍ. قصيرُ الذاكرةِ. مُنبتٌّ يرى نفسَه أكثر أصالةً من أصلِه. يتكلم عدة لغات ولا يتقن أي واحدة منها. قابل للرشوة والارتشاء في آن واحد. ضد العنصرية في الخارج وعنصري في تونس. مع المرأة في المقهى وضدها في المنزل. يحترم أمه ويحتقر أمَّ أولاده. انتهازي بامتياز. ثوري الخطاب رجعي الفعل. ربي يخليه لُمُّو!

يبدو لي أن هذا النوع من البشرِ التونسي لا يحتاج إلى مخ يفكر به، فنخاعٌ شوكيٌّ يكفيه لقضاء حاجاته الحيوانية، دون تعميمٍ طبعًا على كل التونسيين الآخرين الشرفاء الفقراء وهم والحمد لله كُثْرٌ.

Source bibliographique: Politique du rebelle. Traité de résistance et d`insoumission. Michel Onfray, Ed Grasset, 1997, page 193.

حمام الشط، السبت 1 أفريل 2017.



مُعجزةُ ألمانيا الاقتصادية جحيمٌ على الفقراء الألمانيينَ، العاملينَ والعاطلينَ ؟ ترجمة ونقل مواطن العالَم


- سياسة إصلاحية رأسمالية استغلاليّة، أرساها الائتلاف الحاكم (سنة 2003-2005): حزب الخَضْرْ والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، بقيادة المستشار شرودر، الذي فقد جرّاءها 200 ألف عضو منذ 2003 إلى اليوم.

- 4,7 مليون عامل لا زالوا يصمدون اليوم عبر القيام بأشغال صغيرة. سَقْفُ الأجرة الشهرية يساوي 450 أورو (1350 د. ت). ألمانيا حوّلت عاطليها إلى فقراء محتاجين، واعتمدت شعارات شعبوية إيديولوجيّة، مثل "فقيرٌ عارِقٌ ولا فقيرٌ عاطِلٌ" (Un pauvre qui sue plutôt qu`un pauvre qui chôme) أو "تمكين رجال الأعمال من يد عاملة رخيصة" أو "لا حقوق للكسلاء".

- تولَّى تنفيذ هذه السياسة الخاطئة في حق البروليتاريا الرثة "مركز المهن" (Jobcenter) وساندته  الفدرالية الألمانية للنقابات (DGB) وعارضته نقابة (Ver.di)والشيوعيون الجدد في حزب الاشتراكية الديمقراطية (PDS)الذي استقطب المُنشقّين عن حزب شرودر(SPD).

- كرامة العامل الألماني في خطر: أمٌّ عزباء عمرها 36 عامًا ومربية عاطلة، دعاها "مركز المهن" لِتَسَلّمِ شغلٍ في محل يبيع الملابس الخليعة (sex-shop) وهدّدها بالخصم من منحتها أو قطْعِها في حالة الرفض.

- مستقبل أبناء العمال العاطلين (15-18): يتمتع الطفلُ بمنحة شهرية قدرها 311 أورو (900 د. ت) تُصرَفُ له من "مركز المهن" لكن يحِق لهذا المركز استدعاء الطفل لينصحه بالتوجه إلى قطاع دون آخر تحت التهديد بقطع المنحة لو غاب عن موعدٍ، مما يترك بالتأكيد أثرًا بيداغوجيًّا على نفسية المراهق الضحية لهذه "المعجزة الألمانية".

- "مركز المهن" أصدر سنة 2016 قرابة المليون عقوبة ضد العاطلين بمعدل 108 أورو على الرأس. و في نفس السنة، قدّم العاطلون في "مركز المهن" 121 ألف شكوَى، رُفِضَ منها 60 %.

Source: Le Monde diplomatique, n°762-64è année, septembre 2017. Extraits sélectionnés de l`article : « L`enfer du miracle allemand », Page 1, 6 et 7, par Olivier Cyran, journaliste.


هل أنتجَ فسادُ رجالِ الأعمالِ ازدهارًا اقتصاديًّا؟ ترجمة وتعليق مواطن العالَم


(Les vices privés font la vertu publique) 


نص لوموند ديبلوماتيك، ديسمبر 2017: [قال ماندوفيل، الملقَّبِ بـ"رجلِ الشيطانِ" (XVIIIe S): "الحروب، النَهبُ، سَرقةُ عرق العمال، تجارةُ الكحول والمخدرات، البِغاءُ، التلوثُ، استهلاكُ السلع الفاخرة، البحثُ الشرسُ عن الربح، إلخ. كل هذه الرذائل تساهم في الازدهار الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي الجديد المتوحش. مثال: لولا وجود خارِقِي القانون، فهل سيوجد محامون، أساتذة قانون، جامعات قانون، مهندسون معماريون لتشييدِ المَبانيلهم؟ كل هذه الأنشطة التي تساهم في بناء الحضارات وتطورها يرجعُ الفضل فيها لهؤلائك الخارِقِين للقانون!".

هذا هو بالضبط المنطق الذي تتبعه اليوم الشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات في عهد النيوليبرالية: هيمنةُ الاستغلال الفاحش، مضاربات البورصات، إفلاسُ متعمَّد للمنافسين، تدليسُ الفواتير، تزييفُ تقارير الميزانية السنوية، تحويلُ وجهة القروض العمومية، صفقات مشبوهة، شراءُ الذمم بالرشاوي، تجسسٌ، إثراءٌ فاحشٌ وسريعٌ دون جَهدٍ أو مثابرةٍ، ابتزاز، خرقٌ لقوانين الشغل، تزويرٌ للمعطيات العلمية مما قد يضر بالصحة العامة للمواطن. لو اتبعنا فكرَ ماندوفيل وأقرّيْنا مثله بأن فسادَ رجالِ الأعمالِ يجلبُ الازدهارَ الاقتصاديَّ، فلْنواصل إذن في نفس الطريق دون حياءٍ. أضافَ ماندوفيل قائلاً: "يجبُ أن نُضحِّي بالفقراءِ الذين يجتهدونَ ويشقُونَ من أجلِ تلبيةِ حاجاتِ الأغنياءِ، السويةِ منها والشاذةِ". نصل في الأخير إلى حاكم العالَم المعاصر، دونالد ترامب، الذي يريد الحكم في العالَم أجمع بإشاعةِ الكذبِ والتحيّلِ والغِشِ وإنكارِ الحقيقة والربحِ النهِمِ وتدميرِ البيئةِ والجَهرِ بالعُهرِ الليبراليِّ.

سؤالٌ إنكارِيٌّ: هل هذا هو الازدهارُ الاقتصاديُّ الذي نطمحُ إليه في تونسَ بعد الثورةِ؟

Référence : Le Monde diplomatique, décembre 2017, « Les prospérités du vice », par Dany-Robert Dufour, philosophe, p. 3.

يا فقراءُ العالَماتحدوا ؟ ترجمة ونقل مواطن العالَم  


يا فقراءُ العالَم، مسلمون وغير مسلمين، أفيقوا وانظروا إلى بعض علماء أمريكا الإرهابيين كيف يعدّون لكم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل يرهبونكم ويرهبون به أعداءَ أمريكا وأعداءَ الرأسمالية المتوحشة.

في مخابِرِهِم العلمية الجهنمية، يعدون لكم جُندِيَّ المستقبلِ، "جُندِيٌّ خارقٌ للطبيعةِ" (Un soldat augmenté physiologiquement).

تُرَى ما هي ملامحه المحتملة ؟ :

- في جامعاتهم يحضّرون لكم نوعًا جديدًا من البكتيريا قد تساعد البشر (الجنود الأمريكان) على تَحَمُّلِ الجوع في أوضاع استثنائية في الحرب وتمكّنهم من هضمِ الأغذية غير الصالحة للأكل في الحالات العادية والتي لا نقدر طبيعيًّا على هضمها لأن جسمَنا لا يملك الأنزيمات اللازمة لذلك.

- في جامعاتهم يحضّرون لكم نوعًا جديدًا من المخدرات (La ritaline et le modafinil) تجعل الجنود الأمريكان أقدر على مقاومة التعب والإنهاك وتجعل منهم محاربين شرسين دون إنسانية ولا يهابون الأخطارَ والموتَ. 

وزارة الدفاع البريطانية اشترت منهم 5000 حربوشة عام 2001 و4000 عام 2002، استعملتها في غزو أفغانستان.

- تدريب المخ على أخذ القرارات بسرعة بواسطة صعقات كهربائية.

- زرعُشريحةألكترونية(Puce électronique) في المخ تقوم بِترجمة أوامر المخ مباشرة إلى جهاز التحكم في الطائرات دون طيار (Les drones) دون المرور بالنطق أو النقرِ على فأرة الحاسوب مما قد يُعرّض الجنديَّ نفسَه إلى خطر استهدافه إلكترونيًّا من قِبل العدو.  

- زرعُشريحةألكترونية تستقبل الذبذبات الإذاعية (Un récepteur radio) في الأذن مما قد يُخفف من حملِ الجندي.

تعليق مواطن العالَم: العِلمُ، يا سادتي يا كِرام، ليس مُحايِدًا كما يتراءى للأكثريةِ مِنّا. العِلمُ منحازٌ بل مُناصرٌ لِصانِعيه ومُموِّليه الرأسماليين، ونحن العربُ المسلمونَ المقيمونَ في الدول العربية الـ22، لسنا من صانعيه ولا مموليه والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه. نحن لا زلنا نستورد سلاحَنَا من أعدائنا لنقتلَ به أبناءَنا، وبأموالنا لا زلنا في عَمانَا نُغذي حروبَنا الأهلية المدمِّرة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، فصَحَّ فينا قولُه تعالَى: "وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ". 

Source : Le Monde diplomatique, n°762-64è année, septembre 2017. Extraits sélectionnés de l`article : « La quête du soldat augmenté », Page 3, par Ioana Puscas, chercheuse.

التصويتُ النافعُ: بارادوكسالّومان، ارتفاعُ التصويتِ للسبسي في 2014، أكبرُ دليلٍ على عدم شرعيتة وعدم أحقيته في كرسي الرئاسة


Le vote utile nous a donné un président illégitime et inutile.

أتمنى - والتمني يفيدُ المستحيلَ - أن لا يتكررَ التصويتُ النافعُ في انتخابات 2019 لأن هذا النوع من التصويت هو أفسد أنواع التصويت. 

أذكّر بأجواء الحملة الانتخابية الرئاسية في 2014، الدورة الثانية بين السبسي والمرزوقي:

1. بدأ الإعلام يُطلِقُ صفّارات الإنذار ويحذِّر الناخبين من احتمال حدوث خطرٍ وهميٍّ، شبّهه بالزازال:

- القيامة ستقومُ غدًا.. نجاحُ المرزوقي قد يكون! (تصوّروا أصبح نجاحُ المرزوقي، الجنوبي الطيّب، يُعَدُّ بمثابةِ كارثةٍ طبيعيةٍ مُدَمِّرةٍ!).

- لو لم تذهبوا إلى الصندوق سينجحُ المرزوقي فتندموا حيث لن ينفعكم الندم.

- خطرُ وصول الظلامية للحكم خطرٌ واردٌ جدًّا.. وتَجنُّبِ الكارثةِ موكولٌ لأصواتِكم (المرزوقي ظلامي؟ الله لا تربّحكم!).

- احذَروا وصولَ أعداءِ الديمقراطيةِ عن طريقِ الديمقراطيةِ مثلما وصل هتلر (تقارنون المرزوقي بهتلر؟ الله لا تنجّحكم!).

- شركات سبر الآراء المأجورة مثل "سيڤماكونسايْ" لم تبخل علينا باستطلاعاتِها البهيةِ سليلةِ الأموالِ السخيةِ. 

- ترغيبُ اليسار الانتهازي في السبسي (تلميذِ ووَريثِ بورڤيبة (جلاد اليسار)وتكريهه في المرزوقي الحقوقي (حليف اليسار في سنوات الجمر): وقع الثعلبُ في الفخ أو أوهمنا أنه وقع في الفخ؟ عبقرية اليسار أنتجت حملة "قطع الطريق" على المرزوقي. يسارٌ انتهازيٌّ ذكيٌّ وليس غبيًّا كما قد يذهب في ظن الكثيرين: يسارٌ يعرف من أين تُؤكل الكتف لكنه بعد نجاح السبسي أكل كفًّا ولم يأكل كتفًا. يسارٌ سمسارْ طمّاعٌ في الدينارِ والدولارْ، وإلا كيف يساند جلاّدًا ويَخذِل حقوقيًّا؟ ومن شدة ذكائه الانتهازي أنه فَسَخَ بنفسه تاريخَه النضالي ضد البورڤيبية إن بقي له من هذا التاريخِ المجيدِ شيئًا يُذكَرُ فيُشكَرُ!

مَن رأى منكم يومًا الانتهازية اليسارية تمشي على ساقَيْها؟ أنا رأيتُها.. والله العظيمْ رأيتُها؟

رأيتُها مرة في حمام الشط بالذات.. شاهدتُها تمشي "مزروبةً".. وشاهدتُها جالسةً غير "مزروبةٍ" تحتسي قهوة وممكن من نفس الفنجان الذي شربتُ منه بالذات.. رأيتُها ويا ليتني ما كنتُ رأيتُها.. رأيتُها بأمِّ عينيَّ وفي مقهى الشيحي.. مقهايَ.

2. النتائج الكارثية للتصويتِ النافعِ في 2014:

يبدو أنه كلما ارتفع عدد المصوّتين لصالح السبسي كلما برهنوا أنهم لم يصوّتوا على برنامج وإنما على شخص وهمي خَلَقَه الإعلامُ وهذا ما يفسّر عدم شرعية أي رئيس فاز بفضل "الفوت أوتيل" مثل "ماكْرُونْ" والسبسي.. "جانا المِي .. أُو.. جانا الضو والكيّاصْ".. وجاءنا الدليلُ "بعدما وقعت الفأسْ في الرأسْ": صاحبُ وَعْدِ الأربع حكومات لم يقدَرْ على تكوينِ حكومةٍ واحدةٍ متماسكةٍ ومستقرّةٍ. لم يكشِفْ عن قَتَلَةِ "بلعيد والبراهمي" كما وعدَ. لم يبنِ قاعةً سينمائيةً واحدةً من المائةِ التي وعدَ بها. لم يقدَرْ على كبحِ شطحاتِ ابنِه المدلَّلِ. رئيسٌ عاجزٌ ذهنيًّا رغم ومضات التجلي القليلة عدديًّا والمتباعدة زمنيًّا. كشفَتْه "كريستين لاڤارد" (FMI) ولم يكشفْه أحدٌ غيرها: قَصَبٌ فارغٌ في الداخل والخارج. ومَن كانت الدوائرُ المالية العالمية والمحلية نصيرَه فلا غالِبَ له إلا الله.

يبدو لي أنه لو لم يحصدْ السبسي أصواتَ انتهازِيِّ اليسار والوسط في "الفوت أوتيل"، لَفازَ عليه المرزوقي فوزًا ساحقًا.


ملاحظة 1 رفعًا لكل لَبْسٍ محتمَلٍ: سبق لي وأن قلتُ: "لستُ نهضاويًّا ولن أكون ولا جبهاويًّا ولن أكون"، أضِيفُ: "لستُ مرزوقيًّا أيضًا ولن أكون". وذلك لسببَين اثنَين: أولا، أنا جمني موش مرزوڤي (المرازيڤ هو اسم أعظم قبيلة في دوز جارتِنا الحبيبةِ التي تَبعدُ على جمنة دوز كيلوميتر). ثانيًا، لا أتعاطف مع المرزوقي السياسي ولا مع حزبه ولم أصوّت له في 2014 ولا للسبسي طبعًا، لكنني أحترمُ جدًّا جدًّا المرزوقي المثقف والمرزوقي الحقوقي ووددتُ لو أنه لم ينخرطْ في العمل السياسي المباشر.

ملاحظة 2 للأمانة الأدبية:مقالٌ مستوحَى من قراءاتي الشهرية في لوموند ديبلوماتيك، جريدتي الوحيدة وعشيرتي منذ خمسين عامًا.

حمام الشط، الأربعاء 13 فيفري 2019.

2

نقد الماركسيّين

اليسار التونسي، خلافًا لليسار الأوروبي، لم يولد من رحم الصراع بين الرأسماليين والبروليتاريا بل أسقِط بمظلة فرنسية. Gauche parachutée

اليساريون التونسيون يقرؤون تراثهم العربي-الإسلامي

مستعينين بنظارات وجدوها في سلة مهملة من عهد الثورة الفرنسية 1789. أنصحهم بتغييرها.


أكبر خطأ ارتكبه اليساريون العرب في حق شعوبهم: لم يأخذوا المسألة الدينية مأخذ الجد. اعتبروا الدين أفيونا وهو في الواقع أكبر محرك.


المؤرخ الهادي التيمومي قال: "أنا ماركسي لكن الماركسية لا تصلح لتونس وأخطأت في تحليلاتها حول العالم الثالث. تصلح في الغرب.

Sur YouTube

خلال العشرية الماضية أنفق اليسار طاقة رهيبة للإطاحة بالنهضة فلو أنفقها في النضال الاجتماعي لخرج منذ زمان من دائرة الصفر فاصل

كنتُ ماركسيًّا وكنتُ أقول أن الدينَ هو سبب تخلفنا وكنتُ مخطئا. 

واليوم لم أعدْ ماركسيًّا وأقول أن تأويلَنا الخاطئ للدين قد يكون أحد أسباب تخلفنا.

توهم ماركس أن التغيير الجذري ممكن

أخطأ لأنه لم يكن يعرف أن جيناتنا انتُقِيت طبيعيا ليكون الإنسان متضامنا مع قبيلته عِدائيا للآخر.

أي إيديولوجية هذه التي تجعلُ المرءَ يستحي من ذكر اسمِها أمام أهله. إذا كانت لا تشرّفكَ فلا تشرّفْها أنتَ في السرِّ والعَلَنِ. والرجوعُ إلى الأصلِ فضيلةٌ.

الشيوعية التي سادت في الاتحاد السوفياتي والصين وبلدان أوروبا الشرقية كانت شيوعية-قومية أقرب لليمين منها لليسار.

Le M diplo,oct2021

الماركسية شوّهت يسار ما قبل ماركس: كان رسالة مفتوحة فحوّلته إلى إيديولوجية منغلقة. كان سلمًا فحوّلته إلى عنف. إمضاء يساري (يسارية ما قبل ماركس)

الماركسيون يطالِبون الإسلاميين بفصل الدين عن السياسة، وهم لا يفصِلون بين دينهم (Messianisme séculier)  والسياسة. حرامٌ عليكم حلالٌ علينا !

اليساري النزيه فيلسوفٌ أو لا يكون. هذا لا يعني أن كل اليساريين فلاسفة، بل على العكس الماركسيون رذّلوا النظرية عندما ادّعوا باطلاً أن الماركسيةَ علمٌ.

Aux intellectuels tu. Non-indigénisés : aimer un peuple, c’est aimer, sa langue, sa culture, sa religion, sa gloire et ses faiblesses.

كلامٌ موجّهٌ لبعض الحداثيين المنبتّين: مَن أحبَّ شعبًا، أحبَّ دينَه، لغتَه، ثقافتَه، عاداتَه، تقاليدَه، انتصاراته، انكساراته ومَن لا يحب أهله فلا أهلَ له!

بروز الصين كحمامة سلام ضد النسر الأمريكي الكاسر. ترجمة وتأثيث مواطن العالم


Source d’inspiration : la revue bimensuelle « Manière de Voir », juin-juillet 2024.

تدخلت الصين بالحسنى بين السعودية وإيران ونجحت في إرجاع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام سبع سنوات وتسعى اليوم للتدخل وبال حسنى أيضًا بين مصر وأثيوبيا لتسوية الخلافات بينهما حول "سد النهضة" العظيم الذي شيدته أثيوبيا على مجرى نهر النيل الأزرق مما قد يقلص من حصة مصر المائية المعهودة. تبحث الصين على التأكيد بأنها حمامة سلام خلافًا لعدوتها أمريكا الشمالية المتهمة على حق بنشر التفرقة وبث الفتنة وشن حروب استباقية أينما حلت على وجه الأرض بأكملها. يُقال أن الصين لم تطلق خرطوشة واحدة خارج حدودها منذ ما يقارب من نصف قرن وهذا لا يعني أن ليس لها مطامح امبريالية مثل منافستها.

حمام الشط في 17 جوان 2024.

ماذا تريد مجموعة البريكس الموسّعة (Les Brics+) ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالم


Source d’inspiration : la revue bimensuelle « Manière de Voir », juin-juillet 2024.

في يوم 1 جانفي 2024، توسّعتْ مجموعة دول البريكس (Les Brics : Le Brésil, la Russie, l’Inde, la Chine et l’Afrique du Sud) وقبلتْ بانضمام خمس دول جديدة  (العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، أثيوبيا وإيران) فأصبحتْ تسمَّى (Les Brics+). ملاحظة: دولة الأرجنتين انسحبت بعدما قُبِل انضمامُها لكن في المقابل أكثر من 20 دولة أخرى عبّرت عن رغبتها في الانضمام وبسرعة. هذه المجموعة الجديدة (Les Brics+) تُمثل 36% من الدخل العالمي الخام (PIB mondial) و54% من الإنتاج النفطي العالمي و 46%من جملة عدد سكان الأرض، وهذا وحده كافٍ لِـلَعِبِ دورٍ مهمّ في حوكمة العالم.

ماذا تريد مجموعة البريكس الموسعة (Les Brics+) ؟

- لم تَعِدْنا بأي نموذج تنموي بديل للنموذج الغربي الرأسمالي الليبرالي الحالي المهيمِن على التبادلات التجارية العالمية الحرة.

- وكالهيئات الغربية الأخرى، هي أيضًا تمجّد اتفاقيات الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وتطالب بتوسيعها رغم أننا نعرف أن هذه الهيئات ترقع شعارًا يقول: " القطاع العام يدفع ويموّل ويدعّم والقطاع الخاص يحصد ولا يجتهد ولا يجدّد" خاصة في البلدان النامية.

- لا تنوي تأسيس جبهة لمناهضة الرأسمالية الغربية الليبرالية المهيمِنة والظالمة والمجحِفة، لا جبهة اقتصادية ولا جبهة سياسية.

- لا ترنو إلى قلب النظام العالمي الجديد الذي تأسس بعد سقوط الشيوعية سنة 1991، لكنها تفكر في تغييره بطرق ناعمة وسلمية.

- تطلب الاعتراف بها كقوة اقتصادية جنب القوة الاقتصادية القديمة (أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان).

- تطالب بمراجعة وزن كل عضو من أعضاء صندوق النقد الدولي (FMI) في التصويت على طلبات القروض.

- تطمح إلى التعامل فيما بينها بعملاتها المحلية والاستغناء شيئًا فشيئًا عن هيمنة الدولار الحالية.

- تحلم بتوسيع "بنك البريكس" الذي قد يعوّض صندوق النقد الدولي الخاضع حاليًّا للهيمنة الأمريكية.

- تطالب بمراجعة تركيبة مجلس الأمن وتقترح إضافة البرازيل والهند وإفريقيا الجنوبية كأعضاء قارين جنب الخمسة المؤسسين (ملاحظة: الصين، العضو بالبريكس الموسعة، تعارض إضافة الهند).

خاتمة: لكن العالم القديم بقيادة أمريكا لا يريد أن يسمع شيئًا عن هذه المطالب بل يفزع لمجرّد التفكير في تقاسم سلطته مع بلدان كانت بالأمس القريب مستعمَرة وتابعة له. المشكل أن جل دول العالم الثالث تتردد في الاختيار بين أمريكا الشمالية الضرورية لضمان أمنها وبين الصين الضرورية لازدهار اقتصادها.

حمام الشط في 17 جوان 2024.

اليسار الستاليني يتهم واليسار غير الستاليني يُرافعُ دِفاعًا عن نفسه: سَبعُ تُهمٍ وسَبعُ مرافعاتٍ مقتضبةٍ ؟


ملاحظة 1: دارَ الحوارُ اليومَ صباحًا في مقهى الشيحي التعيسة التي لم تَعُدْ تعيسة، والعيبُ الكبير الذي أتيتُه اليومَ هو غضبي الشديد في الرد على مناوِئِيَّ، لذلك وقبل الدخول في صلب الموضوع، أقدّم اعتذاري إلى جلسائي أولا وإلى مُرتادِي المقهى ثانيَا.

ملاحظة 2: أعي جيدًا أن حُجَجِي المنطقية لن تغيّرَ مواقف مناوئيَّ منّي، خاصة مواقف اليساريين سجناء البراديـﭬم الماركسي-اللينيني أي الستاليني

J’ai appris en didactique que les connaissances ne changent pas automatiquement les valeurs.


تهمة 1: لماذا كتبتَ في كذا ولم تكتبْ في كذا؟

مرافعة 1: أتفهُ لومٍ في الوجود يوجهه قارئٌ إلى مفكّرٍ كاتبٍ حرّ! أكتبُ ما أشاءُ متى أشاءُ وليس لأحدٍ أن يُملِي عليّ ما أكتبُ وأنشرُ، غير ضميري. لستُ داعيةً ولا غاية لي في بُلوغِ منصبٍ أو نَيلِ مكسبٍ أو تحقيقٍ إشعاعٍ أو إقناعٍ ولا يضيرني إن قرأني واحدٌ أو ألف.

تهمة 2: لماذا تنقد اليساريين ولا تنقد الإسلاميين؟

مرافعة 2: الإبستمولوجيالبيولوجيست ينقد البيولوجيا ولا ينقد الرياضيات لأنه يعرف الأولى ويجهل الثانية. محمد كشكار، يساري ينقد اليساريين ولا ينقد الإسلاميين لأنه عاشرَ اليساريين وقرأ فكرهم ولم يعاشر الإسلاميين ولم يقرأ فكرهم، إلا القليل الذي لا يسمح له بالتعمق في النقد السياسي. قرأتُ الغنوشي، وجدتُ في كتاباته ونقله نقدًا لاذعًا للحركات الإسلامية في العالم العربي فنشرته بقلمه.

تهمة 3: لماذا تشكر النهضاويين؟

مرافعة 3: لم أشكر إلا البعض منهم الذين كانوا معي في منتهى اللطف والاحترام عملاً بالحكمة المنطقية 

à gentillesse, on ne peut rendre que gentillesse.. Que.

تهمة 4: أنتَ تقدّم في محاضرات في جمعيات ثقافية نهضاوية، إذن أنتَ نهضاويٌّ أو متعاطف مع النهضة.

مرافعة 4: الفيلسوف الفرنسي الإنساني العظيم إدﭬارموران واليساري إﭬناسيورامونيه

ancien rédacteur en chef du journal mensuel, Le Monde diplomatique.

كل واحدٍ منهما كتب كتابًا مشتركًا مع الفيلسوف الإسلامي طارق رمضان، فهل الاثنان إسلاميّان أو متعاطفان مع الإخوان. 

تهمة 5: مقالاتك النقدية لليسار، يتقاسمها النهضاويون ويوظفونها ضد اليسار، إذن أنتَ متعاطف مع النهضة.

مرافعة 5: ميشيل أونفري، فيلسوف، ملحد، برودوني، يساري غير ماركسي، تحرري، علق على عملية صحيفة "شارلي إبدو" الإرهابية وصرّح مخاطبًا الغربيين: "كيف تتعجبون من مسلمين يقتلون منكم بعض العشرات من المدنيين العُزّل الأبرياء (وأنا، أونفري، أدين عملهم الإرهابي ولو قتلوا واحدًا فقط)، وأنتم ومنذ 1990، قتلتم من أمتهم 4 ملايين مدني أعزل بريء؟". أخذتْ داعش تصريحه المصوّر ووظفته في دعايتها ضد الغرب، فلامه على تصريحه هذا بعض السياسيين والمثقفين الفرنسيين. ردّ عليهم وقال: "عوض أن تنظروا إلى عيوبكم وتصلحوها، تتوجهون إليّ أنا باللوم على قول الحق". فهل  نعتبر ميشيل أونفري  متعاطفًا مع داعش؟ وأنا أتوجه لليساريين وأقول: عوض أن تنظروا إلى عيوبكم وتصلحوها، تتوجهون إليّ أنا باللوم على ذنبٍ لم أقترفه، أنا لستُ كاتبًا مرتزقًا لدى النهضة أو غيرها من الأحزاب.

تهمة 6: أنتَ تكتبُ حسب أجندا سياسية.

 مرافعة 6: 50 %تقريبًا مما أنشر في السياسة، أترجمه وأنقله عن جريدة لوموند ديبلوماتيك الشهرية. فهل إدارة الجريدة تعلمني مسبقًا بفحوى مقالاتها حتى أرسمَ أجندا سياسية؟

 تهمة 7: كرّمك فرع النهضة بحمام الشط.. موش بلاش.. إذن أنت نهضاوي.

مرافعة 7: في حياتي حُظيتُ بالتكريمات التالية قبل الثورة وبعدها: كرّمني منصر رويسي، وزير التربية السابق، فهل أنا تجمعي؟ كرّمني الحزب الجمهوري، فرع حمام الشط، فهل أنا جمهوري؟ كرّمني الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس اليساري، فهل أنا يساري؟ كرّمتني جمنة، فهل أنا جمني؟ كرّمتني مدينة ﭬـعفور، فهل أنا ﭬـعفوري؟ كرّمتني مدينة المنستير، فهل أنا منستيري؟ كرّمني رضا بركاتي نفسه، فهل أنا بركاتي؟ كرّمني بشير إبراهيم، فهل أنا إبراهيمي؟ إذا كنتُ كل هذا في نفس الوقت، نهضاويتجمعي جمهوري يساري جمني ﭬـعفوريمنستيري بركاتي إبراهيمي، فهذه تهمةٌ لا أنفيها وشرفٌ لا أدّعيه!

حمام الشط في 13 فيفري2020.

يسار ما بعد الثورة، اليسار التونسي الجديد، يسار واعد. تأليف منير السعيداني، نقل وتأثيث مواطن العالَم


(sociologue  & anthropologue)

اليسارات التونسية القديمة (1960-1980) استهانت بِــطاقات اليسارات التونسية الجديدة (2011)، والعكس أيضًا صحيح. اليسار الجديد بعد الثورة لديه نزعة "سياقية"، أي أنه مرتبط بتحولات السياق السياسي كما يقرؤها هو. هو أكثر قدرة على الاطّلاع على التجارب من دون الارتباط بأدبيات حزبية مبرمَجة في اتجاه معيّن. ويرتبط هذا بنوع من ديكولونيالية التفكير (décolonialisme ) وإعادة بناء الفكرة اليسارية بطريقة مختلفة عمّا كان سائدًا حتى الآن، حيث لا يحتاج بالضرورة إلى المرور بباريس أو أي عاصمة أوروبية أخرى (eurocentrisme)، وإنما يمكنه الاستفادة من تنظيرات (ادوارد سعيد، فرانز فانون، الأمين بوعزيزي وغيرهم كثير) وتجارب من بلدان مختلفة من الجنوب (خاصة بلدان أمريكا الجنوبية) والانفتاح على القراءة باللغة الأنـﭬليزية مهمّ جدًّا في هذا الصدد لدى الكثير من عناصر هذا اليسار الجديد (كنت دائمًا أقول أن الجاهل باللغة الأنـﭬليزية هو كائن مصاب بفقر الدم الثقافي وأنا أول المصابين).

وفي مظهر آخر من مظاهر سياقية هذه المجموعات اليسارية الجديدة، يبدو أن هذا الجيل صَرَفَ النظر عن تصور فكرة تنظيمية جماعية ثابتة (أنا صَرَفتُ النظر عنها منذ السبعينات، حَدَسٌ وليس عِلمًا). لأن فكرة عدم وجود قيادات وعدم الالتزام بهيكلة تنظيمية مُلزِمة نوعًا ما أعطى للكثيرين قدرة أكبر على الاستجابة للسياق وعلى خوض معارك غير مرتبطة بالضرورة ببناء تنظيمي وسياسي جامع، وكأن هذه المسألة أصبحت خارج مطلوبهم.

 المصدر: "مانيفستو" اليسار التونسي، مؤلف جماعي، تنسيق: ياسين النابلي، المفكرة القانونية تونس أفريل 2023، 182 صفحة (يوزع مجانا في مكتبة "Le Gai savoir").

 حمام الشط في 6 جوان 2023.

عشرةُ مبادئَ ساميةٌ، لو كنتُ ماركسيًّا ملحِدًا وأردتُ تأسيسَ حِزبٍ في تونس لَحَبّرتُها في الديباجةِ!


Je le ferai par indigénisation.

ولو كنتُ إمامًا لَردّدتُها في كل خُطبةٍ، ولو كنت صوفيًّا لحلّقتُ بأجنِحتِها فوق العرشِ، ولو لم يكن محمدُ صلى الله عليه وسلم خاتمَ الأنبياء لأعلنتُ بها النبّوةَ فورًا.

أبدأ بالأهَمِّ قبل المهِمِّ وبالمقدَّسِ قبل الأقلّ تقديسًا:

1. حرية المعتقد (La liberté de conscience): قرآن:"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" - "لكم دينكم ولي دين" - "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".

2. احترام حياةِ الإنسانِ وحُرمتِهِ الجسديةِ والنفسيةِ (La sacralisation de la vie humaine): قرآن: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (لا فرقَ عند الله وعندي بين نفسٍ مسلمةٍ ونفسٍ غير مسلمةٍ).

3. نبذُ التكفيرِ إثر فشلٍ في التبشيرِ (Bannir l`excommunication suite à un échecduprosélytisme): قرآن: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".

4. الرحمة (La Miséricorde): بابُ التوبةِ النصوحةِ مفتوحٌ عند ربي على مِصراعَيهِ إلى آخر رمقٍ قبل الموتِ.

5. احترامُ اليهودِ والمسيحيينَ والناسِ أجمعينَ (Le respect des juifs et des chrétiens et tous les humains): ربي حلل للمسلم الزواجَ بامرأةٍ يهوديةٍ أو مسيحيةٍ، أي باركها أمًّا وجدة لذرّيته، فهل هنالك إجلالٌ لليهودِ والمسيحيينَ أكثر من هذا الإجلالِ، ونحن نعرف أن الجنة تحت أقدام الأمهات، وحرّم عليه إكراهها على تغيير دينِها الأصلي واعتناقِ دينه، لا بل أمره بمرافقتها كل يوم أحد إلى باب كنيستها أو كنيسها وانتظارها حتى تفرغ من صلاتها. 

6. الإيثارُ والغَيريةُ (L`altruisme): حديث: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (أخيه، مسلمًا كان أو غير مسلمٍ) - "من غش فليس منا" (من غش مسلمًاً أو غير مسلمٍ). ماركس: "من كلٍّ حسب جهده ولكلٍّ حسب حاجته".

7. تقوى الله وخِشيتِه في عباده المسلمين وغير المسلمين (La Piété): كان سيدنا إبراهيم الخليل لا يتعشى حتى يمر عابر سبيل يشاركه طعامه. قدِم يومًا عابرُ سبيل، أكل وشرب ثم طلب من إبراهيم أن يوقد له ناراً ففعل. قام الضيف يصلي للنار فنهره النبي وطرده قائلا: "أتُعبدُ النارُ في بيت الخليل؟" فكلّمه الله مهاتِفًا مربيا: "يا إبراهيم كم عمر هذا الضيف؟". قال: "ستون سنة". قال: "تحملته أنا ستون سنة ولو شئتُ لقبضتُ روحَه، و أنت لم تصبِر عليه وتتحمله ليلة واحدة!". 

8. المحبّة (L'amour): صديقي بكار عزوز النهضاوي، أستاذ القرآن بباريس، قال: "الإسلامُ رسالةٌ للعالمين، مسلمين وغير مسلمين، وهو هديةٌ لهم جميعا من السماء. والمسلم مطالَبٌ بأن يبلّغ الهدية إلى صاحبها غير المسلم. فكيف سيهدي أغلى هدية في الوجود إلى شخص يكرهه؟ لذلك قدرُ المسلم أن يحب الناسَ جميعا، يحب المسيحي واليهودي والبهائي والهندوسي والبوذي واللاأدري والملحد والإرهابي والمجرم والمثلي والسليم والسقيم، يحبهم جميعا ودون استثاءٍ أو إقصاءٍ لكي يستطيع أن يدعو لهم بالهداية والتوبة النصوحة، يدعو لكل البشر دون تمييز ديني أو مذهبي أو قومي أو عرقي أو طبقي، ولو خالف ذلك، خان عقيدتَه وكرّهَ الناسَ فيها".

9. البِرُّ بالوالِدَين (La piété filiale est une vertu de respect pour ses propres parents et ancêtres): صديقي بكار عزوز، قال، مخاطبًا طلبتَه: "واجبٌ على المسلمِ أن يَبِرَّ أمَّهولا يقل لها أفٍّ، حتى ولو كانت بائعة هوى على أرصفة شوارع باريس".

10. لا يحق لأحد محاسبةَ أحدٍ على عقيدتِه (Nuln`estjuged`âmes): لا حسيبَ غيره، سبحانه وتعالى.

إمضائي: كشكار يُسبِّحُ، كشكار يَسْمُو، كشكار يُجنّحُ، كشكار شارب حد الثمالة من خمر السماء، كشكار "عامل جَوْ بِلا جَوْ"، "عامل جَوْ في اللَّخِتْلِي"، كشكار "شايَخْ".. شارِكوهُ مُتعتَه الفكريةَ وإذا رغِبتُمْ، امتطُوا صَهوَةَ بُوراقِه، سبّحوا وجنّحوا معه، أو على الأقل لا تُفسِدوها عليه.. العاشقُ الولهانْ.. الله يهديكم ويَرضَى عليكم.

حمام الشط، الاثنين 7 جانفي 2019.


 

بعض أسباب نفور الجماهير العربية من الفكر اليساري؟


يبدو لي أن نفورَ الجماهير العربية من الفكر اليساري، نفورٌ مردّه اجتماعيٌّ بحتٌ ولا علاقة له بنباهة اليساريين أو بحدّة ذكائهم. 

يبدو لي أن الأنظمة السياسية العربية الحاكمة في الستينيات والسبعينيات كانت في حاجة إلى نشر وَهْمِ الاشتراكية أكثر مما كانت في حاجة إلى تطبيق مبادئها، ومن هنا نشأت خصوصية علاقة الأنظمة السياسية العربية بالاشتراكية: 

- من جهة لوّحوا بها كطُعم للجماهير التوّاقة للعدالة الاجتماعية والمساواة الطبقية، لكنهم لم يتجاوزوا الشعار إلى التمثل الفكري والتطبيق المادي. 

- ومن جهة ثانية تأثر بها بعض المفكرين العرب إلى حد أنهم حاولوا إحياء مذاهب إسلامية قديمة وأوّلوها تأويلا اشتراكيا، وهكذا أصبح "أبو ذر الغفاري" من أبطال الاشتراكية وتحوّل "القرامطة" إلى ثوار اشتراكيين.

يبدو لي أن جل الأنظمة السياسية العربية الحاكمة استغلت الاشتراكية كشعار لأن هذه الأخيرة كانت حلما شرعيّاً يستجيب إلى طموحات الجماهير العربية وتوقها إلى التحرر والعدل والتقدم والمساواة. هذه الوضعية دامت تقريبا عقدين أو ثلاثة من الزمن (50-79). 

يبدو لي أن انضمامَ العرب إلى المنظومة الاشتراكية أثناء هذه الفترة (50-79) كان في المتناول، وكانت الاشتراكية تمثل النظام الأكثر ملاءمة للوضعية العربية في ظل الحرب الباردة بين القطب الاشتراكي "التقدمي" والقطب الرأسمالي الامبريالي، وفي بعض الأحيان كان الفكر الاشتراكي هو الفكر الأكثر انتشارا في الأوساط الثقافية العالمية. لكن الفكر الاشتراكي لم يكن يوماً في الساحة وحده ولم يلبث أن واجه منظومات رأسمالية ثورية محافظة ومنافسة قوية خلال سنتَي 78-79 منها إصلاحات دينغشياوبينغ في الصين وإصلاحات تاتشر في بريطانيا وثورة الخميني في إيران (أمين معلوف، غرق الحضارات، 2019)، وكثيرا ما استغل اليمين العربي هذه المنظومات الأخيرة لنشر دعوة الليبرالية الاقتصادية دون الأخذ بالديمقراطية.

يجب التمييز إذن بين العهد الاشتراكي الذي مر به الفكر العربي وبين المدة القصيرة جدا التي تبنت فيها بعض الدول العربية نظاما اشتراكيا مشوّها نظريا وتطبيقيا (مصر، اليمن، سوريا، العراق، الجزائر، ليبيا، تونس). إن الاشتراكية الرسمية العربية لم تكن أبدا وفية لأصولها الماركسية: الكتّاب العرب والمفكرون والمثقفون والطلبة والمناضلون والمعارضون اعتنقوا الاشتراكية في صورتها الماركسية وعاشوا عهدا اشتراكيا فكريا افتراضيّا زاهراً رغم تعسفهم على بعض المفاهيم العربية الإسلامية غير الاشتراكية وتأويلها تأويلاً اشتراكيا خاطئاً. كان الشيوعيون والاشتراكيون الديمقراطيون والقوميون واليساريون الإسلاميون العرب يوظفون فكرة الاشتراكية توظيفا سياسيا كمادة للدعاية التحررية بغض النظر عن أصولها ومراميها الفلسفية. كان المهم عندهم آنذاك هو توظيف شعار العدالة الاجتماعية ولا يهمهم من أي إيديولوجية تيسر، ورَفْعِ هذا الشعار كان عندهم بمثابة التغني بشيء مفقود ومستحيل.

رُفعت الاشتراكية كشعار -ليس إلا- في العهد الاشتراكي الذي عاشته بعض الدول العربية، وبالفعل نلاحظ أن مؤلفات الاشتراكيين العرب في ذلك الوقت لا تتميز بالتجذر والتكيّف والتأقلم والتماهي الجدلي  (Indigénisation) وكان مُنظِّروها يُتهمون دائما بالميوعة والزندقة والكفر والإلحاد وفي أفضل الأحوال بالتقليد والانبتات عن مجتمعاتهم العربية الإسلامية، والحقيقة أن جل هذه التهم لم تكن من فراغ. لكن إذا تفهمنا بعمق الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك أدركنا أن هذا الفقر في الإبداع لديهم لا يعني عجزا في أذهان اليساريين ولا قصورا في همتهم وإنما يعني نتيجة طبيعية للتفاعل الذي حدث بين عنصرين اثنين أساسيين: 

- الأول يتمثل في عدم اطلاع فظيع من قبل عَلمانيين ويساريين ذلك الوقت -وهذا الوقت أيضاً- على قاموس اللغة العربية وقاموس رموز الحضارة الإسلامية وتراثها وفقهها وتاريخها (بالرغم من وجود جهابذة عرب مسلمين أنتجوا بغزارة في هذا الميدان أمثال عبد الله العروي وحسين مروة وصادق جلال العظم وعلي حرب وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي ومحمد الشرفي ومحمد حداد وآمال ڤرامي ومحمد الشريف الفرجاني ومحمد الطالبي ونصر حامد أبو زيد وجمال البنّا وألفة يوسف وأبو يعرب المرزوقي وعياض بن عاشور ويوسف الصديق ومحمد أركون وهاشم صالح وغيرهم -أكيد الكثير- مما لم أطلع على إنتاجاتهم).

- أما العنصر الثاني فيتمثل في صعوبة وتعقّد الفكر الاشتراكي مما نفّر منه الجماهير الأمية والفئة المتعلمة غير المثقفة، وخاصة أصحاب الاختصاصات منهم في التكنولوجيا والعلوم الصحيحة والتجريبية، كالرياضيات والهندسة والطب والبيولوجيا. 

أثناء المد الاشتراكي العالمي، لاحظ المختصون شيئاً من الانفصال بين النظرية والتطبيق، ولم تسترجع النظرية الاشتراكية حقها من اهتمام المؤلفين إلا بعد انتهاء العهد الاشتراكي، بعد أن أفضت التجربة الاشتراكية إلى فشل عالمي (بدأت في السقوط كأحجار الدومينو في بداية التسعينيات، في الاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية الشرقية وكمبوديا وألبانيا أما في الدول العربية فقد سقطت منذ بداية السبعينيات، في مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن وتونس). فشلٌ أثبت أن الاشتراكية نظرية متناقضة في ذاتها وليست أفضل من نقيضها النظري المتمثل في الليبرالية الرأسمالية، لكن شعارَ الاشتراكية بقي مرفوعاً لأن الحاجة إلى العدالة الاجتماعية تدعو إلى ذلك، شعاراً لم يعد من مسلمات هذا المجتمع، وسيكون نقد هذا الشعار في المستقبل منطلقا لطرح مسائل جوهرية حول الاشتراكية وعلاقتها بالدين والحرية والديمقراطية.

يبدو لي أن الأفكار التالية كانت غير صحيحة:  

- مثل القول بأن الاشتراكية العربية هي اشتراكيةٌ متولدة من رحم الاشتراكية العالمية تَولدا آليا، وأن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي ترجمة صرفة للدعوة العالمية، وأن كلمة اشتراكية ذاتها ترجمة للكلمة الأجنبية "سوسياليزم". 

- أو أن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي قد انبثقت قبل كل شيء عن حاجة متولدة في المجتمع العربي الإسلامي نفسه، شعر بها عدد من الناس المثقفين والمفكرين والمبدعين والفنانين والطلبة والمعارضين السياسيين (وقع العكس: الدعوة إلى الاشتراكية لم تنبثق من الصراع الطبقي في المجتمعات العربية لأن الوعيَ بالصراع الطبقي في العالم العربي كان ولا يزال مفقودًا لغياب مفهوم الطبقة نفسه عند العرب، فالطبقة تُعرّفُ بوعي العمال بالانتماء إلى طبقة البروليتاريا وليس بوجودهم المادي كعمال في السوق الرأسمالية). 

- هذا الانبثاق المرتقب نظريا من قِبل ماركس نفسه لم يحدث حتى في الاتحاد السوفياتي أو الصين. قد يكون حكام العرب، مثل عبد الناصر وصدام والأسد والقذافي، قد تهافتوا على المنظومة الاشتراكية لأنهم رأوا فيها المنقذ الوهمي الوحيد من براثن الرأسمالية الغربية الاستعمارية الامبريالية ووجدوا فيها ملاذا وقتيا آمنا وتجسيما لما يحسون به في داخلهم من استفراد بالرأي والحكم، فنهلوا من تنظيماتها الاستبدادية اللينينية-الستالينية متنوعة الأشكال كالحزب الواحد والزعيم الأوحد الملهَم والملهِم المعصوم ورأسمالية الدولة والانتخابات المزيفة واستلاب الشعب بأكمله والدكتاتورية على الشعب باسم الشعب. كل هذا يؤكد أن الدافع الأول عند حكام العرب كان دافعا ذاتيا محليا انتهازيّاً وليس تأثيرا خارجيا. والدليل على ذلك هو أن حكام العرب في تلك الفترة، ما بعد الاستعمار الغربي، لم ينقلوا بأمانة مبادئ الاشتراكية الغربية التي رغم كثرة هِناتها، لا ينكر أحدٌ أنها حققت في العالم الشيوعي نهضة مادية في البنى التحتية وفي العلم والتعليم والتكنولوجيا والتصنيع. تعامَى مثقفو العرب عما كانت تحمله الاشتراكية من وعي بتناقضاتها الداخلية البنيوية الذاتية. تَعاميهم هذا، غير المقصود وغير الواعي، نتج عن حلم بتحقيق العدالة الاجتماعية في أسرع وقت ممكن كأنهم يسابقون الزمن، إنهم في حاجة إلى اشتراكية متفائلة حازمة واثقة بذاتها فأوّلوا اشتراكية عصرهم حسب أوهامهم.

يبدو لي أن مفهوم الاشتراكية عند الاشتراكيين أنفسهم بقي مفهوما سطحيا وأن تلك السطحية كانت الحاجز الذي منع الثوار الاشتراكيين، أمثال لينين وستالين وماو وكاسترو من تجسيد الاشتراكية في تنظيمات سياسية تتصف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ونبذ الامبريالية. إن أخطاء الثوار الاشتراكيين نشأت عن خلط بين الاشتراكية والدكتاتورية. ولتدارك تلك الأخطاء لا بد من نقد ذاتي وتطوير في التنظيمات والاستفادة من تجارب التنظيمات الليبرالية الرأسمالية وتوظيف المبادرة الفردية أفضل توظيفٍ، أما بالنسبة للاشتراكيين العرب، فهم مطالبون أكثر من رفاقهم الغربيين بالتعمّق في دراسة تراث وواقع  مجتمعاتهم العربية الإسلامية. قال ماركس بما معناه: "على الفلاسفة تغيير العالم وليس الاكتفاء بفهمه"، وأنا أقول بعد حفظ المقامات: "على اليساريين العرب فهم ماضيهم واستشراف مستقبلهم قبل تغيير واقعهم، ولا يوجد في الأفق أمامهم سوى التماهي الجدلي مع هويتهم العربية-الإسلامية".

حمام الشط في 14 فيفري 2012 (تحيين 2020).


أنا والشيوعية ؟ 


في أوائل السبعينيات، في الجامعة، لا يوجد أمامي إلا عشيقةٌ واحدةٌ، هي الشيوعيةُ لا غيرها، عشيقةٌ تتجسمُ فيها ثوريةُ أحلامي الشبابيةِ. عشيقةٌ تسكنُ الكُتُبَ، مُنقبَةٌ تخافُ السفورَ وتهابُ في الشوارع الظهورَ، تقرأ الواقع من خلال التنظيرات المستوردة، تصدِّقُ الثاني وتكذِّبُ الأول الذي يفقأ العيونَ، جميلةٌ رقيقةٌ رومنطيقيةٌ مثاليةٌ أنيقةٌ. في تونس، كانت خاليةً من العنف الثوري ممارسةً، غنيةً به تنظيرًا، ساحةً فسيحةٌ للتكوينِ الفكريِّ والثقافةِ والقراءةِ والحوارِ. كانت ممتعةً في عالمِها المثالي.

خلال عشرية الثمانينيات، عملتُ أستاذًا متعاونًا في الجزائر، أول صدمةٍ مع الواقعِ، بلادُ الاشتراكيةِ خاليةٌ من الحريةِ، صِفرْ معارضة، صِفْرْ نقابة، حزب واحد، نقصٌ في السلعِ المعروضةِ في السوقِ، بعض الامتيازات الماديةِ الخفيفة وتوفر كمية غير نوعية في خدماتِ السكنِ والصحةِ والنقلِ والبنزينِ والكهرباءِ والماءِ والتعليمِ. بلادُ الاشتراكيةِ يُحَجَّرُ فيها التحدثُ عن الماركسيةِ. أولُ نكسةٍ، هجرتُ أحلامي حمايةً لواقعي اليومي المعيش.

في التسعينيات، بدأتُ المراجعةَ، خرجتُ من سجنِها الإيديولوجيِّ الضيقِ، أصبحتُ وأنا خارجَها أرى ما لم أكن أراه وأنا داخلَها. رأيتُ قصورَها في فهمِ واقعِنا العربي-الإسلامي، لمستُ بيدَيَّ لدى الناسِ انبتاتَها، وعيتُ عجزَها في الفعلِ مقابلَ قوتَها في تقديمِ الأجوبةِ الجاهزةِ لمجتمعٍ غير مجتمعِنا. 

عبد الله العروي: تتضخم الحرية في الفكر (إضافتي: كما كانت الماركسية في عهد ماركس وروزا وبداية الثورة البلشفية الروسية) بقدر ما تضمر في الواقع (إضافتي:ماركس لم يكن ماركسيًّا أما نسخُها فكانت باهتة مشوَّهة والمشوِّهةمثلاللينينية، الستالينية، الماوية، الكاستروية، البولبوتية.) (...) ولكي نحافظ على أسباب التقدم لا بد من الإبقاء على حقوق المخالفين في الرأي (إضافتي:مثلالإسلاميين والقوميين والليبراليين)، لأن الاختلاف هو أصل الجدال، والجدال هو أصل التقدم الفكري والابتكار. 

لا أحدٌ مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه (إضافتي: الفرد التونسي العادي هو حر في اعتناق ما يشاء). لكن إذا ما قرّر أن يفعل (إضافتي: المثقف التونسي والسياسي التونسي)، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع التونسي العربي-الإسلامي)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه (وأن يتصالح مع هُوية مجتمعه، تصالحُه واجبٌ وضرورةٌ وليس ترفًا أو اختيارًا).

Sartre : Les idéologies sont liberté quand elles se font  (à l`époque de Marx, Rosa, début Lénine), oppression quand elles sont faites (léninisme, stalinisme, maoïsme, castrisme, polpotisme et leurs sosies arabes).

الماركسية، اقتربتُ منها، عشقتُها، عاشرتُها، كان لا يوجدُ في الساحةِ غيرُها، نظريةٌ مُغْمَضَةَ العينَينِ فأغمضتُ عينَيَّ مثلها !


اغلِقْ النافذة، قالت، النورُ يعميني! المضيّفةُ هي، وبعد عشرين سنة، عرفتُ أن السجّانةَ هي أيضًا. كان لها حديقةٌ كبيرةٌ، كنتُ أنتظرُ أزهارًا فيها من كل الألوان، فاجأتني حديقتُها، كل تماثيلِها مَطليةٍ بلونٍ أحمرَ داكنٍ يصبغُ عن بُعدٍ كل مَن يقتربُ منه. خزفٌ صينيٌّ، عرائسٌ روسية، وطفيليات عربية غَفَلَ عنها البستانيُّ، اختلفت أشكالها والمصمِّمُ واحدٌ، عبراني مِسْياني (Messianique). 

أقمتُ في حديقتِها عِقدَين من زمنِ الشبابِ، لم أغادرْ أسوارَها، طليقٌ مقيّدُ بحبلٍ طويلٍ، شربتُ من مائها، تمرغتُ في ترابها، تظللتُ بأشجارها الحمرِ، أكلتُ من ثمارِها الحمرِ، تعلمتُ من فلاسفتها الحمرِ، تعلّمتُ الطرْقَ بمطرقتِها والقطعَ بمِنجَلِها، الحفرُ الأركيولوجيالإبستمولوجي ممنوعُ داخلَها ممنوعْ، واللونُ الأخضرَ لم أجدِه حتى في طلاء الجدران. في رحابِها لم أكنْ أحِسّ بمرارةٍ ولا حزنٍ ولا غضبٍ، لكن أعراسَها لم تكن أعراسي. سكّانُها لا يتكلمون إلا همسًا وكلما اقتربتُ من مجموعةٍ منهم صمتوا. 

غجريةٌ العينَينِ، جميلةٌ أحببتُها، فكرتُ في طلبِ يدِها ثم تراجعتُ وعن قراري عدلتُ. أختي لن تقبلَها. أمي قالت فيها: "لا يعجبك نوار دفلة في الواد عامل ضلايل ... ولا يعجبك زين طفلة حتى تشوف الفعايل". أما أبي فقد تفلسفً ونَطَقَ حِكمةً: "دخيلةٌ ولن تلدَ إلا دخيلاً". قومي لم يرحّبوا بها زوجةً لابنهم. لغتُها غريبةٌ، ونحوِها أغربُ، تنصِبُ الفاعلَ وهي محِقةٌ وترفعُ المفعولَ وهي واهمة وتنفي وجودَ جنةٍ في السماءِ. وعدتنا بنبيذٍ لكنها خلفت وعدَها وسقتنا مُرًّا عَلقمًا طيلةَ سبعينَ عامًا.

لم أخلَقْ لها، هي وأنا اثنان لا ينسجمان. قدّمتْ لي مشكورةً كأسَ نبيذٍ أحمرَ، أنا أكرهُ النبيذَ الأحمرَ. بعدَ فراقِها تراءى لي أنني شُفِيتُ من أفيونِها، أفقتُ، فتحتُ عينيّ، لكنني وكلما عَسُرَ عليّ التمييزُ بين الحقِّ والباطلِ، أحسستُ بحاجةٍ مُلِحَّةٍ لأرى بِعيونِها. 

خاتمة: صَدَقَ الفيلسوفُ سارْتِرْ، عندما قَطَعَ المرحومُ وأصدر حكمَه التالِيَ: "الإيديولوجياتُ حريةٌ عند بدايةِ تَشكُّلِها، جَوْرٌ وظُلمٌ وقَمْعٌ عند نهايةِ  تَشكُّلِها".


أيهااليساريونالتونسيون أفيقوا، إن العالَم يتغيّر مِن حولِكم ولو بُعِث معبودُكُم ماركس لَغيّر بَيانَه بِـبَنانِهِ


الفكرة مستوحاة من ريمون آرون وميشال أونفري وميشال فوكو وعبد الله العروي وهاشم صالح وأمين معلوف والعُمَرَيْنِ رضي الله عنهما وجليسي اليومي الفيلسوف حبيب بن حميدة.

الماركسية أفيون المثقفين اليساريين التونسيين، والبروليتاريا التونسية لا وجود لها كطبقة واعية بقوتها ووحدتها. فهل كُتِب علينا أن ننتظر مهديًّا لا يُنتظر؟ 

رفاقي وأحبابي، أيها المثقفون اليساريون التونسيون الحزبيون، لن أنكركم ولن أتنكر لكم لكنني في نفس الوقت لن أتنكر لأهلي ولن أنكرهم أيضًا ما حييتُ، اعذروني فَهُمُ في مَعَزَّتِكُم أو أكثرَ قليلاَ: ألا مَن كان يعبد منكم لينين أو ستالين أو ماو، فإنّ ثلاثتهم قد ماتوا وسقط جدار برلين وتفتت الاتحاد السوفياتي وتبرجزت الصين الشعبية وتحالفت الجبهة الشعبية انتهازيًّا مع رموز التجمع -أعداء الشعب، أمس واليوم- في جبهة الإنقاذ ودخل العمال والفلاحون أفواجًا في الأحزاب الإسلامية واعتنق الشبابُ السلفيةَ الجهاديةَ -عن قناعة أو عن تصحّر فكري أنتم أحد صُنّاعِه- ولم تنفع فيهم لائكية فرنكوفونية منبتّة ومستوردة. أما مَن كان منكم صادقًا ونزيهًا ويريد خدمة العمال، فإن العمال في الحقول والمصانع والمساجد والجوامع وليسوا في المنتديات اليسارية أو الأحزاب الماركسية أو الكتب النظرية. ومَن كان منكم ينتظر خلاصًا من الطبقة البروليتارية التونسية، فإن العمال التونسيين لا يمتلكون حتى اليوم وعيًا طبقيًّا بقوتهم ووحدتهم. فما أنتم اليومَ فاعلون؟ وهل ستظلون على انبتاتكم مُصِرّون ولأهلكم مُقصون ولبيئتكم متنكرون؟  أفلا تتعظون وتتفكرون إن كنتم بالفعل لشعبكم خادمين كما تدعون؟ ألم يحن الوقت أن تصبحوا لمستقبل شعبكم بنائين ومن تراث أجدادكم تحتطبون ومع هُويتهِم متصالحين؟ كفاكم تفحصًا في كُتبٍ مستوردة وانظروا في واقع بلدانكم لعل الحل فيه تجدون؟ ومَن يكره هُوية أمه وأبيه فلا خيرَ يُرجَى منه لأهله وذويه! ومَن يعترف بذنبه فلا تثريب عليه! ومَن يزاوج ويصالح بين فكره وواقعه، فبحول الله سيطوّر فكرَه ويغير واقعَه! ومَن يتنازل لِـبَنِي قومِه، يتعالى في عيونهم ويكسب ثقتهم! ومَن يتنكر ليساريتِه يفقد مصداقيتَه! والمرء يُعرّف بتعدد هُوياته فهي التي ستُغنيه وتُثريه ما لم تتناقض مع مكتسباته وموروثاته! والإنسان ابن بيئته، فيها خُلِقَ وفيها ترعرعَ وفيها جذورُه حتى ولو عانق فكرُه السماء! 

أصْدُقُكُم النصحَ، ولست بأعلمِكُم وقد أكون أقل نضالية من أصغرِكُم، لا شيء يُنتظر من ثورة بروليتارية كلاسيكية، لا اجتماعيًّا ولا ثقافيًّا ولا اقتصاديًّا ولا سياسيًّا، جرّبها نصف العالَم ومن حسنِ حظه فَشَلْ. هذا لا يعني أن الليبرالية الرأسمالية هي نهاية التاريخ كما يدّعي مُنظِّروها وفلاسفتها واقتصاديوها ومثقفوها ومرتزقتها. يبدو لي أنه ما زال لليسار الديمقراطي في البلدان العربية الإسلامية مستقبلٌ، يسارٌ متصالح مع هُوية مجتمعِه، يتكلّمُ بلسانِ مجتمعه وينطقُ بمنطقِهِ ويقدّسُ رموزَه، ولنا في الاشتراكية الديمقراطية في البلدان الأسكندنافية نموذجٌ يُحتذى به دون استنساخ أعمى. يجب علينا إذن تصوّر استراتيجيات جديدة للنضال والفعل السياسي، استراتيجيات تكون مبتكرةً ومتأقلمةً مع تراثِنا الثقافي والحضاري والديني وفي نفس الوقت غير متناقضةٍ مع التراث المعرِفي والحقوقي في العالم.

واهمٌ مَن يتصور أن كل السلطة محتكرة من قِبل النظام الحاكم (Le macro-pouvoir) ولو أزحناه فُزنا بالجنة الأرضية. غشاوةٌ نزعها عن أعيننا "فوكو"، بارك الله فيه وجازاه الله خيرًا له ولذرّيته مِن بعده. فالسلطة مبثوثة في مفاصل المجتمع ومتنقلة في عروقه وهي أقرب إلى كل واحد فينا من حبل الوريد (Le micro-pouvoir)، في الشرطي والحاجب، في المدرّس والقيّم، في الجزّار والخضّار، في الطبيب والممرّض، في الأجير والمؤجّر، إلخ. تُمسِك بنا ولا نُمسِك بها، تتحكم فينا ولا نتحكم فيها، لكنها يدٌ معلومةٌ وليست يدًا خفيةً أو قوةً غيبيةً تدير شؤونَنا وتقرر مصائرَنا كما تشاء، هي ليست إلاهًا مجردًا متعاليًا، فالله واحد أحد لا شريك له ولا وريث ولا وَلدْ، هي ملموسةٌ في الواقع وليست هُلاميةً ساكنةً في غول اقتصاد السوق كما يحاول أن يوهمونَنا أصحابُ السوق مصّاصو الدماء وأعداء الإنسانية.

اليساريون التونسيون، جيلي وصَحْبِي، أخطؤوا تقريبًا في كل شيء إلا في نواياهم الطيبة وفي تَجَنُّبِهم العنفَ المسلّحَ، وسيلةً نضالبةً


ملاحظة 1، ملاحظة منهجية: لم أنتمِ في حياتي لأي فصيلٍ يساريٍّ، لا قبل الثورة ولا بعدها. لذلك لم أتعرّضْ لأي قمعٍ بوليسيٍّ، ولو بسيطٍ، لا في عهد بورقيبة ولا بِنعلِي. ما سأخُطّه أسفله يندرج في خانة التأريخ غير العلمي لتجربة حياة في فلك اليسار النقابي التونسي، دامت نصفَ قرنٍ (تحليل محدود، متواضع وغير مبني على دراسة، لا نظرية ولا ميدانية). لذلك سأكتفي بالإشارة تاركًا التعمّق للمختصين، أنا أعي أنني لستُ منهم.

فيما أخطؤوا؟

1. قبل الثورة: 

- أخطؤوا في تصنيفهم للدين كبنية فوقية، والدين يكاد ينقب أعينهم، دينٌ مجسّمٌ في البنى التحتية، واضحٌ أمام ناظرهم، ساكنٌ في قلب كل مسلم تونسي، أي في قلوبِ أغلبية الشعب، وخاصة العمال منهم والفلاحين، الذين من أجلهم المفروض يناضلون اليساريون لإقامة دولتهم البروليتارية. "الدينُ صرخةُ المظلومِ"، قالها ماركس، أحدُ معلّمِيَّ العِظامُ ومعلّمُكم الوحيدُ والدائمُ. أفلا تسمعونَ صرختَهُ؟ أمْ هي ناطقةٌ بلغةٍ غيرَ لغتِكم؟ لغةٌ الشعب الإسلاميةٌ غيرُ أعجميةٍ، لغةٌ لا يعرفُ العاملُ والفلاحُ التونسيانِ غيرَها.

- أخطؤوا في النضال من أجل طبقة غير موجودة في مجتمعنا، البروليتاريا (تُعرّفُ الطبقة بوعيها الطبقي، لا بوجودها الفعلي ولا بعدد العمال). مفهوم العمل نفسه بالمعنى الرأسمالي، مفهوم وافدٌ علينا ولم نتبنّاه بعدُ، للأسف أو من حسن حظنا؟ مسألة لم تُحسَم بعدُ، مسألة مطروحة للنقاش.

- أخطؤوا في تصنيف مسألة المرأة كتناقض ثانوي، هي نصف المجتمع، وهي في الواقع التونسي تُعتبَر تناقضًا رئيسيًّا، بل تكاد تكون التناقض الوحيد في غياب تناقضات الصراع الطبقي بالمفهوم الماركسي.

- أخطؤوا في كل محاولاتهم المتكررة من أجل تغيير المجتمع دون تحليله وفهمه، لذلك فشلوا في المهمتَين.

- أخطؤوا في عدم استغلال مجال الحرية الثقافية الذي أتِيحَ لهم وحُرِمَ منه غيرهم، يبدو لي أن هذا التقصير ناتجٌ عن احتقارهم للثقافة عمومًا كعاملٍ مادّي للتغيير مع أنهم مِن أفضلِ المثقفين عندنا.

- أخطؤوا في تبذيرِ طاقتهم الذرية: في عهد بورقيبة، بذّروها في توزيع مناشير لا طائلَ من ورائها إلا إشباع وهمهم النضالي. أما في عهد بنعلي، فبذّروها في الخصام مع عدوٍّ وهميٍّ أيضًا، سمّوه الظلاميين.

2. بعد الثورة:

- أخطؤوا في عدم نقد تجربتهم "النضالية" قبل الثورة.

- أخطؤوا في توظيف مبدأ "التقية": تخلّوا ظاهريًّا عن الشيوعية وحافظوا على أسوءِ ما فيها، الستالينية.

- أخطؤوا في عدم استغلال الثقافة لنشر فكرهم خاصة بعد ما جاءت حرية النشر والتعبير وبقوا على موقفهم المُحَقِّر للثقافة كأداة غير ناجعة للتغيير المجتمعي حسب رأيهم.

- أخطؤوا في تحالفهم أو تنسيقهم مع قوى الثورة المضادّة ممثلةً في السبسي وأزلامه.

- أخطؤوا في تقوقعهم على أنفسهم وعلى إيديولوجيتهم المتكلّسة المستوردة وغير المتصالحة مع هوية شعبهم، الهوية العربية-الإسلامية، هذا مع إقرارهم العلني بأن لا هوية للشعب التونسي غيرها.

ملاحظة 2: أكتفي بهذا القدر من النقد الذاتي. القائمة تطول لكن الرفقَ برفاقي ألجمنين عن المزيد من النقد الهدّام، كل بناءٍ جيّد ٍيسبقُه هدمٌ جيدٌ، لذلك دائمًا أقول: "النقدُ هدّامٌ أو لا يكون". الساعة الثانية إلا ربع بعد نصف الليل، تصبحون على غدٍ أفضلَ أيها الأحبّة، ولو لم أكن أحبّكم، ما سهرتُ الليل لأجلكم.

ملاحظة 3: بِصدقٍ لم ولن أشكّ لحظةً في النواياالطيبةلأصدقائي اليساريين لكن للأسف الغاية لا تبرّر الوسيلة. أخيرًا أحييكم على تطوّعِكم لخدمة أهلكم وشعبكم رغم أنهم لا يبادلونكم حبًّا بحبٍّ، وأحييكم ايضًا على نضالكم السلمي رغم المِحن التي مررتم بها خاصة في عهد بورقيبة والسلام على كل رفاقي اليساريين التونسيين، أعرف جيدًا أن بعضكم يكرهني ولا يطيقني لكنني والله أحبكم، أحبكم لعلمكم وثقافتكم اللذان لم أجدهما في غيركم.

ملاحظة أخيرة: بالله عليكم لا تقولوا لي: "لماذا لم تنقد النهضة؟". أولا، لكل مقامٍ مقالٌ، ثانيًا، لعلمكم لقد نقدتُ النهضة وأخواتها نقدًا عميقًا في مقالٍ حديثٍ، عنوانه: "الصحوةُ الإسلاميةُ في العالَمِ العربيِّ: توصيفٌ وليس حُكمًا قطعيًّا نهائيًّا؟" ومن سوء حظ بعضكم أن مقالي هذا حُظِي بإعادة النشرِ والترحيب وحُظِيشخصي بالتبجيل والاحترام من قِبل ثلّة من القرّاء الإسلاميين المحترمين.

خاتمة: أجِلّ بعضَ نضالاتكم وأنحنِي احترامًا لشهدائكم، وعلى رأسهم شهيد الوطن، الشيوعي نبيل بركاتي (شهيد آخر عهد نظام بورقيبة، 1987)، شهيد حزب العمال الشيوعي، وشقيق صديقي اليساري المثقف الذي لا يشمله نقدي هذا، زميلي وجاري رضا بركاتي.

تصبحون على ألف خير.


حوارٌ بين يساريٍّ جالسٍ على الربوةِ ويساريٍّ ناشطٍ في الميدانِ؟

Le Critique & le Militant

الناشطُ: سكنتَ برجك العاجي مرتاحًا وجلستَ على الربوةِ تَنظُرُ وتُنظّرُ.

الجالِسُ: هل تعرفُ أن الصعودَ إلى الربوةِ يسبِقُ الجلوسَ عليها. أو تظن أن تسلُّقَ الجبالِ سهلٌ؟ هل زرتَ الربوةَ مرةَ واحدةً في حياتِكَ؟ أتتصورها ربوةً من حجرٍ وتراب؟

الناشطُ: وهل تتفلسفُ في هذه أيضًا؟ طبعًا هي جبلٌ صغيرٌ من حجرٍ وتراب يعلو قليلا فوق سطح الأرض! وما عساها تكون غير ذلك؟

الجالسُ: صحيحٌ هي عالية ولذلك تمنحُ الجالسَ عليها نظرةً شاملةً ورؤيا متعددة الزوايا 

Une vue panoramique et une approche systémique.

الناشطُ: لو أردتُها لصعدتُها قبلك.

الجالسُ: لو ارتقيتَ لما نزلتَ.

الناشطُ: أنا اسمي ناشطٌ وأستطيع أن أتسلقُها في دقائق وأهبطُ منها في ثوانٍ.

الجالسُ: تمهّل يا ابني وتريّث وأنصِت: رَبْوَتِي ليست من حَجَرٍ وترابْ، رَبْوَتِي مصنوعةٌ من كتابٍ وألف كتابْ، وفي كل خطوة ينفتح أمامك حجابْ، وينغلق وراءك حجابْ، ويتطلّبُ صعودها صبرُ سيزيف وحكمة سقراط. هلاّ فهمتَ الآن أن الجلوسَ فوقها ثوابٌ في ثوابْ؟

الناشطُ: أنتَ كسولٌ وجبانْ وجلوسكَ على الربوةِ لن يُغيّرَ مجرَى الوديانْ.

الجالسُ: عرفتُ الآن أنني أحاوِرُ الطرشانْ. أنا يا أخي عذرتكَ في جهلك بأنك جاهلٌ وأنتَ لم تعذرني في عِلمي بأنني جاهلٌ. قبِلتُكَ على عِلاتِك وهِنّاتِك واحترمتُ دورَكَ رغم محدوديتِه وأنتَ ما زلتَ تُصرُّ على شتمِي ونبذي ونفيِي وإقصائي. أودّعكَ على أملِ اللقاءِ بكَ فوقَ الربوةِ ولو أنه أملٌ ضعيفٌ جدًّا وأسِرُّ إليكَ وأقول: "أنت الطبيعةُ وأنا الثقافةُ والمفروض أن الاثنين متكاملان متلازمان ودومًا يتفاعلان. لكَ دورٌ ولي دورٌ ودَورانا، أنا وأنت، متكاملان متلازمان ودومًا يتفاعلان. أنتَ عيْنٌ وأنا نظّاراتُها، أرجوكَ لا تكسِرْنِي فتندم. قد تحتاجنِي يوم يعمُّ الضباب ولا ترى السُّبُلَ، عندئذٍ ادعونِي أستجبْ لك إن شاء الله، ولا تَغبْ عنّي كثيرًا أخافُ عليكَ في الطريقِ من الرَّمَدِ ومن الحَجَرِ يا حَجَرِيٌّ. تِسْلَمْ لِي عيونَكْ !

حوار وقع فعليا بين يساري غير ماركسي ويساري ماركسي حول الشيء الذي يجعل امرأة ضريرة عمرها 74 سنة تتكبد مشاقّ السفر وتكلُفَتِه لتعتمر في مكة المكرّمة


الحوار جرى عبر الهاتف:

صديقي: كيف حالك ؟

أنا: أستعد لاستقبال أختي القادمة من العُمرة والاحتفاء بها والاحتفال بسلامتها.

صديقي (يعرف أختي): "آش تعمل بربها العمرة".

أنا: من شدة إيمانها بالله واليوم الآخر ونظرا لاشتغالها رغم إعاقتها وعدم اتكالها عل إخوتها الثلاثة رغم ترحيبهم جميعا بها وجزاءً على صِدقها وصلاتها وصيامها وزكاتها وقيامها الليل، تطمع في رحمة الله أن يدخلها يوم القيامة الجنة فتستعيد بصرها الذي فقدته منذ الطفولة في سن الست سنوات. هل يوجد عِلم أو توجد إيديولوجية في العالم، الماركسية أو غيرها، قادرة على إرجاع النظر إليها؟ طبعا لا! فَلْتصمتْ يا صديقي إذن وانحنِي مثلي إجلالا وتقديرا لصبرها الذي دام 68 عاما و"قُمْ للضريرة وفِّها التبجيلاكادت الضريرة أن تكون رسولا، إن الضريرة هذه كانت بَتُولا" وافرح لها مثلي بإيمان آنسَها في عالَمها المضيء "ظلامًا كالنور" وصَلِي لمَن بعث هذا النورَ في بصيرتها وهذه القوة في جسدها. 

وعدَ الماركسيون بتحقيق الفردوس على هذه الأرض، وهاٌ هم اليوم فشلوا في تحقيقه فشلا ذريعًا، بل انقلب الفردوس إلى جهنم من الرعب والإرهاب وأول مَن أكلتْ، أكلتْ مَن يدّعون أنهم ناضلوا من أجلهم وحكموا باسمهم، هُمُ العمال قنطرة الديكتاتورية الشيوعية، في حين أن الأنبياء وعدوا بتحقيق الفردوس في السماء. أما أختي الكبيرة الحبيبة، أعزّ مخلوقٍ حيّ لديَّ، فيَحْدُوها الأمل في أن يتحقق هذا الوعد الإلهي يومًا لأنها ببساطة تعتقد اعتقادَا راسخًا في الله وتصدّق وعدَه وتنتظر جنتَه بكل صَبْرٍ وعِشْقٍ.

ملاحظة منهجية:

ذكرتُ إيديولوجية مخالِفي، لا للتشهير به، بل فقط لتأكيد الاختلاف في الرؤيا لنفس الحدث. ومنذ متى كانت الماركسية تعيب معتنقيها؟ بل على العكس هم يتباهون بها على الخلقِ كلِّهِمِ ويفتخرون بالانتماء إليها. أعتذر مسبقا لصديقي القديم إن نشرتُ حِوارنا الشخصي دون استشارته ولذلك لم أذكر اسمه لأنني أحترمه لكنني لا أحترم وجهة نظره والمشكل يكمن في وجهة النظر وليس في الشخص. عُذرِي يتمثل في محاولة توظيف هذا الحوار كـ"وَضعية-تعلمية" (Situation-Didactique) فلسفية-أنطولوجية (عِلم الوجود) ولا أعتبر النشرَ غير المسَمّى (Anonyme) إفشاءً لـسرّ شخصي.

En philosophie, l'ontologie (de onto-, tiré du grec ὤν, ὄντος «étant», participe présent du verbe εἰμί «être» est l'étude de l'être en tant qu'être, c'est-à-dire l'étude des propriétés générales de ce qui existe, Wikipedia.

حمام الشط، الخميس 5 نوفمبر 2015.

مفاهيم إسلامية (des concepts islamiques)، لا أفهم لماذا إذا نطقتَها بالعربية، جُل "الحداثيين" التونسيين يشمئزون، ماركسيون وليبراليون، وإذا نطقتَها بالفرنسية ينشرحون ؟


مقدمة: تجنّبًا لمناكفات أصحاب العقول الإقصائية الإستئصالية المتحجرة المنغلقة لدى الجهتين، "حداثيين" وإسلاميين: أناقش الفكرة لا تطبيقاتها في التاريخ (تطبيقات سادت ثم بادت ولن تجدها مثلما كانت إلا في مخيلة الإسلاميين السلفيين الأرتدوكسيين)، ولا أناقش أيضًا تطبيقاتها في الحاضر والمستقبل لأنها ببساطة لم تُطبَّقْ بعدُ. أناقش الفكرة من وجهة نظر مواطن فرد تونسي مسلم يساري علماني، ليس من وجهة نظر فقهية إسلامية أو إيديولوجية، لأنني لستُ ماركسيًّا ولا إسلاميًّا ولا قوميًّا ولا ليبراليًّا، فوجهوا سهامكم أيها المناكفون حيث تصيب أهدافَها. أناقشها بعفوية مَن تَرَبَّ في حضن أمٍّ لم ترضعّه إلا الحب وفطمته عن الكُرهِ، للأسف تَعَلَّمتُ الكُرهَ عن الآخرينقندمتُ ورجعتُ إلى أصلي صاغِرًا (indigénisation). وعيتُ حديثًا أنني لست مثل الآخرين، أنا عدوٌّ شرسٌ للحداثة وما بعد الحداثة، خاصة في ثوبها الرأسمالي المركزي-الأوروبي الحالي العنصري الإرهابي (eurocentrisme). أرجو من القارئ أن ينتبه إلى نقطة الضعف التي تتميز بها عادةً الكتابة الفيسبوكية، جداريات (statuts réduits) ومقالات قصيرة، نقطة ضعفها تتمثل في اختزال رحابة الفكرة وتعقيداتها (la complexité de lidée) حدّ تشويهها، مكرهٌ أخوكم لا بطل، للأسف لقد ولّى عهدُ الكُتُبِ وعهد قُرّاءِ الكُتُبِ.


بعض المفاهيم الإسلامية التي خطرت ببالي اللحظةَ وأعنيها:

1. الخلافة 

Aujourd’hui c’est l’union qui fait la force, exp : l’union européenne ou américaine.

نُطقُها بالعربية لا يوحي في أذهان "الحداثيين" إلا بـحزب التحرير وداعش، بالفرنسية مطلبٌ ملِحٌّ وأملُ العربِ والمسلمين أجمعين.

لا ألوم المنبَتِّين، جل اليساريين والليبراليين، لكنني أتعجب خاصة من القوميين الذين ينادون بوحدة عربية ويرفضون الوحدة العربية-الإسلامية، والغريب أن عربية الأولى عِرقية عنصرية وعربية الثانية لغوية وإنسانيًّا أرحب بكثير. 

2. الأحباس أو الوقف 

Aujourd’hui c’est les fondations.

بالعربية يرونها مصيبة وبالفرنسية روعة.

3. الزكاة 

Aujourd’hui c’est l'impôt de solidarité sur la fortune.

بالعربية يرونها رجعية وبالفرنسية عدلاً وتضامنًا بين الأغنياء والفقراء.

4. الشورى

Aujourd’hui c’est la démocratie.

نُطقُها بالعربية وحده لا يوحي في أذهان "الحداثيين" إلا بالنهضة والنهضاويين، بالفرنسية عسلٌ مستورَدٌ.

5. جهاد النفس

Maîtriserses désirs, surtout ceux qui ne sont pas naturels et indispensables comme la plupart de nos désirs d’aujourd’hui, les désirs façonnés par notre société de consommation d’aujourd’hui, la société postmoderne liquide de Zygmunt Bauman.

جهادْ.. أعدْها عليَّ  ثانيةً..

c'est-à-dire, comme l’a bien dit le philosophe athée, Michel Onfray : « philosopher, c’est philosopher sur ses désirs ».. Ah bon, si c’est Onfray qui l’a dit, pas de problème, on est totalement d’accord.

أضيفُ لك مصدرًا غربيًّا آخر مما تحب: عالِم الأنتروبولوجيا ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss, 1908-2009) قال: "وُلِدت الحضارة يوم تعلم الإنسان كَبْحَ رغباته الجنسية الحيوانية وصرف نظره نهائيًّا عن نِكاح المحارم (inceste)". وأنا أقول: كلما كَبَحَ الإنسانُ شهواته المضرّة بأخيه الإنسان، كلما ابتعد درجة عن أصله الحيوانيوكلما صعد درجة في سلّم الإنسانية، كلما اقترب أكثر من السعادة الروحانية.

6. (...)، والقائمةُ تطولُ.


ملاحظة: أعي جيدًا أن لكل مفهومٍ تاريخٌ، لكنني، وفي نفس الوقت، أعي أيضًا أن المفهومَ كالكائن الحي، ينمو، يتطوّر وتتغير ملامحه من زمنٍ إلى زمنٍ.

أنهِي بسؤال: لماذا أرى حُسنًا فيما يراه رفاقي قُبحًا؟ ربما لأنني اكتشفتُ بهاءَ بعض المفاهيم الإسلامية (certains concepts islamiques)، اكتشفتُها بلغة أجنبية، قرأتُ الأجنبيَّ الذي لا يكره الإسلام ولا المسلمين، وفي نفس الوقت لا يتعصّب للإسلام ولا للمسلمين، ومثله أصبحتُ أحب هويتي ولا أكره هوية مَن علمني. الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و30د، وجبَ احترام القارئ.



سبعة دروس موجهة لليسار. بقلم ألفارو ڤارسيا لينيرا (نائب رئيس بوليفيا)، ترجمة مواطن العالَم 


المصدر:

Le Monde diplomatique-Janvier 2016, N*742-63e année, page 17, « Sept leçons pour la gauche », article écrit par Alvaro Garcia Linera.

مقتطفات من المقال:

الدرس الأول: 

اليسار يرى أن الديمقراطية هي قنطرة غير مريحة بين المجتمع الحالي والاشتراكية. لقد أثبت اليسار الأمريكي-اللاتيني أن هذا التصور خاطئ.  الديمقراطية لا تعطينا فقط طريقة للفوز بالسلطة لكن تعطينا أيضا إطارًا للتغيير الاجتماعي. تعطينا فضاءً للثورة يجب إعادة تصميمه من جديد. الاشتراكية الحقيقية تتميز بتجذير الديمقراطية في أماكن العمل، في الحكومة، في البرلمان وفي الحياة اليومية.

الدرس الثاني:

هل على اليسار أن يأخذ السلطة أم يبني سلطة جديدة تختلف عن القديمة؟ لو احتكرنا السلطة كغيرنا لوصلنا فقط لتغيير بيروقراطية بأخرى. المشكل، على المستوى النظري، يأتي من الحقيقة بأن الدولة ليست كائنا ماديا فحسب.  يتمحوروجود الدولة حول عديد المؤسسات والمعايير والإجراءات، لكنها بالتوازي تجسّر العلاقات بين المواطنين وتنسّق بينهم: طرقات، تعليم، تجارة، صحة، تفكير منطقي وأخلاقي.

الدرس الثالث:

على اليسار انتزاع الإعجاب في كل مجالات الحياة: الثقافية والأخلاقية والمنطقية والتنظيمية. عليه خلق نقلة نوعية في الحس المشترك حتى يتقبل الناس مشاريعه الثورية الجديدة. الثورة هي الأمل المتحرك.

الدرس الرابع:

في المعارضة ننتج أفكارًا تولِّد آمالاً. في السلطة نهتم بالمعيش اليومي ونثْبِت طابعنا الثوري: طابع المتصرف الكفء. علينا أن نكون في مستوى تطلعات الجماهير.

الدرس الخامس:

منذ 450 سنة، فرضَ علينا الغرب تقسيمًا مُهينًا للعمل: نحن نستخرج ونوفِّر للغرب بأبخس الأثمان كنزًا من المواد الخام (نفط، حديد، فسفاط، غاز، غلال، زيت الزيتون، دڤلة النور، برتقال، باكورات)، مواد أولية تحتوي على قيمة مضافة هزيلة. هو يُضِيف إليها الذكاء والتكنولوجيا والقيمة ويصنّعها ويبيعنا سلعًا بأغلى الأثمان. هو أكبر ملوّث ويمنعنا نحن من التصنيع للحد من التلوث. يقول لنا: "حافظوا على الأشجار حتى نأتي ونقطعها ونأخذها. عطلوا نموّكم الصناعي وتخلوا عن بناء مستقبلكم حتى لا ينافس مستقبلنا". علينا تصنيع ثرواتنا المنجمية والفلاحية على أرضنا إذا أردنا الخروج من التخلف.

الدرس السادس:

 حذار من المثقفين المأجورين الراديكاليين المزيفين الممولين من الغرب الذين ينظِّرون لحتمية فشل الثورات.

الدرس السابع:

كل الدول الوطنية الكمبرادورية العميلة فقدت أهميتها لدى أسيادها الليبراليين الغربيين الجدد (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الأوروبي). سعَى هؤلاء إلى تجزئة الدول الوطنية العميلة والمستقلة على السواء. قسّموها عبر توظيف معارضيها في الداخل. سعوا أيضا إلى تكبيلها بقروض باهظة الفائدة كما وقع أخيرا في اليونان.

حمام الشط، الخميس 21 جانفي 2016.

هذه بعض أسباب نفور الجماهير العربية من الفكر اليساري 


يبدو لي أن هذا النفور الطاغي بين الجماهير العربية من الفكر اليساري،  نفورٌ مردّه اجتماعي بحت، لا علاقة له بنباهة اليساريين أو بحدّة ذكائهم. يبدو لي أن الأنظمة السياسية العربية الحاكمة في الستينيات والسبعينيات كانت في حاجة إلى نشر وهم الاشتراكية أكثر مما كانت في حاجة إلى تطبيق مبادئها. من هنا نشأت خصوصية علاقة الأنظمة السياسية العربية بالاشتراكية: من جهة لوّحوا بها كطُعم للعرب التوّاقين  للعدالة الاجتماعية والمساواة الطبقية، لكنهم لم يتجاوزوا الشعار إلى التمثل الفكري والتطبيق المادي، ومن جهة ثانية تأثر بها المفكرون العرب إلى حد أحيوا مذاهب إسلامية قديمة وأوّلوها تأويلا اشتراكيا، وهكذا أصبح "أبو ذر الغفاري" من أبطال الاشتراكية وتحوّل "القرامطة" إلى ثوار اشتراكيين.

جل الأنظمة السياسية العربية الحاكمة استغلت الاشتراكية كشعار لأنها كانت حلما شرعيّاً يستجيب إلى طموحات العرب وتوقهم إلى التحرر والعدل والتقدم والمساواة. هذه الوضعية دامت تقريبا عقدين أو ثلاثة من الزمن (1950-1979). يبدو لي أن انضمامَ العرب إلى المنظومة الاشتراكية أثناء هذه الفترة كان في المتناول، وكانت الاشتراكية تمثل النظام الأكثر ملاءمة للوضعية العربية في ظل الحرب الباردة بين القطب الاشتراكي "التقدمي" والقطب الرأسمالي الامبريالي، وفي بعض الأحيان كان الفكر الاشتراكي الأكثر انتشارا في الأوساط الثقافية العالمية. لكن الفكر الاشتراكي لم يكن يوماً في الساحة وحده ولم يلبث أن واجه منظومات رأسمالية ثورية محافظة ومنافسة قوية خلال سنتَي 1978-1979 (ثورة دينغشياوبينغ في الصين وثورة تاتشر في بريطانيا وثورة الخميني في إيران، أمين معلوف، غرق الحضارات، 2019)، وكثيرا ما استغل اليمين العربي هذه المنظومات الأخيرة لنشر دعوة الليبرالية الاقتصادية دون الأخذ بالديمقراطية.

يجب التمييز إذن بين العهد الاشتراكي الذي مر به الفكر العربي وبين المدة القصيرة جدا التي تبنت فيها بعض الدول العربية نظاما اشتراكيا مشوّها نظريا وتطبيقيا (مصر، اليمن، سوريا، العراق، الجزائر، ليبيا، تونس). إن الاشتراكية الرسمية العربية لم تكن أبدا وفية لأصولها الماركسية: الكتّاب العرب والمفكرون والمثقفون والطلبة والمناضلون والمعارضون اعتنقوا الاشتراكية في صورتها الماركسية وعاشوا عهدا اشتراكيا فكريا افتراضيّا زاهرا رغم تعسفهم على بعض المفاهيم العربية الإسلامية غير الاشتراكية وتأويلها تأويلاً اشتراكيا خاطئاً. كان الشيوعيون والاشتراكيون الديمقراطيون والقوميون واليساريون الإسلاميون  العرب يوظفون فكرة الاشتراكية توظيفا سياسيا كمادة للدعاية التحررية بغض النظر عن أصولها ومراميها الفلسفية. كان المهم عندهم آنذاك هو توظيف شعار العدالة الاجتماعية ولا يهمهم من أي إيديولوجية تيسر، ورَفْعِ هذا الشعار كان عندهم بمثابة التغني بشيء مفقود ومستحيل.

رُفعت الاشتراكية كشعار -ليس إلا- في العهد الاشتراكي الذي عاشته بعض الدول العربية. وبالفعل نلاحظ أن مؤلفات الاشتراكيين العرب في ذلك الوقت لا تتميز بالتجذر والتكيّف والتأقلم والتماهي الجدلي  (Indigénisation) وكان منظروهم يُتهمون دائما بالميوعة والزندقة والكفر والإلحاد وفي أفضل الأحوال بالتقليد والانبتات عن مجتمعاتهم العربية الإسلامية، والحقيقة أن جل هذه التهم لم تكن من فراغ. لكن إذا تفهمنا بعمق الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك أدركنا أن هذا الفقر في الإبداع لديهم لا يعني عجزا في أذهان اليساريين ولا قصورا في همتهم  وإنما يعني نتيجة طبيعية للتفاعل الذي حدث بين عنصرين اثنين أساسيين: الأول يتمثل في عدم اطلاع فظيع من قِبل عَلمانييو-يساريي ذلك الوقت، وهذا الوقت أيضاً، على قاموس اللغة العربية وقاموس الرموز وتراث الفقه وتاريخ الحضارة الإسلامية (بالرغم من وجود جهابذة عرب مسلمين أنتجوا بغزارة في هذا الميدان أمثال عبد الله العروي وحسين مروة وصادق جلال العظم وعلي حرب وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي ومحمد الشرفي ومحمد حداد وآمال ڤرامي ومحمد الشريف الفرجاني ومحمد الطالبي ونصر حامد أبو زيد وجمال البنّا وألفة يوسف وأبو يعرب المرزوقي وعياض بن عاشور ويوسف الصديق ومحمد أركون وهاشم صالح وغيرهم -أكيد الكثير- مما لم أطلع على إنتاجاتهم)، أما العنصر الثاني فيتمثل في صعوبة وتعقّد الفكر الاشتراكي مما نفّر منه الجماهير الأمية والفئة المتعلمة غير المثقفة، وخاصة أصحاب الاختصاصات منهم في التكنولوجيا والعلوم الصحيحة والتجريبية، كالرياضيات والهندسة والطب والبيولوجيا. 

أثناء المد الاشتراكي العالمي، لاحظ المختصون شيئاً من الانفصال بين النظرية والتطبيق، ولم تسترجع النظرية الاشتراكية حقها من اهتمام المؤلفين إلا بعد انتهاء العهد الاشتراكي، بعد أن أفضت التجربة الاشتراكية إلى فشل عالمي (سقطت عام 1989 في الاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية الشرقية وكمبودج وألبانيا وكوريا الشمالية)، وفشل عربي (عام 1970 في مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن وتونس). فشلٌ أثبت أن الاشتراكية نظرية متناقضة في ذاتها وليست أفضل من نقيضها النظري المتمثل في الليبرالية الرأسمالية، لكن شعارَ الاشتراكية بقى مرفوعا لأن الحاجة إلى العدالة الاجتماعية تدعو إلى ذلك، شعارٌ لم يعد من مسلمات هذا المجتمع. وسيكون نقد هذا الشعار منطلقا لطرح مسائل جوهرية حول الاشتراكية وعلاقتها بالدين والحرية والديمقراطية.

ويبدو لي أن الأفكار التالية غير صحيحة:  

مثل القول بأن الاشتراكية العربية هي اشتراكيةٌ متولدة من رحم الاشتراكية العالمية تَولدا آليا، وأن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي ترجمة صرفة للدعوة العالمية، وأن كلمة اشتراكية ذاتها ترجمة للكلمة الأجنبية "سوسياليزم". 

أو أن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي قد نتجت قبل كل شيء عن حاجة متولدة في المجتمع العربي الإسلامي نفسه، شعر بها عدد من الناس المثقفين والمفكرين والمبدعين والفنانين والطلبة والمعارضين السياسيين. على العكس، الدعوة إلى الاشتراكية لم تنبثق من الصراع الطبقي في المجتمعات العربية (الوعيُ بالصراع الطبقي في العالم العربي كان ولا يزال مفقودًا لغياب مفهوم الطبقة نفسه عند العرب، تُعرّفُ الطبقة بوعي العمال بالانتماء إلى طبقة البروليتاريا وليس بوجودهم المادي كعمال في السوق الرأسمالية)، وهذا الانبثاق المرتقب نظريا من قِبل ماركس نفسه لم يحدث حتى في الاتحاد السوفياتي أو الصين. قد يكون حكام العرب، مثل عبد الناصر وصدام والأسد والقذافي، قد تهافتوا على المنظومة الاشتراكية لأنهم رأوا فيها المنقذ الوهمي الوحيد من براثن الرأسمالية الغربية الاستعمارية الامبريالية ووجدوا فيها ملاذا وقتيا آمنا وتجسيما لما يحسّون به في داخلهم من استفراد بالرأي والحكم، فنهلوا من تنظيماتها الاستبدادية المتعددة الأشكال كالحزب الواحد والزعيم الأوحد المعصوم ورأسمالية الدولة والانتخابات المزيفة واستلاب الشعب والدكتاتورية على الشعب باسم الشعب. كل هذا يؤكد أن الدافع الأول عند حكام العرب كان دافعا ذاتيا محليا انتهازيّاً وليس تأثيرا خارجيا. والدليل على ذلك هو أن حكام العرب في تلك الفترة، ما بعد الاستعمار الغربي، لم ينقلوا بأمانة مبادئ الاشتراكية الغربية التي رغم كثرة هناتها، لا ينكر أحدٌ أنها حققت في العالم الشيوعي نهضة مادية في البنى التحتية وفي العلم والتعليم والتكنولوجيا والتصنيع. تعامى مثقفو العرب عما كانت تحمله الاشتراكية من وعي بتناقضاتها الداخلية البنيوية الذاتية. تعاميهم هذا، غير المقصود وغير الواعي، نتج عن حلم بتحقيق العدالة الاجتماعية في أسرع وقت ممكن كأنهم يسابقون الزمن، إنهم في حاجة إلى اشتراكية متفائلة حازمة واثقة بذاتها فأوّلوا اشتراكية عصرهم حسب أوهامهم.

لذلك يمكن القول أن نظرية الاشتراكية الديمقراطية الحديثة (Social-démocratie) نشأت في الغرب في ألمانيا والدول الأسكندنافية بعد أن عرفت الاشتراكية الشيوعية الأرتدوكسية إخفاقا في ظرف تاريخي معيّن. وهذا ما برز فعلا بعد تلاحق الثورات الديمقراطية في الاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية الشرقية.

يبدو لي أن مفهوم الاشتراكية عند الاشتراكيين أنفسهم بقي مفهوما  سطحيا وأن تلك السطحية كانت الحاجز الذي منع الثوار الاشتراكيين، أمثال لينين وستالين وماو وكاسترو من تجسيد الاشتراكية في تنظيمات سياسية تتصف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ونبذ الامبريالية. إن أخطاء الثوار الاشتراكيين نشأت عن خلط بين الاشتراكية والدكتاتورية. ولتدارك تلك الأخطاء لا بد من نقد ذاتي وتطوير في التنظيمات والاستفادة من تجارب التنظيمات الليبرالية الرأسمالية وتوظيف المبادرة الفردية أفضل توظيفٍ، أما بالنسبة للاشتراكيين العرب، فهم مطالبون زيادة على رفاقهم الغربيين بالتعمّق في دراسة تراث وواقع  مجتمعاتهم العربية الإسلامية. قال ماركس بما معناه: "على الفلاسفة تغيير العالم وليس الاكتفاء بفهمه"، وأنا أقول بعد حفظ المقامات: "على اليساريين العرب فهم ماضيهم واستشراف مستقبلهم قبل تغيير واقعهم، ولا يوجد في الأفق أمامهم سوى التماهي الجدلي مع هويتهم العربية-الإسلامية.

حمام الشط في 14 فيفري 2012 (تحيين 2019).

أيها اليسارِيون التونسيون: اختلِفوا ولا تتحِدوا، ففي اختلافِكم ثراءٌ ثقافيٌّ محتمَلٌ وفي اتحادِكم فشلٌ سياسيٌّ أكيدٌ !


صندوقُ الاقتراعِ مقبرتُكم فلا تنتظروا من جَوفِهِ فوزًا لن يجيء ولو بعد حينٍ، والثقافةُ مجالُكم (Votre fief par excellence) وهي نقطةُ قوتِكم التي لا ينافسكم فيها أحدٌ، وقل ثقفوا وتثقفوا فسيرى الشعبُ ثقافتَكم والمثقفون.

في حمام الشط، بادرتُ مرةً صديقًا عضوًا ناشِطًا في حزب الوطد الموحَّد (وليس الموحِّد) وقلتُ له: "لماذا لا تنظمون ملتقيات فكرية في دار البلدية المجانية ؟". أجابني مَزهوًّا: "نحن لاهيِينْ بِــرَصْ الصفوفْ". ألا يعِي هذا الأستاذ المناضِل أن الثقافةَ -كقراءة القرآن- تستقطِبُ القلوبَ قبل استِقطابِ العقولِ.

أجابني أستاذٌ مناضِلٌ آخرَ: "مسألة إمكانيات". أجبتُه وأجيبكم: "يوجدُ في حمام الشط قاعتان جميلتان مجهَّزتان بمكيّفٍ وفيديو-بروجكتور، موضوعتان مجانًا على ذمّة الأحزاب والجمعيات، ويوجدُ في حمام الشط أيضًا عشرات المحاضرين المتطوعين في شتى الاختصاصات العلمية".

في حمام الشط، قدمتُ بمفردي أربع محاضرات علمية في اختصاصي (علوم التربية): الأولى من تنظيمي، والثانية نظمها خليفة الفاهم (حزب الجمهوري) بمناسبة صدور كتابي الأول، والثالثة تبناها خليفة يحي (جمعية عمال بلا حدود)، والرابعة دعا لها رضا بركاتي (جمعية الشهيد نبيل بركاتي) بمناسبة صدور كتابي الثالث. ونظم صديقي وزميلي رضا بركاتي وبمفرده أيضًا ضِعف ما نظمتُ أنا. 

ألا يستحِي البوكت والوطد الثوري والوطد الموحَّد غير الموحِّد من تقاعسهم الثقافي في حمام الشط مقارنةً بما أنجزه يساريان اثنان غير منتمِيَيْنِ حزبيًّا ؟ لم أستثنِ نهضة حمام الشط من النصحِ، وكجيرانها فعلت ولم تستجب.

لماذا ؟ 

تفسيرٌ واحدٌ وحيدٌ محتَمَلٌ ؟ أربعتُهم مُقيَّدون من الداخل بِقيدٍ متينٍ وغير مَرئيٍّ 

Quatre partis de structure stalinienne désuète, parti islamiste Ennahdha inclus !

يَسارِيو عَصْرِ الستينيات والسبعينيات (جِيلِي): لا تُكابِروا ولا تتكبّروا، لم تكونوا يومًا ثوريين، فالعصرُ خارجَ إرادتِكم كان ثوريًّا ! 

هجاء:

ذهبَ العصرُ الذهبيُّ فذهبتم، ولِنقيضِه ودون مقاومةٍ استسلمتم، وفُرادَى كالزبدِ ذبتُم، وجُفاءً صِرتم، وعن مبادئكم بسهولةٍ تخليتُم، وللنقد الذاتي تنكرتم. أيُّ مصيرٍ يا تُرَى ينتظركم ؟

في تونس، المعارضة افتكها منكم الاسلاميون، سجون بن على عمّرها الاسلاميون، والثورة استثمرها الاسلاميون، ونقابة الابتدائي والثانوي (معقلكم) أزاحكم عنها القوميون. في العالَم العربي والإسلامي، الانتصارُ الظرفي والوحيد على إسرائيل أنجزه الاسلاميون (حزب الله)، وعصرُ قلبِ الأنظمة الديكتاتورية دشنه الاسلاميون (ثورة الخميني)، واستقطابُ الكادحين وتأطيرِهم حققه الاسلاميون (السلفيون الوهابيون وحركة الإخوان المسلمون) وشجاعةُ مقارعةِ الإرهابِ الغربي بالإرهابِ العربي احتكرها الإسلاميون (القاعدة وداعش، وحماس في بعض عملياتها الإرهابية السابقة في الشواطئ والمقاهي والملاهي ضد اليهود المدنيين العُزّل وخاصة ضد الأطفال منهم الذين لا يتحملون أي ذنبٍ فيما اقترفه أباؤهم وأجدادهم والله وحده يعلم مسبقًا مصيرَهم).

ماذا بقي لكم، وبماذا على الخلقِ ستتباهون ؟ وهل من أفعالِ بعضم الانتهازية التالية سيأتي يومًا وتخجلون ؟

مثقفوكم، فيهم مَن أصبح في حكومة بن علي وزيرَا، أو في قصره مستشارَا، أو في داخليتِه جنرالاَ، أو في قضائه جلادَا، أو في خارجيته قنصلاً أوسفيرَا.

مهندسوكم، فيهم مَن صمّم للنظام القمعيِّ سَجنًا وللأغنياء بنَى مسابِحَ وقصورَا.

نقابيوكم القِوَادَة، زَكُّوا ترشح بن علي مرتين، وأكثرهم ثورية في الهيئة الإدارية تغيّبَ أو احتفظَ بصوتِه، جُبنًا لا نُبلاً.

العديدُ منكم أصبحوا رجالَ أعمال مستغِلين لعرقِ العمّال، بعدما كانوا ناطِقينَ باسم العمّال في الصالوناتِ والحاناتِ وخلال الاجتماعاتِ الجامعيةِ والسرية.

معاناةُ بعضِ إناثِكم من عيوبِ ذكورياتِكم تُكذِّبُ قَطْعًا يساريةُ رجالِكم ونِسائِكم.

جامعيوكم، فيهم مَن هاجر للخليج ليس من أجل البحثِ العلمِي بل للبحثِ عن لُقمةِ ذُلٍّ في مزابل الأمراء.

مُدرسوكم، فيهم مَن مارسَ البِغاء الفكري بِمقابِل وأثرَى من تهريبِ الدروس المغشوشة لأولاد الفقراء والأغنياء.

وفيكم مَن دخلَ بيت أبي سفيان.

أخلَصكم إلى عصره وأقلكم وَساخةً هاجر خوفًا من عدم القدرة على الصمود.

ومَن صَمدَ منكم، سَمّيتموه عاجزًا أو حالِمًا وفوق الربوةِ أجلستموه، أقصيتموه، حاصرتموه، ولفظيًّا عنفتموه، وعن مجتمعكم عزلتموه، وعلى التصوفِ الافتراضيِّ أجبرتموه.

حضرتُ البارحة اجتماعًا نظمته جمعية "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي"


وصلتني دعوة لإلقاء كلمة حول تجربة جمنة وانتهى الاجتماع ولم يطلبوا مني إلقاءها، سهوًا أو قصدًا، الله أعلم !

المكان: الحي الشعبي "سيدي حسين السيجومي"، داخل قاعة واسعة وسقفها عالٍ عُلُوّ الطابق الأول، قاعة شبيهة بقاعة أفراح.

الزمان: السبت 13 فيفري 2016 من الساعة 13 إلى 15 حسب البرنامج المعلن. بدأ الاجتماع أو المهرجان بتأخير ساعة (14:12) وانتهى بتأخير نصف ساعة (15:35).

الحضور: مكثفٌ إلى درجة يصعب إحصاؤه، 200 أو 300. خليطٌ غير قارٍّ من الجنسين، كهول وشباب وأطفال. تعرفت على واحد منهم فقط، سامي الطاهري الكاتب العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، وعرفت الممثل المشهور عاطف بن حسين شُهر "شوكو". قدمتُ نفسي لأحد المنظمين، المدعوّ سهيل العيدودي.

الجو العام:  شعبي "بالمِنجِدْ": الواقف أكثر من الجالس لعدم توفر الكراسي، تصفير وتصفيق وتفاعل بصفة لم أعهدها في اجتماعات ثقافية أخرى، فوضى وموسيقى صاخبة وناشزة فنيا أكثر من نشاز قاعات الأفراح. باب القاعة العالي مفتوح على مصراعيه، يدخل منه الجهور ويخرجون كما يشاؤون. وزّعوا على الحضور ماء معدني وقهوة ومقروض. اكتشفتُ أنني لستُ شعبيا بهذا المفهوم لـ"الشعبية" الذي قدمته "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي".

سبب حضوري: "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي" دعت طاهر الطاهري، رئيس جمعية حماية واحات جمنة، لإلقاء كلمة حول تجربة جمنة الثورية. استحال الحضور على صديقي الطاهر لأسباب تخصه فطلب مني تعويضه فقبلتُ. هاتفني أحد المنظمين، وسيم العبيدي وأكد لي الدعوة. حضّرتُ تدخلي بكل جدية على تطبيقة "البوير بوينت" (PowerPoint) بعد ما وعدوني بتوفير آلة عرض (vidéo-projecteur). لم أجدها في قاعة الاجتماع. 

تقديم الجمعية: وقد أفادنا نصر الدين السهيلي رئيس جمعية 1864 أن الجامعة الشعبية محمد علي الحامي ستقدم برامج تعليمية في مجال العلوم الإنسانية ومجال الاقتصاد التضامني فضلا عن تقديم ورشات في المسرح والسينما والموسيقى. وتتوجه هذه البرامج بالأساس للعمال وللعاطلين عن العمل وللنساء والأطفال كذلك. وبينما سيشرف على قسم العلوم الإنسانية بالجامعة الشعبية الأستاذ كمال الزغباني، ستتولى مجموعة من الأساتذة مشهود لهم بالكفاءة -على غرار قيس سعيد وغيره- تأمين الدروس التي سيتم تقديمها. وتأتي الجامعة الشعبية، وفق ما أفادنا به السهيلي، في إطار مشروع مواطني يهدف الى توفير فرص حقيقية للتكوين وللانخراط في الدورة الاقتصادية بعيدا عن منطق الإقصاء والتهميش. وأضاف محدثنا أنه تم إطلاق اسم باعث الحركة النقابية التونسية محمد علي الحامي على الجامعة لرمزية هذه الشخصية في تاريخ تونس أولا ولكون الحامي درس في جامعة شعبية في ألمانيا في عشرينات القرن الماضي. وختم نصر الدين السهيلي كلامه قائلا إن الجامعة بحاجة الى مساعدات عينية كالكتب والروايات والآلات الموسيقية ملاحظا أن التسجيل بالجامعة ينطلق يوم الاثنين 15 فيفري 2016.


الاجتماع: افتتحه مؤسس "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي"، الكاتب والفيلسوف كمال الزغباني. تكلم دقيقة أو دقيقتين ولم يسمعه أحد لرداءة "الأكوستيك" ولكثرة التشويش في القاعة وكذلك ضاعت بعده كلمة سامي الطاهري. تتالت بعدها وصلات "موسيقية" لا غربية ولا شرقية ولا تونسية ووصلات شعرية لا تسمع منها إلا القافية لكثرة ترديدها. "بافل" أعراس غير معدل، ينبعث منه صوت بمئات "الديسيبال"، طلقات تضرب في القلب وتصم الأذن، تَلوثٌ صوتي، ولولا التزامي بالحضور لَغادرتُ القاعة فورا مثلما أفعل عادة في قاعات الأفراح.

خاتمة: ربي يعاون "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي" على تعميم الثقافة الشعبية التي تراها كما لا أراها أنا 

C`est ma première impression. Attention: la première impression pourrait induire en erreur! 

يبدو لي أنه قد يكون من الأفضل أن تُقدم للطبقة الشعبية (مفهوم فضفاض هلامي غير واضح المعالم) طبقا ثقافيا، يكون ليس أقل من مستواها فتحتقره وليس مطابقا لمستواها فلا يشدّها وإنما يجب أن لا نبخس ذكاءها ونقدم لها طبقا ثقافيا أعلى من مستواها قليلا حتى نجذب انتباهها 

C`est le modèle pédagogique de Vygotsky : la ZPD-Zone Proximale de Développement. 

لن أقبل العذرَ الممجوجَ الذي يختبئ وراءه المقصِّرون والقائل أنها "أول تجربة". يبدو الإنسان (Homme) عملاقا لا لشيء إلا لأنه يقف فوق جبل قُدَّ من تراكمِ تجاربِ الآخرين. 

ملاحظة: كل ما سبق وكتبته أعلاه في المقال (ما عدى العنوان)، والله العظيم كتبته أثناء الاجتماع قبل المفاجأة التالية:

انتهى الملتقى ولم يطلبوا مني إلقاء كلمتي حول تجربة جمنة. اتصلت مباشرة بـِسهيل العيدودي ووسيم العبيدي وذكّرتهم بدعوتهم لي. صمتَا الإثنان. الثاني ظهر على وجهه بعض الأسف أما الأول فصمتٌ على صمتٍ. لم أغضب كعادتي كثيرا لأن جو الاجتماع لم يكن مهيأً إلى الإنصات والخشوع اللذان تتطلبهما حكاية مثل حكاية ملحمة جمنة. عند رجوعنا إلى شارع بورڤيبة في الحافلة الصغيرة المخصصة للغرض، أسررت بسُخطي على المنظمين إلى مشاركة شابة تتقد حيوية ودِفئا وعينيها تشعان صدقا وأملا وبعد سمعتُ فمها ينطق منطقا لم أعهده لدى شباب اليوم. دعتني إلى شرب فنجان قهوة وطلبت مني أن أحكي لها عن ملحمة جمنة. اسمها إيناس التليلي (صديقة الممثل المبدع ابن أخي أسامة أحمد كشكار). أكون غيرَ مؤدبٍ لو لم ألبِّ طلبها ! جلسنا وكانت "سوبارسانباتيك" هي ومرافقتها الصحافية البرلمانية ثم التحق بنا المنظمان المذكوران أعلاه وسيم العبيدي والمدعوّ سهيل العيدودي. الأول (صديق طاهر الطاهري) كرّر أسفه واعتذاره وكان يذوبُ تواضعًا ويرقُّ حياءً وأدبًا. أما زميله فلم ينبِس بكلمة تنم عن اعتذار ولو بصفة غير مباشرة. بصدقٍ لم يسبق لي أن عرفته لكنني أشك أنه هو يعرفني وأظن (إن بعض الظن إثمٌ) أن السهوَ عني في الاجتماع لم يكن سهوًا، لذلك كتبتُ في العنوان "دعوني لإلقاء كلمة حول تجربة جمنة ولم يطلبوا مني إلقاءها، سهوا أو قصدا، الله أعلم !". بصدق، أتمنى أن أكون مخطئا ؟ أنا قبلتُ اعتذار البقية الصادقة ومنهم المهذب كمال الزغباني لكنني نبهتهم مسبقا وبكل بلطف ومحبة إلى ما ورد في هذا المقال من نقد هدام والنقد هدامٌ أو لا يكون إذ لا وجود لبناء دون هدمٍ يسبقه. ناقد العلم يجامل أما العلم فلا يجامل.

مفارقة: كنت أشكو من تجاهل عائلتي اليسارية وللأسف أول مرة دعتني فيها، تجاهلتني ونسيتني ! لا أستطيع أن أمسك نفسي عن مقارنة ملتقيات اليسار الثقافية النادرة وملتقيات الحساسيات السياسية الأخرى المتعددة (نهضة، حراك، جمهوري، الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس)، أقارن بينهما فيما يخصني عندما دَعَونَنِي مرارًا لإلقاء محاضرة أو للمشاركة في الحضور: خلال المهرجان لاحظتُ غيابَ الاستقبالِ والترحيبِ من قِبل اليساريين (أستثني ما قام به في المقهى بعد الاجتماع ثلة من خيرة شباب اليسار وأستثني منهم المدعوّ س. ع)، يقابله تبجيلٌ وتقديرٌ واحترامٌ من قِبل الآخرين. فوضى وسوء تنظيم عند ملتقيات اليساريين وتنظيمٌ قريبٌ من الحسن عند ملتقيات الآخرين.  

حمام الشط، الأحد 14 نوفمبر 2015.

الصين الشيوعية عينت مليون موظف قوّاد مقيم لمراقبة مليون عائلة مسلمة في مقاطعة صينية مسلمة ؟ لوموند ديبلوماتيك، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


مقاطعة (Xinjiang) مقاطعة صينية غنية بالبترول والغاز والفحم الحجري والطاقة الشمسية والهوائية، تقع على حدود ستة بلدان أجنبية (منڤوليا، روسيا، كازاخستان، كيرغيستان، باكستان، الهند)، مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، عدد سكانها 22 مليون، 40% منهم صينيون مسلمون و45% صينيون غير مسلمين.

منذ التسعينيات من القرن الماضي، ظهر فيها التطرف الإسلامي الصيني الفكري والعنيف، وانضم بعضهم إلى داعش. بين سنة 1990 و2001، وقعت فيها 200 عملية إرهابية مات فيها 162 صيني.

كيف قاومت الصين الشيوعية هذا التطرف  الإسلامي ؟

1. راقبتهم بواسطة وسائل تكنولوجية حديثة: نصبتْ كاميرات في الفضاءات العامة، منعتْ عليهم تحميل بعض البرمجيات مثل "واتساب"، قطعتْ عليهم الأنترنات في بعض الأحيان (Totalitarisme post-moderne). 

2. صنّفتهم حسب سلّم الخطورة على النظام، ومن أجل إدانتهم واتهامهم اعتمدت المقاييس المجحفة التالية: 

- الإقامة الوقتية مهما كان السبب في بلد مصنف خطر (26 بلد، منهم الجزائر، سوريا، مصر، السعودية، الإمارات وغيرها). 

- التحدث مع أجانب أو مع صينيين أقاموا وقتيًّا في الخارج. 

- القيام بتحميل برمجية ممنوعة. 

- تربية اللحية. 

- عدم شرب الخمر. 

- عدم التدخين. 

- عدم أكل لحم الخنزير. 

- أكل لحم حلال. 

- صيام رمضان. 

- تسمية الأبناء بأسماء توحي بالتمرد مثل اسم محمد.

3. زادت في أعداد رجال الشرطة ورفعت عددهم في المقاطعة من 7،500 سنة 2009 إلى 90 ألف سنة 2017، وكان الهدف من وراء هذا الإجراء الردعي يتمثل في زرع مركز شرطة في كل قرية وكل دُوّار.

4. حوّلت وجهة مليون مسلم صيني  مشكوك في اتجاهاتهم الفكرية المتطرفة (تقريبًا عُشُرُ المسلمين الصينيين) إلى معسكرات إعادة التأهيل 

des camps de rééducation 

وهي في الواقع معسكرات اعتقال

des camps de concentration 

يُمارس داخلها التعذيب النفسي والجسدي حسب شهادات بعض الفارّين منها. 

5. قمة القمع التي لم تَرَهُ عينٌ ولا سمعَتْ به أذنٌ: السيد "شان"، المسؤول الأول لفرع الحزب الشيوعي الصيني بالمقاطعة، قدّم برنامجًا لمقاومة التطرف الإسلامي الصيني الفكري والعنيف، أطلق عليه بارادوكسالومان اسم "نعمل عائلة" (faire famille)، وفعليًّا نفّذَه.

كيف "نعمل عائلة" حسب اجتهاد هذا المسؤول الصيني الشيوعي ؟

(تعليق مواطن العالَم: اربطوا أحزمتكم أيها القراء المسلمون وغير المسلمين، الخبرُ صادمٌ جدًّا !)

الدولة الصينية الشيوعية "الكريمة" عيّنت مليون موظف صيني غير مسلم قوّاد لمراقبة مليون عائلة مسلمة في مقاطعة صينية مسلمة: كل موظف صيني غير مسلم (هانس) يُعيَّنُ مخبِرًا، تبعثه الدولة يقيم لعدة أيام مع عائلة صينية مسلمة غصبًا عنها. 

ماذا يفعل هذا الضيفُ الثقيلُ الطفيليُّ الإجباريُّ داخل العائلة المضيّفة المغلوبة على أمرها ؟ 

يسجل كل السلوكات العائلية التي تبدو له متمردة، يحث أعضاء العائلة على الوشاية ببعضهم البعض، ويُلقِّنهم أصول "التربية الشيوعية الوطنية" على قاعدة صحيحة.

خلاصة القول: وبعد هذا القمع الذي يُسلَّطُ يوميًّا على مسلمي الصين، ما زال البعضُ يتساءل عن أسباب التطرف الإسلامي الصيني الفكري والعنيف ؟


خاتمة: لو كنت مسلمًا صينيًّا لَتطرّفتُ !


المصدر:

Le Monde diplomatique, mars 2019, extraits de l`article : Déjà un million de personnes passées par les camps de rééducation du Xinjiang. LesOuïgoursà  l`épreuve du « vivre-ensemble » chinois.  Par Rémi Castets, Docteur de l`institut d`études politiques de Paris, directeur du département d`études chinoises de l`Université Bordeaux-Montaigne.




لماذا سقطت الماركسية ؟ نقل مواطن العالَم


المصدر

كتاب "نقد النص"، علي حرب، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 1995، الدار البيضاء، 285 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط.

نص علي حرب صفحة 144:

ولعل هذا ما يفسر لنا ذلك السقوط المدوي للماركسية -وليس للنص الماركسي- بكل مذاهبها وشيعها، وذلك الانهيار المريع للأنظمة التي حكمت باسمها. فالماركسية لم تسقط لأنها مادية تاريخية واقعية جدلية. بل على العكس من ذلك: إنها سقطت لأنها مثالية لاهوتية غيبية طوباوية. سقطت لأنها فقدت تاريخيتها وانغلقت على ذاتها وحجبت إرادة الحقيقة لصالح إرادة العقيدة والسلطة. ولا يغير من الأمر ما يقوله المدافعون عنها. ذلك أنه لا يهمنا ما يقوله صاحب الخطاب ويصرح به، بل يهمنا ما لا يقوله ويبني عليه قوله. فالماركسيون يصرحون بأنهم ماديون تاريخيون جدليون ثوريون... ولكن منطق خطابهم وأجهزتهم المفهومية وطريقة تعاملهم مع الأفكار والنصوص ونظرتهم إلى المراجع والأصول، كل ذلك يقول لنا بأنهم على الضد، تقليديون، دوغمائيون، امبرياليون، مثاليون، والمثالية هي صفة كل فلسفة على كل حال. ذلك أن الفلسفة هي تعامُل مع المفاهيم والأفكار. (...) والماركسية تداعت بسبب ذلك، أي لأنها تعالت على الواقع وأمست ضد التاريخ. لأنه لا يصمد في النهاية إلا القوي القادر على التجدد، ولا يبقى إلا المتفتح المزدهر، المنخرط في التاريخ والواقع.

إمضائي المحيّن:

قال علي حرب: "الحقيقة أن الفلسفة لا تعدو كونها تجربة إنسانية فريدة، تحقيقا لحلم شخصي".

"الإنسان لا يقع خارج التاريخ بل داخله. ولا يتعالى عليه بل ينخرط فيه. من هنا قلما تصح النبوءات والتكهنات".

قال جان بول سارتر: "يجب ألا نشعر بالخجل عندما نطلب القمر".

قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".

قال مواطن العالَم: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداءً بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت الإيديولوجية المنقودة غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت المنقودة إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلمي ويخفّف عني حملي ؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".


 

تاريخ معاصر: الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF) والجزائر من 1920 إلى الاستقلال ؟ لوموند ديبلوماتيك، ترجمة دون إضافة ولا تعليق مواطن العالَم


بين 1920 (مؤتمر تور) و1954 (انطلاق حرب التحرير الجزائرية)، سادت، لدى شريحة من العمال الفرنسيين، حالة من اللامبالاة تحولت فيما بعد إلى عداء بل إلى كره للسكان الجزائريين الأصليين (عرب وأمازيغ). أما الحزب الشيوعي الفرنسي فقد سادت داخله حالة من الاهتمام المصحوب بالذهول، حالة تميزت بمعارضة كل حركات التحرر قبل 1920 ثم تحولت إلى حالة تَجَذُّرٍ ضد الاحتلال بداية من سنة 1930.

أكتوبرسنة 1936، تأسس الحزب الشيوعي الجزائري (PCA). ولادتُه كانت نتيجةً لنضال ضد جمود القيادة الباريسية (PCF). يطمح الحزب الجديد إلى كسر العداء السائد لدى أغلبية الشيوعيين الأوروبيين المقيمين في الجزائر. أصدر جريدة سرية من 1955 إلى 1957 (La Voix des soldats).

8 ماي 1945، وقعت مجزة سطيف ( فرنسا تقول 1165 ضحية والجزائر تقول 45  ألف شهيد): ردة فعل الشيوعيين في فرنسا كانت غامضة.

12 ماي 1956، سار الحزب الشيوعي الفرنسي على خطى أغلبية البرلمان التي منحت للحكومة الفرنسية الاشتراكية سلطات استثنائية  حتى تُواصل الحرب ضد جبهة التحرير الجزائرية (FLN). هذا الموقف لم يمنع الشيوعيين الجزائريين من أصل فرنسي من المشاركة في المقاومة وانخرط الحزب الشيوعي الجزائري في حرب التحرير محتفظًا بشيء من الاستقلالية حيال جبهة التحرير.

سنة 1955، كان الشيوعيون الفرنسيون أول من خرج في شوارع باريس للتنديد بالحرب الجزائرية. في النهاية وبالرغم من عثراته ومواقفه المتذبذبة فقد لعب الحزب الشيوعي الفرنسي دورًا، نستطيع أن نقول عنه أنه موقفٌ إجماليًّا إيجابيٌّ.

Référence : Le Monde diplomatique, octobre 2019, extraits de l`article «Histoire Les communistes et l’Algérie», par Arezki Metref, p. 26.





المسلحات الجميلات السافرات السوريات الكرديات المناضلات ضد داعش لَسْنَ ماركسيات ! ترجمة ونقل مواطن العالَم، غير مُنْتَمٍ لأي حزب أو جمعية 


الحزب الكردي في تركيا (PKK) وحليفه الحزب الكردي في سوريا (PYK) تخلّيا عن الماركسية-اللينينية منذ سنة 2000 واعتنقا "التحررية المحلية" (Le communalisme libertaire et la démocratie directe) على مذهب المُنظر الإيكولوجي الأمريكي (Murray Bookchin 1921-2006). وفي سنة 2014، تبنّت الفدرالية الديمقراطية لسوريا الشمالية عقدًا اجتماعيًّا ينبذ القومية ويدعو إلى مجتمع المساواة والتشاركية واحترام حقوق الأقليات (Une société égalitaire, paritaire, respectueuse des droits des minorités). عقدٌ يُحرّم عقوبة الإعدام ويساوي في الإرث بين الرجلِ والمرأةِ ويمنع تعدد الزوجات ما عدى بعض الحالات الاستثنائية الناتجة عن الحرب الأهلية.

Source: Le Monde diplomatique, n°762-64è année, septembre 2017. Extraits sélectionnés de l`article : « Une utopie au cœur du chaos syrien », Page 1, 14 et 15, par Mireille Court et Chris Den Hond, respectivement professeur d`anglais, membre de la coordination nationale Solidarité Kurdistan, et journaliste.


ماذا قدّمتْ التجربة الشيوعية في وجهها القبيح ؟ ترجمة وإضافة أطول من الأصل، مواطن العالَم 


هل قدّمت التجربة الشيوعية منوالا تنمويا، يجدُر بنا، نحن العرب المسلمون، أن نقتدي به ؟

المصدر:

Le Monde diplomatique (Supplément), n°739-62è année, octobre 2015, pages I et IV. Des très courts extraits sélectionnés de l`article : « Réflexions sur le progrès. Un si long silence » par Ashis Nandy, Sociologue et politiste indien.

هذا ما قدمته لنا التجربة الشيوعية في وجهها القبيح، أعني التجربة الشيوعية أو الاشتراكية التي طُبّقت ولا زالت تُطبّق في البلدان المختلفة عرقيا (أوروبا وأمريكا الجنوبية والصين والعالَم العربي وإفريقيا، إلخ) ودينيا (المسيحية والبوذية والإسلام، إلخ):

-         التجربة الشيوعية في وجهها القبيح قدّمت لنا منوالا تنمويا فوقيا -حسب رأيي المحدود جدا- لا مستقبل له في مجتمعاتنا العربية المسلمة على الأقل على المدى القريب والمتوسط، منوالٌ متوحِّشٌ مدمِّرٌ للبيئة ومنذِرٌ بمستقبل غير واعدٍ للأجيال القادمة، منوالٌ قابِرٌ لآمال مليارات العمال الفقراء في تحقيق عدالة اجتماعية على الأرض، منوالٌ معادي لعُكاز الإسلام المُريح الذي يتكئ عليه العامل العربي المسلم الفقير المقموع المظلوم المضطهد والمهمّش دون أن تعوضه الشيوعية بعكازٍ أفضل.

-         التجربة الشيوعية في وجهها القبيح قدّمت لنا ديكتاتورية الحزب الواحد (الحزب الشيوعي الأوحد) وسَمّتها ديكتاتورية البروليتاريا منتحلة ظلما وبهتانا صفة طبقة العمال بأكملها. ديكتاتورية اكتوى بنارها جميع عمال العالم بصفة مباشرة (عمال الدول الشيوعية أو الاشتراكية) وبصفة غير مباشرة (عمال الدول غير الشيوعية أو غير الاشتراكية وذلك بتشويه حلمهم بتحقيق الحرية والانعتاق والعدالة الاجتماعية عن طريق الشيوعية أو الاشتراكية). دفعَ عمال الدول الشيوعية الثمن غاليا خاصة ذوي سوء الطالع منهم الذين عاشوا تحت إرهاب النظام الستاليني في الاتحاد السوفياتي السابق (حسب الإعلام الغربي المتواتر: فُقِد في عهد ستالين،  "أب الشعوب"، قرابة 20 مليون بشر بين شهيد حرب تحرير ضد النازية وشهيد رأي وشهيد ترحيل قسري وشهيد سجن الڤولاڤ في سيبيريا وشهيد مجاعة) وإرهاب النظام الماوي في الصين (حسب الإعلام الغربي المتواتر: فُقِد في عهد ماو قرابة 50 مليون بشر بين شهيد حرب تحرير ضد اليابان وشهيد رأي وشهيد ترحيل قسري وشهيد سجن وشهيد مجاعة وشهيد ثورة تجهيلية سُمّيت إيديولوجيا "الثورة الثقافية الصينية"). ولن أبخس النظام الشيوعي السابق في كمبوديا نصيبه من النقد الساخط، نظام "الخمير الحمر" بقيادة الدكتاتور السفّاح "بول بوت" الذي أباد 1،7 مليون مواطن بروليتاري بريء أي خُمس سكان كمبوديا بين سنة 1975 و1979.

 رَفعًا لكل لَبس: أنا أحترم أصدقائي الستاليين التونسيين، صدقا وليس مجاملة، أحترمهم كأشخاص ولا أشك لحظة في نواياهم الحسنة ولا في شعاراتهم النبيلة حتى ولو كانت مرجعيتها ستالينية لكنني لم ولن أبارك مشروعهم السياسي الذي يناضلون بنيّة طيبة من أجل تحقيقه في مجتمع ذي أغلبية مسلمة ولست مؤهلا نظريا للحكم لهم أو عليهم أو محاسبتهم على خطاب خالٍ من التطبيق وربما يكون الحظ حليفهم عكس ما وقع لمعلمهم ولعلّ الصواب يكون من نصيبهم.

-         التجربة الشيوعية في وجهها القبيح قدّمت لنا كارثة بيئية مثل حادث المُفاعل النووي في محطة تشرنوبل بالقرب من مدينة "بريبيات" الكائنة بدولة أوكرانيا الحالية في 26 مارس 1986 الذي لوّث بالإشعاع النووي أجسام مئات الآلاف من العمال السوفيات الفقراء الأبرياء مواطني الاتحاد السوفياتي السابق نفسه.

-         التجربة الشيوعية في وجهها القبيح قدّمت لنا نموذجا لم يصمد أمام غريمتها التجربة الرأسمالية (كان يسميها ماو "نَمِرٌ مِنْ وَرَقْ") وسقط بالضربة الرأسمالية القاضية وفي مثل هذه الحالة ينقلب الضدُّ إلى ضدِّه ويقتدي المغلوب بالغالب: ها نحن نرى "صِين" اليوم أصبحت دولة برأسين، دولة شيوعية تسعى، ويا لخيبة المسعى، تسعى وبخطى حثيثة نحو مستقبل معلوم يشبه كثيرا حاضر المجتمعات الغربية الرأسمالية بمساوئه ومحاسنه. "وِينْ الحلم الشيوعي، وِينْ ؟".

-         التجربة الشيوعية في وجهها القبيح ورّثت الماركسيين العرب عَلمانية عَرجاء، أي عَلمانية مُعادية للدين عموما وللإسلام خصوصا، "عَلمانية شيوعية" غير عَلمانية، عَلمانية أكسبتهم عائقا معرفيا أعماهم على استنباط منوال تنمية يتماهى مع مجتمعاتهم المسلمة وخلطوا بين الدين والتديّن وتجاهلوا المقولة الفلسفية التالية: "لو فرضنا جدلا أن الله غير موجود، فالمؤمنون بالله موجودون أحياءٌ يُرزقون". هم العمال الذين يدّعي الماركسيون العرب التكلّم باسمهم والدفاع على مصلحتهم الطبقية و تناسوا أن المثقفين الماركسيين العرب ينتمون إلى طبقة غير طبقة البروليتاريا، طبقة البورجوازية الصغيرة التي قال فيها ماركس أشنع مما قاله مالك في الخمر وتجاهلوا رأي ماركس في الدين: "الدين صرخة المظلوم وصوتُ مَن لا صوتَ له وقلب عالم بلا قلب وروح عالم بلا روح". وماذا يريد أن يفعل الماركسيون العرب ؟ يريدون سحب عكّاز المسلم دون أن يوفِّروا له عكّازا أفضل !

-         لم تكتف التجربة الشيوعية في وجهها القبيح باستعباد العمال لخدمة رأسمالية الدولة الشيوعية وتدنيس مفهوم "الاشتراكية" كـآخر أملٍ للعمال والأجيال القادمة في العيش الكريم والخلاص الأخير من الاستِلاب الطبقي المَقيت.

خَفَتَ نورُ قرن الماركسية (القرن 19 الألماني) بعد موت ماركس. جاء بعده المثقف لينين وجعل الديمقراطية تمشي على رأسها على حد تعبير شهيدة الحرية، المعاصرة والناقدة الشجاعة للزعيم التاريخي الجذاب، الفيلسوفة الماركسية الألمانية الرائعة روزا لوكسمبور. وللأسف الشديد خلفه المتزمِّتان ماو وستالين ودفنا الأمل الماركسي الواعد بالحرية والمساواة لكل البشر وتركوا كل عمال العالَم بلا حلم.

NB : L'expression "centralisme démocratique" qualifie un mode d'organisation d'un parti politique ou d'un syndicat dans lequel les délégués nationaux sont élus démocratiquement, mais où les décisions prises lors d'un Congrès doivent être appliquées par tous. Il existe une liberté de débat en interne (démocratie), mais une forte discipline en externe (centralisme), gage d'efficacité. Internet

خلاصة القول: الشيوعية "كانت صَرحًا فهوي" على حد صوت أم كلثوم الرائع، حُلمًا تلاشى بمَعاوِل الشيوعيين أنفسهم.

طرح إشكالية أخلاقية: هل نستطيع أن نقول اليوم ودون خجل: "شيوعي تقدمي في مجتمع ذو أغلبية مسلمة" ؟

أمَلِي كبير -كيَساري غير ماركسي- في النموذج الاشتراكي-الديمقراطي المطبّق حاليا في الدول الأسكندنافية (مثل فنلندا والنرويج والسويد والدنمرك)، النموذج الذي حقق أفضل نسبة من العدالة الاجتماعية في العالَم، العدالة البشرية التي أنشدُها للعالَمين عموما ولأبناء وطني في العالَم العربي-الإسلامي خصوصا.

يا يسار العرب يا مِلح البَلدْ ...... هل يصلح البَلدْ إذا الملح فَسَدْ ؟ (بيت شعر مشهور معدّل)

 

هل يُعقل حقا أن يتحدث أحدنا عن عِلمية الايديولوجيا الماركسية، وعن كونها قد شكلت دليلا لهداية الجماهير ؟  نقل دون إضافة أو تعليق مواطن العالَم


المصدر

كتاب "نقد النص"، علي حرب، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 1995، الدار البيضاء، 285 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط.

نص علي حرب صفحة 187:

... هل يُعقل حقا أن يتحدث أحدنا عن عِلمية الايديولوجيا الماركسية، في وقت بات فيه اليقين أقل حقيقة، والعلوم أقل علمية وأكثر إجرائية، ولا تشذ عن ذلك الفيزياء والرياضيات. وإذا كانت الماركسية قد أثبتت عدم إجرائيتها، أي عجزت عن أن تفسر العالم فكيف بتغييره، كما تشهد الأحداث، فما الداعي للتمسك بها وعدم مساءلتها ؟

 ... أما كَون الماركسية قد شكلت دليلا لهداية الجماهير، فهذا قول هو في نظري أكثر غرابة من القول الأول. وأنا أسأل هنا أيضا: هل يُعقل أن تسقط الأنظمة الاشتراكية على يد الجماهير التي حكمت باسمها أو من أجلها، ويبقى بعضنا على اعتقاده بأن الاشتراكية هي دليل الجماهير إلى التحرر من الظلم والاستبداد ؟ 

صفحة 190:

... وأما التكافؤ والتماثل والمشاركة، كل ذلك ليس سوى تخيل ذي طابع فردوسي، مآله على الأرض الركود والانحطاط، كما حصل في المجتمعات الاشتراكية التي سعت إلى تحقيق المساواة التامة، فإذا النتيجة إعادة إنتاج التفاوت واللاتكافؤ بشكل جديد وعلى وجه أسوأ وأرهب، فضلا عن أن ذلك المسعى المثالي آلَ إلى التقهقر والإفلاس. (...) من هنا فقد حلّ دعاة الثورة والتغيير في العصر الحديث محلّ الأنبياء القدامى، مع الفارق أن الأوَلْ وعدوا بتحقيق الفردوس في السماء، في حين أن الأنبياء المحدِثين وعدوا بتحقيق الفردوس على هذه الأرض، فكانوا أكثر طوباوية من أسلافهم الذين هم أعداؤهم في الوقت نفسه.

صفحة 191:

... بل إن التاريخ ينتقم من أصحاب الدعوات والرسالات وكل الذين يحاولون اغتصاب حقائقه وتزوير وقائعه. وعلى كل فإن العقائديين والمنظرين، هم أول مَن يُفاجأ بوقائع التاريخ الذي يدّعون فهم قوانينه والتحكم في مساره، كما يحصل خاصة في العالَم العربي.

صفحة 193:

... حتى التصور النبوي هو أكثر واقعية من التصور الماركسي الماورائي الطوباوي. فقد وُصِفَ الإنسان في القرآن بأنه مفسدٌ في الأرض سفّاكٌ للدماء. وهذه التهمة التي اتهَم بها الملائكةُ الإنسانَ لا تزال ثابتة.

صفحة 114:

... وإذا كان مارِكسيّو اليوم ينتقدون مقولة نهاية الايديولوجيا، بوصفها خادعة، فالأوْلَى بهم أن ينتقدوا ماركس للكشف عما انطوت عليه نظريته من الخداع والتضليل. ولكنهم لا يقدرون على ذلك، لأن إرادة الماركسية تغلب عندهم على إرادة المعرفة...


نحن هنا لِهَدْمِ الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ ! نحن الفلاسفة والمفكرون الأحرار. صرخة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تأثيث مواطن العالَم 


قال: "أنا ماركسيٌّ، غير منتمٍ لِأي حزبٍ، أحاورُ الجميع دون إقصاء ودون خلفيات إيديولوجية ودون أفكار مسبقة، أحاورهم من أجل هَدْمِ الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ لدى كل المتحزبين المؤدلَجين، وخاصة لدى رفاقي الماركسيّين-اللينينيين التونسيين حيث كبّلَ الوعيٌ الماركسيُّ فِعلَهم عِوَضَ إسْنادِهِ. عمومًا، كلما زادَ الوعيُ، نقصَ الفعلُ La conscience idéologique et l`action révolutionnaire sont inversement proportionnelles.

ما هو الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ ؟ 

هو الوعيُ المتأتّي من فوق، من كُتبِ الإيديولوجيات (الليبرالية، القومية، الماركسية، الإخوانية، السلفية). وعيٌ لا يرى الواقع الفاقع (الصافي).  هو الوعيُ الذي ينشره المتحزبون، من جميع المشارِبِ، لإقناع الناس بوجاهةِ مشاريعِ أحزابهم (L` Embrigadement des partisans). أصنِّفه، أنا مواطن العالَم، وأضعه في أسفلِ درجاتِ الوعيِ وأحَطِّها. وعيٌ يسجنُ حامِلَه في خانةٍ ضيقةٍ مظلمةٍ، لا ولن تدخلها الشمسُ ما لم يكسِّرْ الحاملُ أسوارَ سَجنِهِ. قال عنه سارتر، منذ 1948: 

Lesidéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites. Sartre

وبِما أنني لستُ فيلسوفًا فسأضرِبُ لكم مثالاً من الواقع التونسي الملموس، ولو أن الفلاسفة لا يحبون ضربَ الأمثلة وأنا أوافقهم، لأن المثال عادةً ما يكون محدودًا جدًّا وقد يختزل الفكرة وربما يشوّهها (L`exemple réduit souvent l`idée): مدينة ڤعفور في ولاية سليانة، مدينةٌ عُمّاليةٌ وقلعة النضال اليساري منذ الستينيات أو قبلها، أي مدينةٌ عَشَّشَ فيها الوعيُ الماركسيُّ-اللينينيُّ الإيديولوجيُّ الكلاسيكيُّ الأورتدوكسيُّ (أي الستالينيِّ) وباضَ وفرّخَ، أما مدينةُ جمنة في ولاية ڤبلي، فهي مدينةٌ محافظةٌ بعيدةٌ جغرافيًّا عن العاصمة ولم ينتشر فيها  حتى النوع الناقد للستالينية رغم محاولاتنا المتواضعة سنوات السبعينيات  (نحن اليساريون الجمنين وأنا أولهم)، واليوم ليس لنا في جمنة إلا يساريٌّ واحدٌ وحيدٌ، يساريٌّ من نوعٍ جديدٍ أحبِّذُهُ، يساريٌّ متماهٍ مع بيئته العربيةِ-الإسلاميةِ، يساريٌّ يؤدِّي صلواته الخمس بالحاضر، يساريٌّ أفتخرُ به ويفتخرُ به أيضًا كل الجمنين، يساريون وقوميون وإسلاميون وعاديون، بل ويفتخرُ به كل العالَم لما أنجزه للصالح العام تطوّعًا، هو وأعضاء "جمعية حماية جمنة" وأرشحهم جميعًا لنيل جائزة نوبل. تضمّ المدينتان أراضٍ دولية يستغلها مستثمرون فاسدون. جمنة طردت الفاسد واسترجعت أرض أجدادها إبان الثورة منذ 12 جانفي 2011، أما ڤعفور الواعية فقد كبّلها وعيُها ولم تحرِّك ساكنًا ضد مستثمريها الفاسدين. 

تقف المقارنة عند هذا المثال، لا يعني هذا أن الجمنين أفضل من الڤعفوريين، ربما يتفوّقون علينا في محطات نضالية أخرى أشمل وأنفع لتونس، سكان ڤعفور أنجبوا المناضل الشيوعي البطل نبيل بركاتي، شهيد تونس وشهيد حزب العمال الشيوعي التونسي (POCT)، استشهدَ المربّي الشاب (معلم) تحت التعذيب في مركز الشرطة بڤعفور، ورموا جثته على السكة في أواخر العهد البورڤيبي سنة 1987 حين كان بن على يشغل منصب وزير الداخلية. تحياتي الصادقة لكل الڤعفوريين، أكون جاحدًا إن أنا أنكرتُ كرمَهم الحاتميَّ واستقبالَهم الرائعَ لشخصي ومرافقي الجمني (صديقي القديم الهادي بن جابر)، عندما زرناهم أخيرًا لإلقاء كلمةٍ حول تجربةِ جمنة، بدعوى من رئيس جمعية "ذكرى ووفاء"، صديقي وزميلي المناضل الحقوقي رضا بركاتي ومن صديقي رضا الجويني.

خاتمة: ما يَنْشُدُهُ الفلاسفةُ ؟ يَنشُدون وعيًا نقديًّا فوق الوعيِ الإيديولوجي وضدهُ. وعيٌ يتطلبُ ثقافةً واسعةً وإقرارًا بالعلاقة الجدلية القائمة رغم أنوفنا وأنوفهم بين الوعيِ والفعل حتى يصبحان (Proportionnelles) وليس (Inversement proportionnelles).

حمام الشط، الأحد 14 جانفي 2018.

1985-1991, Les six années qui ont changé le Monde : La chute de l`empire communiste soviétique, l`URSS. Hélène Carrère d`Encausse, membre de l`Académie Française


Source : Emission « Historiquement Schow », mardi 2 février 2016, de 13h 15 à 13h 45.

La signification des deux concepts chers à Gorbatchev: Glasnost : dire haut la vérité (et non la transparence). Perestroïka : La restructuration.

Gorbatchev, le premier marxiste qui a introduit le pluralisme en URSS. Il veut sauver l`URSS. Il a perdu. Eltsine, un marxiste qui veut sauver seulement la Russie tout en conservant l`Ukraine, il a perdu son pari.

Problématique : pourquoi, pour écraser un régime comme le nazisme qui n`a duré que dix ans, il aurait fallu une guerre mondiale avec 60 millions de victimes, par contre le régime communiste, qui a duré 70 ans, s`autodétruit avec seulement trois morts accidentelles ?


 

سؤال في المقهى: لماذا لم يتوحد اليسار التونسي المتحزب المعاصر؟ جواب في مقهى بلسان فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة. صياغة مواطن العالم


حبيب: أكثر المحللين يرون أن العائق الأكبر للوحدة يتجسم في حب الزعاماتية لدى الأمناء العامين للأحزاب اليسارية، أما أنا فأرى أن العائق الحقيقي أعمق من ذلك بكثير ويتمثل في اختلاف في البرامج والأهداف بين يسار راديكالي ويسار ليبرالي:

1. اليسار الراديكالي: حزب العمال، حزب الوطد الموحد، حزب الوطد الثوري الماركسي اللينيني. 

أحزاب ماركسية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة اشتراكية على المنوال اللينيني-الستاليني، لكنها تكتيكيا تتعامل مع الواقع كما هو.

2. اليسار الليبرالي: حزب العمل الوطني الديمقراطي، حزب المسار، حزب التكتل (اشتراكي ديمقراطي)، حزب الجمهوري (يسار وسط).

أحزاب يسارية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة ديمقراطية (قطاع عام + قطاع خاص) على المنوال الفرنسي أو الألماني أو الأسكندنافي وتتعامل مع الواقع بشفافية تامة دون خطاب مزدوج ودون بديل جاهز.


مواطن العالم: أضيفُ تيارًا يساريًّا ثالثًا غير موجود في تونس لكنه موجود بِـقلة في فرنسا وأبرز مفكريه الفيلسوف ميشيل أونفري الذي يعرّف نفسه كالآتي: يساري غير ماركسي، غير ليبرالي (Anti-libéral, Anti-capitaliste, Anti-impérialiste)، تحرّري (Libertaire)، فوضوي ( Anarchiste Proudhonien)، يؤمن بالنظام (L`ordre est le but suprême de l`anarchie) والتسيير الذاتي (Auto-gestion) والتعاضد والتضامن والدولة الفدرالية (Solidarité, coopératisme à but social non lucratif, fédéralisme ) وأقبل باقتصاد السوق في خدمة المجتمع وأرفض سيطرة السوق على المجتمع.

حبيب: أعرّف نفسي كالآتي: 

إيديولوجيا: ماركسي.

فلسفيا: تحرّري الحلم.

واقعيا: اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.

مواطن العالم: أعرّف نفسي كالآتي: 

إيديولوجيا: يساري غير ماركسي.

فلسفيا: تحرري الحلم.

واقعيا: اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.

حمام الشط، الإثنين 29 أوت 2016.

حنينٌ نقديٌّ إلى أيام الشباب الماركسية وليس تمجيدًا للنظرية ! تأليف أمين معلوف، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


ملاحظة منهجية: أنا والمؤلف ننتمي إلى نفس الجيل العربي، هو مولود سنة 1949 وأنا 1952، كِلانا لم يعد ماركسيَّا وفي نفس الوقت بقي غير معادي للماركسية.

نص المؤلف:

لا أقصد هنا تمجيد الشيوعية رغم أنها فتحت للإنسانية جمعاء آفاقًا رحبةً لم تُفتح مثلها في أي إيديولوجية وضعية أخرى. فتحتْها ثم للأسف سريعًا ما خانتْها وأغلقتْها: وظفت طاقات بشرية قيّمة وحامِلة لتطلعات واعدة لكن في الأخير قادتها كلها إلى طريقٍ مسدودٍ، وكانت نهاياتها على قدر انحرافاتها عن قِيمها ووعودها ومبادئها هي نفسها، وهي نفسها التي مهّدت الطريق للإخفاق الذي نشهده اليوم في كل أنحاء المعمورة، إخفاق تسبب في غرق الحضارات جميعًا دون استثناء. 

أندونيسيا، أكبر بلد إسلامي عدديًّا، كانت في الستينيات تضم ثالث أكبر حزب شيوعي في العالم بعد الصين والاتحاد السوفياتي سابقًا. كان يعدّ ثلاثة ملايين عضو منتم.

الشرق الأوسط العربي، كانت تشقه حركات شيوعية مهمة في بلدان مثل السودان، اليمن، العراق وسوريا. قطاع غزة في التسعينيات، كان تحت سيطرة "الجبهة الشعبية الفلسطينية" قبل أن تسيطر عليه "حركة حماس"، الفرع الفلسطيني لـ"حركة الإخوان المسلمين العالمية".

أذكر هذه الحقبة التاريخية بشيء من الحنين لأن وجود حركة لائكية كالماركسية في عالم أغلبية سكانه مسلمون يُعدّ في حد ذاته ظاهرة معبّرة، صحّية ودالّة، نستطيع أن نقول أننا نتأسف على زواله (تعليق مواطن العالَم: على حد علمي، لم يكن النظام الستاليني علمانيًّا في الاتحاد السوفياتي سابقا ولم يكن يؤمن بحرية المعتقد ولا الرأي، بل على العكس تمامًا لقد منع التعددية الحزبية، قنن الإلحاد ودرّسه في جامعاته، هدم الكنائس، جمع أجراسها، صهرها وصنع من نحاسها سلاحًا). 

وبغض النظر عن الواجهة السياسية الصرفة، أتأسف على الجو الفكري والثقافي الذي كان سائدًا في الشرق الأوسط العربي خلال جزء كبير من القرن العشرين والذي عايشته بنفسي في بيروت (تعليق مواطن العالَم: وفي المغرب العربي أيضًا والذي عايشته أنا بنفسي في تونس). 

أحن مثلاً إلى النقاشات التي كانت تدور بين الطلبة والطالبات في جامعة الخرطوم وفي حدائق الموصل أو في مقاهي حلب حيث اعتاد الشبان على تبادل كتب ڤرامشي ومطالعتها. أحن إلى مسرحيات برتولت براشت التي كانوا يلعبونها ويصفقون لها (تعليق مواطن العالَم: في سنة 69-70، كنت تلميذًا بياتًا في معهد بوغرارة الفلاحي، 35كم طريق ڤرمدة، ذهبنا مرة لمشاهدة مسرحية في مدينة صفاقس - 

Le Cercle de craie caucasien, une pièce de théâtre écrite en 1945 et publiée en 1949 du dramaturge allemand Bertolt Brecht.

أحن إلى أشعار ناظم حكمت وبول إيلوار والأناشيد الثورية التي كانت تهتز لها قلوبنا. أحن إلى القضايا التي كانت تحركنا مثل حرب فيتنام واغتيال لوممبا وسجن مانديلا ومعراج يوري ڤرڤارين، رائد الفضاء السوفياتي، إلى السماء وموت تشي (تعليق مواطن العالَم: نفس الأجواء عشتها أنا أيضًا في أوساط اليسار الماركسي في تونس السبعينيات).

أكثر من كل هذا، أحن وبعمقٍ إلى ضحكات الطالبات الأفغانيات واليمنيات التي خلدتها فوتوغرافيا الستينيات ثم أقارن بين أجواء ذلك العالم وأجواء عالم اليوم، أجواء مظلمة كئيبة وخانقة تعيشها اليوم نفس الفضاءات الثقافية ونفس الأنهج ونفس المدرّجات الجامعية.

عندما أتذكر تاريخ الشرق الأوسط في القرن الماضي، ألاحظ أن الحركات السياسية الشيوعية كانت الملاذ الوحيد الذي نجد فيه المسلم العربي يناضلُ جنب اليهودي العربي والمسيحي العربي.

Référence :  Source : Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €, p. 95. 


Qu'est-ce qu'être de gauche ? Qu'est-ce qu'être "citoyen du monde" ? Edgar Morin


Qu'est-ce qu'être de gauche ? A mes yeux, c'est se ressourcer dans une multiple racine : libertaire (épanouir l'individu), socialiste (amélioration de la société), communiste (communauté et fraternité), et désormais écologique afin de nouer une relation nouvelle à la nature. Etre de gauche c'est, également, rechercher l'épanouissement de l'individu, et être conscient que l'on n'est qu'une infime parcelle d'un gigantesque continuum qui a pour nom humanité. L'humanité est une aventure, et "être de gauche" invite à prendre part à cette aventure inouïe avec humilité, considération, bienveillance, exigence, créativité, altruisme et justice. Etre de gauche, c'est aussi avoir le sens de l'humiliation et l'horreur de la cruauté, ce qui permet la compréhension de toutes les formes de misère, y compris sociales et morales. Etre de gauche comporte toujours la capacité d'éprouver toute humiliation comme une horreur.

(…) Jean Jaurès conciliait patriotisme et internationalisme. Aujourd'hui il faut associer ces deux termes qui sont antagonistes pour la pensée non complexe : patriotisme et cosmopolitisme signifiant "citoyen du monde".

« Je suis marxien. Je ne suis pas marxiste. », a dit Raymond Aron, philosophe français de droite, 1955.

Commentaire :

Les marxiens sont des militants, théoriciens, penseurs qui se réclament des apports de Karl Marx tout en se démarquant du marxisme « traditionnel ». Le terme s'est peu à peu imposé pour distinguer la pensée de Marx lui-même de toutes les interprétations et utilisations qui en ont été faites depuis sa mort. Wikipédia

"لستُ ماركسيّا لكنني أومن إيمانا صادقا بشعار الماركسية الأخلاقي السامي جدا "مِن كلٍّ حسب جَهده، ولكلٍّ حسب حاجته".  مواطن العالم، يساري غير ماركسي

 

يا ليت بني قومي من اليساريينَ المنبتِّينَ يتعظون: مُعاداةُ الثقافةِ العربيةِ-الإسلاميةِ تِجارَةٌ خاسِرَةٌ ؟ ترجمة مواطن العالَم 


La religion n`est pas l`opium du peuple, mais la vitamine du faible. Régis Debray, philosophe français, gaulliste de gauche.

السؤال: ما هي أسبابُ نهضةِ الدولِ الآسيويةِ (اليابان، الصين، تايوان، سنغفورة، كوريا الجنوبية، ماليزيا، أندونيسيا) ؟

الجواب في نص هنتڤتون: "سنة 1993، صرّح صحفي ياباني مهم: لقد ولّى وانتهى الزمن الذي كانت فيه آسيا تُزْكِمُ إذا عطست أمريكا. أضاف مسؤول ماليزي: حتى ولو أصِيبت أمريكا بحمى حادة فآسيا لن تتأثر. قال الوزير الأول الماليزي: إن الازدهارَ المتسارعَ في آسيا، يطرح نفسَه كبديلٍ جدي للنظام العالمي السياسي والاجتماعي والاقتصادي المهيمِن.

الآسيوون يرون أن نجاحَهم الاقتصادي ناتِجٌ في أغلبه عن ثقافتهم الآسيوية، ثقافةٌ قد تكون أفضلَ من ثقافة الغرب الحالية المتهالكة والآيِلة للسقوطِ. ثقافةٌ كونفوشيسيةٌ عريقةٌ (Ve S av. J-C)، ثقافةٌ تُثمِّنُ النظامَ (L`ordre) والانضباطَ (La discipline) والمسؤوليةَ العائليةَ وحبَّ العملِ والتقشفَ والتعاونَ والاجتهادَ (وليس الجهادَ) والإخلاصَ2 والسلطويةَ الناعمةَ (L`autoritarisme doux) والديمقراطيةَ المقيَّدةَ وتقدّمُ المصلحةَ العامةَ ومصلحةَ المجموعةِ على مصلحةِ الفردِ وتسعى جاهِدَةً لإعادةِ الروحِ الاسيويةِ لآسيا (La ré-asiatisation ou l`asiatisation de l`Asie). 

في المقابل، نجدُ ثقافةً غربيةً تُكرّسُ النرجسيةَ والأنانيةَ المفرِطةَ والفردانيةَ المقيتةَ والاستغلالَ المُجحِفَ والربحَ السهلَ المشطَّ والعنفَ المجانِيَّ وغيابَ احترامِ التراتُبِيةِ الاجتماعيةِ والإداريةِ (Les hiérarchies sociale et administrative) والتحجّر الذهني. فعَلَى المجتمعاتِ الغربِيةِ إذن، أن تتلمذ على أيدي المجتمعات الآسيوية. سنة 1996، توجه مهاتير محمد، الوزيرُ الأولُ الماليزيُّ المسلِمُ، إلى رؤساء الحكومات الغربية وقال: القِيم الآسيوية قِيمٌ كونية، أما القِيم الأوروبية فهي قيمٌ أوروبية فقط.

الآسيويون يعتقدون أن الازدهارَ الاقتصاديَّ هو خيرُ دليلِ على التفوقِ الأخلاقيِّ وأن النجاحَ الماديَّ يتبعه حتمًا رجوعٌ إلى الثقافة المحلية والقوةُ الصناعيةُ تولِّدُ دومًا القوةَ الناعمةَ".

تعليق مواطن العالَم: أفيقوا بني قومي من اليساريينَ المنبتِّينَ: مُعاداةُ الثقافةِ العربيةِ-الإسلاميةِ تِجارَةٌ خاسِرَةٌ ؟ يا ليتكم بالآسيويين تقتدون ومن تجربتهم تتعلمون ومثلهم بثقافتكم المحلية تعملون وبها لا بغيرها تعتزّون دون تمجيد أو تقديس. كونوا واثقين أنكم لن تنهضوا إلا بالرجوع إليها والارتماء في أحضانها والنهل من تراثها. ما أحلى الرجوع إليه ! أنا تونسي مسلم عَلماني يساري غير ماركسي (Un citoyen tunisien occidentalisé puis indigénisé). وأنتَ، مَن أنتَ ؟ أنا تونسي لائكي على الطريقة الفرنسية (أي مختلف عن العَلماني على الطريقة الأنڤليزية-الألمانية المتصالحة مع الدين). أنا ماركسي-لينيني (بلغة أخرى ستاليني). ألَطِّفُها وأقول لك: "أنت إذن معادٍ لِهُوية شعبك، الهوية العربية-الإسلامية، لكيلا أقول لك أنتَ معادٍ للدين، وحتى وإن كنتَ كذلك، فأنت في الواقع ورغم أنفك لستَ كذلك. وحتى وإن كنتَ ملحِدًا، فأنتَ وغصبًا عنك شئتَ أم أبيتَ، أنتَ حضاريًّا مسلمٌ، أما عقيدتك فأنتَ حرٌّ فيها، تؤمنْ أو تكفرْ، ومَن سألك عنها ؟ شرّقتَ (الشيوعية) أو غربتَ (اللائكية)، أنتَ مسلمٌ. جدك مسلمٌ، أبوكَ مسلمٌ، أمكَ مسلمةٌ، اسمكَ مسلمٌ، جسمكَ مسلمٌ، لون بشرتكَ مسلمٌ، فرحكَ مسلمٌ، حزنكَ مسلمٌ، نشأتَ في رحِمٍ مسلمٍ، صُلبُك لا ينجب إلا المسلمَ، رضعتَ حليبًا مسلمًا، ترعرعتَ في حضنٍ مسلمٍ، لعبتَ في فضاءٍ مسلمٍ، معلمك مسلمٌ، أستاذك مسلمٌ، جارك مسلمٌ، زميلك مسلمٌ، أنتَ - ولو تنصّرتَ أو تهوّدتَ أو خرجتَ من جِلدِكَ حتى - أنتَ في نظر الغرب مسلمٌ. إسرائيل عدوةُ المسلمين، عدوتُكَ. القرآن، دستورُك التأسيسي. ومحمدٌ نبيُّك ومؤسِّسُ أمّتِكَ. والعربية، لغة القرآن، لغتُكَ. كفرتَ، أنتَ مسلمٌ. عصيتَ، أنتَ مسلمٌ. في مطاراتِ العالم، أنتَ مسلمٌ، في جامعاته مسلمٌ، في حروبه مسلمٌ، في سِلمِه مسلمٌ، في مستقبله مسلمٌ. الانتماء للحضارة العربيةِ-الإسلاميةِ يحاصرك من جميع الجوانب وجميع الجهات ولا مهربَ لك منه ومنها، فاقبَلْ مكتوبك واصْمُتْ (Aime ton destin, comme il l`a bien dit le philosophe athée Nitshe ) ولا تتكبّرْ ولا تكابِرْ "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)".

Référence: L`idée principale est inspirée de Samuel P. Huntington, Le Choc des civilisations, Éd. Odile Jacob, p.p 151-154, L`affirmation de l`Asie.

ماركس و"حقوق الإنسان" ؟


حقوق الإنسان هي في الواقع حقوق عضو المجتمع البورجوازي، أي الإنسان الأناني، وهي "أيديولوجيا" في خدمة الهيمنة الطبقية، وتعبير على حالة الاغتراب (aliénation) التي يعيشها المجتمع، بين "الإنسان" و"المواطن".

لستُ ماركسيًّا لكنني أوافق ماركس في نقده لمنظومة "حقوق الإنسان" كما يراها الغرب. تتمثل منظومة "حقوق الإنسان" في حرية الملكية الخاصة (مائة عائلة في تونس تملك الأهم والبقية أجراء أو معطلين عن العمل أو فقراء مَعدَمون)، وحرية التعبير (حفنة من الكرونيكورات المرتزقة التافهين يحتلون المنابر الإعلامية والبقية لا منبر لهم غير الفيسبوك والمرسوم 54)، وحرية النشر (دور النشر يملكها الأغنياء)، وحرية التنقل (للمهمّشين الحَرقة في قوارب الموت وللبورجوازية الكبيرة والصغيرة السيارات المكيّفة واليخوت الفخمة والبواخر والطائرات)، وحرية التنظّم (قيادة الأحزاب يستأثر بها ويحتكرها أصحاب المال السياسي)، وحرية الانتخاب (تُباع وتُشترى أصوات الفقراء برطل مقرونة وحكّة طماطم وجرّاية "موس")، وحرية المعتقد (للمثقفين المترَفين فقط)، إلخ. المفارقة أن شيوعيينا اخترقوا "منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان التونسية" منذ عقود من الزمن وباضوا فيها وفرّخوا. للأسف الشديد، يبدو أن ماركسيينا هجروا ساحات النضال الخشن (المصانع والحقول) وعششوا في صالونات النضال الناعم (فضاءات النزُل خمس نجوم)، و"سلّملي" على ماركس.

سنة 1989، كان لدي خيار بين دين أهلي والماركسية فاخترت دين أهلي احترامًا لهم ولنفسي. أمي كانت تحبني ولم تكن تعرف الماركسية.

تراث اليسار العالمي تراثي وتراث الحضارة الإسلامية تراثي ولا أرى تناقضًا بين التراثَين بل أرى تناغمًا روحيًّا بين الاثنين:

 Et c’est ce qu’on appelle indigénisation.



الإسلام وأنا (اليساري غير الماركسي) ؟


تمنيتُ لو كان الرسول أبي وفاطمة أختي وعلي زوج أختي والحسن والحسين أبناء أختي إلا أمي يامنة فلن أرضى لها بديلاً، أما ماركس فبيني وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

أدافع عن الإسلام كحضارة لا كوحي والفرق بينهما شاسع. الأول بَشَرِي ولي حق التدخل فيه أما الثاني فله رب يحميه (فكرة مستوحاة من الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي).

آية "لا إله إلا الله" حرّرت البشر من عبادة البشر.

آية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ألغت التمييز بين البشر على كل الأسس (ديني وعرقي وجنسي ومذهبي ولوني وثقافي).

آية "‏مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..." هي أول بَند وجبت كتابتُه في أول فصل وأول باب في كل دساتير العالم أجمع.

أطالب بتطبيق الزكاة على الميسورين المسلمين فوق الضرائب المدنية 

Et c’est ce que j’appelle « taxe sur les grosses et moyennes fortunes.

أطالب بتعميم الكتاتيب القرآنية (3-6 سنوات) لأنها تعلم النطق السليم وتُثري الزاد اللغوي 

Et c’est ce que j’appelle « bain linguistique.

لا يعني هذا أن الشعرَ والأدبَ والمسرحَ لا يعلّمونها أيضًا.

الأحزاب الإسلامية في الدول العربية هي أهم وأشد منافس للأنظمة العربية لذلك يقصونها. هذا وصفٌ وليس حُكمًا وأنا أعارض الأحزاب الإسلامية لكنني أقف ضد إقصائها.

أطالب بتخصيص حُبس لكل مؤسسة تربوية يدرّ عليها دخلا محترما فأكبر خَمس جامعات في العالم تنفق عليها أحباسٌ (Exemple : Harvard).   

نهج جمال عبد الناصر بالعاصمة كان يُسمى نهج الصادقية لأنه كان يضم حُبُس يتكوّن من دكاكين تجارية وكان دَخْلُها مخصَّصًا للإنفاق على "مدرسة الصادقية" (نقلاً عن علي تريعة متفقد عام سابق لعلوم الحياة والأرض). 

مِن أجمل وأبلغ وأرق جملتَين قرأتهما باللغة العربية: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْإِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِإِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَأَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآأُفٍّۢ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"... "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".


خاتمة: ومَن يبتغ مخاطبة المسلمين بغير لغة الإِسلام فلن يُقبل منه وهو في الدنيا من الفاشلين 

Et c’est ce que j’jappelle moi-même « indigénisation ».


مشروع فكري لتأسيس يسار جديد، أعرضه على اليسار التونسي ؟


يساري غير ماركسي وعلماني على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية المتصالحة مع كل الأديان وحداثي ناقد للحداثة وما بعد الحداثة غير منبهرٍ بهما ومسلم لا يتحدث إلا بلغة مجتمعه المسلم. مواطن العالَم

1. تحذير: 

إنه مشروعٌ عسيرُ الهضمِ، طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه. ماركس ليس ماركسيّاً بالمعنى اللينيني للكلمة، لأن "الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات، هي حرية في بداية تَشكّلها، قمعٌ في نهاية تَشكّلها" كما قال الفيلسوف اليساري سارتر منذ 1948.

2. مقدمة: 

مشروعٌ ينطلق من أربع مسلّمات (المسلّمة هي الفرضية التي لا يمكن البرهنة على صحتها لكنها ضرورية للبرهنة على وجاهة هذا المشروع). مشروع يتوجه إلى كل اليساريين التونسيين الذين يريدون أن يفعلوا في مجتمعهم التونسي أي يريدون تغييره إلى الأفضل، أكانوا رجالَ ونساءَ سياسةٍ أو رجالَ ونساءَ ثقافةٍ، أما اليساريون التونسيون الذين لا يريدون أن يفعلوا في مجتمعهم التونسي ولا يعنيهم تغييره، هؤلاء يكفرون أو يؤمنون هم أحرار ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون:

المسلّمة الأولى: الاعتراف والإقرار سرّاً وعلانيةً بأن المجتمع التونسي مجتمعٌ ذو هوية أمازيغية-عربية-إسلامية ولا هوية جامعة له غيرها. 

المسلّمة الثانية: الفكر اليساري فكرٌ مستورَدٌ ودخيلٌ على ثقافتنا الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وأسماؤه فقط تدل على ذلك: الماركسية، اللينينية، الستالينية، التروتسكية، الماوية.

المسلّمة الثالثة: اليسار التونسي اليوم يمثل أقلية ضئيلة عدديّاً في المجتمع التونسي، كذلك كان منذ قرن (عام 1920، هو تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي التونسي) وكذلك سيبقى لقرنٍ آخرَ أو أكثرَ أو إلى الأبد، الله أعلم.

المسلّمة الرابعة: "لا أحد مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه (indigénisation) لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" (الفيلسوف عبد الله العروي، يساري مغربي). والإسلامُ هو لسانُ مجتمعنا التونسي ومنطقُه ولا لسانَ ولا منطقَ له غيرهما، في الحاضر والمستقبل القريب على الأقل، أما المستقبل البعيد فعلمه عند الله ولا أحد يعلمه إلا هو. 

لو ذهبتَ إلى ألمانيا وأنت لا تتكلم لغتهم فستجد صعوبة في التفاهم معهم، ولا دخل للغتك الخاصة، تكون عربيا أو فرنسيا أو صينيا فلغتك لن تنفعك في مثل هذا المأزق. الحل الأسلم يتمثل في تعلم الألمانية، هذا لا يعني أن تتنكر للغتك، تستطيع أن تحتفظ بها وتصونها وتتحدث بها مع أبناء قومك.  

كذلك لو كنتَ تعيش في مجتمعٍ مسلم لغته الإسلام وأنت تؤمن بإيديولوجية لا علاقة لها بالإسلام فستجد صعوبة في التفاهم مع المسلمين، ولا دخل لإيديولوجيتك الخاصة، تكون شيوعيا أو قوميا أو ليبراليا فإيديولوجيتك لن تنفعك في مثل هذا المأزق. الحل الأسلم يتمثل في تعلم الإسلام، هذا لا يعني أن تتنكر لإيديولوجيتك، تستطيع أن تحتفظ بها وتصونها وتتحدث بها مع أبناء حزبك.  

Modèle d’inspiration : l’expérience de l’indigénisation de la gauche latino-américaine.

3. مواصفات المشروع (المعروضة للدحض أو التعديل):

لقد حذّرتُ في أول المقال وقلتُ إنه مشروعٌ عسيرُ الهضمِ، طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه:

مشروعٌ عسيرُ الهضمِ: مشروعٌ ينتظر منكم تربية أنزيمات مستحدثة لهضمه. أنزيمات تتمثل في مراجعات نقدبة للتجربة اللينينية-الستالينية على المستويَين، النظري والتطبيقي.

مشروعٌ طويلُ المدى وكله جِهادٌ ضد النفسِ المعتدّةِ بماركسيتها أكثر من ماركس نفسه: مشروعٌ يطلب من الماركسي التونسي التخلي إراديّاً وإستراتيجيّاً عن حلم الوصول للسلطة ولو إلى حين، جيلٌ أو ثلاثة أجيال على أقل تقدير أي قرناً من الزمن. هذا لا يعني الركون إلى الراحة أو رفع راية الهزيمة أمام الخصوم السياسيين (الإسلاميين والقوميين والدساترة والليبراليين عامة)، بل يعني تأسيس وبناء قاعدة جماهيرية تحمل هذا اليسار التونسي الجديد المتماهي مع مجتمعه. حِمْلٌ ثقيلٌ وحَمْلٌ قد يطولُ ولكنه حُلمٌ غيرُ مستحيلٍ.

3. كيف أفهم مفهوم تماهي اليساري التونسي مع مجتمعه التونسي ؟: 

- نحن اتفقنا على أن المجتمع التونسي مجتمعٌ ذو هوية أمازيغية-عربية-إسلامية ولا هوية جامعة له غيرها، فالمطلوب إذن عدم المساس لا من بعيد ولا من قريب بمقدّساته الثلاثة: الله والقرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كنتَ يساريّاً ملحدًا فاحتفظْ أرجوكَ بإلحادك لنفسك. مالك بن نبي قال: "الإسلام وحيٌ من عند الله (القرآن)، أما الحضارة الإسلامية فهي من صُنع البشر". البشر هم  الإسلاميون والقوميون والدساترة واليساريون، والحضارة الأمازيغية-العربية-الإسلامية هي حضارتك أنتَ أيها اليساري التونسي، و"طولك وطول عصاك" اليسارية النقدية، قَوِّمْ ما تراه فيها أنتَ معوجّاً، فهي ليست مقدسةً وأرِنا فيها شطارتك.

مجتمعنا مجتمعٌ مريضٌ وأمراضه متنوعة ومتعددة: فساد، رشوة، انتهازية، خطاب مزدوج، جهل، فقر، تخلف، تقليد، غزو ثقافي، انبتات، تديّن مزيّف، انحطاط أخلاقي، إلخ. قالوا: "ليس من علامات الصحة التماهي مع مجتمع مريض". وأنا، لا ولن أطلبَ منك ذالك، لن أطلب منك تماهياً ناتجاً عن خوفٍ أو طمعٍ، بل أطلب منك تماهياً واعياً بأمراض مجتمعه، أطلب منك ابتكارَ دواءٍ من صُنع يديك، دواءٍ من حضارتك (فيها كنوز مغطاة أو مهملة)، دواءٍ أصله من بيئتك حتى ولو كان معجوناً بيساريتك المتونسة، دواءٍ لم يكتبه لك ماركس ولا ستالين، فأدويتهم لم تصلح لمجتمعاتهم فكيف تتراءى لك صالحة لمجتمعك، دواءٍ من تلافيف مخك المسلم.

4. رسالة مَحبة وسلام إلى أخي اليساري الماركسي التونسي من أخيك اليساري التونسي غير الماركسي:

أخي اليساري الماركسي التونسي، أنتَ مسلمٌ، رغماً عن أنفك مسلمٌ، مسلمٌ ولو خرجتَ من جلدك، أنتروبولوجيّاً مسلمٌ، حتى ولو كنتَ عقائديّاً ملحداً، فأنت تحيا وستموتَ وتُدفنَ مسلماً، أنتَ ملحدٌ/مسلمٌ، غصباً عنك مسلمٌ ولغتك الإسلامٌ، أنتَ منّا وفينا، أنت لحمنا ودمنا، و"ماناش مْسَلْمِينْ فيك حتى ولو أنت عن جهل سلمت فينا وتنكرت لنا، أنت ابننا والأم لا تفرّط في ابنها ولو هو فرّط فيها".

أخي اليساري الماركسي التونسي، أنتَ في هذه الوضعية مسيّرٌ لا مخيّرٌ (استنتاج فلسفي وليس استنتاجاً دينيّاً): لنفرض جدلاً أنك تخليتَ عن هويتك الإسلامية فأي مجتمع سيقبلك بهوية غير إسلامية (قلتُ هوية ولم أقل عقيدة، أنتَ حرٌّ فيما تعتقده صواباً)، كل المجتمعات غير الإسلامية تصنفك غصباً عنك مسلماً حتى ولو أقسمتَ أمامهم على "الكابيتال"، ونحن على العكس نصنفك مسلما ونقبلك مسلما ونرحب بك مسلما حتى ولو أقسمتَ أمامنا على "الكابيتال" (Le Capital, chef-d’œuvre de Karl Marx).

خاتمة: "الوطنية والعالمية، علينا اليوم الجمع بين هذين المفهومين المتناقضين في الفكر المعقّد: الجمع بينهما يخلق مواطن العالَم" (Edgar Morin)

توضيح حول مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" ؟


تعريف المفاهيم: الإسلامي التونسي هو مواطن مسلم يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية إسلامية (نهضاوي، سلفي غير داعشي، سلفي داعشي، تحريري). الماركسي التونسي قد يكون مواطنًا مسلمًا أو ملحدًا يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية ماركسية-لينينية-ستالينية-ماوية (بوكت، وطد).

"الدين أفيون الشعوب"، جملةٌ فعلاً أخرِجت من سياقها. أنقل لكم سياقها كاملاً من كتاب ماركس الشاب (1818-1883)، الفيلسوف الأكثر عمقًا من ماركس الكهل. كتابٌ نشره سنة 1844 تحت عنوان "مقدمة لنقد الفلسفة وقانون هيڤل"، حيث وردت هذه المقارنة بين الدين والأفيون أي بين جنة سماوية وجنة أرضية. قال: "البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضده. الدين هو زفرة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب".

Marx : « La religion est le soupir de la créature accablée par le malheur, l`âme d`un monde sans cœur, de même qu`elle est l`esprit d`une époque sans esprit. C`est l`opium du peuple »

هذه الجملة التي يُشهِرُها الماركسيون التونسيون خطأ في وجه المتدينين التونسيين كحكم غير قابل للاستئناف، هي جملةٌ استُعمِلت فيها كلمة أفيون كمرادف لكلمة تسليةٍ، تسليةٍ عن بؤس حقيقي وليس استبلاهًا أو عجزًا وجُبنًا. الأفيون (الإيمان يالجنة السماوية) كوسيلةٌ نظيفة لطيفة للتخلص من حقيقة كريهة بغيضة (البؤس الحقيقي). قال أيضًا: "الدين هو عبارةٌ عن لوحةٍ فنية جميلة تزيّن جدارًا قبيحًا كقبح عالَمِنا المعاصر. الدين هو التحصّنُ بعالَم اللامادة المقدّس هروبًا من عالَم المادة المدنّس". 

جملةُ ماركس إذن ليست جملةَ إدانةٍ بل جملةُ فهمٍ دون تقديم تنازلات للايديولوجيات الدينية (L`intégrisme islamique). ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المقصِيّين منهم اجتماعيًّا الذين لا ملاذ لهم إلا ملاذ الدين ولا صوت لهم إلا الشكوى للخالق.

الماركسيون التونسيون يلوّحون بالمسألة الدينية عند الأزمات كفزّاعةٍ (أستثني الدواعش التونسيين، فهُم ليسوا فزّاعةً بل هُمُ واقعٌ خطيرٌ مريرٌ ووبالٌ رهيبٌ على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين)، يلوّحون بها للتغطية على المسائل الديمقراطية التي تقضّ مضاجعهم لقلة عددهم مقارنة بالإسلاميين.

ماركس لا يهتم بمعتقدات العمال بقدر اهتمامه بتحريرهم من رِبْقَةِ استغلال الرأسماليين الذين لا دين لهم حسب رأيه إلا دين الربح السريع، متدينين كانوا أو لا دينيين.

ماركس الشاب الحالِم رهيف الإحساس، قبل أن يطلب من الفقير المتدين التخلي عن حلمه المشروع بجنة سماوية، يريد أن يهبه جنّة أرضية ويطمح إلى تحقيق فلسفة الدين فوق أرض دون دين. 

وأنتَ أيها الماركسي التونسي ماذا قدمت للفقير المسلم التونسي ؟ خاصة بعد أن سفّهتْ التجربة السوفياتية حلم ماركس ؟ بعد ماركس، أصبح الحلم كابوسًا بفضل بركات ستالين وماو وبول بوت، وضحاياهم من العمال والفقراء يُعدّون بعشرات الملايين. 

ماركس، كان مثاليًّا في طرحه إلى حد السذاجة لأنه أراد تخطّي "الوضع البشري" (La condition humaine) حيث يبدو البؤس قدرًا منزّلاً لا فصال فيه، والدين أفيونٌ لا غنَى للبشرية عنه. في وطننا يبدو لي أن للدين الإسلامي مستقبلٌ طويلٌ زاهرٌ، لا بل أزليٌّ دائمٌ كديمومة الخالق. 

شقيقتي فاطمة (81 عامًا) ضريرةٌ منذ سن الست سنوات، مؤمنةٌ إيمانًا راسخًا أنه سيأتي يومٌ تُبصِرُ فيه في الجنة وترى أمها بواسطة النور الإلهي، ترى أباها وإخوتها وأخواتها وأبناءهم، ترى صديقاتها وزميلاتها القدامى في معمل النسيج للمكفوفين بمدينة سوسة. ائتني بإيديولوجية تمنح لها هذا الأمل وأنا أتبعها صاغرًا لك ممنونًا !

خاتمة: يقول العامل المسلم التونسي (Le prolétaire) للماركسي التونسي: أرجوك يا رفيقي، إرأفْ بحالي، فأنا -دون إسلامي- أكون بشرًا معاقًا، تمهّلْ.. تريّثْ.. أو أعطني عكّازًا قبل أن تكسر عكّازي ! عكّازي هو عكّازٌ ربانيٌّ لم يُصنَع أفضل منه بعدُ.. ولن يُصنعَ ! عكّازٌ رفعني من الحضيضِ إلى السماء. ملجأ ألجأ إليه حيث لا تصلُ يدُ المتكبّرِ الظالِمِ. 

العامل المسلم التونسي يضيف: صيحةُ "لا إله إلا الله" التي أرفعُها صباحًا مساءً ويوم الجمعة، أرفعُها في وجه الطغاة فترفعني إلى السماء السابع، سماء لا يطالها جبروت العباد، فضاء ينتقمُ فيه رب العباد ممن استباح دم العباد، فضاء تنعدم فيه المذلّة والمسكنة، فضاء يُذلّ فيه كل ظلاّمٍ للعبيد، أم تراكَ تبغي أن تمنعني من الشكوى للخالق بعد ما بُليتُ بظلم المخلوق ؟ اذهبْ في حال سبيلك، أنت حرٌّ، لكنني -ورأفةً بك وبأمثالك- أنصحك نصيحةً صادقةً خالصةً لوجه الله، اتركْ هذه التجارة الخاسرة واشتغلْ فيما ينفعُ الناس، كل الناس دون تمييزٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ أو إيديولوجيٍّ، واتركْ لي عكّازي فلا عكازَ لي اليومَ غيرهُ.

أمين معلوف يوضّح مقولة ماركس المشهورة "الدين أفيون الشعوب". ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

"الدين أفيون الشعوب"، مقولة مشهورة، أكيد قالها ماركس، قالها ولم يكن يقصد التسلية عن الأهم أو الإساءة للدين على عكس ما فهمها أغلب مريديه من الماركسيين العرب. لذلك وجب علينا التذكير بجملة ماركس وهذا نصها كاملاً غير مبتورٍ: "المحنة الدينية (أي الإحساس بالضياع والوحدة والعجز الذي نشعر به أمام الفقر والخطر والمرض) هي وفي نفس الوقت تعبيرةٌ عن محنة حقيقية وعن احتجاج ضد هذه المحنة نفسها. الدين زفرة المظلوم، هو قلب عالَم بلا قلب، هو روح عالَم بلا روح. الدين أفيون الشعوب".

حسب وجهة نظر ماركس، يجب هدمُ هذه "السعادة الوهمية" حتى يشرع الناس في بناء سعادة حقيقية، مما يجعلنا نتأمّل في العِبرة من الحدث التاريخي التالي: عندما تبين أن السعادة الموعودة من قِبل الحكّام، شيوعيين ورأسماليين وإسلاميين، هي أيضًا أفيونًا، رجع الناس إلى أفيونهم الغيبي اللذيذ والمريح والمعتاد أي رجعوا إلى الدين. أبلَغُ مثال يؤكد وجاهة هذا التحليل الأخير: عندما تفككتْ دولة الاتحاد السوفياتي سنة 1991، رجعت شعوبها المختلفة، كلٌّ شعب إلى دين آبائه وأجداده.

إضافة: حُلم ماركس بالعيش في جنة على الأرض، لا أراه يتناقض مع حُلم المتدينين بالعيش في جنة في السماء، ولِما لا الحلم بجنتين، واحدة في الدنيا وأخرى في الآخرة !

 Source d’inspiration : le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.

مشروعٌ واعدٌ، قد يبدو لقابِرِي الأحلامِ مشروعًا طوباويًّا !


مشروعٌ واعدٌ أو تسويةٌ تاريخيّةٌ (Un compromis historique) أو فرصةٌ ذهبيةٌ رُمِيت في مزبلة التاريخ، مشروعٌ يتمثل في التأليف بين الإيديولوجيات المتناقضة (الرأسمالية والشيوعية). طُرِح في إيطاليا السبعينيات بين الحزب الشيوعي (أنريكو برلنڤير) والحزب الديمقراطي المسيحي (ألدو مورو)، لم يُعجب القيادة السوفياتية ففشل وقُبِرَ في روما مع مورو في الصندوق الخلفي لسيارة يوم 16 مارس 1978. اغتالته منظمة شيوعية إرهابية تُدعَى "الألوية الحمراء" (عن أمين معلوف). 

من الرأسمالية نأخذ الحرية والديمقراطية، ومن الشيوعية العدالة الاجتماعية.  الدعوة للوفاق لم تكن فخًّا منصوبًا للشيوعية، بل على عكس ذلك بالضبط، كانت لها المنفذ الأخير للنجاة من الفخ القاتل الذي بدأ يضغط عليها منذ الانتفاضة المجرية سنة 1956، ثم ربيع براغ سنة 1968، ثم غزو أفغانستان سنة 1979. قتلها هذا الفخ سنة 1989 ودُفِنت الشيوعية تحت أنقاض جدار برلين (المصدر: أمين معلوف، غرق الحضارات، ڤراسّي، 2019).

في تونس، ماذا يمنعنا من التأليف بين مشاريع مختلفة: القوميون واليساريون والإسلاميين والدساترة ؟  "مِن ذا أتومٌ ومن ذاك أتومان": حرية + ديمقراطية + عروبة + عدالة اجتماعية + محافظة دينية. وأعترف للقارئ الكريم أنني أعتبر نفسي اليومَ مواطنا تونسيا مسلما يساريا محافظا وحرا ديمقراطيا وعروبيا ومؤمنا بالعدالة الاجتماعية في آن واحد ولا أرى في ذلك تناقضًا.


باختصار شديد، عادات تونسية إنسانية وجميلة ونافعة، تخلينا عنها لأن الغربَ خدعنا بقوله رجعية   


1. عادة التعليم ما قبل المدرسة في الكتّاب (تحفيظ القرآن الكريم للأطفال في عُمْر ما بين الثلاث والست سنوات).

2.  عادة تدخّل كل الأقارب والجيران والمسنّين في تربية صغار الحي.

3.  عادة احترام الصغير للكبير مهما كانت مكانة هذا الكبير، عالِم أو جاهل، فقير أو غني، امرأة أو رجل ، قريب أو بعيد.

4.  عادة النظام الغذائي المتوسطي الذي يعتمد على استهلاك البروتينات النباتية أكثر من اعتماده على البروتينات الحيوانية.

5.  عادة التضامن بين الجيران في الأحزان والمسرات.

6.  عادة التعاون بين الجيران في الأعمال "الكبرى" مثل "صبّان دالّة" أو تسقيف دار بالجريد أو إقامة منسج أو حفر بئر، إلخ.

7.  عادة "الضائڤة" أي تذويق الجيران والأقارب من وجبة دسمة مثل "الفُصلة" أو كسكسي باللحم، إلخ.

8.  عادة إعداد "العُولة" من الكسكسي والمحمّصة والفلفل والبصل والتمر المَحْشِي، إلخ.

9.  عادة "اللمّة" والمبيت في دار الميّت لمواساة المصاب بفقدان عزيز عليه.

10.                عادة الزيارات العائلية الليلية المتبادلة مصحوبين بكل أفراد العائلة من الجد إلى الرضيع.

 خاتمة: إذا كان كل مَن يتمسّك بهذه العادات التونسية القديمة يُسمَّى رجعيًّا فأنا أعلِن على الملأ أنني رجعيٌّ مائة بالمائة وأتشرّف برجعيتي على هذه الشاكلة.

ما هو دورُ كِبارِ السنِّ في مجتمعاتهم: ترابط أنتروبولوجي وثيق بين السوسيولوجي والبيولوجي ؟ ترجمتي

تعريف كلمة "أنتروبولوجيا" أو علم الإنسان (l’anthropologie): هي علم، يتموقع في التقاطع بين مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية، التي تبحث في الكائن البشري بكل أوجهه، المادية منها (علوم الحياة والتشريح والشكل والوظائف والتطور، إلخ.) والثقافية (علوم الاجتماع والنفس والدين والفن واللغة والجغرافيا، إلخ).

معلومات علمية قد تنير السبيل وتوضّح الترابط الأنتروبولوجي الوثيق بين السوسيولوجي والبيولوجي:

-        النساء يفقدن القدرة على الإنجاب في سن الخمسين (la ménopause) بينما تحتفظ إناث الشانبانزي بخصوبتهن إلى آخر حياتهن التي تقف عادة في الخمسين من عمرها. هذا النقص الظاهر في القدرة على الإنجاب عند النوع البشري قد تكون فيه فائدة كبيرة لفصيلتنا: هذه الحياة بعد-إنجابية (post-reproduction entre 50 et 70-100) تسمح لكِبارِ السنِّ العجائز، بغض النظر عن صلة القرابة وعن المستوى الدراسي، تسمح لهن برعاية الرضع، صحيًّا وغذائيًّا، مما ينتج عنه تقليصٌ في مدة الرضاعة الأمهات ، وهذا التقليص بدوره يزيد في وتيرة الولادات (fréquence)، لأن الحَمل ينقطع خلال مدة الرضاعة التي تدوم عادةً من حولٍ إلى حولين اثنين. أضفْ إلى هذه الفائدة المادية، فائدة أخري، ذهنية: تجربة كِبارِ السنِّ توفر للصغار وسطًا ثقافيًّا غنيًّا (un milieu intellectuellement riche)، وتساهم مساهمة فعّالة في تدريب الصغار وتعليمهم، وتمدّهم بمعلومات ثقافية مهمة خلال المرحلة  الطويلة والحساسة (période critique) التي تلي الولادة، وهي مرحلة  هامة جدًّا في اكتساب المعرفة (l’importance cognitive)، وتمكنهم من المشاركة في أخذ القرارات المصيرية التي تخص القبيلة التي ينتمون إليها، مثلا: كِبارِ السنِّ الذين عايشوا كارثة تسونامي يستطيعون تعليم الصغار كيف يتصرفون لتجنب الأخطار الطبيعية. لا ننسى أنّ قبل اكتشاف الكتابة كانت التجارب تُمرَّر شفويًّا من جيلٍ سابق إلى جيل لاحق (إضافتي: أذكّر هنا بفوائد تقاليد العائلة الموسعة حيث كان الابن المتزوج يعيش، هو وأبناؤه، مع والديه في نفس المنزل). يبدو لي أن العائلة الحداثية المضيقة والمعزولة قد تكون سببا من أسباب أزمة الأخلاق والقِيم والسلوكات لدى أطفال اليوم.

-       خلافًا لصغار الشانبانزي الذين يولدون بمخ يزن 50 % من وزن مخ القرد البالغ، فصغار البشر يولدون بمخ يزن 10 % فقط من وزن مخ الإنسان البالغ، لذلك فالرعاية المضافة لصغارنا من قِبل كبارنا وتربيتهم جماعيًّا، أمران ضروريان لاستمرار النوع والحياة (l’homme est partiellement un produit culturel). نلاحظ أن هذين الخاصتَين المهمتين للنوع البشري (يولد بمخ صغير ويتربى تحت رعاية كبيرة من قِبل الأقارب) لعبا دورًا أساسيًّا في التطور المعرفي عند الإنسان (l’évolution de la cognition humaine)، مما يوحي أن التمديد في الحياة بعد-إنجابية قد يكون ناتجًا عن انتقاء جيني كسِمةٍ من السِمات التي ساهمت في انتصار نوعنا البشري وديمومته في الحياة فوق الأرض إلى يومنا هذا، والحمد لله. (...) قد يكون سلوك الإنسان مبرمَجًا جينيًّا

Le comportement pourrait être programmé génétiquement.

 لكنه يتأثر أيضًا بالمحيط 

Ajout : mais le comportement est épigénétique aussi, c.à.d, une émergence qui vient de l’interaction entre nos gènes et notre environnement, et le débat sur la séparation ou la partition entre innée et acquis est un débat dépassé.

-        صحيح أن التمديد في الحياة بعد-إنجابية هو اكتشافٌ حديثٌ (grâce aux soins médicaux). في الواقع، هي حقيقة صحيحة جزئيًّا فقط، لأن هذه الزيادة المعتبرة في أمل الحياة (l’espérance de vie)، وفي جانب كبير منها، هي ناتجة عن نقص ملحوظ في معدل الوفيات مباشرة بعد المخاض أو عند الرضع (grâce aux soins médicaux aussi). أما أمل الحياة إلى ما بعد الخمسين في حد ذاته، فقد كان موجودًا حتى قبل التطور الطبي الحديث.

Référence: Alain Prochiantz (Professeur au collège de France), Singe toi-même, Paris, Ed. Odile Jacob, mai 2019, 331 pages, 23,90 euros, pp. 126-133.

قبل أن ننقد الدولة على ما لم تفعله، علينا أولا أن ننقد أنفسنا على ما في وسعنا أن نفعله ولم نفعله !


Le micro-pouvoir & Le macro-pouvoir

أحدد المفهومَين باختصار واختزال شديدين خوفا من الوقوع في الخطأ الذي قد يجرني إليه تواضع اطلاعي:

أقصد بالـ(Le macro-pouvoir)، سلطة الرئيس ومستشاريه والحكومة ووزرائها والبرلمان ونوابه والدولة وجميع كبار مسؤوليها من رئيس المركز ورئيس البلدية إلى الوالي والمندوبين وغيرهم من القائمين على تنفيذ سياسة الدولة حتى لو كانت ضد قناعاتهم الشخصية أو الإيديولوجية.

أقصد بالـ(Le micro-pouvoir)، سلطة المدرّس في المدرسة والموظّف في الإدارة والشرطي في المركز وفي الطريق العام والميكانيكي في الورشة والطبيب في المستشفى أو في العيادة الخاصة والتاجر في المغازة والعامل في المصنع أو في الحقل أو في مقاولة البناء.

ملاحظة منهجية: التركيز في هذا المقال على نقد الـ(Le micro-pouvoir) لا يعني البتة إغفال أو إهمال نقد الـ(Le macro-pouvoir) فالاثنان تربطهما علاقة جدلية ولكن لكل مقام مقال.

أوحَى إليّ بهذا المقال ما سمعته اليوم في المقهى من أستاذ جامعي، قال: "على الدولة أن تغلق نهائياً جل المعاهد العليا التي توجد داخل الجمهورية وخارج العاصمة". ثم أضاف: "لقد سبق لي ودرّستُ في واحد منها وشعرتُ بأن الإدارة والطلبة لا يتركوننا نتعمق في اختصاصنا ويجرّوننا جرّا إلى تضخيم الأعداد (gonfler les notes) حتى يحققوا أعلى نسبة نجاح، على عكس ما يقع في كلية العلوم بالعاصمة التي درّستُ فيها أيضاً".

تعليقي الذي لم أقله للأستاذ (يئست من زملائي لأن جل مَن خاطبتُ منهم لا يقبل النقد الذاتي):

"لو درّستَ يا أستاذ في هذه المعاهد العليا بنفس الجدية التي درّستَ بها في كلية العلوم لَما أصبح التعليم العالي في الداخل على ما هو عليه اليوم من تسيّب يتحمل مسؤوليته الأستاذ قبل الطالب. أنا درّستُ 38 عاماً في الثانوي في تونس والجزائر ولم يفرض عليّ أحدٌ يوماً كيفية إسناد الأعداد أو كيفية التدريس. فما بالك بالأستاذ الجامعي في تونس ؟ أنا أعرف أنه "بَايْ زمانه" ويحكم بأحكامه لذلك أرجوك، فقبل أن تنقد وزارة التعليم العالي على التسيّب الذي قد تكون تسببتْ فيه في المعاهد العليا الداخلية بصورة غير مباشرة، عليك أولا أن تنقد نفسك على ما تسببتَ أنت فيه، وبصورة مباشرة، من عدم تعمق في اختصاصك ومن تضخيم مقصود في الأعداد".

كل فئة قطاعية تتهم غيرها بالفساد وترى في نفسها الفرقة الوحيدة الناجية:

-  المدرّسون يُحمّلون مسؤولية تردّي التعليم في تونس للوزارة والإدارة والميزانية والبنية التحتية والبنية الفوقية والأولياء والرأسمالية والليبرالية والإمبريالية، لكنهم دائمًا يستثنون أنفسهم من النقد. إنني لا أنكر أن كل هذه العناصر لها ضِلعٌ في ما وصلنا إليه اليوم من تخلف علمي لكن كلها تُعدُّ خارج عن نطاق نفوذ الأستاذ. ماذا يفعل المدرّس إذن في مثل هذه الحالة ؟ حسب رأيي يبدأ بإصلاح نفسه ولا ينتظر إصلاح المنظومة وكذلك يفعل المواطن الواعي الناقد أو يستحي ويصمت، طبيبًا كان المتحدث أو تاجرًا أو مهندسًا أو ممرضًا أو موظفًا أوفلاّحًا أو عاملاً ǃ

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه التلامذة وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للمدرسين والقيمين والإداريين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المرضى وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للأطباء والممرضين والإداريين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه اليساريون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ للأحزاب اليسارية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الإسلاميون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لحزب حركة النهضة ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الليبراليون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ للأحزاب اليمينية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المسلمون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض مظاهر التدين الشائع والسائد منذ 14 قرناً ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الشيوعيون المفكرون التونسيون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض تجارب الماركسية في القرن العشرين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه النقابيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل ؟

-  قتلنا التعصب الأعمى للوطن والإيديولوجيا والقطاعية السخيفة (Le corporatisme).

-  هل سمعتم يوماً صاحب مهنة ينقد في وسائل الإعلام أداءه أو أداء زملائه أو منتمياً ينقد حزبه أو إيديولوجيته ؟

أنا من جانبي فعلتُها بما تيسر لي من معرفة، نقدتُ علنا سيرتي المهنية والنقابية والفكرية وكثيرا من المثقفين التونسيين فعلوها قبلي وأحسن منّي.

ماركس وَعَدَ بها عند كتابة "البيان الشيوعي" ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على الماركسيين الأرتدوكسيين أرتودكسيتَهم (الأرتدوكسيون يدّعون أن رأيَهم هو الصراط الوحيد المستقيم).

كان محمد صلى الله عليه وسلم مجددا ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على المسلمين السلفيين سلفيتهم الشكلية.

الفيلسوف سارترْ تمنى وتنبأ بانقراض مهنة المثقف الذي يفكر للآخرين.

فوق وقبل هؤلاء جميعا بـ14 قرنًا، فعلها القرآن الكريم ونقل لنا حرفيا حجج الشيطان في عصيان أوامر ربّه وحُجَجِ غير المصدقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

بعد حِفظ مقام القرآن الكريم، تصور اليوم مثلا جريدة "الضمير" السابقة لحزب حركة النهضة تخصص صفحة حرة لنقاد الحركات الإسلامية أو جريدة "صوت الشعب" السابقة لحزب العمال تخصص صفحة حرة لنقاد الأحزاب الشيوعية أو جريدة حزب حركة الشعب السابقة تخصص صفحة حرة لنقاد عبد الناصر وصدام ǃ ما أحوجنا لمثل هذا في زمننا هذا ǃ

رأي شخصي محدودْ حول تطبيق الحدودْ، ومَن اجتهدَ... 


أنطلق في هذا الاجتهاد المتواضع من "المنطق الداخلي" لمنظومة الفكر الإسلامي (logique interne, logique non universelle) فأنا موجود داخلها وفي نفس الوقت موجود خارجها كوجود العالِم الإبستمولوجي خارج المخبر  وداخله.

نص عبد الوهاب المؤدب في صفحة عدد 47: "يجعل الكاتب (بقصد ابن تيمية) من تطبيق الحدود الواردة في القرآن والسنّة والفقه معيار الشرع. إن الحدود قليلة، وهي تشمل قطع يد السارق، قطع أيدي وأرجل قُطّاع الطرق أو صلبهم (إذا ارتكبوا جريمة قتل)، جلد الزانية، جلد مَن يشهد بالباطل في قضية زنى، جلد شارب الخمرة (...) فالحدود ديْن لله وحده وحق له، لا يجوز التصرف فيها ولا جدال ولا فدية من مال تعوض عن إقامتها".

تعليقي: كيف أفهم تطبيق الحدود ؟

1.  ما دامت الحدود "ديْن لله وحده وحق له" كما أورد أعلاه عبد الوهاب المؤدب على لسان ابن تيمية وأنا أوافقه فالأحرى أن نتركها لله وحده يستخلصها من عباده يوم الحساب مع الإشارة المهمة إلى أن معيارَه في العدل، سبحانه، ليس معيارَنا بل أكيد هو أفضل من معيارِنا. ولا نوكل هذه المهمة الخطيرة في أيدي قضاة بشر ضعفاء خطّائين خاصة وأن العقوبات البدنية لا يمكن التراجع فيها بعد تنفيذها لو اكتشفنا متأخرًا دليل براءة جديد في القضية المعنية.

2.  الحدود حاليا لا تُطبّق إلا في إيران والسعودية فهل حُكام البلدَين وقضاتُها هم حكام وقضاة نزهاء عادِلين ؟ أشك والله أشك ‼

3.  المناضلون الإسلاميون عادة ما نجدهم في المعارضة ونحن نعرف ما تلفّقه السلطة عادة للمعارضين من تهم باطلة لقمعهم بحلاله وحرامه. فتصوروا ماذا كان سيحدث لو طبّق حكامنا المستبدون الحدودَ على الإسلاميين أنفسهم الذين يطالبون نظريًّا بتطبيقها حرفيًّا ؟ كانت ستكون كارثة بأتمّ معنى الكلمة.

4.  أنا مع اقتراح الفيلسوف الإسلامي الفرنكوفوني طارق رمضان الذي يقول بتأجيل تطبيق الحدود (un moratoire).

5.  وفي انتظار العدل الإلهي المطلَق، نطبق عدل البشر الناقص ونحوّل العقوبات البدنية إلى عقوبات سجنية كما هو معمول به في معظم الدول الإسلامية المعاصرة وكل دول العالم غير الإسلامي وبذلك نكون غير مخالفين للشريعة ولا للبيان العالمي لحقوق الإنسان الذي أمضينا عليه والذي يحرّم العقوبات البدنية في أي قضية ويحث على إلغاء عقوبة الإعدام نفسها.

 إمضائي:

مالك بن نبي (1905-1973)، الفيلسوف الإسلامي الجزائري، قال: "الحضارة العربية-الإسلامية من إبداع البشر ومثلها مثل باقي الحضارات لو أهملناها سوف تموت، فلا تكفّروا المجتهدين في نقدها حتى ولو تطرّفوا فيه، وكفّوا عن نهش كل من ينتقدها بموضوعية وصدق، فالنقد يهذّبها وينقّيها".

ملاحظة هامّة: مالك بن نبي حرّرني شخصيًّا من عقدة الشعور بالذنب عند نقد المسلمين صانعي الحضارة العربية-الإسلامية وأطلقَ يديّ في ممارسة الإبستمولوجيا هوايتي (وهي نقد المعرفة أو معرفة المعرفة).

المصدر: أوهام الإسلام السياسي، عبد الوهاب المؤدب، نقله إلى العربية محمد بنيس والمؤلف، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2002، 181 صفحة، الثمن: 62 درهمًا.

 أيها الغربيون المعادون للإسلام:

لم يبق للمسلمين المضطهَدين من ملاذٍ إلا الدين يستمدّون منه ثقتهم بأنفسهم، لذلك لو طلبتم منهم، "أيها الغربيون المعادون للإسلام"، التخلي عنه فكأنما تطلبون منهم التخلي عن الافتخار بمساهمتهم الوحيدة في تاريخ الحضارة الإنسانية، أي بصورة أوضح كأنما تطلبون منهم التخلي عن سبب وجودهم أصلاً (leur raison d‘être).

Source d’inspiration : le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.

سبعة كتب قيمة لستة مفكرين كِبارْ، قرأتُها واعتمدتُها سندًا، وهي بمثابة معالمَ مضيئة أنارت لي طريقي


1.كارل ماركس: تعلمتُ منه أن الرأسماليةَ بُنيت على استغلال البورجوازي للعامل، ولا تنتعش إلا بمزيدٍ من استغلال الإنسانِ للإنسانْ، لذلك فضّلتُ عنها الاشتراكية-الديمقراطية على المنوال الأسكندنافي وليس الاشتراكية-الماركسية.

Le Capital, Karl Marx (date de la première édition : 1867).

 2.    رولان ﭬوري: تعلمتُ منه أن الرأسماليةَ حوّلت كل المِهن إلى بروليتاريا، أي مِهَنيين يعملون دون بوصلة أخلاقية يعني دون رسالة: مدرّسون دون رسالة تربوية، أطباء دون رسالة صحية، محامون دون رسالة حقوقية، سياسيون دون رسالة إنسانية، إلخ. كلهم "محتالون" حسب رولان ﭬوري !

La fabrique des imposteurs, éd. Babel essai, 2015, 308 pages, Prix 8,7 € ; Roland Gori  (psychanalyste et professeur émérite de psychologie et de psychopathologie clinique à l'université Aix-Marseille) (أهمّ كتاب قرأتُه في حياتي).

 3. ﭬي دو بور: تعلمتُ منه أن العالَمَ المعاصرَ عالَمٌ متكوّنٌ من مجتمعات رأسمالية تهتم بالمشهد على حساب المضمون أي مجتمعات مشهدية.

Commentaires sur la société du spectacle, Guy Debord, éd. Gallimard, 1979.

4.هنري أتلان: تعلمتُ منه أن الوراثي (ADN) لا يحدّد وحده شخصية الفرد، وإنما شخصيته هي انبثاقٌ عن تفاعل جيناته مع محيطه ومكتسباته.

La fin du "tout génétique" ? Vers de nouveaux paradigmes en biologie, Henri Atlan, 1999.

 5.كريستيان دو دوف: تعلمتُ منه أن الإنسانَ جُبِلَ داروينيًّا (Le sélection naturelle des gènes) على أن يكونَ متضامنًا مع مجموعته (Tribu, nation, religion, etc) وعدوانيًّا مع المجموعات الأخرى في آن (Les autres).

Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 6.مين معلوف: تعلمتُ منه أن سُلَّمَ القِيم (التضامن، الحرية، المساواة، الكرامة البشرية، القناعة، الصدق، إلخ.) بدأ في الانحدار وبدأت كل حضارات العالَم تغرق شيئًا فشيئًا.

Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €.

تعلمتُ منه أيضًا التحليل الموضوعي لاختلالات العالم وخاصة اختلال العالم الغربي واختلال عالمنا الإسلامي.

Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.

إمضائي:

"الوطنية والعالمية، علينا اليوم الجمع بين هذين المفهومين المتناقضين في الفكر المعقّد: الجمع بينهما يخلق مواطن العالَم" (إدﭬارموران)

Edgar Morin : Patriotisme et Cosmopolitisme signifiant "citoyen du monde" (deux termes antagonistes pour la pensée non complexe).

Mohamed Kochkar : Gauche et Islam signifiant "citoyen du monde" (deux termes antagonistes pour la pensée non complexe).

Je suis en perpétuel conflit intra-cognitif: en équilibre/déséquilibre permanent.

 "وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا" (س73:آ10)

بعض المبادئ العلمانية الواردة في النصوص الإسلامية قبل ظهورها في الغرب بِـعِدّة قرون


لا وجود لـكنيسة مركزية ولا رهبنة في الإسلام.

    - لا وساطة بين الخالق والمخلوق.

-         لا سلطة دينية لمخلوق على مخلوق.

-         لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

-         حرية المعتقد في القرآن الكريم: "لكم دينكم ولي دين"، "فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر"، إلخ.

-         حرية اليهود والمسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية علنًا وحرية الاحتكام قضائيا إلى شرائعهم.

-         لا وجود لصكوك غفران تمكِّن المسلم من دخول الجنة.

-         لا شفاعة لأحدٍ ولا حتى لنبي إلا بإذنه تعالى.

-         مسلم يتزوج مسيحية، لا يحق له إجبارَها على تركِ دينها بل واجبٌ عليه مرافقتها للكنيسة يوم الأحد وانتظارها حتى تُكمل صلاتَها.

-         أمين معلوف المسيحي اللبناني قال: "في القرن 19 ميلادي كان ثلثَيْ سكان اسطنبول غير مسلمين لكنهم كانوا متعايشين في سلام تحت الحكم الإسلامي". وقال أيضًا: "عِشْنا في لبنان 14 قرنًا تحت الحكم الإسلامي ولم يمسسنا سوءٌ في كنيستنا ولا في عِرضنا ولا في مالِنا".

 

تَصالُحُ بعض اليساريين العرب مع هويتهم الإسلامية: هل فيه خيانة ليساريتهم أم فيه تأصيل وتكيِيف لأهم ما جاء فيها ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالَم


بعض اليساريين العرب اللذين تَصالُحُوا مع هويتهم الإسلامية (وأنا منهم) لا يشعرون بأنهم قد خانوا يساريتهم لأنهم بدورهم وجدوا أن للثقافة الإسلامية الشعبية نفس الأهداف (لم أقل للإسلام السياسي الحاكم في إيران أو للترويكا التي حكمت تونس لفترة قصيرة جدًّا) وهي على التوالي دون ترتيب: معاداة الإمبريالية الغربية وإسرائيل والليبرالية المتوحشة التي سلعنت كل القِيم ووصلت إلى كراء أرحام النساء وقنّنت الرشوة والربا المجحف، مساندة الطبقات المسحوقة وتحقيق العدالة الجزائية والاجتماعية على الأرض في انتظار تحقيقهما في السماء، معاداة الأنظمة العربية الملَكية غير الدستورية والجمهوريات غير الديمقراطية كبورقيبة وبن علي وناصر وصدام والأسد والسيسي وبومدين والقذافي وغيرهم.

المفاجأة السارة التي اكتشفها الناشطون السياسيون اليساريون العرب المتصالحون مع هويتهم الإسلامية (وأنا لستُ منهم أي لستُ ناشطًا سياسيًّا، أنا ناشطٌ فكريٌّ لا غير) هي التالية: وجدوا أنفسهم يناضلون وهم ملتحمون بشعوبهم أي "كالسمكة في الماء" كما قال "ماو" ولم يعودوا كما كانوا معزولين منفردين يوزّعون مناشير مترجمة عن الروسية أو يبيعون كُتُبًا حمراء صغيرة لا يطالعها أحدٌ. أصبحوا يتكلمون لغة أي فرد من أفراد شعوبهم. لغة تنقل عن القرآن والحديث والتراث كما تنقل عن ماركس.

الهوية الإسلامية ثقافة وانتماء في آن ولا يحتاج اليساري العربي للانضمام إليها إلى تأشيرة دخول أو مطلب لأنه مولود فيها واسمه مشتقّ من تراثها.

 Source d’inspiration : le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.

 

يوجد في الغرب ملحدون غربيون يقولون عن أنفسهم علنًا أنهم "ملحدون/مسيحيون" فهل ملحدونا التونسيون "ملحدون/مسلمون" أيضًا ؟


لا أدّعي بأنني قمتُ بدراسة أكاديمية أو ميدانية أو إحصائية لكنني أكاد أجزم استنادً لحدسي وملاحظاتي العلمية الدقيقة كـ"مسلم/يساري" قد سبق لي وإن عاشرتُ واقعيًّا في حياتي طيلة ستين عامًا بعضًا من "الملحدين/المسيحيين" (مثل بعض أساتذتي المباشرين السابقين في تونس السبعينات وأوائل القرن 21 وعاشرتُ افتراضيًّا الكتّاب والفلاسفة أساتذتي إلى اليوم على اليوتوب: لم يسألوني ولو مرة واحدة عن ديني وبالمثل لم أسألهم عن دينهم إلا من صرّح به منهم علنا في القسم واختلاف عقيدتَينا لم يُطرح ولو مرة واحدة للنقاش ولم يعطلنا في بحوثنا ولو ثانية واحدة لأن اختصاصنا المشترك كان علميًّا تجريبيًّا ولا يحتاج تمامًا للدين: SVT). 

عاشرتُ أيضًا بعض "الملحدين/التونسيين" (مثل بعض زملائي وبعض رفاقي الماركسيين) فعرفتُ أيضًا أن كل ملحد تونسي هو "ملحد/مسلم": "ملحد عقائديًّا" ولا يحق لنا محسابته في الدنيا و"مسلم أنتروبولوجيًّا" (يشاركنا أفراحنا وأتراحنا وأعيادنا ويدافع عن أرضنا وشرفنا ووطننا المشترَك فهل يجوز لنا معاداته وهو من مدّ يدَه إلينا يَخْطُبُ ودّنا أو ابنتنا ولم يعادينا في ديننا أو في شيء آخر يُذكر... أنُعاديه ؟ لو فعلناها لأصبحنا على ما فعلنا من النادمين !)

NB: خاتمة جميلة موجهة للملحدين، ملحدي ومؤمني الضفتَين، هم إخوة لنا في الإنسانية إذن وإخوة لنا في الجنة أيضًا برحمته الواسعة ويبدو لي أنه ما ذُكِرت النارُ في القرآن الكريم إلا للتربية والترهيب اللفظي والتحذير الصارم لتجنب الوقوع فيها لأي بشرٍ من خَلْقِ الخالق، بشر حباه الله بعقل من خلق الخالق، عقل بشري من صنع رباني فهو إذن لن يخطئ أبدًا طريقه إلى الجنة بحول الله الرحمان الرحيم الغفور الكريم العظيم الشهم اللطيف الذي لن يرضى أن يبيت في ضيافته بشرٌ في النار. لي أمنيتي الجميلة ولكم أمنياتكم والله جميل يحب الجمال لذلك أظن أنه سيختار أمنيتي الجميلة !!!

Déclarations : Le philosophe français Michel Onfray a déclaré qu’il est « athée/chrétien ».("ملحد/مسيحي")   Le philosophe français Albert Jacquard a déclaré qu’il est « athée ».("ملحد") .  Le philosophe Edgar Morin et Le Président Mitterrand ont déclaré qu’ils sont tous les deux « agnostiques».(لا أدرييون)  Moi, je déclare que je suis « gauche/musulman » (يساري/مسلم)


ما هو مصدر مخزون الكُرهِ المُتَبادَلِ للأسف بين اللائكيّين التونسيّين والإسلاميين التونسيّين ؟


يبدو لي أنه كُرهٌ موروثٌ. وَرَثَهُ اللائكيّون التونسيّون عن فِكر الثورة الفرنسية غير الملحد لكنه معادي للمسيحية (Pensée déiste non athée mais anti-théiste)، ووَرَثَهُ النهضاويّون التونسيّون عن فِكر الإخوان المسلمين المصريين المعادي لـ"اللائكية الناصرية".

بكل ودٍّ ولطفِ، أدعو الطرفين إلى حلحلة موقفَيْهما الإقصائيَّين وإلى محاولة كل واحد منهما الاقتراب من خصمه الإيديلوجي التاريخي، هذا لو أرادا التعايش السلمي في كَنَفِ الديمقراطية التمثيلية دون توافقٍ مزيّفٍ كالذي حدث بين النهضة والنداء. وأدعوهم أيضًا إلى التعاملِ مع الواقع كما هو وليس من خلال النصوص النظرية على أهمّيتِها.

على اللائكيّين التونسيّين أن يطّلعوا على التجارب العَلمانية في الدول الأنڤلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا وألمانيا) حيث يتعايش اللائكي مع المتدين في كَنَفِ الاعترافِ المتبادَل دون تنازلاتٍ مبدئيةٍ. ومن أجل كسبِ ثقة الناخب الحر، فَلْيتنافس المتنافِسون.

لَوْمِي أشد على بعض قيادات النهضة الذين اطلعوا على هذه التجارب وتمتعوا بِمزايا العَلمانية الأنڤلوسكسونية في مَنفاهم القَسري.

ومن نَكَدِ الديمقراطية على الخصمِ أن يرى خصمًا له ما من التعاون معه مَهْرَبُ !

"جبهة أفندية" عوض "جبهة شعبية" (ائتلاف وقتي بين مجموعة من الأحزاب اليسارية التونسية في فترة حكم الترويكا بعد الثورة، 2014-2019) ؟


هجاء:

يبدو لي أنه عوض "جبهة شعبية"، كان الأجدرُ بهم (أحزاب أقصى اليسار وأحزاب قومية) أن يُسَمّوا جبهتهم "جبهة أفندية" (معجم المعاني الجامع: أفندي هو السَيِّد، وهي كلمةٌ تركيَّة أصلها يوناني، كانت تُستعمل لقبَ اعتبارٍ لأصحاب الوظائف المدنيّة والدِّينيَّة ورجال الشريعة والعلماء، شاعت في مصر منذ حكم الأتراك ثم أُلغِيتْ)، لأن الأفندي لا يمكن أن يكون شعبيًّا حتى ولو خرج من جلده، هو مواطن منبتّ منفصل عن الشعب بطبيعته: وضعُه المهني والاجتماعي والثقافي وضعُ أفندية، مخّه مخ أفندية، كرشه كرش أفندية،  هندامه هندام أفندية، جلساؤه في المقهى كلهم أفندية،  معارفه كلهم أفندية، فضاءاته فضاءات لا يرتادُها إلا الأفندية أمثالُه، مواضيعه مواضيع أفندية، لغته لغة أفندية، نُطقُه نُطقُ أفندية، شُربُه شُرب أفندية، جلسته جلسة أفندية، ميولاته الموسيقية ميولوت أفندية، وحتي سجائره ماركة أجنبية. 

لو فعلوها لكانوا أصدق مع أنفسهم ولاحترمَهم الشعب أكثر ونالوا في الانتخابات عددًا مشرِّفًا من أصوات الأفندية ومعهم شوية من أصوات الطبقة الشعبية. 

حمام الشط في 28 سبتمبر 2019.

أمَنَاءُ الجبهةِ الشعبية لا ينطقون إلا بالحكمة (مجموعة أحزاب يسارية تونسية توحدت في عهد السبسي) ؟


الحكمة الأولى: حزب يساري من الجبهة الشعبية يعرض برنامجا يساريا على رئيس جمهورية يميني وحكومة مرتقبة يمينية وينتظر منهما تطبيقه. مثَلُه كمثَل قِطٍّ يطلب من فأرٍ أن يقول "مِيييووو" !

الحكمة الثانية: حزب يساري من الجبهة الشعبية يثق في رئيس جمهورية يميني (السبسي) سبق وأن غدره (تحالف مع النهضة) بعد ما سانده في الانتخابات بقطع الطريق عن خصمه (المرزوقي).

الحكمة الثالثة: حزب يساري من الجبهة الشعبية يريد أن ينقذ حكومة يمينية بتِعِلّة إنقاذ البلاد وهو يتجاهل أن إنقاذ البلاد من وجهة نظر يسارية يكمن في إسقاط الحكومات اليمينية وليس إنقاذها. كيف يسقطها ؟ الديمقراطية تمنحك خيارين لا ثالثة لهما: الخيار الأول: التوجه إلى الشعب وإقناعه بالنضال القاعدي المكثف والشعبي المباشر وحثه على التظاهر السلمي والمطالبة بإسقاط الحكومة (ألستِ صاحبة تجربة أيتها الجبهة في إسقاط الحكومات سلميا: اعتصام باردو)، والشعب هو صاحب السيادة، يهبها بالصندوق مؤقتا لمن يشاء وينزعها ممن يشاء بالصندوق أو بالمظاهرات السلمية. الخيار الثاني: التوجه إلى القاعدة أي الشعب وعوض تسوّل القمة، الشروع في فضح فشل اليمين في الحكم (ولكِ من الحجج بالبالة) تحضيرا للانتخابات القادمة. بالله عليكم هل سمعتم مرة أن حزبًا معارضًا (يعني فاشل في الانتخابات) يمد يده لإنقاذ حزب يميني في السلطة ؟ وإن فعلها، وها قد فعلها في بلاد العجائب، فهو إذن حزب لا يقرأ تجارب الآخرين ولا يتعظ من تجاربه هو مع اليمين الغادر. يبدو لي أن من حق اليمين أن يغدر باليسار سياسيا لكن ليس من حق اليسار أن يُلدغ من جحر اليمين مرتين متتاليتين ومتقاربتين ؟ وهذا الحزب بالذات (حزب العمال) لا يتجه فعليا بنضاله إلى الشعب ولا ينظم اجتماعات عامة ولا ندوات فكرية مفتوحة في مقراته المنتشرة في معظم المدن. قد يكمن السبب في رجال الجهاز (Les hommes d`appareil) الذين يجمّدون النشاط القاعدي لغرض في أنفسهم، أو في أنفس القاعدة الجبهاوية نفسها التي تطمح عادة للتماثل مع نمط حياة الطبقة البورجوازية وتترفع عن العامل التي تدّعي النضال من أجله (جل مناضلي الجبهة ليسوا عمالا ولا فلاحين ولا معطلين بل مثقفين موظفين بورجوازيين صغار). وهل يُعقل أن نصدق أن هنالك طبقة تنطوع للنضال من أجل مصلحة طبقة أخرى ؟ صَدَقَ ماركس عندما وصف المناضلين اليساريين البورجوازيين الصغار بالفئة المترددة المتذبذبة غير الصادقة وغير الشجاعة.

حمام الشط، الثلاثاء 21 جوان 2016.



 

دولة "كِيرالة" الشيوعية الهندية. ترجمة مواطن العالَم


دويلة هندية (33 مليون)، منذ 1957 يحكمها شيوعيون منتخبون: 27% من سكانها مسلمون، 18% مسيحيون والبقية هندوس. منذ 1957 يحكمها شيوعيون منتخبون: جامعات إسلامية خاصة، طالباتها بالنقاب وطلبتها بقميص وقلنسوة. أفضل نتائج في الهند في التعليم والصحة (يسمّونها أسكندنافيا آسيا). سكانها يمثلون 3% من سكان الهند ومهاجروها يمثلون 50% من العمال الهنود المهاجرين. عمالها بالخارج وخاصة بالخليج يوفّرون 20% من الناتج المحلي الخام. أغلبية العمال بالخليج يعودون متأثرين بالوهابية بالمحاكاة دون غسل دماغ. المدارس الإسلامية الخاصة تمثل 60% في الابتدائي و70% في العالي حيث تدرَّس الداروينية. عضو الحزب الشيوعي الهندي قال مرة: قولة "الدين أفيون الشعوب"، ماركس لا يقصد به مخدِّرًا بل مُسكِّنا لأوجاع البروليتاريا.عضو الحزب الشيوعي الهندي يستشهد بماركس: "الدين هو زفرة المضطهَد، هو روحُ عالم بلا روح، هو قلبُ عالم بلا قلب". عضو الحزب الشيوعي الهندي: "أصلّي خمس مرات في اليوم وأصومُ رمضان وكنتُ دائمًا شيوعيًّا". صياد سمك: يوم أكسب 20 دينارًا ويوم 40 ويوم لا شيء. كل الناس تنتخب الشيوعيين لأنك عندما تحتاجهم تجدهم. كلمة "علماني" عندهم أصبحت مرادفة لكلمة "مدافع عن المسلمين".

Source : Le M diplo mars 2022.


حكاية واقعية معبِّرة لو يتعظ اليساريون التونسيون !


الحكاية كما رواها لي، في مقهى البلميرا بِحمّام الشط الشرقية، صديقي وزميلي اليساري رضا بركاتي أخو نبيل بركاتي العضو السابق بحزب العمال الشيوعي وشهيد القمع البورڤيبي سنة 1987: 

"في بداية الستينيات زار وفدٌ من الحزبُ الشيوعي التونسي دولةَ الصين الشيوعية -قبل حَظْرِهِ مِن قِبل بورڤيبة سنة  1963- للمشاركة في مؤتمرٍ عالمي للأحزاب الشيوعية. وَجَّهَ له الحزبُ الشيوعي الصيني سؤالا عن هيكلة الحزب في تونس فأجاب: لدينا تمثيلياتٍ في الجامعات ومكاتبَ في بعض الجهات وحضورٌ في المنتديات الثقافية. ردّ الصيني متعجِّبًا: نحن نعلم أن الشعبَ التونسي مسلمٌ بنسبة 99%، ونعلم أيضًا أن أكثرهم يرتادون المساجدَ والجوامعَ. فهل لديكم حضورٌ في هذه الفضاءات ؟ قال التونسي مرتبِكًا: وما صِلتنا نحن الشيوعيون بهذه الفضاءات الدينية ؟"

تعليقي: 

مِن المفروض أن يكون المناضلُ الشيوعي داخل شعبه كالسمكة في الماء كما قال ماوتستونغ، الزعيم الصيني الشيوعي ومؤسس الصين الشعبية الحديثة سنة 1945، ونحن نرى اليوم اليساريين في تونس كالألواحِ فوق الماء، يطفون على السطح ولا ينفذون إلى الأعماق ! وعِوض أن يقاوموا الظلمَ والفقرَ نراهم يتعالون على هُويةَ شعبهم الإسلامية وأنتروبولوجيته، ويجهلون أو يتجاهلون تراثَه وينسون أو يتناسَون أن ماركس قد قال أن الدين هو صرخةُ المظلوم. وأول الفقراء والمظلومين في تونس هم الأجراء عُمّالاً وفلاحينَ، وإذا هَجَرَ هؤلاء الأحزابَ اليساريةَ فالمشكلة في هذه الأحزابِ وليست في الأجراء لو كان اليساريون صادقين مع يسارِيتِهِم ومتماهين مع شعبِهِم في آن واحد.

الأحزاب الصلبة والنصف-صلبة والسائلة ؟


الأحزاب الصلبة اندثرت (الجبهة الشعبية اليسارية) والنصف-صلبة ربما لن تستمر (التيار وحركة الشعب)، أما الأحزاب السائلة فستستمر لكنها ربما لن تنجز شيئًا صلبًا (النهضة). الصلابة هنا أعني بها نقدًا وليس تمجيدًا.


Ma source d’inspiration : Le présent liquide, peurs sociales et obsession sécuritaire, Zygmunt Bauman (sociologue-philosophe), Ed. du Seuil, 2007, 142 pages. D'après lui, dans notre société mondiale post-moderne liquide, on n'a plus le choix, navigation collective ou naufrage collectif. Et selon lui toujours, notre ère postmoderne a vu l’avènement d’une « société liquide », dans laquelle la communauté cède le pas à l’individualisme, le changement est la seule chose permanente et l’incertitude la seule certitude.

اليسار في تونس والعالَم أجمع: لماذا يخسر دومًا في الانتخابات ؟ ترجمة ونقل مواطن العالَم عن جريدة لوموند ديبلوماتيك


الانتصار الانتخابي الحالي في الشيلي، (2022) الاستثناء الذي لا يكفي لإبطال الظاهرة.

في العشرين عامًا الأخيرة، تتالت أزمات الأنظمة الرأسمالية (بما فيها النظام التونسي) واستفحلت، وخرجت آلاف المظاهرات في العالَم أجمع مطالبة بإسقاطها. في المقابل لم نرَ أي تصدّعٍ ولو خفيفٍ في النظام النيوليبرالي العالمي السائد والمحدِّد لمصير سبعة مليار بشر، لا بل رأينا ازدهارًا غير معهودٍ لحركات اليمين المتطرف (إريك زمّور أنموذحًا) ولاحظنا أن اليسار لم يجنِ شيئًا ولو قليلاً من ظاهرة الغضب الشعبي العام والعارم.

وبعد الإقرار بهذه الحصيلة الكارثية، ما هي الحظوظ الجدية التي بقيت لليسار لتغيير المجتمع بعدما فَقَدَ كل صلةٍ تربطه من بعيد أو قريب بالطبقات الشعبية المهمشة والمفقرة والمضطهدة في جميع بلدان العالم ولو بدرجات متفاوتة. وبعد فشله في الإنصات لأصوات هذه الطبقات، تقوقع اليسارُ حول خطابٍ شعبويٍّ يغلب عليه الحنين والعاطفة. ورغم كل هذه الخيبة، ما يزال اليسار يطمح للتجميع مستعملا خطابًا بلاغيًّا توافقيًّا موجَّهًا إلى مجموعات مجتمعية أصبح كل شيء يفصله عنها.

Source: Le Monde diplomatique, janvier  2022, extraits du dossier « Pourquoi la gauche perd », p.1,  & 11 à 18. 

حمام الشط في 9 جانفي2022.


الخيارات الخاطئة ؟


أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين إذن أنت ملحد أو العكس أنت مؤمن بالله إذن أنت لا تعترف بهذه النظرية.

من الأفضل أن لا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة: من الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. الدين والعلم يكوّنان عالَمين مختلفين ومنفصلين ومستقلين لا تطابق بينهما ولا مواجهة مطلقة. قد يلتقيان في مجال الأخلاق (l'éthique ).

Source : S. J. Gould, anthropologue américain

النقد الماركسي لحقوق الإنسان. ترجمة وتلخيص مواطن العالَم (أؤيد ماركس في هذا الباب)


- لا يرفضها جملة وتفصيلاً وإنما ينسّبها بالمقارنة مع صراع الطبقات والمادية التاريخية.

- يراها شكلية ووهمية ومفرغة من قِيمة العدالة الاجتماعية.

- عدم تملك وسائل الإنتاج يجعل من العمّال ضحية مالكيها البورجوازيين ويجعل من البيان العالمي لحقوق الإنسان غطاءً ساترًا للحقيقة المُرّة للصراع الطبقي. 

أنتونيو غرامشي قال:

"تُعرَّف الهيمنة   (l’hégémonie)  بالنجاح في تمرير مصلحة خاصة في ثوب مصلحة عامّة".

Source : Manière de Voir, juin-jui 2024

- حقوق الإنسان (البورجوازي) لا تتماشى، بل تتناقض مع حقوق المواطن البروليتاري وفي المقابل نراها قُدَّتْ على مقاس المواطن البورجوازي لترضيةِ أنانيتِهِ وإشباعِ نَهَمِهِ الذي لا يشبعُ إلا على حساب المجتمع.

 Source : site JurisPedia. Le droit partagé.

حمام الشط في 1 فيفري2022.

 

بعض أسباب فشل اليسار التونسي في انتخابات ما بعد ثورة 2011


1. أسباب ذاتية انتهازية: بعض رموزهم احتواهم بن علي فتركوا سمعة غير طيبة.

2. أسباب اقتصادية: tertiarisation, financiarisation, mondialisation

3. أسباب إيديولوجية: هيمنة الليبرالية.

4. أسباب مافيوزية: هيمنة حوالي مائة عائلة محتكِرة للاقتصاد التونسي.

5. أسباب اجتماعية: ظاهرة الإشادة بالخلاص الفردي عند النخبة المثقفة (الهجرة للخليج، التعاون الفني، l’étude، إلخ.).

6. أسباب أنتروبولوجية: سلعنة المهن وغياب الرسالة وانهيار القِيم.

7. أسباب جغرافية: تمييز الساحل على الداخل.

8. أسباب ثقافية: الصراع الهووي طغى على الصراع الطبقي.

9. أسباب جيوسياسية: قبل سنة 1989، تاريخ سقوط جدار برلين، كان ضغط المعسكر الشيوعي يجبر النظام أحيانًا على تقديم تنازلات اجتماعية لصالح الفقراء (الدولة الراعية) مما نتج عنه تقليص في الفوارق الطبقية. بعد 1989 غاب ضغط المعسكر الشيوعي على النظام وفي المقابل اشتد ضغط النظام على اليسار الذي لم يعد قادرا على نسج علاقات تعاون مع الخارج. النتيجة: حضور المعسكر الشيوعي وغيابه أضرّا باليسار التونسي في الحالتين.

10. أسباب منهجية: أخطأ في ترتيب أولوياته وقدّم مناهضة حزب النهضة على مناهضة النظام.

11. أسباب معرفية: يريد أن يغير المجتمع قبل أن يدرسه ويفهمه. لم يفهم أن الدين هو بنى فوقية تتفاعل مع البنى التحتية.

Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, janvier 2022, extraits du dossier « Pourquoi la gauche perd », p.1, & 11 à 18. 

حمام الشط في 12 جانفي2022.





 

Pourquoi les militants activistes gauchistes haïssent les intellectuels critiques de gauche ? Citoyen du Monde Mohamed Kochkar, Docteur en épistémologie de l`enseignement (La Didactique de la Biologie)


Les activistes agissent beaucoup et réfléchissent peu, au contraire, les critiques réfléchissent beaucoup et agissent peu. Les premiers n`ont pas compris qu`il n`y a pas de bonne action sans bonne théorie, et les seconds n`ont pas compris qu`on ne peut pas changer le monde par l`imagination. Les jambes ne peuvent pas courir sans le cerveau, et le cerveau ne peut rien construire sans la main.

Les deux protagonistes n`ont pas encore bien saisi que leurs rôles respectifs sont complémentaires et indissociables, mais chacun dans sa spécialité. 

Un jour non lointain viendra et l`activiste reconnaitra la nécessité de la critique et l`indépendance du critique et que "Dans l'opprimé d'hier il y a l'oppresseur de demain", comme il l`a considéré fort justement Victor Hugo.

L`intellectuel, aussi, reconnaitra un jour que: « L`Intellectuel, c’est une création du XIXè siècle qui disparaîtra à la fin du XXè ou du XXXè parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même », comme il l` a bien annoncé Sartre depuis un demi siècle.

Un activiste borné, qui méprise les critiques, n`a pas besoin d`un cerveau, une moelle épinière lui suffit largement. 

Un intellectuel d'un abord difficile, qui minimise l`apport de l`activiste, ne fait que passer son temps à rêver d`une providentielle qui réalisera ses projets à merveille.

Ma signature 

« Pour l`auteur, il ne s’agit pas de convaincre par des arguments ou des faits, mais, plus modestement, d’inviter à essayer autre chose » (Michel Fabre & Christian Orange, 1997).

« À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence » (Le Monde Diplomatique).

Hammam-Chatt, vendredi 27 mai 2016.


Taoufik Ben Brik accuse Elwatad ?


Source biblio : Tunisie, La charge… Position-s, Taoufik Ben Brik, PMR & éditions, Tunis, 2011, 225 pages.

Remarque préliminaire :

J`ai quelques amis Watad, le différend idéologique qui nous sépare ne peut pas m`empêcher d`affirmer que mes amis sont intègres et sincères donc j`aimerais bien voir un des leurs oser récuser sur facebook les graves accusations de Ben Brik.

Texte de Ben Brik, p 120 :

Vite. Jugeons les juges. Ces juges sans loi. Ces juges Western. Ces juges qui ont causé la perte et la peine de milliers de gens humiliés et offensés par les peines qu`ils prononcent au kilo, sans osciller. Jugeons Mehrez Hammami, alias Boga (boisson gazeuse locale, de couleur marron, bombée et difforme), ce gros lard, bête et mauvais, comme ces chiens de bergers solitaires et haineux qu`on rencontre si souvent, errant dans la steppe alfatique.

Jeee… Teee… Juuuggeee... Monsieur le Juuuggeee…

Etudiant, Boga appartenait à un groupuscule d`extrême gauche (ou d`extrême droite, que sais-je ? c`est kif kif, non ?!), El Watad, les Patriotes Démocratiques (fichtre). Ils avaient pour bible, les dix commandements du cambodgien, Pol Pot le sanguinaire. Une Chakchouka idéologique en guise de directives politiques (marxisme-léninisme, Baathisme, Habachisme (George Habach), Youssefisme (Salah ben Youcef). On retrouve les membres de cette confrérie secrète un peu partout, à l`Union Générale des Etudiants Tunisiens, à l`Union Générale Travailleurs Tunisiens, à la Ligue des Droits de l`Homme, chez les Femmes Démocrates, dans les partis d`opposition reconnus ou non, au barreau, à la Dakhilia, le Ministère de l`Intérieur. Elle a donné au pays d`illustres préfets de police, de gouverneurs, de directeurs de journaux du RCD, le parti au pouvoir, des juges impassibles et corrompus jusqu` à la moelle (mais qui n`est pas corrompu parmi les juges de Ben Ali ?) et des alcooliques en pagaille. Le bruit court que le Grand Censeur du palis de Carthage, celui qui traque chaque image compromettante, chaque son discordant, chaque phrase blasphématoire, serait un ancien leader d`Elwatad. Mehrez Boga n`a pas rompu avec les Patriotes Démocrates (P. D.). A-t-on idée d`appeler un parti P. D. ?

Au tribunal, Boga applique à la lettre l`enseignement du grand maitre. Pas de pitié pour les avatars. Pol Pot à Tunis. Crime contre l`humanité.

Hammam-Chatt, mercredi 3 février 2016.




الأحزابُ اليسارية ترى في المجتمع التونسي ما تريد هي أن ترى، لا ما يريد الواقعُ أن يرى؟ فكرة الماركسي فيلسوف حمام الشط، تأثيث مواطن العالَم



الأحزابُ اليسارية تُحلل المجتمع التونسي باستعمال مفاهيم ماركسية (Des concepts marxistes)، مِثل: بورجوازية، بروليتاريا، الصراع الطبقي، إلخ. مفاهيم لا تنطبق على المجتمع التونسي.

في الماركسية تُعرَّفُ الطبقة بالوعي الطبقي (La conscience de classe). في تونس يوجد عمال ورجال أعمال لكنهم غير واعين بانتمائهم الطبقي بالمفهوم الماركسي، والدليل: جل العمال ينخرطون في أحزاب يمينية  ويصوتون لها (النداء والنهضة)، وأكثر المنتمين للأحزاب اليسارية هُمُ بورجوازيون صغار بالمعنى الماركسي للمفهوم (موظفون، أساتذة، معلمون، محامون، أطباء، فنانون، إعلاميون، صحفيون، ونادرًا ما نجد فيهم عمالاً أو فلاحين). بورجوازية صغيرة مثقفة وواعية بانتمائها الإيديولوجي لكنها تتجاهل ماذا قال ماركس نفسه فيها هي بالذات: طبقة انتهازية متذبذبة، غير صادقة في انتمائها الحزبي للطبقة العاملة، وغير موثوق في إخلاصها وولائها. طبقة تقلد نمط عيش البورجوازية (موضة، تحرر من التقاليد، فرنكوفونية، عشق الفنون بجميع أنواعها، الدين بالنسبة إليها مسألة شخصية أو أفيون شعوب أو بِنية فوقية، إلخ.). وما دام الوعي الطبقي مفقود فالصراع الطبقي بالمعنى الماركسي الواعي للمفهوم مفقود أيضًا، ولا وجود له في تونس إلا في الكتب وفي عقول بعض الماركسيين.

إمضائي: يا أولِي الألباب، حاربوا 

Votre ADN qui est héréditaire, sauvage, agressif et égoïste

 بواسطة:

 L`épigenèse cérébrale qui est acquise, éducatrice, altruiste et civilisatrice (Sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007).

حمام الشط، السبت 30 مارس 2019.



الأحزابُ اليسارية ترى في المجتمع التونسي ما تريد هي أن ترى، لا ما يريد الواقعُ أن يرى؟ فكرة الماركسي فيلسوف حمام الشط، تأثيث مواطن العالَم



الأحزابُ اليسارية تُحلل المجتمع التونسي باستعمال مفاهيم ماركسية (Des concepts marxistes)، مِثل: بورجوازية، بروليتاريا، الصراع الطبقي، إلخ. مفاهيم لا تنطبق على المجتمع التونسي.

في الماركسية تُعرَّفُ الطبقة بالوعي الطبقي (La conscience de classe). في تونس يوجد عمال ورجال أعمال لكنهم غير واعين بانتمائهم الطبقي بالمفهوم الماركسي، والدليل: جل العمال ينخرطون في أحزابيمينية  ويصوتون لها (النداء والنهضة)، وأكثر المنتمين للأحزاب اليسارية هُمُ بورجوازيون صغار بالمعنى الماركسي للمفهوم (موظفون، أساتذة، معلمون، محامون، أطباء، فنانون، إعلاميون، صحفيون، ونادرًا ما نجد فيهم عمالاً أو فلاحين). 

بورجوازية صغيرة مثقفة وواعية بانتمائها الإيديولوجي لكنها تتجاهل ماذا قال ماركس نفسه فيها هي بالذات: طبقة انتهازية متذبذبة، غير صادقة في انتمائها الحزبي للطبقة العاملة، وغير موثوق  في إخلاصها وولائها. طبقة تقلد نمط عيش البورجوازية (موضة، تحرر من التقاليد، فرنكوفونية، عشق الفنون بجميع أنواعها، الدين بالنسبة إليها مسألة شخصية أو أفيون شعوب أو بِنية فوقية، إلخ.). وما دام الوعي الطبقي مفقود فالصراع الطبقي بالمعنى الماركسي الواعي للمفهوم مفقود أيضًا، ولا وجود له في تونس إلا في الكتب وفي عقول بعض الماركسيين.

حمام الشط، السبت 30 مارس 2019.

في الجزائر وتونس، تخلّى اليسار عن تناقضه الرئيسي مع السلطة والرأسمالية، وكرّسَ نضالَه وحصره في نقد وثلب عموم البروليتاريا المتعاطفين مع الأحزاب الإسلامية: تجارةٌ خاسرةٌ وحرثٌ في الماء ! لوموند ديبلوماتيك، ترجمة، إعادة ترتيب وتأثيث مواطن العالَم


ملاحظة مطبعية: كل إضافة من عندي تجدونها بين قوسَين مستقيمين [...].

1. اليساريون الجزائريون يساندون جلاّديهم ويناضلون وهم في وضع انبطاح: حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS: Parti de l`Avant-Garde Socialiste) نموذجًا:

- حدثَ انقلاب هواري بومدين، يوم 19 جوان 1965، فأحدِثت معه منظمة المقاومة الشعبية (ORP: Organisation de la Résistance Populaire) التي أصبحت سنة 1966 تُسَمَّى حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS).

- المفارقة الكبرى: خلال الخمس سنوات (1965-1970)، قُبِض على المناضلين اليساريين، عُذِّبوا، اضطُهِدوا، بينما كان النظام يوفر المساندة واللجوء السياسي لثوّار العالم أجمع وكانت الجزائر العاصمة تُنعتُ بأنها "مكة الثوّار".

- رغم أن حزبَ الطليعة كان ممنوعًا ومقموعًا بداية من سنة 1969، فقد قدّم مساندة ناقدة لسلطة بومدين  وكرر نفس المساندة في الثمانينيات لنظام بن جديد الليبرالي رغم أن هذا الأخير قمع اليساريين مثلما فعل سلفه. كان حزب الطليعة يُثمِّن النموذج التنموي الذي سيحقق استقلال البلد بواسطة اختيارات تقدمية مثل الثورة الزراعية والتسيير الذاتي للشركات والصحة المجانية [مثل ما أرسَى أحمد بن صالح التعاضد في تونس 1964-1969]. 

هذه المساندة الغريبة أضعفت حزب الطليعة الذي انحسر نشاطُه فيما بعد، ثم اتجه اضطرارًا وليس إيمانًا للاستثمار في مجال "حقوق الإنسان البورجوازي" التي طالما نَقَدَها وبشدة ماركس نفسه [كذلك فعل في تونس، حزب العمال، وعلى حد علمي لم يفعلها التروتسكيون التونسيون. شيءٌ مضحِكٌ: ستاليني حقوقي ؟ "ما اتجِدّشْ على حَدْ وما تَركبشْ خْلاصْ"، صفتان متناقضتان لا يلتقيان حتى لو التقيا الخطان المتوازيان في الفيزياء ! ما زلتُ حتى اليوم مع هذا النقد الماركسي لـ"حقوق الإنسان البورجوازي"، نقدٌ صالحٌ حتى اليوم لكنني تخليتُ عن الماركسية في جل أطروحاتها الاستبدادية الأخرى !]. 

حزب العمال الجزائري (PT) لِلويزا حانون، هذه المناضلة النسائية التروتسكية، التي سُجنت في عهد بن جديد في الثمانينيات، اصطفت فيما بعد وراء بوتفليقة ولم تعارض حكمَه خلال فترات رئاساته الأربع. [كذلك فعل الشيوعيون في مصر، وهم في سجون عبد الناصر بعثوا له برسالة مساندة بعد عودته من باندونڤ ومشاركته "المظفّرة" في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز].

- دخل حزب الطليعة في السرية من سنة 1966 إلى 1989 وكان بمثابة رأس الحربة بالنسبة لنضالات اليسار الجزائري. 

- منذ الاستقلال سنة 1962 حتى تأسيس التعددية الحزبية سنة 1989، عاشت الجزائر تحت نظام الحزب الواحد (le FLN) الذي أجبر كل الأحزاب الأخرى على اللجوء للسرية. في هذه الحقبة كان اليسار يُدارُ من قِبل منظمات تروتسكية وخاصة من قِبل حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS) وريث الحزب الشيوعي الجزائري (PCA) الذي تأسس بدوره سنة 1936 بعد أن انسلخ عن الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF, 1920).

- [أما في تونس فأقدمُ حزب يساري هو الحزب الشيوعي التونسي (PCT) الذي تأسس سنة 1934 بعد أن انسلخ عن الحزب الشيوعي الفرنسي أيضًا. كان اليسار التونسي عمومًا يُدارُ من قِبل منظمات ستالينية-ماوية وخاصة البوكت (حاليًّا حزب العمال حزب حمة  PCT) والأوطاد (الموحد والثوري) وُرثاء منظمة برسبكتيف-العامل التونسي وكان التروتسكيون في اليسار التونسي أقلية.  يبدو لي أن هذا الاختلاف المذهبي بين اليسار الجزائري (بروتروتسكي) واليسار التونسي (بروستاليني) قد يفسّر لنا البرود التاريخي في العلاقات بينهما].

- حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS) واليسار الجزائري عمومًا جوبِه ببروز الموجة الإسلامية المجسمة في حزب "جبهة الإنقاذ الإسلامية" (FIS) فانقرض سنة 1990. [كذلك حدث عندنا في تونس حيث جوبِهت أحزابُنا اليسارية ببروز حزب النهضة الإسلامي وكالحرباء غيرت أحزابُنا أسماءها ولوّنت خطاباتها، وللأسف لم تنقرض، ويا ليتها انقرضت في صيغتها الستالينية المتخلفة].

- من أسباب انقراض حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS): توظيفه من قِبل السلطة الحاكمة لضرب الإسلاميين. تسلل البوليس داخله. انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي. تَخَلَّى اليسارُ عمومًا عن تناقضه الرئيسي مع السلطة والرأسمالية، وكرّس نضالَه وحصره في نقد وثلب عموم البروليتاريا المتعاطفين مع الأحزاب الإسلامية مما أفقده شعبيته، فتحول تناقضُه الرئيسي إلى تناقض ثانوي، وفي المقابل تحول تناقضه الثانوي مع الإسلاميين إلى تناقض رئيسي، واختلطت على اليسار سُبل الاهتداء إلى الرؤيا الماركسية المركزية الأساسية الواضحة، أي الصراع الطبقي ومعاداة البورجوازية الوطنية الكمبرادورية الاستغلالية ومعها حليفتها الإمبريالية العالمية المهيمنة. همّشَ نفسَه المسكينُ ولم يُهمّشْه أحدٌ ! "جَنَتْ على نفسها براقش ولم يجنِ عليها أحدْ" [نفس الأسباب عندنا في تونس أدّت إلى نفس النتائج بل ظهرت وبصفة أوضح في استقطاب وجوه يسارية معروفة وتدجينها من قِبل نظام بن علي وتوظيفها لضرب الإسلاميين].

2. ما هي الانقسامات التي تشق المجتمع الجزائري ؟

- الصراعُ لم يعد بين يسار ويمين بل تحول إلى خلاف بين نموذج الدولة الجمهورية ونموذج الدولة الدينية.

- صراعٌ بين الأغنياء المستفيدين من العائدات النفطية وبين العمال والموظفين بجميع توجهاتهم السياسية، يسارية كانت أو إسلامية.

- صراعٌ بين مناصري بوتفليقة المسمّون "الشيّاتين" الذين قد يكونوا من اليسار ومن اليمين، علمانيين أو إسلاميين، وبين معارضِي بوتفليقة الذين قد يكونوا أيضًا من اليسار ومن اليمين، علمانيين أو إسلاميين.

- صراعٌ جديدٌ أفرزته "العشرية السوداء" (1991-2001)، صراعٌ بين وجهات النظر المتناقضة حول العلاقة بين الدين والسياسة.

3. هل تأقلم اليسار الجزائري مع وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة ؟

- أغلبية اليساريين، وأكثرهم من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، معادون لوسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة أو يستعملونها بصفة عتيقة وعقيمة، وذلك ناتج عن تشاؤمهم [والتشاؤم من شيم الجبناء]. 

- غياب اليسار عن ساحات  النضالات الشعبية فسح المجال لـ"مُترَفيها ففسقوا فيها". تغطرست سلطة رأس المال لأنها لم تجد خصمًا قويًّا يصمد أمامها. [المفروض أن يكون هذا الخصم هو اليسار، ولكن للأسف غرقَ يسارنا التونسي ومثيلُه الجزائري في مسائل ثانوية (لم أقل غير مهمة) مثل حرية المعتقد وحقوق الأقليات والمساواة في الإرث والمدارس القرآنية، إلخ.].

4. كيف عاش اليسار الجزائري "الربيع العربي" في 2011 ؟

الديمقراطيون التونسيون تظاهروا جنبًا إلى جنبٍ مع الإسلاميين ونظرائهم المصريين جنب "الإخوان المسلمون" واليسار المغربي مع "العدل والإحسان". 

في الجزائر، حضور على بالحاج (FIS) في المسيرة أنهى الحراك فورًا (La mobilisation de la gauche).

خاتمة: أمام اليساريين في تونس والجزائر فسحة من الأملِ شاسعة جدًّا لو كانوا يعقلون و"طالما استمرّ الاستغلال والتفاوت الطبقي في المجتمع فالفكر اليساري لا يمكن أن يموت".

[رأيي الشخصي: الفكرُ اليساريُّ لا يمكن أن يموت لو آمن بالنقد الذاتي ولو تماهى جدليًّا (Interaction) مع هوية شعبه الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وكما أكّد الفيلسوف اليساري المغربي: "لا أحدَ مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعِه. لكن إذا ما قرّر أن يفعلَ، في أي ظرفٍ كان، فعليه إذن أن يتكلمَ بلسانِه (المجتمع)، أن ينطقَ بمنطقِه، أن يخضعَ لقانونِه."]

المصدر:

Le Monde diplomatique, février 2019, Extrait de l`article « Un courant politique affaibli par la “décennie noire”. Hébétude de la gauche algérienne », par Arezki Metref, envoyé spécial, pp. 22 & 23 

حمام الشط، السبت 9 فيفري 2019.



 

الحزب الشيوعي والبوكت والوطد، هم وحدهم تقريبًا الذين يتحمّلون مسؤولية إقصاء اليساريين من الأحزاب اليسارية الثلاثة. فكرة الماركسي فيلسوف حمام الشط، تأثيث مواطن العالَم


تقديم حبيب بن حميدة: هل لاحظتم أنني كتبتُ في العنوان "الماركسي فيلسوف" ولم أكتبْ "الفيلسوف الماركسي" لأن صفة فيلسوف لا تحتاجُ إلى نعتٍ يوضّحها بل على العكس فكل نعتٍ قد يشوّهها 

Tout adjectif, dans ce cas particulier, est réducteur

مِثل نعوت: ماركسي، إسلامي، مسيحي، ديكارتي، إلخ). هو فيلسوفٌ وكفَاهُ فخرًا، أراه حكيمًا وهو لم يدّعِ يومًا ذلك، لا بل أكثر من ذلك فجل مثقفي حمام الشط المركز يَرَوهُ أيضًا حكيمًا، بِيساريّيهم الماركسيّين الستالينيّين وغير الماركسيّين (أنا) وقوميّيهم وجمهوريّيهم وتجمّعيّيهم وحتى بعض نهضاويّيهم. من وراءِ هذا التقديمِ المقتضَبِ لصاحب الفكرة حبيب بن حميدة، أهدِفُ إلى دعوتكم بكل لطفٍ إلى قراءةِ التوضيحِ التالي بانتِباهٍ كبيرٍ: أرجو من القُرّاء أن لا يعتبروا مقالي هذا تصفيةَ حساباتٍ مع خصومٍ فكريينَ وسياسيينَ، أختلفُ معهم وأحترمُ مَن يحترِمني منهم وهؤلاء يُعَدّون، من سوء طالِعِي، على أصابعِ اليدِ الواحدةِ.

تقديم مواطن العالم: يساري غير ماركسي، صنّفه هؤلاء القوم يساريًّا "مْذَرَّحْ" أي ناقص يسارية، فلا تجزعوا إذن أيها الصفوة الستالينية واطمئنوا، وإذا أتاكم نقدٌ من "ناقصٍ" فهي الشهادة لكم أنكم كُمَّلٌ كُمَّلٌ كُمَّلٌ ! المفارقة الكبرى تكمنُ في أن الماركسي صاحب الفكرة، هو مَن علّمني نقد الماركسية-اللينينية في العمقِ (الستالينية بلغةٍ أوضحَ)، وهو مَن نصحني بقراءة الكتاب الأشدّ نقدًا للماركسيّة 

L’opium des intellectuels (Le marxisme) de Raymond Aron, 1955,

لذلك قلتُ عنه "الماركسي فيلسوف" ولم أقلْ "الفيلسوف الماركسي".

موضوع النقد: خطؤهم البِنيوي أو

 (leur péché originel)  

كما سمّاه الفيلسوف نفسُه.

-  هل لاحظتم أيضًا أنني كتبتُ في العنوان "الحزب الشيوعي والبوكت والوطد" ولم أكتب "المسار ولا حزب العمال ولا الموحّد ولا الثوري" تسمبات جديدة ومساحيقٌ لم تُفلحْ في مَحوِ ستالينيتِهم أو نيوستالينيّتِهم، ستالينيّين في أحلامِهم لكنني أقِرُّ بأنهم مسالمون في سلوكياتهم، أي غير مسلّحين بغض النظر عن ما جرى من عنفِ متبادَلِ في الجامعة بينهم وبين الإسلاميين، ستالينية يدعونها وهم ليسوا "أدَّها"، لا في محاسنها (البناء والتشييد) ولا في مساوئها من حسن حظنا (جرائم وإبادة ضد الإنسانية)، ستالينية مشهدية (spectaculaire) لم تجلبْ لهم إلا عداوة جل التونسيين بمحافظِيهم (الإسلاميّين) وتحرّريّيهم (الحداثيّين الليبراليّين واليساريّين غير الستالينيّين).

-  لماذا سميته خطأ بِنيوي؟ على حد قول الفيلسوف هم أناسٌ مقيّدون من الداخل، قيدٌ قُدَّ من حديد اسمه الاكتفاء الذاتي الايديولوجي، والدليل: في العهدين البائدَين، كانوا يبرّرون عدم انتشارهم بسبب سطوةِ الديكتاتورية، فبماذا سيبرّرون انكماشهم في زمن الحرية بعد الثورة ؟

-  عديدٌ من الوطديّين الانتهازيين انضمّوا إلى النظامَين السابقَين (بورڤيبة وبن علي).

Pour en savoir plus sur ce sujet, prière lire la thèse: S’engager en régime autoritaire. Gauchistes et islamistes dans la Tunisie indépendante. Michaël BÉCHIR AYARI, 2009


-  أما البوكتيّين فوجدوا حيلةً "أشرَفَ" مما أتاهُ رفاقُهم، حيلةً تتمثلُ في التخفّي داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. مِن "وقتاش" كان الستالينيّونَ حقوقيينَ ؟ ماركس نفسُه كان ضد البيان العالمي لحقوق الإنسان، وأنا إلى الآن وفي هذه النقطة بالذات ما زلتُ معه رغم أنني تخليتُ حديثًا عن الماركسية. أليسوا ماركسيين ؟ لماذا وقف ماركس ضد البيان ؟ لأن نواتَه وأول بندٍ فيه هو حُرمة الملكية الرأسمالية الخاصة وماركس بَنى نظريتَه كلها ضد هذا النوع من الملكية. لماذا أقف أنا ضد البيان ؟ لأن ثاني بندٍ فيه هو المساواة بين المواطنين في حرية النشر والتعبير: هل أنا وسامي الفهري متساوون في حرية التعبير ؟ هل أنا والصافي سعيد متساوون في حرية النشر ؟

- اثنانٍ منهم (البوكت والوطد الموحّد) هربا من رحابِ أهلهم اليساريين وكوّنوا جبهةً مع القوميين. ومنذ متى كان الماركسيون التونسيون يَعُدّون القوميةَ يسارًا ؟ اليسارُ، على حد معرفتي به، أمميٌّ أو لا يكون. حتى أنا اليساري "المْذَرَّحْ"" لا أعتبر القوميةَ يسارًا، وهذا لا يعني أنني أكرههم أو أعاديهم، فقط اختلفتُ معهم، وما زلتُ أختلفُ فكريًّا وسياسيًّا وبوضوح، كما اختلفتُ مع الإسلاميين من بعدهم، وما زلتُ أختلفُ وبوضوح أيضًا، لهم دينُهم ولي دينْ    ! 

-  لاحظتُ وجودَ قطيعةٍ، أظنّها تامّةً وهم أعلم، بين جيل المناضلين اليساريين الأوائل الذين نقدوا تجربتهم النضالية، مثلاً : حضرتُ ندوتَين لهؤلاء، واحدة لجيلبار النقّاش والأخرى لمحمد الشريف الفرجاني، ولم ألاحظ حضورَ مَن أتحدّثُ عنهم، اللهم أنني لم أعرفهم، وهذا بصدقٍ احتمالٌ وارِدٌ جدًّا.

-  ملاحظة أخيرة: ثلاثتهم، تواجدوا بكثافة في هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل ولِعقودٍ متتاليةٍ، وللأسفِ الشديدِ لم ينشروا الفكرَ اليساريَّ النيّرَ وسط العمال، والمتمثل أساسًا في فكرة العدالة الاجتماعية، النواةُ الصلبةُ للاشتركيةِ وعمودُها الفِقريُّ، ضيّعوا مجهوداتهم سُدًى في الصراعات الهُووية مع الإسلاميين، خصومِهم السياسيين، وفي الوقت نفسه إخوانُهم في الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وهذا باعترافهم هم أنفسهم، على الأقل في تصريحاتِهم العلنيةِ، وأنا لا أملك إلا تصديقَهم إلى أن يأتي ما يُخالِفُ ذلك.

وخاتمتُها مسكٌ إن شاء الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وأنا - والله - كيساري غير ماركسي أحب لكل اليساريين الماركسيين التونسيين متحزّبين وغير متحزبين ما أحب لنفسي، والدليل، سأدلّهم على طريقٍ، لو سلكوه بصدقٍ فبحول الله لن يضلّوا بعده أبدَا: 1. التخلي علنًا عن الستالينية المجرِمة. 2. نقدُها صراحةً في مؤتمراتِهم وجرائدِهم وأدبياتِهم. 3. تبنِّي نظرية الاشتراكية-الديمقراطية على المنوال الأسكندنافي (طلبٌ في غير محله، ويحك يا كشكار، هم يَرَونها خائنةً، وأنتَ تطلبُ منهم أن يتزوّجوا خائنةً، سامحك الله يا ابن العرب !). 4. التماهِي مع أهلهم ومجتمعهم والتصالحِ بصدقٍ مع الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية (يقولون ما لا يفعلون...) 

لو فعلوا ما أطلبه منهم (أنتَ تحلم !) لَتَصالحوا مع أنفسِهم وكان لهم مثلي نفسُ الخطابِ في السرِّ والعَلَنِ، في مقهى الشيحي ومقهى القدس طريق كُشّادة، في العاصمة وفي جمنة، ولَقَبِلَهم المجتمعُ ورحّبَ بهم مثل ما رحّبَ بي دون أن أتخلّى عن عَلمانيتي ويساريتي ما قبل الماركسية-اللينينية، أو على الأقل مثل ما تراءى لي ذلك حتى ولو كان سرابَا أو كما أظن نفسي كذلك أو مثل ما يتهيّأ لي في الفيسبوك ومقهى الشيحي وبعض المنتديات الثقافية غير اليسارية.

إمضائي

بكل شفافيةٍ وبكل تجرُّدٍ واعٍ وتواضعٍ صادقٍ، أعتبرُ نفسي ذاتًا حرةً مستقلّةً مفكِّرةً وبالأساس ناقدةً، أمارسُ قناعاتي الفكرية بصورةٍ مركّبةٍ، مرنةٍ، منفتحةٍ، متسامحةٍ، عابرةٍ لحواجزِ الحضاراتِ والدينِ والعرقِ والجنسِ والجنسيةِ والوطنيةِ والقوميةِ والحدودِ الجغرافيةِ والأحزابِ والأيديولوجياتِ، وعلى كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي، والله يسترني من سِهامِهم السامّةِ.

Aimer, c`est agir. Victor Hugo

حمام الشط، الخميس 25 أكتوبر 2018.

إضافةٌ بمناسبة أول إعادة نشرٍ يوم الأحد 28 أكتوبر 2018: حضرتُ أول أمس ندوةً نظمتها حركة "برسبكتيف" التونسية اليسارية بتمويلٍ من جمعية ألمانية، جمعية المناضلة الماركسية روزا لوكسمبورغ، المناضلة التي أعشقها نكايةً في لينين. "برسبكتيف" تأسست بباريس سنة 1963 على أيدي طلبة مناضلين في الاتحاد العام للطلبة التونسيين (UGET)، ثم انتقلت إلى الجامعة التونسية سنة 1964. عزيز كرشان، أحد مؤسسيها ورئيس ديوان سابق في الرئاسة لدى المرزوقي (استقال في الأثناء)، قال في الندوة: "عاقبَنا بورڤيبة عقابًا قاسيًا على أحلامِنا وليس على أفعالِنا". أقول: وما يزال اليسار التونسي يُعاقَبُ بعد الثورة عقابًا قاسيًا على أحلامه وليس على أفعاله لكنه يُعاقَب اليوم من قِبل المجتمع وليس من قِبل السلطة رغم أدائه الفعليّ الجيد والمحمود إبان الثورة، أعني اليسار بمتحزّبيه (الحزب الشيوعي والبوكت والوطد) ومستقلّيه، بماركسيّيه وغير ماركسيّيه، بستالينيّيه وتروتسكيّيه، وخاصة بنقابيّيه اليساريين، وكمستقلٍّ لا أنكِر دورَ القوميين والإسلاميين والديمقراطيين من غير اليساريين وغير الإسلاميين في التمهيدِ للثورة والمشاركة في تأجِيجِها بِنِسَبٍ متفاوتةٍ ومختلفةٍ في المرحلتينِ. 


La Gauche libertaire définie par Michel Onfray 


C`est une Gauche non libérale qui ne met rien au dessus de la liberté. 

C`est une Gauche qui dit oui à l`économie du marché (on est obligé de composer avec), non à la société du marché : le marché ne fait pas la loi dans la culture, dans la police, dans l`armée, à l`école et à l`hôpital on ne fait pas de bénéfice, on éduque et soigne les gens. 

Partis de gauche libérale : le PS français depuis 1983.

Partis de gauche libertaire : il n`a pas nommé de partis français. Cette Gauche existe déjà dans les micro-associations, nouvelle et seule forme de résistance mondiale à l`ordre mondial établi par les multinationales (Exemple tunisien : « l`association de sauvegarde des oasis de Jemna »).


 

سارقُ المعرفة يُقرِئُكم السلام ويدعوكم لمقاضاة المفاهيم الثلاثة التالية: العَلمانية الملحدة، الدعوية الدينية العنيفة، النضال من أجل إيديولوجيا ؟


مقدمة منهجية ديونتولوجية ضرورية:

أنا سارقُ معرفةٍ، سارقٌ وفي يدي "بروجكتور"، سارقٌ يُعلِنُ عن اسمِ ضحيتِهِ وعنوانِه (Référence biblio)، ويعرض المسروقَ-المعرفة على قارعة الطريق مجانًا للعموم. تاجرٌ لا يعنيه الربح ولا الشاري، باع أم لم يبع، لايهم، فالسلعة ليست مِلكَه ولن يستطيعَ توريثَها لأولاده ولو أرادَ، يعرضها ويمر دون إلحاح أو تسويق وإذا باعها فلن يقبض ثمنها نقدًا بل يقبض ثمنها معرفةً أكثرَ وأفضلَ. 

وإذا كنتَ تبحثُ عن معلومةٍ جديدةٍ في ما أكتبُ وأنشرُ فلن تجدَها، أنا ناقلُ معرفةٍ ولستُ منتِجَها.

عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لستُ داعيةً، لا فكريّ ولا سياسيّ, أنا مواطن مثلك، أنا لا أهدفُ البتّةَ لإقناعِك ولا يعنيني ذلك ولا يضيرني في شيءٍ عدمُ اقتناعِك، بل أكتفي بأن أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة والمختلفة عن السائد, إن تبنّيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزتُ أنا عن إدراكِه, وإن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.

البديلُ لا يُهدَى ولا يُستورَدُ ولا ينزل من السماء، البديلُ يُصنعُ بيني وبينك (قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم")، وواهمٌ أو غير ديمقراطي من يتصور أنه يملك البديلَ جاهزًا. النقدٌ هدّامٌ أو لا يكون، وكل بناءٍ جيدٍ يسبقه بالضرورة هدمٌ جيدٌ، النقدُ فرديٌّ والبناءُ جماعيٌّ.

أما المشكّكين في أهمية النقد والتنظير فأحيلهم إلى الفيلسوف العظيم إمّانوال كانْتْ (القرن الثامن عشر ميلادي):

La théorie est absurde sans la pratique et la pratique est aveugle sans la théorie.

أنا لستُ باحثًا علميًّا رسميّاً، لذلك ترونني أتحدّثُ كثيرًا عن نفسي ومَن يعرفُ عُقَدَها (ses complexes) وتعقيداتِها (sa complexité) ومفارقاتِها (ses paradoxes) وتناقضاتِها (ses contradictions) وخفاياها أكثر مِني ؟ لا يحق لأحد إذن أن يتحدّث حول أي شخصٍ أو أي ظاهرة اجتماعيةٍ دون أن يبحثها علميًّا و"الباحث-منتِجُ المعرفة" يجب أن يكون عضوًا في مخبرٍ علميٍّ جامعيٍّ أو خاص وواجبٌ عليه نشرُ أبحاثِه في مجلةٍ علميةٍ مختصةٍ.

لبّ الموضوع:

1. العَلمانية الملحِدة: 

كلمتان متناقضتان (un oxymore). العَلمانية تقبل كل الأديان وتُعاملها بكل حيادٍ فلا يمكن إذن أن تكون العَلمانيةُ ملحدةً أو تدعو للإلحاد مثل ما فعلتْ وأخطأتْ دولة الاتحاد السوفياتي السابقة تحت حكم ستالين.


2. الدعوية الدينية العنيفة (prosélytisme agressif): 

كلمتان متناقضتان أيضًا. "لا إكراه في الدين" (قرآن) فالدعوية الدينية سلمية أو لا تكون.


3. النضال من أجل إيديولوجيا: 

المناضل المثقف التونسي الشيوعي الطلائعي يدّعي أنه يناضل من أجل تحرير العمال وإرساءِ دولةٍ شيوعيةٍ. 

الداعية التونسي الإسلامي يدّعي أنه يناضلُ من أجل أسلمة المجتمع ومن أجل الدفاع عن القرآن وإعلاء كلمة الله. 

أنا أسألُ وأنا أجيبُ، وأقول للاثنَين: مَن كلّفكُما بهذه المهمّة ومَن رشّحَكُما لهكذا دورٍ، الشعبُ أمْ الكُتُبُ، الواقعُ أم الوهمُ، الصدقُ أم الانتهازيةُ ؟ 

لا ماركس رشّح الأول ولا الله وكّلَ الثاني !  

ماركس قال للمناضل الأول: "العمال يحرّرون أنفسَهم بأنفسِهم دون وصايةٍ من أحدٍ"، وقال عن هذا المثقف الذي يسمّي نفسَه مناضلاً ووصفه بأنه "بورجوازي صغير متسلّق متملّق انتهازي".

والله قال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ"، وكلمة الله عالية رغم أنفي وأنفك وأنوف الجميع، أيها الغِرُّ الدَّعِيُّ ! وأنتم مَن أنتم ؟ وقال لك أنت أيها الداعيةُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، وعن ادِّعائك الدفاعَ عن القرآن قال: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". 

أما أنا فأقول للأول: تناضلُ من أجل مَن ؟ مِن أجل طبقةٍ بروليتاريةٍ، طبقةٍ غير موجودةٍ في تونس إلا في الكتبِ التي تقرؤها، لأن الطبقة تُحدَّدُ بوعيها الطبقي لا بوجودها المادي، ومجنونٌ مَن يحلمُ بدولةٍ شيوعيةٍ في مجتمعٍ مسلمٍ. حكام الاتحاد السوفياتي البائد كانوا "أشطرَ" منك مليون مرّة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعًا ومُدَوّياً بعد 70 عامَا من المحاولات الديكتاتورية الدموية، والدليل القاطع على وجاهة طرحِي هو التالي: خَمْسُ دول إسلامية خرجت من رحم دولة الاتحاد السوفياتي الملحدة رسميًّا (كازخستان، تركمانستان، أوزباكستان، قرغيستان، وطاجيكستان ومجموع سكانها مجتمعة يبلغ حوالي 60 مليون مسلم). 

وأقول للثاني: "على مَن تقرأ زابورك يا داعية، أتريدُ أن تُأسلِمَ مجتمعًا مسلمًا منذ 14 قرنًا، ça va la tête". ثم أنْهِي مخاطبًا الاثنين: الله يهدينا ويهديكم !

إمضائي

كل صباحٍ، يوقُظني باكرًا وخزُ ألمِ الظهرِ، أسْرِعُ إلى المقهى والله فرِحٌ مسرورٌ بمواصلة قراءة كتابِ الأمسِ. أغلِقُ الكتابْ بمجرّد قدوم الأحبابْ. بعد ساعتين، أسرِعُ إلى حاسوبي المنزلي والله فرِحٌ مسرورٌ أيضاً، فرِحٌ مسرورٌ بكتابة ما أوحاهُ إليَّ المجلسُ أو الكتابُ. يتجدّدُ فَرَحِي وسرورِي كل يومٍ مرتين ومعه تتجدّدُ متعتي الفكرية.

حمام الشط، الثلاثاء 14 أوت 2018.


 

رسالةٌ مفتوحةٌ مُطوّلةٌ موجهةٌ إلى مناضلٍ تونسيٍّ يساري لم تلِدْهُ أمُّهُ بعدُ ! جزء 1


أحب فيك هذا الصمود والشموخ خلال كامل حياتك دون رَخٍّ أو تواطئٍ أو تنازلٍ رغم الألف جزرة التي حاول الانتهازيون إغراءك بها لتتخلى عن مبادئك وتصبح مثلهم مُرتدًّا. هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم وقيَمهم لِـ"بن علي" وزبانيّته مقابل ِجزرةٍ واحدةٍ لا غير، واليوم يُنكِرون رُخْصَهُمُ عندما عُرِف الثمن. بقيتَ وحدك غير قابلٍ للارتشاء خاصة في عهد المخلوع عندما ساوموك بالتمتع بحريتك مقابل التخلي عن ثوابتك أو العكس. ضَحَّيْتَ بحريتك وحافظتَ على مبادئك. لا انحناءْ والرخْ لا، ولا تسوية مع الطغيان ولا حل وسط مع الشيطان: لم يمسسك الفشل وتمسكتَ بخيطٍ رقيقٍ عنوانه الأمل. 

اليوم وبعد تحرُّرِ الإعلام، لا أخفيك - سَيِّدي وتاج رأسي - تَفشِّي التعاطف السخيف مع الموهوبين في فن النفاق و"قلبان الفيستة". لقد أصبحتْ بلاغةُ الحرباء تُثيرُ إعجابَ المتفرّجين والسامعين في برامج التافهين والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، وفيهم (السامعين) مَن يرى في هؤلاء الإعلاميين موهبة نادرة وفيما ينتجون إبداعًا، لا بل عبقريّةً. أما مَن صمدوا ضد الديكتاتورية فهم في نظر المواطنين العاديين مُدْمِنِي معارضة لا يستحقون إعجابًا بل يجلبون السخط والسخرية، لا بل يقولون عنهم أنهم يعطلون مسيرة الانتقال الديمقراطي بوقوفهم ضد قانون المصالحة مع الفاسدين المستبدين السابقين في العهد البائد فأصبحت قيمة الإخلاص عندهم محل شك في الوقت الذي علا فيه شأن المتملقين الباحثين بجشعٍ ولهفةٍ عن مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. أما أنتَ فقد اخترتَ الطريق الأصعب وتخليتَ عن أنانيتك منذ نعومة أظافرك وفي شبابك اطلعتَ على الماركسية وتركتها دون رجعة وخيّرتَ التماهي مع مجتمعك التونسي وتكلمتَ بمنطقه ونطقتَ بلسانه (المجتمع) فتصالحتَ مع هُويتك العربية الإسلامية وكرّستَ جهدك لخدمة الغير ولم تأخذ من نصيبك في الدنيا إلا ما يسد رمقك ورمق عائلتك الضيقة.. يُتبع...

ملاحظة: للأمانة العلمية، نصٌّ مستوحَى من كتاب:

Michel Onfray, Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset, 1997

إمضائي

وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

حمام الشط، الاثنين 22 ماي 2017.

 

رسالةٌ مفتوحةٌ مُطوّلةٌ موجهةٌ إلى مناضلٍ تونسيٍّ يساري لم تلِدْهُ أمُّهُ بعدُ ! جزء 2


رفاقك خانوكَ وفضّلوا المالَ والأمانَ والجُبنَ على الصدقِ والأمانةِ والنضالِ، وتراهم اليوم يزايدون عليك بثورِيتهم المغشوشة وتَجَذُّرِهِم الماركسي المزيّف. رفاقك المنتمون إلى الأحزاب الستالينية والماوية، أحزابٌ متخفيةٌ وراء عنوان برّاق يُكَنَّى بالاشتراكية العلمية أو الماركسية اللينينية. العلوم التجريبية يا رفاقي تشتغل على الواقع المادي

 (Le réel ou  la matière) 

المرئي والمجهري (مثل البيولوجيا، الفيزياء، علم الوراثة، إلخ.)، والعلوم الصحيحة على الافتراضي

 (Le virtuel ou le conceptuel) 

(مثل الرياضيات، علوم الحاسوب، إلخ.). أفيقوا من أوهامكم وتخلوا عن تعاطي أفيونكم

 (« Le marxisme, c`est l'Opium des intellectuels », Raymond Aron, philosophe français de droite, 1955)

فالماركسية ليست عِلمًا تجريبيًّا ولا صحيحًا، هي فلسفةٌ لا غير، والأخيرةُ خيرٌ من الأولَى لو كنتم تعلمون ! 

والفلسفة لم تدّعِي يومًا أنها تملك الحقيقة أيها المُدَّعُون احتكار الحقيقة، والفلسفة لم تدّعِي يومًا أنها تملك البديلَ الجاهزَ أيها المُدَّعون أن لا بديلَ أفضل من بديلِكم.

الفلسفةُ توقٌ للحكمة ولم تدّعِي يومًا أنها الحكمة أيها "حكماء عصركم". الفلسفةُ بحثٌ متواصلٌ عن بديلٍ متحرّكٍ غير جاهزٍ وغير ثابتٍ. الفلسفة تواضعٌ أيها "المتكبّرون عن زمانكم". 

سأل برنار بيفو مرة الفيلسوفَ بول ريكور: "لأي شيء تصلُحُ الفلسفة ؟"، فأجابه: "لا تصلُحُ لِشيءٍ، أو تصلح  لِشيءٍ أقرب للصفر، لكن في الواقع هذا الشيء الأقرب للصفر قد يصبح كل الشيء أو الشيء كله". أيها الرفاق: تعلّموا إذن كل الشيء من اللاشيء، ولا تمشوا على الأرض مرحًا فأديمُ الأرض أبقَى وأفضل من أفضلكم لو كنتم تعقِلون !

رفاقك فضلوا المناصب والكراسي وركنوا إلى رَغَدِ العيشِ أو أسهله وانسلخوا من طبقة البورجوازية الصغيرة طمعًا في اللحاقِ بالكبيرة عوض الانضمام إلى الطبقة التي يدّعون أنهم طليعتُها ورأس حَرْبَتِها، أعنِي طبقة العمال.

كان بإمكانك - وأنتَ الوحيدُ عصرِه وزمانِه - أن تُطوِّعَ قلمَكَ وإبداعَكَ الخَطابِي لتلميعِ صورة المرشحين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتكسب من وراء موهبتِكَ أرباحًا طائلةً دون عناءٍ كبيرٍ. لكنك عاكستَ الفكر السائد وجدّفتَ ضد التيار الجارف، ورغم صِغرِ قارِبِكَ لم يجرِفكَ. الصغارُ فقط في هذا المستنقع يتألقون وأنتَ كبيرٌ كبيرْ.

حاصروكَ وضيقوا عليكَ سَجنًا ونَفيًا وإذلالاً وازدراءً واحتقارًا وتَهميشًا. دنّسوا شرفكَ وانتهكوا عِرضكَ، والأنكَى وأمرّ أن أعداءَ الإنسانيةِ وأعداءَكَ وبكل سهولة وجدوا مرتزقة متطوعين للقيام بهذه المهمة القذرة، وجدوهم وللأسفِ الشديدِ في صفوفِ أصدقاءِ شبابِكَ وأعزهم عليك، أصدقاءٌ أنتَ علمتهم فَكَّ أبجديات الفكر والثقافة والسياسة والنقابة. علّمتهم التفكيرَ الحرّ فكافؤوك بالغدرِ المُرّ ! 

صَدَقَ فيهم القولُ المأثورُ للشاعرِ أبو الطيّب المتنبي: "وإذا أتتك مذمّتِي من ناقصٍ...فهي الشهادةُ لي بأني كاملٌ". هم ناقصون أما أنت - ورغم إعجابي بكَ - فلستَ كاملاً لأن الكمالَ لله وحده لا يُشاركه فيه أحدٌ.

بعد الثورة كنتَ حصيفًا ونبيهًا ولم تنطلِ عليك كذبة الإنقاذِ في "جبهة الإنقاذ"، ولم تصدق قُطّاع الطرق ولا التصويت المفيد (Vote utile). صرختَ في وجوه الرفاق قائلاً: "يا طامع بالعسل مِن طبلة بوفِرزِزّو". رفاقكَ ليسوا بُلَهاء يا قُدْوتِي، كانوا ولا زالوا انتهازيينْ طمّاعينْ وسيبقونْ إلى يوم الدينْ.. يُتبَع... 

ملاحظة: للأمانة العلمية، نَصٌّ مُستوحَىمن كتاب:

Michel Onfray, Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset, 1997.

حمام الشط، الثلاثاء 23 ماي 2017.



رسالةٌ مفتوحةٌ مُطوّلةٌ موجهةٌ إلى مناضلٍ تونسيٍّ يساري لم تلِدْهُ أمُّهُ بعدُ! جزء 3


رفضتَ بشدة طلبَ العفو الرئاسي، على عكس ما فعل جل رفاقك. قضيتَ 43 عامًا و8 أشهر متنقلاً بين ستة سجون من رجيم معتوڤ بڤبلي إلى سجن الناظور ببنزرت. توحّد في قمعك الزعيم المستبد المثقف (بورڤيبة) والمافيوزي المستبد الجاهل (بن علي). لم يتركوا لك في حياتك السياسيّة إلا سبع سنوات من الحرية المشروطة تحت مراقبة دود الأرض وجراثيمه الضارّة، تخللها غصبًا عنهم جرعات من الأكسجين ضيفًا على بعض المنظمات غير الحكومية في الخارج. 

لا أقدر على مسك إعجابي بشخصكم، فرغم الإقامة الجبرية بمسقط رأسك في قرية صحراوية، وفي هذه السنوات القليلة من الحرية استطعتَ أن تُأسس مدرسةً للجدل الفكري، شعّت بتخريجها لثلة من المناضلين المدافعين على الفكر اليساري العَلماني العقلاني الديمقراطي التحرري غير الليبرالي، مناضلون نشيطون انتشروا في كل ربوع تونس ، بعيدًا عن التقوقع الإيديولوجي المَقيت، رافضون لعقلية استعداء أواستئصال الفكر الديني المغاير، أعني به فكر أمك وأبيك وأخيك وأصدقاء شبابك وطفولتك، فكرٌ لا يخلو من الجمع بين الروحانيات والتنوير. إنجازٌ عظيمٌ لم ينجزه في تونس قبلك أحدٌ غيرك. وبهذا الإنجاز نِلتَ إعجابَ خصومك من النهضاويين قبل حلفائك من اليساريين غير الماركسيين. 

عمركَ تجاوز اليوم 80 سنة، وبإمكاننا أن نقول أن سَجَّانِيكَ لم ينجحوا في كسرِ إصرارِك على النضالِ والعطاءِ لوجهِ اللهِ والإنسانِ أو خدشِ إيمانك القوي بـ"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". لم ينجحوا أيضًا في زحزحة تشبّثك بـ"الأممية" قيمةً نبيلةً عاليةً. طيلة نصف قرنٍ من الحياة النشيطة سياسيًّا بقيتَ نقيًّا ولم تنزل إلى مستنقع العنصرية السخيفة أوالتعصب بجميع تلويناته، الدينية منها والعرقية والقومية والمذهبية والطائفية، وكان يؤلمك أشد إيلامٍ قتلُ طِفلٍ يهودي بنفس الدرجة التي يؤلمك فيها قتلُ طِفلٍ فَلسطيني، لا فرق عندك بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى 

La Vertu, rien d`autre que la vertu. 

جعلوا منك دون قصدٍ منهم بطلاً أسطوريًّا عابرًا للأنظمة الديكتاتورية المتتالية وكأنها قَدَرٌ على شعبنا بتونس الحبيبة. كنتَ في سجنِك مقيّدًا مسلسلا، لكنك كنتَ تبث فينا، نحن السجناء خارج الأسوار، طاقةً نوويةً مُشبعةً أملاً في مستقبلٍ أفضلَ، طاقةٌ ملأتْ قلوبَنا بِحبِّ البشرٍ كل البشرِ في كل العالم، وكنت دومًا تردد "تونس وهُويتها الأمازيغية-العربية-الإسلامية في القلب، لكن يبقى العالَمُ والفكرُ الإنسانِي دائمًا أغنَى وأوسعَ وأرحبَ وأرحمَ". فشلوا فشلاً ذريعًا في كبتِ صوتك الحالمِ الحُرِّ، وأخفقوا في كسْرِ إرادتك، ولم يفلحوا في تلويث سمعتك، طلبوا تدنيسَ شرفِكَ فلم يَظْفَروا إلا بتشويه سمعتهم.

ملاحظة: للأمانة العلمية، نَصٌّ مُستوحَىمن كتاب:

Michel Onfray, Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset, 1997.

حمام الشط، الخميس 25 ماي 2017.


سؤالٌ كبيرٌ أجابني عليه مفكرٌ كبيرٌ ؟


- السؤال الكبير:

لماذا كثُر الحديث على الفسادِ منذ ثلاثة عقودٍ خلتْ رغم أنه كان موجوداً وبنفس الكثافة قبل سنة 1989 ؟ 


- الجواب الكبير:

قرأتُ أخيراً كتاب "غرقُ الحضارات" لأمين معلوف فوجدتُ فيه الجواب الكافي والشافي.

سنة 1989، سنة سقوط جدار برلين أو سنة سقوط الشيوعية، هي سنة مِفصلية بامتياز (Année charnière par excellence). 

قبل هذا التاريخ كان الصراعُ على أشدّه بين مِنوالَين للتنمية، الرأسمالية والشيوعية (بالنسبة لي أنا كيساري غير ماركسي، لم أرَ خيراً لا في الأولى ولا في الثانية). 

بعد هذا التاريخ سادت الرأسمالية، تعولمت وتغوّلت ولم يعد الخلاف النظريّ عميقاً بين الإيديولوجيتَين الاثنتَين، بل أصبح تافهاً لأنه أصبح معركةً في فنجان أو صراعاً بين فاسدٍ وفاسدٍ وأيهما أفسدُ !


Ma source d’inspiration : Amin Maalouf, Le naufrage des civilisations, Grasset, 2019. 



 

قراءة الواقع من خلال النصوص المقدسة أو النصوص الإيديولوجية: هل هو الحل أو هو المشكل ؟


أبدأ بنظارات النصوص الإيديولوجية نصف الشفافة:

- أحزابنا اليسارية تقرأ واقعنا من خلال نصوص ماركسية وتصرّ على أنها تمثل طبقة البروليتاريا وتناضل ضد طبقة البورجوازية. يبدو لي أن واقعنا في تونس يقول العكس: لا يوجد في تونس طبقة بروليتارية أو طبقة بورجوازية بالمعنى الماركسي لمفهوم الطبقة. تُعرّف الطبقة بوعيها الطبقي، والوعي الطبقي عندنا مفقودٌ مفقودْ، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه.

- قيادة أحزابنا اليسارية ترى نفسَها الممثل الوحيد للبروليتاريا وترى نفسَها طليعتها المناضلة. يبدو لي أن واقعنا في تونس يقول العكس أيضًا: أولاً، تتألف هذه القيادة الموقرة من عناصر بورجوازية صغيرة لم تنسلخ بعدُ عن طبقتها الأصلية (الطبقة المتذبذبة بين انتمائها الفكري اليساري وانتمائها الطبقي البورجوازي الصغير)، وإن لم تحسم أمرها وتتخلى عن تطلعاتها البورجوازية الانتهازية، فلا رجاء ينتظره منها العمال. ثانيًا، عَجَبِي من أحزابٍ تدّعي أنها تمثل العمال، لا يصوّت لها جل أو كل العمال، بل يصوتون لخصمها الليبرالي بوجهيه المتحرر والمحافظ (النداء والنهضة) !

أنتقل إلى نظارات النصوص المقدسة نصف الشفافة أيضًا:

- نحن المسلمون نقرأ واقعنا من خلال نصوصنا المقدسة (القرآن والحديث، روعة النصّين تكمن في مثاليتهما، لذلك يستحيل تحقيق ما جاء فيهما من قِيمٍ سامية ونبيلة، مجهودُ لا يقدر عليه إلا الأنبياء والأولياء الصالحون من رواد التصوف) ونُصِرّ على أننا "خيرُ أمة أخرِجت للناس". 

يبدو لي أن الواقع التونسي يؤكد قولنا !: أنحنُ أفضلُ أمْ الأمم الأسكندنافية أفضلُ ؟ أنحنُ أتقَى أم المواطنون الأسكندنافيون أتقَى ؟ نردد خمسَ مراتٍ في اليوم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. أصَلاتُنا أم صلاة المتقين نقصد ؟

- علماؤنا وأئمتنا ودعاتنا يحاجّوننا يوميا بسيرة العُمَرَيْنِ رضي الله عنهما ولم يقلدهما في تاريخنا الإسلامي أحدٌ من سلاطيننا. قلدهما أخيرًا رئيس وزراء أسكندنافي عندما تنكر يومًا كاملاً في دورِ سائق تاكسي حتى يكتشف بنفسه رأي الرعية فيه.

- ننعتُ شهرَ رمضان بشهرِ التقوى ! أعطوني بربكم سلوكًا واحدًا من سلوكاتنا الرمضانية اليومية يدل على تقوى أو حتى نصف تقوى ؟ مَن لا يحمل نظاراتكم، لا يرَى في رمضانكم إلا التبذير والاحتكار والزيادة في الأسعار، ويرى أيضًا أن مَن يمارس هذا المنكر منكم بشكلٍ مريحْ لا تفوته صلاة واحدة من صلوات التراويحْ.

- وجب علينا أن نتقي الله في خلق الله، ولا نكلف نفسًا إلا وسعها، ولا نزكي بين الأمم بالوهمِ أمتنا، ولا نتباهى بما ليس فينا، قرآننا وسُنّة نبينا. لِننزع نظاراتنا ونفتح واسعًا أعيننا على واقعنا المتخلف جدا، والله لَهُوَ أسوأ من واقع أمَمِ ما قبل الإسلام. 

- نظاراتنا تصف لنا واقعًا غير واقعِنا. أعَلَى الله أم على أنفسنا نكذب ؟ "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، هذه الآية نزلت للعالَمين وطبقها الأسكندنافيون. أما نحن مسلمو اليوم، أنتجنا دواعشَ كواسِرَ جوارِحَ تفسد في الأرض وتقتل الناس جميعًا. "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وهل فينا مؤمنون ؟ حديث لم يُطبق في التاريخ البشري إلا من قِبلِ الرسلِ والأولياء الصالحين أو بعض المنظمات العالمية غير الحكومية أو بعض الزعماء من غير بلاد المسلمين مثل غاندي ومانديلا.

- المفروض حسب رأيي القاسي جدا قسوة الطبيب الجرّاح، المفروض نؤنب ضمائرنا النائمة بعد كل صلاة علها تستفيق من سباتها الطويل، ومَن لم يستفق ضميره منا بعد خمسِ صلوات في اليوم طيلة ثمانية قرون (1200م - 2000م) فلا حياة لمن تنادي ولنترك الإسلام للعالمين من غير المسلمين، لعلهم من قِيمه السمحة أفضل منا يستفيدون، ويأتوننا يومًا فاتحون، فنصبح بفضل الله وفضلهم حقًّا مسلمين.

حمام الشط، السبت 12 نوفمبر 2016.

أطالبُ بحل كل الأحزاب الماركسية


- ماذا تقصد بـالماركسية ؟

- أقصد بها 

Le modèle marxiste politique pure et dure qui a été pratiqué par Lénine, Staline et Mao.

والذي ينص تنظيرًا وتطبيقًا على: 

- إلغاء الديمقراطية البورجوازية التمثيلية لمونتسكيو (أنا معهم).

- إلغاء الديمقراطية الشعبية المباشرة أو التشاركية لروسّو (أنا ضدهم). 

- إلغاء المِلكية الخاصة (أنا مع إلغاء الملكية الكبيرة المرتكزة على استغلال العامل المنتج واستلاب المستهلك، والحفاظ على الملكية العائلية الحِرفِيّة الصغيرة الخالية من استغلال البشر للبشر مثل صغار الفلاحين والتجار والحِرَفِيين).

أما الباقي الآتي كله فأنا ضده: 

- إلغاء الدولة (كجهاز قمع في يد طبقة ضد طبقة أخرى) تدريجيًّا عند لينين فقط. 

- التربية على الإلحاد ومنع التربية الدينية. 

- إلغاء التعددية الحزبية. 

- إلغاء التداول السلمي على السلطة بين الفرقاء السياسيين. 

- إلغاء حرية الصحافة. 

- تركيز الديمقراطية المركزية (من القمة إلى القاعدة - عارضتْ فكرتَه - لينين - في حينها المُنظِّرة الماركسية الألمانية العظيمة روزا لوكسمبورغ، ولهذا السبب أحبها). 

- تركيز ديكتاتورية طبقة البروليتاريا على باقي الطبقات (بقيت شعارًا ولم يطبقها أي زعيم من الثلاثة بل طبقوا مكانها ديكتاتورية قيادة الحزب الشيوعي الأوحد، لقد مارست الأحزاب الماركسية ديكتاتوريتَه على قواعدها نفسها وعلى كل الطبقات الأخرى بما فيهم طبقة البروليتاريا التي انتحلوا صِفتَها وسَرَقوا شرعيتَها وحَكَموا انتهازيًّا باسمها، المسكينة المُهانة والمضطهدة في دول أوروبا الشرقية الاشتراكية أكثر ألف مرة من نظيراتها في دول أوروبا الغربية الرأسمالية الليبرالية).

- وهل كل هذا الهَمْ الجائر من الممنوعات أو الكمْ الهائل من الإلغاءات موجودٌ بالفعل في أحزابنا التونسية الماركسية ؟ 

- لا طبعًا، ليس موجودًا بالفعل لكنه موجودٌ بالقوة (en puissance)، أي في أمخاخِ منتسبِيها، وإلا لماذا لا يتخلون عن "الماركسية" علنًا كما فعلتُ أنا وفَعَلَ جُلُّ المثقفين اليساريين في العالَم ؟ المصيبة أن أحزابنا يتبنّون فكريًّا شعارات الماركسية وهم دون الزعماء الثلاثة شجاعة وجرأة وإقدامًا، يتبنّون ويتبنّنون لكنهم لا يجنون من ورائها إلا الفاصل وراء الفاصل بعد الصفر.

- أوَ تسخر من ستالين الذي هزم هتلر وأنشأ المصانع والجامعات والطرقات ؟

- لا، أنا أسخر منكم أنتم.

- تمجّده إذن ؟

- محمد كشكار يمجّد ستالين ؟ أعوذ بالله، لم أمجّده في شبابي وأنا يساري ماركسي فكيف أمجّده الآن وأنا يساري غير ماركسي ؟ لا.. لا.. لا أمجّده بل أذَكِّرُ فقط بإنجازاته الاقتصادية العظيمة.

- وهل هنالك فرق بين التمجيد وذكر الإنجازات العظيمة ؟

- نعم، هنالك فرق، لو كانت الإنجازات الاقتصادية تُغني عن الحرية المفقودة في عهده، لَما لُعِن هذا الستالينْ، عوض المرة مرتينْ، في بلده الأصلي وفي البلدان أجمعينْ.

- فهِّمنا يا سيدي.. لكن لا تنسى أن اليسار فكرة، والفكرة أكبر من التجربة ولا تسقط بسقوط جدار في برلين عام 1989.

- صَحيح.. وما دام اليسار فكرة كما تدّعون وأنا بالفكرة أولى من أحزابكم، فالفكرة لا تُسجَن في حزب أو حزبين، خاصة في مثل أحزابكم التعيسة، الأتعس من "مقهى الشيحي التعيسة التي لم تعد تعيسة"، والفكرة أيضًا لا يمكن أن تروم القعود في أمخاخٍ منغلقة كالتي تحملونها فوق أكتافكم. الفكرة حرة أو لا تكون، واليسار قِيمٌ تضامنية أو لا يكون، قِيمٌ تجسمت جزئيًّا في الدول الرأسمالية أكثر من تَجَسُّمِها في الدول الشيوعية، قِيمٌ نجدها في "صندوق الضمان الاجتماعي الفرنسي" (La sécurité sociale)، في شركة سككها الحديدية، في تعليمها العمومي والمجاني، في اقتصادها الاجتماعي التضامني (12% من مجموع الاقتصاد الفرنسي). قد نجدها أيضًا عند نهضاوي أو قومي أو مستقل، عضو بـ"جمعية حماية واحات جمنة"، أو عضو بـ"جمعية إيثار الخيرية بجمنة"، أكثر مما نجدها عند طبيب أو عند محامٍ عضو من أعضاء أحزابكم، الأول يتاجر بحاجة مواطن فقير للعلاج، والثاني بحاجته للعدالة. أحزابُكم أقفاصٌ من خشبْ، والفكرة عصفور من ذهبْ، والعصفور لا يُسجَن في قفصٍ، من خشبٍ كان أو ألماسٍ أو ذهبْ ! 

حمام الشط في 8 أكتوبر 2019.

لماذا لستُ ماركسيًّا ولا قوميًّا ولا إسلاميًّا، وكيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية ؟


1. لماذا لستُ ماركسيًّا ؟

لستُ ماركسيًّا لأنني:

- لا أؤمن بديكتاتورية البروليتاريا ولا بالإلحاد ولا بالصراع الطبقي ولا بالمادية الجدلية ولا بالحتمية التاريخية ولا بالحزب الواحد ولا بالفصل بين تناقض رئيسي وآخر ثانوي ولا بالعنف الثوري ولا بالثورة البلشفية أو الصينية نموذجًا ولا بمفهوم الثورة كأداةٍ للتغيير الجذري أصلاً، لأن كل الثورات الشيوعية أتت للبشرية بديكتاتور وهُم للأسفِ الشديدِ كُثرُ مثل لينين، ستالين، ماو، كاسترو، شاو سيسكو، أنور خوجا، بول بوت، إلخ.

- لا أعتبر الماركسية نظرية علمية بل أعتبرها حلمًا جميلاً ما زلتُ أحلمه، ألا وهو زوال استغلال الإنسان للإنسان.

- لا أعتبر لينين فيلسوفًا بل أعتبره رجل دولة وديكتاتور دموي، هو وماو وستالين.

- أعتبر كل التجارب الشيوعية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (الاتحاد السوفياتي، دول أوروبا الشرقية، الصين، كوبا، ألبانيا، يوغسلافيا، كوريا الشمالية، ألمانيا الشرقية، إلخ.)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز.

ملاحظة هامة جدًّا: قبل نشر هذه الفقرة أعلاه حول نقد الماركسية، وليطمئنَّ قلبي، سألتُ فيلسوف حمام الشط، جليسي اليومي الماركسي حبيب بن حميدة، فاطمأنَّ قلبي والحمد لله !

2. لستُ قوميًّا:

- لستُ قوميًّا لأنني أؤمن بالأممية، وهي أرحب وأقرب لأنسنة الإنسان من العولمة الرأسمالية السائدة حاليًّا والمبنية على تفوق العنصر القومي الغربي المتعالي.

- الدولة القومية (l’Etat nation indépendant et souverain) ولّى زمانها وانتهى دورها التاريخي الاستعماري الدموي (النازية، الفاشية، الستالينية، الاستعمار الفرنسي والبريطاني)، وجاء دور التكتلات الإقليمية واتحادات الدول (أوروبا، أمريكا، روسيا، الهند) المبنية على مصالح الشعوب المشتركة وليس على العِرق أو اللغة أو الدين مثلما يعتقد القوميون العرب.

- أعتبر كل التجارب القومية العربية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (مصر، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز. 

3. لستُ إسلاميًّا:

- لستُ إسلاميًّا لأنني مسلمٌ علمانيٌّ، أؤمن بفصل الدين على عن السياسة وليس فصلَه عن الدولة والمجتمع، والمفارقة أنني أعتمد في موقفي هذا على آية قرآنية واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى مفسّرين، ألا وهي: "إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم".

- لا أؤمن بأن الرجوعَ للإسلامِ فيه كل الحل، بل أؤمن أنه جزءٌ من الحلْ، لا أكثر ولا أقلْ.

- لا أعتمد كثيرًا كلامَ الدعاة ولا كتابات علماء المسلمين وذلك لسبب علمي بحت: هؤلاء السلفيين، الذين يبدون في ثوب مجدّدين حداثيين، لا يوظفون العلوم الحديثة في تأويل القرآن والحديث، أقصد العلوم الحديثة التالية: الفيزياء، الجيولوجيا، البيولوجيا، الإبستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، البسيكولوجيا، الفيلولوجيا، الأركيولوجيا، السيميولوجيا، الألسنية، إلخ. 

- يبدو لي أن العقوبات البدنية (جلد، قطع اليد، إعدام) لم تعد صالحة لهذا الزمن، والمفارقة الثانية أنني أعتمد في موقفي هذا أيضًا على ما جاء في أواخر آيات الحدود من حَثٍّ على تجنبها ما أمكن ذلك ومن حسن حظنا كمسلمين أن القرآنَ نفسَه وفّر لنا بدائلَ أخرى أفضلَ، بدائلَ خاليةً من العنف البدني، بدائلَ أكثر رحمةً بالمذنب، كالعفو مثلاً: "وإن عفوتم فهو خيرٌ لكم".

4. كيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية ؟

- المفارقة أنني اكتسبتُ هذا التصالح من خلال قراءاتي الإسلامية باللغة الفرنسية وبعضها باللغة العربية (الفرنسية لغتي الأولى، والعربية لغتي الأم). لكن المفارقة تزول ولا تغدو مفارقة 

Le paradoxe n’est pas aussi paradoxal qu’il le parait.

عندما نكتشف السر: الكتابات الإسلامية باللغة الفرنسية، خلافًا للكتابات الإسلامية باللغة العربية، توظف العلوم الحديثة المذكورة أعلاه (علي شريعتي، هاشم صالح، محمد أركون، هشام جعيّط، محمد الطالبي، يوسف الصديق، جاكلين الشابي، أمين معلوف، محمد حداد، عبد الله العروي، عبد المجيد الشرفي، ميشيل أونفري، إلخ).

- قبل عصر الحداثة وقبل سقوط غرناطة وقبل عصور انحطاط الحضارة العربية-الإسلامية وقبل القطيعة مع الفلسفة الإغريقية العقلانية، أي قبل القرن 15 ميلادي: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة المسيحية لوجدنا أن الأولى أقل ظلمًا وأقل دموية وأقل احتلالاً للبادان وأكثر مساواة وأكثر عدلا وأكثر تسامحًا مع اليهود. ولو أن المقارنة، أخلاقيًّا لا تغسل أيدينا من دماء ضحايانا، حتى ولو كانوا أقل عددًا. أليس ديننا وقرآننا هو القائل: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". 

"وشهد شاهدٌ من أهلها": أمين معلوف، المفكر-الروائي، عضو الأكاديمية الفرنسية منذ 2011، الفرنسي-العربي-االلبناني-المسيحي، قال: "عشنا 14 قرنًا في ظل الحضارة العربية-الإسلامية، ولم يمسَسْنا أيُّ سوءٍ في كنيستنا ولا في عرضننا ولا في مالنا"، وقال أيضًا: "في القرن 19م، كان ثلثَيْ سكان مدينة اسطنبول، عاصمة الخلافة الإسلامية، غير مسلمين، وكانوا يعيشون في سلامٍ وتسامحٍ ووئامٍ مع المسلمين"، وأضافَ: "لو فتحتَ دفاتر التراث الإسلامي، فلن تجد للإرهاب الداعشي دعامة ولا سابقة، لكنك لو فتحتَ دفاتر الحداثة (القومية الغربية الاستعمارية والشيوعية الشمولية) لوجدت عوض الدعامة الواحدة دعامات وعوض السابقة الواحدة سابقات كثيرات.

- بعد الحداثة (بعد القرن 15م) أي أثناء عصور الانحطاط الحضارة العربية-الإسلامية حدثت القطيعة النهائية مع الفلسفة الإغريقية العقلانية وأحرِقت كتب الفيلسوف المسلم العقلاني ابن رشد. تزامن هذا العصر العربي المنحط مع بداية النهضة الأوروبية وبداية تشكل أمريكا البيضاء. عصر الحداثة تمثل في تغوّل الغرب وهيمنته على الشرق بقوة السلاح والعلم والتكنولوجيا: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة الغربية لوجدنا أن الأولى أقل ضررًا بالإنسانية وأقل تلويثًا للبيئة. "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم": المفرِح أو المحزِن، لا أعرف ؟ كنا كذلك وما زلنا كذلك أقل ضررًا بالإنسانية ,أكثر ضررًا بأنفسنا، للأسف ليس عن وعي بل بسبب تخلفنا الصناعي والعلمي والتكنولوجي ولانعدام وسيلتنا، "رُبّ ضارّة نافعة"، ولو خيّروني بين "التخلف مع عدم إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة" و"التقدم مع إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة"، لفضّلتُ، ودون تردّدٍ، الأول عن الثاني، حفاظًا واحترامًا لكياني الإنساني، لا فرق عندي بين عربي وصيني وألماني.

حمام الشط في 14 ديسمبر2019.

نقولُها بوضوحٍ: ماركس لم يحبَّ يومًا في حياتِه الفقراءَ ولم يُدافعْ عنهم أبدًا ! تأليف الفيلسوف اليساري الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري، ترجمة مواطن العالم دون أدنَى إضافةٍ أو تعليقٍ


"وكان يكرهُ أيضًا الفَلاّحِين والريفيين والعمال الفِلاحِيّين. في كل أعماله، كان يُمجّدُ عمالَ المصانع في المُدُنِ والبروليتاري كان معبودَهُ، والأفضلُ فيهم لديه هو الطلائعيُّ المتنوِّرُ أو بعبارة أخرى العاملُ الماركسيُّ، أما هذه الحثالة شبه البروليتارية فلا مكان لها في السياسة، فهي النفايةُ، الشيءُ المنبوذُ، إفرازُ النظامِ السياسيِّ  أو تضاريسُه سيئة الهضم، هي قذارةُ الطيورِ المُزَقَّمَةِ."

Référence: Michel Onfray, La lueur des orages désirés, Éd. Grasset, 2007, p. 107

حمام الشط، الثلاثاء 21 نوفمبر 2017.

الثورات الحقيقية الثلاث في التاريخ ؟ ميشيل سارّ، ترجمة مواطن العالَم


أول ثورة، الكتابة (حوالي ألف عام ق.م أو أكثر). منتجاتها: المدينة، القانون، الدولة، الحضارات، الأنبياء، الديانات الكتابية التوحيدية، البيداغوجيا، العلوم المجرّدة، العُملة.

ثاني ثورة، الطباعة (1500 بـ.م). منتجاتها: التجارة العالمية، البنوك، الصكوك، الرأسمالية، العلوم التجريبية، أزمة الدين (البروتستانتية: لا للبابا وإنجيله)، الديمقراطية.

ثالث ثورة، الحاسوب-القرن 20. منتجاتها: فضاء آخر بمعاييرَ جديدةٍ، ثورة المعلومات، تعميم العولمة، العُملة الافتراضية، أزمة عِلم وتعليم ودين. 


المصدر: الفيلسوف العظيم، المرحوم ميشيل سارّ، رضي الله عنه.

Première révolution :

Couplage entre le support (le corps humain) et le message (le papier), mille ans avant J-Ch, invention de l`écriture et transformation totale de la culture. Les filles de l`écriture : ville, droit, état, monnaie, prophètes, les religions de l`écriture, monothéisme, nos civilisations, pédagogie, sciences. 

Deuxième révolution :

Deux mille ans et demi après la première (XVè S ap. J-Ch) l`invention de l`imprimerie au XVe S. Les filles de l’imprimerie : mondialisation, chèque, banque, crise de la religion (protestantisme : pas de pape et a chacun sa bible imprimée), démocratie, les élections.

Troisième révolution :

500 ans après la deuxième (XXè S ap. J-Ch), invention de l`ordinateur. Les filles de l’ordinateur : mondialisation généralisée, monnaie volatile, flux d`informations, crises de la science, de l`enseignement et des religions.

حمام الشط في 24 ماي  2020.








3

نقد الإسلاميين

الإسلاميون أضلتهم نظرية المؤامرة على الإسلام من قبل الغرب "الكافر" والعلمانية العربية فـ

Ils ont jeté le bébé avec l’eau du bain


واقع: المسلمون يخضعون لنمط العيش الغربي.

افتراضي: المسلمون يمجدون نمط العيش الإسلامي.

نتيجة: تركوا إسلامهم وهم يتوهمون أنهم أحيوه.


بصدق لا أفهم لماذا لا يقبل الإسلاميون استعمال مفهوم "الإسلام السياسي". أليس الإسلام دين ودولة وما هي الدولة إن لم تكن السياسة بعينها.

حسب اجتهادي، ما معنى كلمة "إسلامي" ؟

هو المسلم الذي يشتغل في المجال السياسي بمرجعية إسلامية وينتمي إلى حزب سياسي تابع لتيار الإسلام السياسي.

حسب اجتهادي، ما الفرق بين مسلم وإسلامي ؟ الأول مواطن لا ينتمي إلى حزب سياسي والثاني مواطن ينتمي إلى حزب ذي مرجعية إسلامية.

حسب اجتهادي، ما الفرق بين الإسلام والإسلام السياسي ؟ الأول يضم كل المسلمين منتمين وغير منتمين والثاني يضم المنتمين لا غير.

بعض الإسلاميين ومنهم الغنوشي يفضلون تسمية "الإسلام الديمقراطي" أسوة بـ"المسيحية الديمقراطية"، والديمقراطية أليست سياسة هي أيضًا.


Paradoxal

تصالحي مع حضارتي الإسلامية اكتسبته من مفكرين غير مسلمين

Albert Jacquard, M Onfray, E Morin, A Maalouf, Jacqueline Chebbi

Si on veut renaitre, il faut faire avec et contre notre patrimoine culturel et cultuel et non l’ignorer comme le préconisent les gauchistes

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن الذي يخالط الناس, ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".

الحوار: أتمنى على كل إسلامي تونسي أن يعتبر كل يساري تونسي مسلم بالقوة (en puissance) وعلى كل يساري أن يعتبر كل إسلامي يساري بالقوة.

أحاول أن أبني جسورًا بين الفكر اليساري الاجتماعي (غير-ماركسي) والفكر الإسلامي فمن غير اللائق أن يكفّرني إسلامي متعصّب !

أختلف مع الإسلاميين فكرا وسياسة وأنقدهم. لم ولن يرضى عليّ جل اليساريين حتى أتبع ملتهم في السب والإقصاء. لن أفعلها ولتذهبوا إلى...

أفضلُ تعريفٍ للدين قرأته في حياتي: "فأي طريق استُخرِج بها العدلُ فهي من الدين، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي" ابن قيم الجوزية


حزب حركة النهضة في تونس ؟


بتصريحاتها العنترية الأخيرة، يبدو لي أن النهضة بدأت تهدد أركانَ إنجازِها السياسي (Le ton comminatoire de la Nahdha)! مواطن العالَم

ما هي التصريحات العنترية الأخيرة للنهضة ؟ 

سوف أنقلُ الفكرة ولن أتقيّدَ حرفيًّا بالخطاب:

- راشد الغنوشي (سمعته وشاهدته في فيديو في الفيسبوك عند صديق يساري): النهضة حزب أساسي. تدخَّلْنا في تكوين حكومة الشاهد ووضعنا فيتو على الوزراء غير الصالحين.

- محمد بن سالم (سمعته وشاهدته في جلسة البرلمان التي زكّت وزراء الشاهد): لا تهتم يا سبسي فلن نُزيحَكَ من منصِبِكَ.

- نشيد بمناسبة مؤتمر النهضة في الحمامات (سمعته وشاهدته في فقرة "كاميرا حسام" في قناة التاسعة): سننتصر على كل الأحزاب.

النهضة - وهي جزءٌ مهمّ من السلطة خلال ثمان سنوات - نجحت على المستوى السياسي وبناء المؤسسات الديمقراطية لكنها فشلت على المستوى الاقتصادي وتوفير الخدمات الاجتماعية (للتذكير، انظر الملحَق تحت). يبدو لي أن النجاحَ السياسي لا يصمدُ أمام الفشل الاقتصادي وقد ينهارُ بين لحظةٍ وأخرى وقد تهزُّ النهضةَ ريحٌ فلا تجدُ جذورًا (إنجازات اقتصادية وخدماتية) تشدّها في مجتمعها التونسي باستثناء مناضليها المخلصين، ولنا أسوةٌ في الهزيمة الأخيرة المدوِّية التي مُنِيت بها الأحزاب الفرنسية العريقة (الديڤولية واليسارية) أمام الصعود المفاجئ لنجم ماكرون المُسنَد كالشاهد من قِبل الدوائر المالية العالمية. الشاهد هو القويُّ بالوكالة إذن وليست النهضة. الشاهد يحتاج ظرفيًّا للنهضة وقد يلفظها كالنواة بعد امتصاصها لو وَجَدَ لها بديلا، فعلى النهضة إذن ألا تخطئ في تقدير مؤهلاتها وتمسك نفسها عن التباهى بقوة حليفها الكمبرادوري التابع. من المستحيل أن تكون النهضة للشاهدِ بديلاً لدى الدوائر المالية العالمية الصهيو-مسيحية، والآية الكريمة تؤكد استشرافي "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، اللهم إذا انسلخت النهضة من جلدها الإسلامي واستبدلته كالشاهد بجلدٍ وَرْدِيٍّ مستورَدٍ كمبرادوريٍّ تابعٍ.

مُلحقٌ نقلٌا عن جريدة لوموند ديبلوماتيك، نوفمبر 2018:

1. فيما فشلت النهضة؟ 

- لم تنجح في إيجاد حلول اجتماعية واقتصادية مهمة واكتفت بتوزيع الوعود السرابية مثلها مثل النظام البائد الذي عارضته طيلة 40 سنة (1970-2010): الفقرُ زادَ، البطالة تفاقمت، التعليم العمومي اهترأ، الفساد أصبح مرضًا مزمنًا.

- النهضة لا تملك أي تصور لمنوال تنموي بديل عن المنوال الليبرالي المتوحش فهي إذن فاقدة لأي رؤية لدور الدولة في إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي.

- بيّنت بالمكشوف أنها لا تختلف عن الأحزاب الأخرى وانغمست في التجاذبات السياسوية: تحالفت مع مَن اعترف علنًا بأنه دلّس الانتخابات، التجمعيين.

- لم تحقق العدالة الانتقالية بل قالت لجلاديها "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ونسيت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قالها كان في موقف قوة أما هي فتستظل اليوم بظل مَن خانها وقمعها وسجنها وعذبها وشرّدها ونفاها ويتّم أولادها.

- النهضة مرّت من المعارضة إلى الحكم ومِن السجون إلى القصور (باردو والقصبة) والسياسة التونسية لم تتغيّر وما زالت الدولة التونسية تنفّذ مكرهة سياسات صندوق النقد الدولي. أصبحت النهضة النسخة الحلال للنظام البائد.

- دخلت في أحلاف خارجية مع تركيا وقطر ضد السعودية والإمارات مما ألحق ضررًا فادحًا باستقلالية السياسة الخارجية التونسية وجرّتنا جرًّا إلى التبعية الإيديولوجية والولاء للخارج، شرّانٍ نحن في غِنًى عنهما. 

2. فيما نجحت النهضة؟ 

- استفادت من ضمور اليسار التونسي، خصمها الإيديولوجي اللدود، وانحسارِه الناتج عن انهيار الشيوعية في العالَم وسقوط جدار برلين سنة 1989.

- النهضة تلميذة نجيبة، تعلمت من أخطاء أخواتها في الجزائر ومصر وتخلت سلميًّا عن السلطة وسلّمتها إلى خصومها السياسيين دون انقلاب ولا حتى انتخابات وهو النجاح الوحيد ذو قيمة الذي يُنسَب لها دون منازع. 

- شاركتْ في تونس في محاربة الإرهاب الجهادي رغم أنها متهمة بتشجيعه في سوريا. 

- ساهمت في إنجاح المسار الديمقراطي على الأقل في المستوى السياسي.

- أكدت أن لا سلطة فوق سلطة الصندوق مثلها مثل الأحزاب المسيحية الغربية وصرّحت أن القرآن مقدّس لكن تأويلَه وتطبيقَه بشريّان، تأويلٌ وتطبيقٌ يخضعان للنقد والأخذ والرد مما يُتيح تشريك الجميع ولا رهبنة في الإسلام. وهذا الحوار بين المقدّس والمدنّس، الربّاني والإنساني، هو الذي يحقق التفاعل بين أطراف ثنائية الدين والسياسة في الإسلام ويخرجنا من دائرة التمسّك بأفضلية الأول على الثاني ويساعد على التخلص من سيطرة تجار الدين ويجنّبنا الحرب الأهلية بين الإسلاميين والعَلمانيين. حوارٌ يحرّرنا من إرث الثورة الدينية الإيرانية ويبشّرنا بموت ربيع الإسلام السياسي وانبثاق فجر الإسلام الديمقراطي.

إمضائي 

أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه !

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 20 نوفمبر 2018.

 



حريةِ التعبيرِ والنشر في القرآنِ الكريمِ، مَنَحَها اللهُ حتى للشيطانِ الرجيم ! مواطن العالَم 


يبدو لي أن حل المشاكل الناتجة عن حرية التعبير يتمثل في مزيد من حرية التعبير وليس في الحد منها بأي شكل من الأشكال، لكن على شرط أن نسعى للعمل بالقيمة الأخلاقية التالية: "على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي، وعلى كل سلوك غير حضاري، نرد بسلوك حضاري، لا بالإقصاء أو العقاب أو التهميش". 

يبدو لي أن أول وأكبر مَن مسّ بالمقدسات وتحدّى الله سبحانه وتعالى، هو الشيطان الرجيم، وبالرغم من ذلك أوصل لنا الله في قرآنه الكريم كل ردود الشيطان وألفاظ عصيانه، آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، أمرنا الله أن نقرأها، نتعظ بها، ونرتّلها  بُكرةً وأصيلا. 

أيها المسلمون، ألا تتعظون وتستفيدون من فائض الحرية دون سقفٍ، فائض منحه رب العالمين لأكبر معارضيه، الشيطان الرجيم، لعنة الله عليه. لم يحجب الله عنّا حُجَجَ أكبر معارضيه وكان في مقدوره حَجْبُ الشيطان نفسه من الوجود تمامًا. 

أيها المنتمون للأحزاب، آهٍ لو اقتديتم في إعلامكم بفائض حرية التعبيروالنشر في القرآن الكريم، لَكنتم فعلتم الآتي:

- حزب "النهضة" يخصص في جريدته الحزبية اليومية صفحة لليساريّين يكتبون فيها ما يشاءون ويَخُطُّون فيها ما يريدون من نقد وانتقاد لسياسة النهضة وإيديولوجيتها.

- حزب العمال يخصص في جريدته الحزبية اليومية صفحة للنهضاويّين يكتبون فيها ما يشاءون ويَخُطُّون فيها ما يريدون من نقد وانتقاد لسياسة حزب العمال وإيديولوجيته.

- هذا السلوك الحضاري قد يجعل الحزبَين يتفاعلان ويتعارفان، ومن تفاعلهما وتعارُفهما قد ينبثق تقارُبٌ، وتُشيّدُ جسورٌ، ويُبنَى تفاهمٌ غير مألوفٍ في السابق، وقد يستفيد المتنافسان وربما يتحالفان ويلتفتان للفِعل والبِناء، ونرتاحُ نحن، الشعب المفعول به، من شغبِهما وصخبِهما الفارغَين.

خاتمة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:  "رحم الله امرَأً أهدى إلي عيوبي". وقال أيضًا: "انصحوا الناسَ بِصمتٍ". قالوا: "كيف يا عمر ؟". قال: "بأخلاقِكم !".

إمضائي

"أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ

La rectitude morale et la spiritualité à l`echelle individuelle" 

محمد كشكار

"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

حمام الشط في 4 أوت 2012.




تعليق حول القانون المحتمل "تجريم المسّ بالمقدسات"


كلمة رجاء بن سلامة:

جريمة أخرى ضدّ الفكر الحرّ وضدّ حرّيّة التعبير وحرّيّة المعتقد تريد كتلة حزب النّهضة تمريرها. هذا التّجريم الذي أرادت كتلة النهضة فرضه في الدّستور، تعود الآن لتقترحه في شكل تحوير للمجلّة الجزائية. تقترح خطية مالية بألفي دينار وسنتين سجنا لمن "يمسّ بالمقدّسات"، وتعدّد مظاهر المسّ التي منها "الاستنقاص".

هذا القانون سيمكّن النهضة من وضع نصف المفكّرين الأحرار والمؤرخين والأدباء والفنانين في السّجون، وسيمكّنها من حرق كتب التراث: الأدب والشّعر والتّصوف... 

الهوس لا حدّ له، والتجارب القديمة والمعاصرة تدلّ على ذلك. لن نقبل بأي قانون يتنافى مع قيم حقوق الإنسان، ويرجعنا إلى الخلف، لا إلى عهد بن علي، بل إلى عهود سحيقة كان فيها المفكرون والشعراء يلاحَقون بتهمة الزندقة، ولأسباب سياسية.

لنتظاهر ضدّ هذا القانون يوم 5 أوت، ويوم 13 أوت ولتنظّم وقفة احتجاجية يوم عرض هذا القانون الظّلاميّ.

تعليق مواطن العالم:

يبدو لي أن حل مشكلة حرية التعبير يتمثل في مزيد من حرية التعبير وليس في الحد منها بأي شكل من الأشكال لكن على شرط "على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي وعلى كل سلوك غير حضاري، نرد بسلوك حضاري لا بالإقصاء أو العقاب أو التهميش". وأفضل رد عندي على القانون المحتمل المتمثل في تجريم المس بالمقدسات هو تعليق الفيلسوف يوسف الصديق بعد أحداث المظاهرات العربية والإسلامية احتجاجا على مصور هولندي صوّر كاريكاتور للرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، استشهد يوسف الصديق بالقرآن الكريم قائلا: "فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وأثبت التاريخ فعلا أن الزبد ذهب جفاء ولم يمكث في الأرض إلا ما ينفعها. وأضيف مجتهدًا وأعرف أنني قد لا أصيب، لذلك أكتفي بأجر المجتهد الذي يخطئ وأستعمل حقي الشرعي والعلمي في ارتكاب الخطأ: يبدو لي أن أول وأكبر مَن مسّ بالمقدسات وتحدى الله سبحانه وتعالى هو الشيطان الرجيم وبالرغم من ذلك أوصل الله لنا في قرآنه الكريم كل معارضات الشيطان وكلامه وأمرنا أن نقرأها في القرآن الكريم بكرة وأصيلا. ألا تتعظون أيها المسلمون وتستفيدون من فائض الحرية المعطَى من رب العالمين لأكبر معارضيه، الشيطان الرجيم، لعنة الله عليه. لم يحجب الله حجج أكبر معارضيه وكان في مقدوره حجب الشيطان نفسه من الوجود. لو اقتديتم بالقرآن الكريم يا حضرة بعض المتعاطفين مع حزب حركة النهضة لخصصتم في جريدتكم الحزبية اليومية صفحة أو صفحتين للمعارضة تكتب فيهما ما تشاء وتخط فيهما ما تريد من نقد وانتقاد لسياسة حزبكم. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:  "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي". يبدو لي أنه عليكم أن تشكرونا، أنتم معشر بعض النهضاويين، تشكرونا نحن، المفكرون المستقلون  المسالمون السلميون غير المنتمين،  المعارضون الدائمون للسلطة - قديما وحديثا ومستقبلا ومهما كانت مرجعية هذه السلطة ليبرالية دستورية أو تجمعية  أو وسطية أو يسارية ماركسية أو إسلامية إخوانية -  يبدو لي أنه عليكم أن  تطلبوا لنا الرحمة في صلواتكم الخمس والتراويح، جزاءً لنا على اجتهادنا في إبراز عيوبكم ما ظهر منها وما خفي، يبدو لي أنه عليكم أن تشجعونا على التفتيش عن عيوبكم صباحًا مساءً ويوم الأحد لنهديها لكم على طبق من ذهب كل يوم على صفحات الجرائد وفضاءات التلفزة والإذاعة وبالنسبة لي أنا، محمد كشكار، أنشرها في الفيسبوك والسلام على من اتبع الهدى، هدى العلم والإيمان مجتمعين مع بعضهما لأنه لا يتأنسن الأول إلا بقيم الثاني ولا يتفعل الثاني إلا بقيم الأول.

أواصل اجتهادي الشخصي المتواضع طامعا في عفو الله سبحانه وتعالى ومتظللا برحمته الواسعة، سعة السماوات والأرض ومستندا إلى الحديث الشريف للرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم "من اجتهد و أصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد" ومستلهما من قول عبد المطلب بن هاشم،  جد الرسول عليه الصلاة والسلام، متوجها إلى أبرهة الحبشي سنة الفيل: "أنا أحمي إبلي وإن للكعبة رب يحميها" ومستأنسا بقولة الفيلسوف التونسي الإسلامي النهضاوي غير المنتمي، أبو يعرب المرزوقي "وللشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي ووجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه الثاني لأن عندما يكبر الوازع الذاتي التربوي الأخلاقي تنقص الحاجة للوازع الخارجي الردعي" وأنتهي إلى خلاصة قولي التالية: لو أسسنا وطوّرنا تعليما جيدا مبنيا على القيم العلمية الإنسانية النبيلة وطعّمناه بالقيم الإسلامية السمحة وتماهينا مع تقاليد وقيم مجتمعنا التونسي المسلم المتسامحة جدا لاستغنينا عن سَنّ مثل هذه القوانين الردعية "القانون المحتمل لتجريم مسّ المقدسات" ولانقرضت مثل هذه المشاكل بطبيعتها نتيجة مزيد من العلم والتعلّم والحرية والتسامح وترْك ما لله لله، فهو يمهل ولا يهمل وقد أرجأ - لحكمة لا يعلمها إلا هو - محاسبة عباده العصاة أو الضالين إلى يوم القيامة فلا تتعجلوا أيها المتعجلون وتمهلوا في حكمكم على إخوانكم المسلمين وغير المسلمين فلستم أكثر من الله حفظا وحرصا على مقدساته سبحانه وتعالى.

حمام الشط في 4 أوت 2012.



كيف نفسّرُ ظاهرةَ الصحوةِ الإسلاميةِ في تونسَ ؟


Comment expliquer ce renouveau religieux en Tunisie ?

« La religion n`est pas l`opium du peuple, mais la vitamine du faible » Régis Debray, philosophe français, gaulliste de gauche

ملاحظة منهجية: في مقالي التالي، سأحاول أن أكون  محايِدًا على قدرِ المستطاعِ، لن أشكر ولن أذمّ، بل سأكتفي بوصفِ واقِعٍ عشته وعايشته بنفسي كشاهدٍ على عصرٍ (1965-1980) وكَــرَاوٍ عن الذي سبقه، عصرٌ طَبَعَ ثقافتي إيجابيًّا والحمد لله، لكنني لم أرَ سلبياته الوخيمة على محيطي (أهلي ووطني) إلا متأخرًا (Par Indigénisation et non Islamisation)، ولا يرى عيوبَ براديڤمِه إلا مَن خرج من براديڤمِه (Voir la définition du terme paradigme en bas de page):

- نبدأ بالسبب الأكثر واقعية والأكثر ديمومةً (1881-2010)، ألا وهو التحديث والتغريب أو بلغة أوضح الاستعمار الفرنسي والعَلمنة البورڤيبية

Le colonialismepuis le bourguibisme, le modernisme et l`occidentalisation, c. à. d. la laïcité tout court

تفككت المنظومة القديمة المبنية على الهُوية العربية-الإسلامية: الأوقاف، النظام العشائري، المحاكم الشرعية، التعليم الزيتوني، المرأة التقليدية، العائلة الموسعة، الاستقرار في الأرياف والقرى، إلخ. قطيعةٌ مع المنظومة القديمة، حلت محلها، وبِبطءٍ في مرحلة الاستعمار (1881-1955)، وبِتسارعٍ مذهلٍ في العهد البورڤيبي (1955-1987)، منظومةُ قِيَمٍ جديدةٍ ولكنها مستوردةٌ من حضارةٍ أورو-مركزيةٍ متعاليةٍ مع الإشارةِ إلى أن كل علماء الأنتروبولوجيا أكدوا مرارًا وتكرارًا أن لا ثقافة تعلو على ثقافة (في أوروبا، تَطَلَّبَ هذا التحول الضِّعْفَ من الزمن، أي تدرّج على مدى قرنين). جاء موسمُ الهجرةِ من الريفْ إلى العاصِمهْ، ومن الجنوبِ إلى الشمالِ، تَكَدَّسَ المهاجرون في أحياءٍ قصديريةٍ على شكل حزامِ بؤسٍ، هاجر التونسيون إلى فرنسا وتكدّسوا هُمُ أيضًا في هاشَلامْ

(HLM: Habitations à Loyer Modéré)

هذه الهجرة الإرادية-القسرية أفقدتهم جذورهم الفلاحية-الريفية، مما أجبرهم على البحث على الخلاص في الإسلام فشُبِّهَ لهم أنهم وجدوه.

- في تونس ما بعد الصحوة الإسلامية بقي الآباء لائكيين وأصبح الأبناء إسلاميين، وفي جاليتنا في فرنسا بقي الجيل الأول مسلمًا تقليديًّا وأصبح الجيل الثاني ملتزمًا إسلاميًّا. 

- الصحوة الإسلامية في تونس ظاهرة حضَرِية (في المدن: تونس، سوسة، صفاقس، نابل، ڤابس، الحامة، إلخ.) وفي بعض القرى المتمدنة (قرية جمنة نموذجًا).

- انتشار الفكر الشيوعي في الستينيات والسبعينيات وسيطرتِه على جل الفضاءات التعليمية والثقافية العمومية: جامعة، ثانوي، دُور ثقافة، مكتبات، سينما، مسرح، مهرجانات، إلخ. فضاءات أبعِدت عنها الثقافة الإسلامية: رئيس الدولة نفسه، بورڤيبة كان يشجع على نزع السفساري، والإفطار في رمضان، وكانت المبيتات في الستينات تعد لنا وجبة الغداء وكأننا في شهر إفطار، وكان المصلون قلائل جدًّا بين التلامذة والطلبة في ذلك العصر اللائكي بامتياز، حتى أساتذة التربية الإسلامية وطلبة كلية الشريعة انخرطوا في سلوك النمط العَلماني. المفارقة الكبرى تتمثل في أن هذا الفكر اليساري المستورد لم ينتشر في مكانه الذي خُلِق من أجله (البروليتاريا وصغار الفلاحين)، بل احتكرته طبقة البورجوازية الصغيرة المتكوّنة من رجال التعليم، أصحاب المهن الحرة، فنانين، نقابيين محترفين، نشطاء سياسيين وحقوقيين، قُضاة، إلخ. طبقةٌ انتهازيةٌ ومتذبذبةٌ بامتياز، قال فيها ماركس نفسه ما لم يقله مالِكٌ في الخمر. 

- إليكم شهادة ميشيل بشير عياري، باحث ودكتور في العلوم السياسية

- (Thèse, 2009. Aix-Marseille S'engager en régime autoritaire : gauchistes et islamistes dans la Tunisie indépendante)

التي قرأتها منذ زمان: اشتهر مثقفو اليسار في عهد بن علي بالانتهازية، عشرات منهم انخرطوا في نظامه نكايةً إيديولوجيةً سخيفةً في الإسلاميين قبل الطمعِ الماديِّ، ولم يذكُر من الإسلاميين إلا اثنين فقط.


- غياب تعليم القِيم في الاختصاصات العلمية، وذلك بعنوان وَهْمِ كبيرٍ، اسمه "الموضوعية العلمية". والأغرب أننا، في تونس، اقتصرنا على تعليم القِيم نظريًّا (معرفة) ولم نعطِ فيها دروسًا تطبيقية (ممارسة)، عكس ما فعلت كندا حيث يُطالَبُ تلميذ الثانوي بإنجازِ 40 ساعة عمل تطوعي خارج المعهد. نحن نعي جيدًا أن المعارف وحدها لا تغير القيم

(Les Connaissances ne changent pas les Valeurs, sujet de ma thèse, UCBL1, 2007)

- تفشي رذيلة الربح السهل، السريع والمشط، مما نتج عنه انتشار الفقر، البؤس، الجهل، المرض، التشرد، الهجرة الداخلية والخارجية، البغاء السري والعلني، والإدمان على الكحول والمخدرات ، إلخ.

- الرجوع المتعصب للإسلام يهم الجماهير والإسلام هو كل الحل

(L`islamisation politique) 

والتصالح مع الهُوية العربية الإسلامية (L`indigénisation) يهم النخبة المُغَرَّبَة (L`élite occidentalisée) والإسلام هو جزءٌ من الحل جنب العقلانية الإغريقية أسوةً حسنةً بأسلافنا في عهد المأمون في القرن الثالث للهجرة الموافق للقرن التاسع ميلادي، الاثنان يتحديان الغرب المتعالي ويؤكدان بشيءٍ من التفوق والقوة هوياتهم الدائمة (اللغوية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية والحضارية). يبدو أن هذا الاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية مُتَأتٍّ - في الغالب - في تونس من توفر إمكانية تغيير الوضعية الاجتماعية للفرد

 (La mobilité sociale désigne le changement de position sociale d'une personne par rapport à celle de ses parents

ومن الثقة بالنفس الناتجة عن تعميم التعليم

 (La scolarisation généralisée) 

في العهد البورڤيبي الذي استفاد منه الإسلاميون مثل غيرهم من الحساسيات الإيديولوجية الأخرى، دستوريون وقوميون ويساريون.

- هذه الصحوة الإسلامية لا تعبّر عن رفضٍ للتحديث والحداثة (La modernisation et la modernité)، بل تعبّر وبشدة عن رفضها لهيمنة الغربِ ونرجسيته ولائكيته. هي رفضٌ لما سُمِّيَ بِـ"التسميم الغربي" (L`occidentoxication) للمجتمعات غير الغربية ومنها تونس. هي نخوةٌ: "سنصبح حداثيين، لكن لن نصبح مثلكم".

خاتمة: للأسف الشديد، كان الرجوعُ إلى الدين رجوعًا شكليًّا وطُقوسيًّا مُفرَغًا من التقوى وخِشية الله، ولا زال شبابُنا يمر بفترات قلق أونتولوجي، شبابٌ يبحث عن غاية لوجوده، يحاول أن يحدد هُويتَه من جديد ولم يجدها بعدُ، وما تواجد التونسيين بكثافة في صفوف داعش وفي شواطئ لنبدوزة إلا أوضحُ دليلٍ: لا بالشيوعية الأورتودوكسية عرفنا طريقنا... ولا بالاسلام الأورتودوكسي  أيضًا.

N. B : 

- Définition (Wikipédia) : Le terme de « paradigme » introduit par Thomas Kuhn, qu'il a d'ailleurs suggéré de remplacer par « matrice disciplinaire », tend à désigner l'ensemble des croyances, valeurs et techniques qui sont partagées par les membres d'une communauté scientifique, au cours d'une période de consensus théorique

- L`idée principale est inspirée deSamuel P. Huntington, Le Choc des civilisations, Éd. Odile Jacob, pp. 134-142, Comment expliquer ce renouveau religieux global

حمام الشط، السبت 30 ديسمبر 2017.


الإسلاميون، لماذا لا يقرأون المقالات الفيسبوكية اليسارية ؟


بعض الجواب !

الإسلاميون عندي هم كل النهضاويين وكل السلفيين وكل التحريريين (حزب التحرير) وجل القوميين وكل التجمعيين المحافظين. 

- لا يقرأونها لأنهم لا يجدون فيها أنفسهم ومفرداتهم ومفاهيمهم ولغتهم ومنطقهم وتراثهم ودينهم وفقههم ورموزهم وعاداتهم وتقاليدهم (العادات المتوارَثة التي يقلِّدُ فيها الخلفُ السلفَ).

- في المقابل قد يجدون فيها ازدراء لكل رأسمالهم الرمزي المذكور أعلاه.

- لا يجدون فيها استشهادًا يتيمًا واحدًا بآيةٍ أو قَصَصٍ من القرآن أو حديثٍ لمحمدٍ مرفوقٍ بدعاءِ صلى الله عليه وسلم أو حكمة خليفة راشدٍ أو فكرة لمفكر إسلامي مستنير وما أكثرهم في العالَم الإسلامي وغير الإسلامي.

- لقائلٍ أن يحتجَّ عليَّ ويقول: لماذا لا توجه نفس النقد لمقالات الإسلاميين الفيسبوكية حيث لا يجد اليساريون أنفسهم أيضًا ومنطقهم ورموزهم ؟ أجيبه ولكن أتمنى أن لا يغضب مني جل رفاقي اليساريين لأنني لا أسب الإسلاميين ولا أزدري مفكريهم ولي فيهم قرّاء مهتمّون ومتابعون كثيرون وسامعون لما أقول ومنصتون، حتى ولو كانوا مني مرتابين. أتفهم شكهم وريبتهم. وإذا لم يشك الإسلامي التونسي في خصمه الإيديولوجي والسياسي، اليساري التونسي، ففي أي مخلوق آخر سيشك يا ترى ؟ الجواب: الإسلاميون واليساريون، كلنا تونسيين، ووطنيًّا كلنا ملاّكة، لكن إيديولوجيًّا، وهنا، ولكيلا أثلب أحدًا من رفاقي اليساريين، سأتكلم عن نفسي وبلغتي الصريحة حد الجلد والتجريح: فكريًّا هم ملاّكة ونحن كرّاية، هم الأغلبية الساحقة ونحن الأقلية المنبوذة، لكن الديمقراطية تُقاسُ باحترام الأقلية الفكرية وليس بنبذها وإقصائها، وتُقاسُ أيضًا بتطبيق قانون الأغلبية على الأقلية، وعلى الأقلية أيضًا التأقلم مع جمهورية الأغلبية وليس العكس. 

Mais.. Mais n’oublions pas que c’est un mauvais signe d’être adapté à une société malade, notre société. Mais..  Mais le malade, on doit l’aimer, chérir, soigner et guérir et non détester, agresser et exclure, surtout s’il est membre de notre grande famille, le peuple tunisien.

- عن نفسي، أقِرُّ: فكري أجنبي أقلي، كان ماركسيًّا معاديًا للإسلام وأصبح اليوم والحمد لله يساريًّا غير ماركسيٍّ متصالحًا مع الإسلام، ولكنه وحتى بعد التصالح لا يزال أقليًّا ولن يرضى عني الإسلاميون والماركسيون إلا إذا انتميتُ إلى أحزابهم ولن أنتمي ما حييتُ، والغريب أن هذا التصالح الإرادي وقع دون أي نوعٍ من الضغط من قِبلِ الأغلبية الإسلامية والأغرب أنه حدثَ بفضل قراءات فرنسية لمفكرين أجانب مسلمين وغير مسلمين لكنهم كلهم علمانيون غير إسلاميين 

Jaqueline Chebbi, Guy Haarscher, Jean Baubérot, Edgar Morin, Ignatio Ramonet, Mohamed Arkoun, Hachem Salah, Mohamed Cherif Ferjani, Hichem Jait, Mohamed Talbi, Mohamed Haddad, Abdelmajid Charfi, Fawzia Charfi, Abdallah Aroui, Olivier Roy, Gilles Kepel, Amin Maalouf, Michel Onfray, Gilbert Naccache, Ali Chriiti, Albert Jacquard, Raymond Aron, Michel Serres, Alain Prochiantz, Tawfik Baccar, Christian de Duve, Roland Gori, Henri Atlan. Et.. ET mon journal mensuel préféré Le Monde diplomatique et ma revue bimensuelle « Manière de Voir », etc.

- لغتي الأولى أجنبية، الفرنسية ولها فضلٌ كبيرٌ عليَّ، ولغتي الأم محلية، العربية، أعشقها أكتب بها ولكن للأسف جل إنتاجها متواضع كتواضع الفرنسية مقارنة بالأنـﭬليزية. جل أساتذتي فرنسيين في الإعدادي والثانوي والجامعة، الله يرحم والديهم. أعلى  شهادة علمية، نلتها من جامعة فرنسية (UCBL1). الخلاصة، انبِتاتٌ محمودٌ في جانبٍ (ثقافة مزدوجة متينة ومحيّنة) ومذمومٌ في جانبٍ (أصالة مهتزّة رغم محاولات الرتق).

خاتمة: أختم بحكمة الفيلسوف اليساري المغربي عبد الله العروي، الذي سبقني في أسلوبه غير المنبتِّ المتماهي مع مجتمعه المغربي المسلم:

- تتضخم الحرية في الفكر بقدر ما تضمر في الواقع... الحرية في مفهومها تناقض وجدل: توجد حيثما غابت وتغيب حيثما وُجدت... لكي نحافظ على أسباب التقدم لا بد من الإبقاء على حقوق المخالفين في الرأي، لأن الاختلاف هو أصل الجدال والجدال هو أصل التقدم الفكري والابتكار. 

-  لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع المسلم)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه (...) لأن في التماهي شرط التحقيق، أي شرط المرور من التصور إلى الواقع، من الفكر المجرد إلى الحياة (مواطن العالَم: للوصول إلى التماهي يجب استعمال خطاب غير جبهوي وغير صادم لأن هذا النوع من الخطاب ينفّر ولا يبشّر، علينا استحضار التصورات غير العلمية وعدم إهمالها ثم استعمالها وتوظيفها بهدف تفنيدها علميا وتعويضها بتصورات علمية).

- نعتقد أن أيسر مدخل إلى روح أي مجتمع هو مجموع شعارات ذلك المجتمع.

- إذا أردنا أن نعرف معنى الحرية في مجتمع ما، علينا أن نحلل فقه ذلك المجتمع إذا اعتبرنا أن الفقه يعطينا صورة شاملة على العلاقات الاجتماعية في المجتمع العربي التقليدي.

حمام الشط في 18 أوت 2019.





يبدو لي أن التواصل والنقاش بين إسلامي ويساري مختلفين يفيد المجتمع التونسي أكثر ألف مرة منه بين إسلاميَّيْن أو يساريَّيْن متماثليْن ؟


لماذا ؟

لأن تقاطُع وتلاقُح فكرتين مختلفتين أو متناقضتين (إسلامية ويسارية) قد ينبثق منهما فكرة جديدة إسلامية-يسارية قد تُثري وتُغني الثقافة التونسية المشتركة المجمِّعة والموحِّدة. أنتقل بكم من المجال الإيديولوجي إلى المجال البيولوجي حيث يعطي التناسل الجنسي بين فردين مختلفين جنسيا (ذكر وأنثى) كائنا جديدا فريدا من نوعه في التاريخ والعالَم، كائنٌ يرث صفات عن أبيه وأخرى عن أمه لكنه لن يكون نسخة مطابقة للأصل من أبيه ولا من أمه. تكاثُرٌ جنسي يقع عند جل الحيوانات ومنها الحيوان شبه العاقل وأعني به الإنسان: رجل وامرأة غير عقيميْن يتناكحان فينجبان مولودا، ولدًا أو بنتًا، لا يشبه أحدا ولم يُخلَق قبله ولن يُخلق بعده نسخة مطابقة له إلا في حالة التوأمين الحقيقيَّيْن

Les vrais jumeaux proviennent du même spermatozoïde et du même ovule. 

أما التقاطع والتلاقح بين فكرتين متمثاليَّتيْن أو متقاربتين (إسلامية وإسلامية أو يسارية ويسارية) فقد ينبثق منهما فكرة إسلامية متطورة لكنها تبقى دائما إسلامية قاصرة أو فكرة يسارية متطورة لكنها تبقى دائما يسارية قاصرة، فكرتان متطورتان لكنهما متخاصمَتان متنافرتان.  قد تُغني كل واحدة منهما الثقافة الإسلامية أو الثقافة اليسارية كل على حِدَه، لكنهما لن تُثريان الثقافة التونسية المشتركة. أنتقل بكم ثانية من المجال الإيديولوجي إلى المجال البيولوجي حيث يعطي التناسل اللاجنسي من أصل واحد كائنا مماثلا للأصل، كائنٌ جديدٌ لكنه ليس  فريدا من نوعه في التاريخ والعالَم، كائنٌ يرث كل صفات الأصل فيعطينا نسخة مطابقة له خالية من كل جديد مثل ما يقع عند جل النباتات والجراثيم: البكتيريا هي كائن وحيد الخلية لا جنس له، يحدث التناسل أو التكاثر عندها بانقسام خلية البكتيريا إلى خليتين ثم تنقسم الخليتان البنتان إلى أربع خلايا وهكذا دواليك تنتج البكتيريا الواحدة ملايين من البكتيريا، كلها نُسخٌ مطابقة للبكتيريا الأصل أو الأم. يتكاثر شجر النخيل عن طريق التناسل اللاجنسي أو التناسل النباتي لكنه ينتج التمور (ثمرة النخلة) عن طريق التناسل الجنسي. 

كيف يقع التناسل اللاجنسي عند النخيل ؟: النخلة الأنثى دڤلة النور تعطي غَرسة (نخلة صغيرة العمر والحجم تنبت في أدنى جذع النخلة الأم)، يفصل الفلاح هذه الغرسة عن أمها (لا أب لها) ويغرسها فتنمو وتكبر وبعد خمس سنوات تنتج تَمْرَ دڤلة نور بنفس مواصفات ثمار أمها وبذلك يحافظ الفلاح على جودة إنتاجه.

كيف يقع التناسل الجنسي الذي يؤدي إلى إنتاج التمور عند النخيل ؟: تنحدر ثمرة النخيل أي التمرة من تلاقُحٍ بين أزهار نخلة ذكر (في واحة النخيل يتواجد عدد قليل من النخل الذكر لذلك نستطيع أن نشبههم باليساريين لقلتهم في المجتمع التونسي) وأزهار نخلة أنثى (في واحة النخيل يتواجد عدد كبير من النخل المؤنث لذلك نستطيع أن نشبههم بالإسلاميين لكثرتهم في المجتمع التونسي)، تلاقُحٌ يُسمَّي بالعربية تأبير وبالدارجة تذكير. إذن لا يمكن لأزهار النخلة الأنثى أن تتحول إلى ثمرة وتنتج تمرا جيدا إلا بعد أن تلقحها أزهار النخلة الذكر. لا يمكن أن ينتج الذكر تمرًا دون الأنثى أما الأنثى فهي تستطيع أن تنتج تمرا دون الذكر لكنه سيكون تمرًا ضعيفا غير مكتنِزٍ وغير جيدٍ نُسمّيه في جمنة "صِيصْ". كذلك قد يُنتِج الإسلاميون فكرا دون تشريك اليساريين لكنه قد يكون فكرا لا يتماهى نسبيا مع الفكر الغربي العلمي الإنساني الحديث. أما اليساريون بمفردهم فلن يستطيعوا إنتاج فكرٍ يتماهى مع مجتمعهم ذو الغالبية المسلمة. يبدو لي أن لا أحد من الفريقين يملك الحل بمفرده أو يستطيع أن يستغني عن الآخر. فمستقبلهم إذن مرهون بتعاونهم وتوافقهم وإن لم يفعلوا فلِتونس ربٌّ يحميها من خطر نزعة التعصب ألاستئصالي الكامنة لدى البعض من الفريقين الأخوين اللدودَيْن.

أنهِي المقارنة بين الثقافي والطبيعي بالقول أن الأجسام المشحونة إيجابًا تنجذب نحو الأجسام المشحونة سلبًا فتخلق جسمًا جديدا ولكنها تَنفُر من الأجسام المماثلة لها شحنًا، أتمنى أن يحدُثَ مثل هذا التجاذب بين الفُرَقاء الإسلاميين واليساريين المشحونَين بالتضاد، وفي الوقت نفسه آمل أن لا يحصل تنافرا إيديولوجيا داخل الإسلاميين ولا داخل اليساريين. لذلك أحاول أن أبذل قصارَى جهدي للتقريب في وجهات النظر الفكرية بين الإسلاميين التونسيين واليساريين التونسيين وأحاول تجنيبهم خطر إقصاء أحدهما للآخر.  وأناضل فكريا عبر الفسبوك، الوسيط الرقمي الأمين، من أجل إرساء ثقافة تونسية مشتركة مجمِّعة وموحِّدة قد ينبثق منها مواطن تونسي جديد غير سلفي (إسلاميا كان أو ماركسيا) وغير منبت، مواطن إسلامي لا يعادي الثقافة العلمية الإنسانية الغربية الحديثة المكتسبة (خاصة العلوم الإنسانية)، يرافقه مواطن يساري لا يعادي الثقافة الإسلامية التقليدية الموروثة. مواطنان تونسيان عَلمانيان، الإسلامي التونسي واليساري التونسي،  يؤمنان بصدق بحرية الضمير والمعتقَد إسلاميًّا كان هذا المعتقد أو يساريًّا، ويتودد كل واحد منهما للآخر ويناديه: يا رفيق.

إمضائي المحيّن:

قال الشاعر الشيوعي التركي العظيم ناظم حكمت: "أنا الذي أحمل في رسغي الطوق الحديدي، وكأنه سوار من ذهب، وأتطلع إلى حبل المشنقة، دون أن يهتز جفنه، هل يهتز لتهديدك نعلي ؟".

قال علي حرب: "الحقيقة أن الفلسفة لا تعدو كونها تجربة إنسانية فريدة، تحقيقا لحلم شخصي". وقال: "الإنسان لا يقع خارج التاريخ بل داخله. ولا يتعالى عليه بل ينخرط فيه. من هنا قلّما تصح النبوءات والتكهنات".

قال جان بول سارتر: "يجب أن لا نشعر بالخجل عندما نطلب القمر".

قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".

قال مواطن العالَم: عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك فأنت تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلمي ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى"، "أنا الذي أحمل في رأسي نقدٌ دائمٌ لكل شيء، وكأنه مرضٌ مزمِنٌ، وأتطلع إلى مواجهة الحجة بالحجة، دون أن يتهافت عقلي فهل تعتقد أن يهتز لعُنفك اللفظي نَقديي ؟".

أؤكد ما قلت صادقا مع نفسي وليس عن تواضع مبطّن بالغرور، ولا عن مَسكنة يُراد بها استجداء العطف، إنما لأنني أعي جيدا أن اختصاصي العلمي يبقى بطبيعته ناقصا محدودا  واختزاليا. 

معنى كلمة "كشكار":

"كشكار دائم ولا علامة مقطوعة" (مَثل متداوَل في مصر منذ سبعة قرون). تفسيره: الكشكار هو الدقيق الخشن الذي يقدر على شرائه الفقراء، والعلامة هي الدقيق المكرَّر الذي لا يقدر على شرائه الفقراء. يشرِّفني أن تكون مقالاتي الفيسبوكية غذاءً فكريّا في متناول الفقراء.

حمام الشط، الثلاثاء 9 نوفمبر 2015.



 

هل العربُ أبناءُ الجاهلية أم أبناءُ الإسلام ؟


الطوفانُ الأول قبل طوفانُ نُوح: هلك الحرثُ وعزّ الزرعُ وغمر العنفُ كل شيء ولم يطفو على الماء إلا اسم الرحمان وباسمه وحده بُعِث الكونُ من جديد.

 الطوفانُ الثاني أي طوفانُ نُوح: المهمة أصبحت أيسرَ، عمّ العنفُ-الماءُ من جديدٍ ولم ينجُ إلا نوح وفي سفينته من كل حيٍّ زوجين. حطّت الحمامة على المركبِ وفي منقارها غصن زيتون، هبط الماءُ ورست الحامل وأفرغت ما في بطنها فشَرَّبَ قصبُ الزرعِ وانتفخ الضرعُ ودبّت الحياةُ في الخلقِ من بقايا الخلقِ. انقرض أبناءُ آدم وحل محلهم أبناءُ نوح عليهما السلام.

الطوفانُ الثالث، طوفانُ اليوم، طوفانٌ جزئي، طوفانٌ عربي، حرب كل العرب ضد كل العرب مثل عهد الجاهلية، الفوضى الهدامة: شاهدتُ هذا الطوفان بأم عيني ويا ليتني كنتُ ترابًا وما حضرتُه، تابعتُه وبالكاميرا صوّرتُه. شريط أقدّمُه بالعرض البطيء: مليون عربي ضد مليون عربي، خرج البعض من المعركة والتحقوا بسفينة الغربِ فنجوا واندثرت حضارتهم، نتابع.. ألف عربي ضد ألف عربي، مات الألفان وجاءهم من أنفسِهم الطوفان ولم يبق من العرب فوق الماء إلااسم الرحمان. فهل يا تُرى سيُبعَثون يومًا من جديد ؟ إسلامٌ من الجاهلية أخرجهم وإسلامٌ إليها أرجعهم !

ملاحظة: نصٌّ مستوحَى من محاضرة للفيلسوف ميشال سارّ لم يتعرّض فيها، لا للعربِ ولا للإسلامِ، لا من قريب ولا من بعيد.

حمام الشط، الاثنين 29 ماي 2017.





 

هل نُولَدُ مسلمينَ أم نُصبِحُ مسلمينَ ؟


قال رسول الله صلى عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". إيمانُنا إذن معلقٌ بحبنا لأخينا، أخينا الإنسان وليس أخينا المسلم فقط، أخينا المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو الهندوسي أو البهائي أو الملحد أو اللاأدري.  قدَرُ المسلم إذن أن يحب الناس جميعاً دون تمييز ثقافي أو طبقي أو عنصري أو عرقي أو ديني أو قومي أو مذهبي أو إيديولوجي، أمرٌ مُحمّدي وليس اختياراً نأخذه أو لا نأخذه ! لن (لن الزمخشرية)، لن نصبح مسلمين حتى نطبق هذه الحكمة، أروعُ حكمةٍ قالها بشرٌ. 

هل طبقنا ما ورد في هذا الحديث الشريف ؟

وهل يكون حالنا اليوم كما هو عليه لو طبقناه ؟

نحن اليوم نرى أن الأخ لا يحب لأخيه الشقيق ما يحب لنفسه، والجار لا يحب لـ"جار السّاسْ" ما يحب لنفسه، والتونسيَّ لا يحب لليبي ما يحب لنفسه، والعربيَّ لا يحب للفارسي ما يحب لنفسه، والسنّيَّ لا يحب للشيعي ما يحب لنفسه، والمالكيَّ لا يحب للحنبلي ما يحب لنفسه، والساحليَّ لا يحب للصفاقسي ما يحب لنفسه، والمسلم الإسلامي لا يحب للمسلم العلماني ما يحب لنفسه، و...

لماذا لم نطبق هذا الحديث الشريف ؟

والنفسُ الأمّارةُ بالسوء (notre ADN)، ماذا نفعلُ بها إذن ؟

والدينُ، ما دورُه إذن ؟ (ملاحظة: منهجيّاً لن أتعرض لدور الفلسفة والعلم والفن والتربية والتعليم والثقافة، إلخ. هذا التمشي الاختزالي الذي انتهجته لا يعني البتة أن هذه المعارف المتعددة لا تشارك في عملية التخلّق أو ما بعد الخلق أو ما بعد الوراثي أو ما فوق الوراثي - L`épigenèse).

الرسول جاء ليُتمم مكارم الأخلاق (l`épigenèse)، أي جاء ليقاوم النفسَ الأمّارةَ بالسوء (L`ADN).

لماذا وُجِدَ الـADN نفسُه حتى نحتاجَ للـépigenèse ؟

وُجِدَ الـADN للمحافظة على النوع البشري وحمايته من الانقراض، وُجِدَ في ظروف اجتماعية بدائية كان الإنسان يحتاج فيها  للعصبية القبلية (تضامنٌ بين أفراد القبيلة \ دفاعٌ أو غزوٌ ضد القبائل المنافسة على الماء والغذاء والكلأ).

يبدو لي أن التربية على مكارم الأخلاق (L`épigenèse) هي السبيل الوحيد للحد من سلطة الـADN  المتجسمة في العصبية القبلية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في عصر الجاهلية (وللأسف الشديد نراها سائدة حتى اليوم وفي العالم أجمع)، والرسول دعانا للأخلاق التالية: "الناس سواسية كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. والقرآن أيضاً: "إن أكرَمَكم عند الله أتقاكُم".

وقبل أن نصل إلى المساواة المنشودة والمحمودة بين الأعجمي والعربي التي دعانا إليها رسولنا الكريم، علينا طرحُ السؤال التالي: هل العربُ هُمُ كأسنان المشط الواحد لا فضل لخليجي على مغربي إلا بالتقوى؟ لو كنا كذلك لأغنتنا ثرواتُ الخليج عن التسوّل الذليل أمام عتبات البنوك الغربية الرِّبوية المُشِطّة (FMI, BM, BCE, Club de Paris, etc) !

يبدو لي أن المعضلة التي تعترضنا اليوم تتمثل في المأزق الذي رافق تاريخ الإسلام على مدى 14 قرنًا وهو التالي: النفسُ الأمّارةُ بالسوء (L`ADN) هي مُعطَى وراثي، أما الرسالة المحمدية وتربية الإنسان المسلم على مكارم الأخلاق  فهي مُعطَى مكتسبٌ (L`épigenèse)، لكننا وللأسف ما زلنا لم نكتسبه بعدُ.

الرسول محمد جاء ليُتمم مكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق ليس لها تعريف في العالم أفضل من حديثه أعلاه صلى الله عليه وسلم، أي جاء ليقاوم النفسَ الأمّارةَ بالسوء لا لينفيها، وهي من خلق الله، والتخلّق (L`épigenèse) جاء ليقاومَ غرائز الخلق (L`ADN) بالتفاعل معها وضدها في آن. 

حمام الشط، الاثنين 15 أفريل2019.




مِن حق المواطن التونسي الملحد أن لا يتحمل أخاه المسلم لكن ليس من حق المسلم أن يعامله بالمثل


مِن حق المواطن التونسي الملحد ألا يتحمل أخاه المسلم بل من حقه أن يكرهه ويقصيه ويستأصله إذا قدر على ذلك فهو يرى من خلال نَظَّارَتَيه العقلانيتين الماديتين -والعين لا ترى إلا ما تريد أن ترى- يرى في الإسلام أفيونا للشعوب وفي القرآن دستورا للفاشية الدينية وفي كل المسلمين مشاريع إرهابيين.

أما المواطن التونسي المسلم فليس من حقه شرعا أن يُقصي أو يكفّر أو يستأصل أحدا حتى ولو أمرته نفسُه الأمّارةُ بالسوء. قدرُه إذن أن يحب كل الناس لا لشيء سوى أنهم من خلق الله، خلقها العالي المتعالي متنوعةً مختلفةً وفي بعض الحالات متناقضةً، خلقها لحكمة لا يعلمها إلا هو. حقيقة نُسَلِّمُ بها حتى ولو لم ندرك كُنْهَهَا. فهل للمسلم اعتراضٌ على حكمتِه سبحانه وتعالى ؟ لم يترك اللهُ للمسلمِ اختياراً بين حب الآخر أو كرهه. كلفه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رسالة للعالمين أجمعين. فهل نستطيع أن ننصح بالمعروف مَن نَكره ؟ أنا من جانبي لا أستطيع ! وأنتم ؟

الملحد المتعصب (ليبرالي أو شيوعي) والمتدين المتعصب (مسلم أو يهودي أو مسيحي، إلخ) لا يمكن أن يكونا عَلمانيين لأن العلمانية ليست كفرا أو إلحادًا بل هي إيمان خالص وصادق بحرية المعتقد وبالمساواة بين الأديان أمام القانون، والدول التي تسمي نفسها إسلامية أو يهودية أو شيوعية هي دول غير عَلمانية.

حمام الشط، الأحد 25 أكتوبر 2015.



 

فلاسفة أوروبيون غير مسلمين قالوا كلاماً موضوعيّاً في الإسلامِ والمسلمينَ !  تجميع وترجمة مواطن العالَم 


1. ميشيل أونفري، فرنسي، فيلسوف ملحد يساريي تحرري برودوني غير ماركسي، قال فيهم ما يلي:

- "الغرب المعادي للإسلام والمسلمين يجني محليًّا (إرهاب القاعدة وداعش) ما زرعه عالميًّا (احتلال، حروب، نهب ثروات، إلخ.)".

- مخاطِبًا الغرب بني قومه: "نحن الغرب قتلنا ظلمًا من الأمة الإسلامية 4 مليون مدني بريء وذلك منذ حرب الخليج الأولى سنة 1991، فكيف تتعجبون من هجومات المسلمين الإرهابية في مدنكم (نيويورك، لندرة، برشلونة، باريس، برلين، إلخ.).

- "الحضارةُ اليهوديةُ-المسيحيةُ حضارةٌ في طريق الانقراض مثلها مثل البابلية والفرعونية والإغريقية، أما الحضارةُ الإسلاميةُ فهي حضارةٌ فتيةٌ، والدليلُ استعدادُ منتسِبيها للتضحيةِ بالروحِ من أجل نصرتها وفي المقابل هل رأيتم مسيحيّاً واحداً مستعدّاً للموت من أجل دينه ؟".

- مخاطِبًا الغرب المعادي للإسلام والمسلمين (Xénophobe et surtout Islamophobe): "تقصفون بلادهم وتشرّدون أبناءهم، وترسمون نبيهم في أبشع الرسومات، وتساندون المسيحيين الأفارقة وتسلّحونهم ليقتلوا المسلمين في مالي وإفريقيا الوسطى.. ثم تظهرون بمظهر الضحية ! لا تضحكوا على أنفسكم فلن يصدّقكم إلا المنافقون والأغبياء فقط" (رسالة فيسبوكية خاصة وصلتني اليوم صباحًا من صديقي علي ضِيفَلله، رسالة تحمل هذه التغريدة لميشيل أونفري منشورة بالعربية في حساب Belgacem Swidi فأضفتها قبل نشر المقال بدقيقة).

2. فرانسوا بورڤا، فرنسي، عالِم سياسة ودارس للحركات الإسلامية الإرهابية وغير الإرهابية (قضى 23 عامًا في الدول العربية)،  قال حولهم ما يلي:

- "لو سألوني: ما هو سلاح الدمار الشامل ضد الإرهاب الإسلامي ؟ لأجبتُ في الحين ودون ترددٍ: تقسيم الثروات الطبيعية بالعدل بين الشمال (الغرب) والجنوب (العالَم الإسلامي) وليس نهبَ ثرواتِه وترغيب أدمغتِه في الهجرةَ" (Le PARTAGE). 

- "الإسلام السياسي هو لغة الجنوب". 

Burgat (François) : L'islamisme au Maghreb. La voix du Sud. 1992.

3. أمين معلوف، فرنسي، روائي عربي فرنكفوني من أصل لبناني وعضو جديد نسبيًّا بالأكاديمية الفرنسية، كتب فيهم ما يلي:

- "عائلتي المسيحية في لبنان عاشت 14 قرنًا تحت الحكم الإسلامي، عِشنا مع المسلمين في سلامٍ ووِئامٍ ولم يمسسنا سوءٌ، لا في كنيستنا ولا في عِرضنا ولا في مالِنا".

- "اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية في القرن 19 ميلادي، كانا ثلثا سكانها غير مسلمين (مسيحيين ويهود وأرمن)، وهذا دليل على تسامح المسلمين مع أبناء وطنهم من غير المسلمين".

- "لو رجعنا للتاريخ الإسلامي القديم لَما وجدنا للحركات الإسلامية الإرهابية أثرًا مشابهًا فهي تُعتبَر حركات حديثة منظمة على شاكلة التنظيمات الغربية الحديثة النازية والفاشية والستالينية والشيوعية الإرهابية (مثل  الألوية الحمراء في إيطاليا، الفعل المباشر في فرنسا، بادرماينهوف في ألمانيا، الجيش الأحمر في اليابان، الخمير الحمر في كمبوديا، اللجان الشعبية في الثورة "الثقافية" الماوية في الصين).

4. ألفريد نيتشة، ألماني، فيلسوف ملحد، لم أقرأ له لكنني سمعتُ عنه من جليسي فيلسوف حمام الشط، قال في العرب الأوائل، عرب "الجاهلية" وعرب فجر الإسلام، قال ما يلي:

"محاربون شجعان أحرار لا يخضعون بسهولة لأي سلطة" (إضافة مواطن العالَم: والدليل أن الرسول نفسه، صلى الله عليه وسلم، وجد في البداية صعوبةً كبيرةً في إقناعهم بالدين الجديد المختلف عن معتقداتهم الموروثة عن أجدادهم).

5. إدغار موران (فرنسي، فيلسوف إنساني، مؤمن وصاحب الصيحة الشهيرة "يجب إعادة أنسنة الإنسانية" 

(Il faut réhumaniser l`humanité)

 وإينياسيورامونيه (كاتب يساري رئيس تحرير سابق للجريدة الشهرية الفرنسية لوموند ديبلوماتيك، جريدتي المفضلة التي أقرأها منذ سنوات الشباب، والوحيدة من بين الجرائد التونسية والعربية والأجنبية، جريدة مستقلة تمامًا عن جريدة لوموند اليومية الفرنسية المشهورة): كل واحدٍ من الفيلسوفَين ألّفَ كتابًا بالاشتراك مع طارق رمضان، الفيلسوف الإسلامي السويدي من أصل مصري، حفيد حسن البنّا (مؤسس حركة "الإخوان المسلمون" المصرية سنة 1928) والمتهم حاليًّا باغتصاب عدة نساء، وهو اليوم في حالة سراح (قضى في الإيقاف 9 أشهر ونصف وهو اليوم في حالة سراح مشروط بالحضور والإمضاء مرة في الأسبوع في مركز شرطة، شاهدتُه اليوم 21/10/2020 على اليوتوب في برنامج قديم، وسمعتُه يعترفُ بخطئه ويطلبُ الاعتذار بوضوح من ربه وعائلته ومتابعيه لأنه خيّب أملهم فيه كداعية إسلامي. كان يدعو في جميع محاضراته إلى الاستقامة الأخلاقية فأصبح يعتذر عن إقامة علاقات جنسية بالتراضي خارج إطار الزواج، لكنه أنكرَ تهمة الاغتصاب إنكاراً تامّاً).

6. "السلام الروماني" (Pax Romana du I er siècle au II e  apr. J.-C)، عهدٌ تمنح بموجبه الإمبراطورية الرمانية في آخر حكمها حق المواطنة لسكان مستعمراتها الأصليين مثل الأمازيغ التونسيين قبل ظهور المسيحية  كدين (Début du IVe s apr. J.-C) وقبل ظهور الإسلام بخمسة قرون (Début du VIIe s apr. J.-C)، أما الإمبراطورية الإسلامية فقد منحت المواطنة لكل سكان فتوحاتها الأصليين على شرط أن يدخلوا الإسلام، ولتصبح مواطنًا كامل الحقوق، يكفيك أن تنطق بالشهاداتَين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله".

نقطة ضعف المسلمين المعاصرين:

في القرن 20 ميلادي، انبثق التطرف الإسلامي العنيف كرد فعل شرعي ضد الاحتلال الغربي (هذا لا يعني أنني أبرّر العنف الإسلامي أو أباركه أو أشرّع له، فقط أحاول أن أفهم أسبابه، أنا في الآخر غانديُّ الهوى مسالم من الدماغ إلى النخاع): للأسف الشديد، بدأ عصرُنا الإسلامي الحديث بإبادة الأرمن جماعيَّا في تركيا (خبر الإبادة يشكك فيه الكثيرون) وتواصلَ التطرف مع ظهور الحركات الإسلامية المسلّحة إلى أن وصلنا في نهاية القرن 20 ميلادي إلى تأسيس الحركة الإرهابية الأولى "القاعدة" ثم في أوائل القرن 21م ولدت الثانية "داعش"،  فاكتوى المسلمون بنار الأولى والثانية أكثر بكثير مما اكتوى بهما الغربيون المستهدَفون.

Le génocide arménien ou, plus précisément, génocide des Arméniens est un génocide perpétré d'avril 1915 à juillet 1916, voire 1923, au cours duquel les deux tiers des Arméniens qui vivent alors sur le territoire actuel de la Turquie périssent du fait de déportations, famines et massacres de grande ampleur. Wikipédia

استنتاجٌ شخصيٌّ: رغم أنني أومن أن لا حضارة أفضل من حضارة، لكن يبدو لي أن الحضارة العربية-الإسلامية بتاريخها وحاضرها، بمحاسنها ومساوئها، كانت أقلَّ ضررًا على الإنسانية من الحضارة المسيحية ! والمفارقة أنه ربما يكون هذا بسبب "تخلّفِنا التكنولوجي" مقارنة بتقدّمهم العلمي والتكنولوجي ؟

حمام الشط، الاثنين 18 مارس 2019.


قطر، الدولة المحتضنة لكأس العالم 2022. ترجمة مواطن العالم عن جريدة لوموند ديبلوماتيك في عدد نوفمبر 2022 


دولة قطر خصصت ميزانية ضخمة من أجل تنظيم كأس العالم 2022، ميزانية تقدّر بـ200 مليار دولار لتشييد بُنَى تحتية مثل الملاعب المكيفة والمترو الخفيف، إلخ.

لو خَصصت عُشر هذا المبلغ كقرض لتونس في عهد حزب النهضة حليفها (2011-2013) لنجح الإسلاميون في الحكم على الأقل اقتصاديًّا واجتماعيًّا (plan Marschal arabe). لقد فعلتْها منافستُها، دولة الإمارات، وأسندت قرضًا بـ20 مليار دولار لحليفها السيسي. لكن تجري الريح عكس ما تشتهي السفن، فالمستفيدون الوحيدون من هذه الميزانية العربية الضخمة هم أصحاب الشركات الغربية واليابانية والصينية.

حمام الشط في 8 نوفمبر2022.

محاولة تجسير مختزلة جدًّا جدًّا بين مفاهيم إسلامية ومفاهيم حداثية


1. مفهوم إسلامي: الجهاد الأكبر أو جهاد النفس.

مفهوم حداثي:

Philosopher, c’est lutter contre ses désirs innés et acquis qui sont souvent néfastes pour les autres.

2. مفهوم إسلامي: الزكاة.

مفهوم حداثي:

Taxe sur les grosses fortunes en plus des contributions communes ordinaires.

3. مفهوم إسلامي: الشورى المضيّقة بين أهل الذكر أو أهل الحل والعقد.

مفهوم حداثي:

Le suffrage démocratique réservée aux citoyens lucides (démocratie de Spinoza).

4. مفهوم إسلامي: آيات الحدود تنتهي دائمًا بـ" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ".

مفهوم حداثي:

Abolition de la peine de mort, de la torture et des mutilations corporelles. 

5. مفهوم إسلامي: الحُبُس.

مفهوم حداثي:

Les fonds de solidarité sociale à but humanitaire.

6. مفهوم إسلامي: الكلأ والمرعى ملك عمومي.

مفهوم حداثي:

La nationalisation des richesses souterraines comme l’eau et le pétrole.

7. مفهوم إسلامي: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ"  (المقصود بعمل الخير هنا هو التطوّع لخدمة الغير زيادة على واجب المهنة العادية المعروفة).

مفهوم حداثي:

Le volontariat ou le bénévolat.

8. مفهوم إسلامي: "مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر".

مفهوم حداثي:

La liberté de conscience.

9. مفهوم إسلامي: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

مفهوم حداثي:

Le pacifisme gandhiste ou l’anti-terrorisme.

10. مفهوم إسلامي: "لا إله إلا الله".

مفهوم حداثي:

Non au culte de la personnalité.

11. مفهوم إسلامي: "فألهمها فجورها وتقواها".

مفهوم حداثي: 

Conclusion de Christian de Duve, Prix Nobel de médecine en 1974, Un biologiste et moraliste dans son livre « Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie », Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages:

Les individus humains ont été sélectionnés génétiquement (ADN) et naturellement à travers des millions d’années pour être : 

- solidaires (أي النفس الأمّارَة بالخير), solidaires à l’intérieur de leur groupe  (famille, nation, religion, idéologie, paradigme scientifique, système philosophique, langue, parti politique, syndicat, etc.), 

- hostiles (أي النفس الأمّارَة بالسوء), hostiles envers les autres groupes  (nation étrangère, religion différente, langue différente, paradigme scientifique différent, système philosophique différent, langue étrangère, culture différente, parti politique adverse, etc.).

12. مفهوم إسلامي: الإسلام رسالة للعالمين.

مفهوم حداثي:

L’universel ou l’internationalisme (الأممية).

13. مفهوم إسلامي: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".

مفهوم حداثي:

La laïcité.

خاتمة: 

هدفي من هذا التجسير المختزل جدًّا جدًّا بين الإسلام والحداثة هو الجذب إلى فوق (tirer vers le haut) دون أجندة إيديولوجية. إن أصبتُ فلي أجران وإن أخطأتُ فلي أجرٌ واحدٌ، أجرٌ متمثّلٌ في الاجتهاد العفوي النزيه فإذا صدّقتموني فبارك الله فيكم وإذا لم تصدّقوني فالله يسامحكم. 

 

خَبَرٌ دونَ تعليقٍ: اليمين الفرنسي المتطرف معادٍ للإسلام (إيريك زمّور المرشح للرئاسة) / اليسار الفرنسي غير معادٍ للإسلام (جان لوك ميلانشون المرشح للرئاسة). ترجمة مواطن العالَم والديداكتيك



1. إيريك زمّور المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة سنة 2022 (islamophobe)، هو يهودي فرنسي من أصل بربري جزائري قال:

الإسلام يتنافى تماما مع شعار الجمهورية الفرنسية (حرية، مساواة، أُخُوَّةٌ -liberté, égalité, fraternité) وفسّر:

- لا وجود لحرية في الإسلام بل هو تسليمٌ كاملٌ (soumission).

- لا وجود لمساواة في الإسلام بين المسلم وغير المسلم وبين السيد والعبد وبين الرجل والمرأة.

- لا وجود لأُخُوَّةٍ في الإسلام إلا بين المسلمين فقط وداخل الأمة الإسلامية فقط.

- إريك زمور مخاطبًا الفرنسيين المسلمين:

- " لكي تصبحَ فرنسيا ابتعدْ عن الإسلام لأن الإسلام هو داعش"  (اليسار التونسي يدعو لإسلامٍ لايت !).

- إريك زمور لا يفرق بين الإسلام والإسلام السياسي (Islam=islamisme) (اليسار التونسي لا يرى فرقا بين السلفيين والنهضاويين والإرهابيين !).

- إ زمور للفرنسيين المسلمين: "لكي تصبحوا فرنسيين سموا أولادكم أسماء فرنسية" (كذلك معتنق الإسلام عندنا يُطلب منه تغيير اسمه وهذا ليس ضروريًّا في الشرع)

2. جان لوك ميلانشون المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة سنة 2022 (islamo-gauchiste et anti-islamophobe) قال: حتى المسيحية تتنافى تماما مع شعار الجمهورية الفرنسية والدين شأنٌ خاص بالفرد.


 

حوارٌ فكريٌّ جرى البارحة في المقهى حول تعدد الزوجات في تونس بيني وبين صديقي النهضاوي


الحضور في مقهى الشيحي: 6 جلساء (1 نهضاوي"مع" + 5 يساريين "ضد" = نقاش غير متساوي القِوَى).

صديقي: تمنيتُ لو أن مبدأ تعدد الزوجات أبِيحَ في تونس وصدر في قانون لأنه لا يحق لنا تحريم ما حلله الله في كتابه الحكيم.

أنا: ألا تكفيك إباحتَه في القرآن الكريم والقرآن عند المسلمين أعلى من الدستور والقوانين ؟

صديقي: لا.. لا يكفي.

أنا: لماذا تُصرّ على صدوره في قانون وضعي ؟

صديقي: حتى تعي المرأة قَدْرَها وتحترم زوجَها.

أنا: المعذرة "رُبّ عُذرٍ أقبحُ من ذنبٍ"، حجة غريبة جدًّا ! أتُريد من هذا القانون أن يكون سيفًا مسلّطًا على النساء ؟

صديقي: لا.. معاذ الله.

أنا: سمعتُ مرة زميلة نهضاوية أستاذة فلسفة وبرلمانية سابقة في المجلس التأسيسي (زوجة صديق نهضاوي أستاذ فلسفة أيضًا)، السيدة سلمى صرصوط، سمعتها في 2011 خلال اجتماع نهضاوي في قاعة الأفراح ببلدية حمام الشط، صعدت على المنصة وقالت بكل جرأة: " تعدد الزوجات إهانةٌ للمرأة". والله أعجبتني شجاعة هذه المرأة النهضاوية.

صديقي: تعدد الزوجات قد يحل ظاهرة العوانس.

أنا: ظاهرة العوانس، ظاهرة ظرفية قد تزول ولا يصح أن نبني عليها قانونًا دائمًا. أضفْ إلى ذلك الحكمة الربّانية أو الحقيقة العلمية التي تؤكد أن عدد النساء في العالم مساوٍ تقريبًا لعدد الرجال (c’est ce qu’on appelle en biologie le sex-ratio et toi tu étais prof de biologie)، فلو أبحنا تعدد الزوجات فسيبقى حسابيا (arithmétiquement) رجالٌ في العالم بلا زوجات، رجالٌ أكيدٌ من الفقراء لأن تعدد الزوجات شيءٌ لا يقدر عليه إلا الأغنياْء.

صديقي: أنا مسلم ومتمسك حرفيًّا بكلام الله، والله لا يريد لنا في تشريعه إلا الخير.

أنا: حسنًا وأنا مثلك لكن اسمعني قليلا: قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية التي تمنع تعدد الزوجات في تونس (صدرت سنة 1957 بعد استشارة علماء الزيتونة وبموافقتهم ومباركتهم وحزب النهضة أيضًا يباركها اليوم بعدما كان يعارضها)، قبلها كان تعدد الزوجات مباحًا في تونس ويُقال أنه كان "حقًّا" لم يتمتع به إلا 1 أو 2% من التونسيين حينذاك وأكاد أجزم أن أكثرهم كانوا من الميسورين. أتريد إذن أن نسنّ قانونًا ونحن نعرف مسبقًا أنه لن يستفيد منه إلا الأغنياء المحافظون سكان المدن ؟

أنا تعلمتُ في الديداكتيك أن "المعارف لا تغير القيم" (Les connaissances ne changent pas les valeurs)، فهل تسمح لي بالاستعانة عليك بحجة  قوية من حياتك العائلية ؟

صديقي: تفضل.

أنا: أنا أعرف مدى احترامك لزوجتك ومدى تفانيك في خدمتها وسعيك لإرضائها اعترافًا بجميلها ووقوفها معك أيام الشدة وسنين الجمر وأنا واثق تمام الوثوق أنك لم تفكر يومًا في إدخال زوجة ثانية عليها، وما لا ترضاه لزوجتك المجاهدة، أظن أنك لن ترضاه لزوجات المؤمنين. وأخيرًا أذكّرك بصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبًا صهره علي رضي الله عنه: "إلا فاطمة يا علي !".

صديقي: صمتَ احترامًا لي ولزوجته.

ملاحظة هامة:

قبْل النشر، عرضتُ المقالَ على صديقي النهضاوي، قرأه ووافق على النشر. فرحتُ بموافقته.

إمضائي: 

Je suis en perpétuel conflit intra-cognitif: en équilibre/déséquilibre permanent.

حمام الشط في 20 جوان2021.


ما هي العلاقات التي تربط بين الأصناف الأربعة من المفكرين المشتغلين على الإسلام والمسلمين ؟


هم: المفكرون المسلمون الموالون للسلطة، ومفكرو الإسلام السياسي (أو "العلماء المسلمون")، والمفكرون المستقلون (أو "المثقفون الجدد")، والمفكرون غير المسلمين (أو "المستشرقون الجدد").

المفكرون المسلمون الموالون للسلطة يجدون معارضة مركبة: معارضة فكرية-إيديولوجية من قِبل مفكري الإسلام السياسي، ومعارضة فكرية-إبستمولوجية من قِبل المفكرين المستقلين، ومعارضة فيلولوجية-فلسفية من قِبل المفكرين غير المسلمين. 

المفكرون المستقلون ومفكرو الإسلام السياسي تربطهما علاقات مركبة وغير ثابتة: الجهتان ترفضان احتكار تأويل القرآن والحديث من قِبل المفكرين المسلمين الموالين للسلطة (إخوان مصر ساندوا المفكر المستقل نصر حامد أبو زيد ضد علماء الأزهر لكن محمد الغزالي حلل اغتيال المفكر المستقل فرج فودة). الجهتان تقاومان الهيمنة الثقافية الغربية لكنهما تختلفان حول المواقف من كونية حقوق الإنسان ومن الديمقراطية الغربية ومن العدالة الاجتماعية ومن الفنون.

إضافة مواطن العالم:

على سبيل الذكر لا الحصر، سأسرد عليكم بعض الأسماء التي أعرفها في كل صنف من الأصناف الأربعة:

1. المفكرون المسلمون الموالون للسلطة: علماء الأزهر في مصر و علماء جامع الزيتونة في تونس (دون تعميم).

2. مفكرو الإسلام السياسي (أو "العلماء المسلمون"): 

راشد الغنوشي، سيد قطب، أبو يعرب المرزوقي، حسن البنّا، (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). يوسف القرضاوي، أبو الأعلى المودودي، محمد عبد الوهّاب، حسن الترابي، مالك بن نبي، (لم أقرأهم). محمد الغزالي، وجدي غنيم، (سمعتهما في التلفزات).

3. المفكرون المستقلون (أو "المثقفون الجدد"): 

محمد أركون، هاشم صالح، عبد الله العروي، علي حرب، حسين مروّة، فراس السواح، علي شريعتي، طه حسين، الطاهر الحداد، عياض بن عاشور، عبد المجيد الشرفي، محمد الشرفي، محمد الحداد، محمد الطالبي، محمد الشريف الفرجاني، ألفة يوسف، هالة وردي، هشام جعيّط، محمد شحرور، نصر حامد أبو زيد، فرج فودة، يوسف الصدّيق (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). جمال البنّا، طارق رمضان، سيد القمني (سمعتهما في التلفزات). أمل ﭬرامي، حسن حنفي، محمد إقبال، (لم أقرأهم).

4. المفكرون غير المسلمين (أو "المستشرقون الجدد"): روائيون ومؤرخون وفلاسفة وعلماء سياسة:

François Burgat, Gilles Kepel, Jean Baubérot, Olivier Roy, Amir Moezzi (Le Coran des historiens, 3400 pages), Alain Gresh, Amin Maalouf, Michel Onfray, Maxime Rodinson, Jacqueline Chabbi, Malek Chebel, Alain Roussillon, (j’ai lu une partie de l’œuvre de chacun d’entre-eux). Edward Saïd (le palestinien-américain qui a fustigé tous les orientalistes classiques. Je ne l’ai pas lu).

Source d’inspiration : La pensée islamique contemporaine, Alain Roussillon, éd. Cérès, 2007, 182 pages, prix : 8 DT.


يسألونني دومًا: في ماذا تُعارِضُ الإسلاميين وهم أصدقاؤك ؟


أجيبُ وأجْرِي على الله الذي لا غيره أطلبُ رضاه:

أسِرُّ إليكم ببعض نقاط الاختلاف بيني وبين الإسلاميين بجميع تفرّعاتهم والتي بسببها أعارض سياساتهم لكن هم في الواقع أهلي وعُزوتي ولا أهلَ لي غيرهم، شاؤوا أو أبَوا، أحِبّهم ولا أعاديهم، أرحّب بهم ولا أقصيهم، والاختلاف في جزء من الفكر لن يفسد للود قضية بيننا، قدَري وقدَرهم، لم أخترْه ولم يختاروه.

1. "فرنكوفوني" الثقافة والتكوين العلمي والتعليم منذ السنة الثانية ابتدائي بجمنة سنة 1959 (مكرهٌ أخاكم لا بطل) وفي نفس الوقت أعتز بلغتي العربية الفصحى التي كتبتُ بها وسأكتبُ 99% من كتبي ومقالاتي ومحاضراتي ومَن ينكر الجميلَ لا أصلَ له، جميل اللغة الفرنسية عليَّ. أرجوكم لا تأخذوا كلامي على أنه تباهٍ باللغة الفرنسية، لغة المستعمر القديم المتجدد دومًا، فأنا أومن أن مَن لا يُتقن الأنـﭬليزية هو "شخصٌ مصابٌ بفقر الدم الثقافي" والحمد لله، الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، أنا لا أتقنها.

2. "دارويني" بيولوجيًّا ومسلم عقائديًّا وحضاريًّا. عالم الأنتروبولوجيا الأمريكي ستيفن جاي ﭬولد قال في هذه المفارقة العجيبة بالذات، قال ما يلي وأنا أؤيده فيما قال: "الخيارات الخاطئة: أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين إذن أنت ملحد أو العكس أنت مؤمن بالله إذن أنت لا تعترف بهذه النظرية، فمن الأفضل إذن ألا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة: من الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. الدين والعلم يكوّنان عالَمين مختلفين ومنفصلين ومستقلين لا تطابق بينهما ولا مواجهة مطلقة. قد يلتقيان في مجال الأخلاق (Éthique)".

3. "عَلماني" على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية المتصالحة مع كل الأديان خلافًا للائكية فرنسا المعادية للدين صراحة والدليل أن أحد شعارات الثورة الفرنسية (1789) كان يقول: "سنشنق آخر ملك بأمعاء آخر قِس" (للأسف الشديد علمانيونا ويساريونا ورثوا علمانية فرنسا وأنا في شبابي كنت مثلهم بسبب نقص مهول في ثقافتي العامة). أضِفْ إلى ما سبق أنني أستند في علمانيتي على ما جاء في القرآن الكريم: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" أي كأنه قال لنا بصريح العبارة "تدبّروا أموركم ولا تنتظروا حلولاً من السماء" قد تأتي وقد لا تأتي لحكمة لا يعلمها إلا هو، سبحانه وتعالى.

4. "يساري غير ماركسي".

5. "ضد حكم الإعدام". قال تعالى: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ".

6. "ضد كل أنوا ع التعذيب والعقوبات البدنية" فلكل زمان تأويلاته لمقاصد الإسلام الحنيف.

7. "ضد كل أنواع المِلكيات الكبرى (les trusts)" لكنني مع الملكيات الخاصة الصغرى والمتوسّطة (Les PME : les petites et moyennes entreprises).

8. "مع المساواة التامّة بين الرجل والمرأة" في الحقوق لا في الواجبات.

9. أعتز بانتمائي الفطري والمكتسب للحضارة العربية-الإسلامية (دون إقصاء الأمازيغية والكونية) لكنني أومن في نفس الوقت بأن لا أفضلية لحضارة على حضارة. هكذا علمتني الأنتروبولوجيا ورسالة العالمِين (قال تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ولم يقل "إن أسلمكم...").

10. ضد المقاومة المسلحة ومع المقاومة السلمية على طريقة غاندي ومانديلا (ثبوتٌ على الحق وصمودٌ وشجاعةٌ) لا على طريقة عرفات وعبّاس (تنازلٌ على الحق وتخاذُلٌ وجُبنٌ).

11. صدقًا، لا أرى نفسي خُنْتُ ديني ولا أنا خُنْتُ يساريتي والحمد لله.

حمام الشط في 17 جويلية2022.

النهضة (يمين محافظ) والجبهة (يسار ستاليني)، حزبان يتباريان، الملعب تونسي والجمهور عالمي: لِنرى مَن هو "المْلاعْبِي" ومَن هو "الغَفّاصْ" ؟


1. للنهضة منتدى ثقافي يستضيف وجوهًا يساريةً لِيحاضروا في فضائه بكل حرية، مثل سليم دولة وأم الزين بن شيخة (لم أذكر اسمي لأنني في نظر الجبهاويين يساري "مْذَرَّحْ"). في المقابل، سألتُ مرة واحد جبهاوي، دون تعميمٍ: لماذا لا تنظِّمون ندوات ثقافية ؟ أجابني بكل وثوق: "نحن لاهْيينْ في رَصِّ الصفوف". قلتُ له في قلبي: "يا ...، رَصُّ الصفوفِ لن يأتي إلا مِن مِثلِ هذه الندواتِ".

2. النهضة رشّحت يهوديًّا تونسيًّا على رأس قائمة انتخابية في المنستير. علق بعض الجبهاويين: "النهضة تتقرب من اللوبيات الصهيونية"، والمفارقة أن اليسار كان دومًا ينادي بعدم الخلط بين الصهيونية واليهودية.

3. المواطن الذي نشر فيديو تعنيف الأطفال المتوحدين هو إسلامي وأظنه نهضاويًّا أو متعاطفًا. وفي المقابل لا يهتم الجبهاويون إلا بالمدارس القرآنية، بالازدراء طبعًا، والمفارقة أن جل اليسارييِّن من مواليد الخمسينيات والستينيات استفادوا لغويًّا في سن الفهم في المدرسة الابتدائية من الزاد اللغوي الذي اكتسبوه في الكُتّاب في سن الاستيعاب (تحفيظ القرآن في الكُتّاب يُسمّى في علوم التربية حمّامًا لغويًّا).

4. قناة فرانس 24 تحدثتْ عن برلمانيةٍ تونسيةٍ تطالبُ بتدريسِ التربيةِ الجنسيةِ في التعليم العمومي. البرلمانيةُ نهضاويةٌ وليست جبهاويةً.

5. حول المثليين التونسيين، قال الغنوشي: "لن نفتشَ في حياتهم الخاصة ولن نتجسسَ عليهم في بيوتِهم". في المقابل واحد جبهاوي، دون تعميمٍ، قال في نفس الموضوع: "المثليون شواذ ومرضى، يجب معاقبتهم بالعَزلِ أو السجن، كما فعل معهم قديمًا أب الشعوب الرفيق ستالين". 

6. حول المساواة في الإرث: النهضة قالت: "وجهةُ نظرٍ فيها نظرٌ"، أما رئيس حزب جبهاوي فقال: "موش وقتو".

7. النهضة تربط العلاقات وتتبادل الزيارات مع الحزب الشيوعي الصيني، وحزب العمال مع الحزبِ الشيوعي الكيني.

خاتمة: أترك لكم حرية التحكيم: مَن هو "المْلاعْبِي" ومَن هو "الغَفّاصْ" ؟

ملاحظةٌ منهجيةٌ: لم أعمِّمْ، نشرتُ الخبرَ طازجًا عاريًا، وقصدًا لم أحلِّل ولم أقرأ في نوايا الطرفَينِ.

الإمضاء: يساري "مْذَرَّحْ" وزيدوها "غَفّاصْ" إن شئتُم ! هذا لا يمنَعُ أن "الڨوش" التونسية ڨوشة منذ نشأتِها في العشرينيات من القرن الماضي، وسوف تظلْ، ما لم تتراجع عن أخطائها، أو سوف تتلاشى لا محالة، وفي يومٍ مَعلومٍ - لا قدّرَ الله - ستذهبُ ريحُها ثم تندثِرُ وتضمحلْ !

حمام الشط، السبت 24 فيفري 2018.


 

اليساريون التونسيون والإسلاميون التونسيون، إلى أين المصير ؟


التديّن هو تطبيق الدين في مجتمع ما في مكان ما في زمن ما.

« La religion construit la société, et la société construit sa religion » Jacqueline Chabbi, anthropologue

التديّن (وليس الدين) اقتحم ما تحت التفاصيل في حياتنا اليومية وما زال جل اليساريين التونسيين يُصرّون على تصنيفه في البِنى الفوقية !

التديّن (وليس الدين) أراحنا من أنظمة ديكتاتورية وتسبّب في حروب أهلية وما زال جل اليساريين التونسيين يُصرّون على أنه علاقة عمودية  !

التدين (وليس الدين) لا تخلو منه عائلة يسارية واحدة وما زال جل اليساريين التونسيين يتعايشون معه بسلام في داخل الأسرة ويقصونه في الفضاءات الثقافية والسياسية !

اليساريون التونسيون "متدينون أنتروبولوجيًّا" والمتدينون التونسيون "يساريون اجتماعيًّا"، فلو حفر كل واحد منهم في داخله لَتصالح مع نفسه ومع الآخر !

اليساريون التونسيون والإسلاميون التونسيون، الاثنان يؤمنان بحرية المعتقد الموثقة في القرآن وفي البيان العالمي لحقوق الإنسان. بقي التطبيق، حلم لم يتحقق !

أمنية: لو تنازل اليساري التونسي -قليلاً مَا- لأخيه الإسلامي التونسي، ولو تنازل الإسلامي التونسي -قليلاً ما- لأخيه اليساري التونسي، لوجدا

 Des terrains d’entente.

- Terrain d’entente n° 1 entre Gauchistes & Islamistes :

"إِنّ اللّهَ لا يُغيّرُ ما بِقومٍ حتّى يُغيّروا ما بِأنفسِهم" (قرآنٌ كريمٌ) 

- Terrain d’entente n° 2 entre Gauchistes & Islamistes :

"مِن كلٍّ حسب جَهدِه، ولكلٍّ حسب حاجتِه" كارل ماركس الفيلسوف الحالِمُ الجميلُ 

- Terrain d’entente n°3 entre Gauchistes & Islamistes :

"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" المصطفَى الحبيبُ صلى الله عليه وسلم 

- Terrain d’entente n°4 entre Gauchistes & Islamistes:

"الاقتصاد الاجتماعي-التضامني" لكم أسوة في تجربة جمنة التي ساهمتما معا في إنجاحها.

إمضائي: "إذا فهمتَ كل شيء، فهذا يعني أنهم لم يشرحوا لك جيّدًا !" أمين معلوف

حمام الشط في 29 ديسمبر2020.


انتصارًا للعِلمِ اختصاصِي وليس انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكلّ مقامٍ مقالٌ ؟


يخافون على الصغار من التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99%.

مَن هُمْ ؟

هم رفاقي اليساريون الستالينيون والأقربون إليهم الحداثيون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين، كُرهُهم الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين (لم أقل للإسلام) أعماهم عن المنطقِ (لا تعنيني قيادة النهضة).

أقول لهم بكل محبة ما يلي: 

1. المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Pavlov, Watson et Skinner) ترى أن الطفلَ إناءٌ فارغٌ يملؤه المعلم بما يشاء، صفحةٌ بيضاءُ يَكتب عليها ما يريد، صلصالٌ يشكّله حسب هواه. 

2. الطفلُ يا سادتي، يا مؤمنون بحرية الضمير والمعتقد، الطفلُ ذاتٌ حرةٌ مستقلةٌ تَملأ نفسَها بما تشاء، صفحةٌ بيضاءُ تَكتب على نفسها ما تريد، مخّنا مخٌّ مَرِنٌ لَدِنٌ غير مكتمل الوصلات العصبية المجهرية الوظيفية (La plasticité cérébrale) يتشكل حسب هوى صاحبه متفاعلاً مع محيطه، أقرانِه ومعلّمِه

 L`épigenèse cérébrale

هكذا قال زارادُشتْ أو تهيّأ لي أنه قالَ (زرادشت هنا هو اختصاص الديداكتيك -اختصاصي- أو فلسفة التعلم أو إبسمولوجيا التعليم بكل أنواعه، فروعه وتفرّعاته) وهكذا قالت المدرسة البنائية (Le constructivisme de Montessori et Piaget) على عكس ما قالت زميلتها البافلوفية المدرسة السلوكية، قالت: يبني التلميذ معرفته بنفسه متفاعلاً مع محيطه، أقرانه ومعلمه (Le socioconstructivisme de Vygotsky).

3. على سبيل الذكر لا الحصر أذكّركم ببعض الاستثناءات ولا أهدف البتّة إلى إقناعكم بل أطمح فقط إلى التخفيف من تعصبكم ضد أبناء وطنكم. ستقولون لي "الشاذ يُحفظ ولا يقاس عليه" وأنا لا أطالبكم إلا بحفظ ما سأقول، أي تصونوه مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ، إذا لم تُدخِلوا أبناءَكم مدارسَ دينية وأدخلتوهم مدارسَ عَلمانية فلن يضمن لكم صنيعكم هذا أن أبناءَكم سيتخرّجون عَلمانيين والدليل:

- مئات الدواعش الفرنسيين في سوريا المولودين في باريس وليونْ من الجيل الثاني دَرَسوا في المدارس الفرنسية العلمانية ولا يَحفَظونَ من القرآن إلا الفاتحةَ وقُلْ هو الله أحد الله الصمد.

- مئات آلاف الدواعش السوريين دَرَسوا في المدارسَ السوريةَ الحديثةَ الشبه علمانية.

- آلاف الدواعش التونسيينَ في سوريا دَرَسوا في المدارسَ التونسيةَ الحديثةَ الشبه علمانية.

- أكبر مَن أجرموا في حق الإنسانية في الحرب العالمية الثانية (60 مليون قتيل) دَرَسوا في مدارسَ علمانية: هم سياسيو وعسكريو المحور (هتلر، موسولوني، هيروهيتو، إلخ.) وخصومهم الحلفاء (ستالين، إيزنهاور، شرشل، ديڤول) وعلماء الجهتين مصمِّمو القنبلة الذرية والأسلحة الكيميائية والألغام الشخصية وتسميم الغابات والبحر والتربة والجو. دول الحلفاء كانت تحارب دول المحور، والاثنان يتسابقان في احتلال دول العالم الثالث. 

4. في المقابل، إن الذين لم يُدخِلوا أبناءَهم مدارسَ علمانية وعلّموهم في مدارسَ دينية لم يضمن لهم صنيعهم ذلك أن أبناءهم تخرّجوا متدينين: 

- العالِم الشهير داروين صاحب نظرية التطور المناقضة لنظرية الخلق في الإنجيل دَرَسَ في مدرسة دينية.

- الفيلسوف هيڤل دَرَسَ العالي في مدرسة دينية، كانوا يُعِدّونه ليصبح قِسًّا فأصبح أكبر فيلسوف لتاريخ الفلسفة وخاتم الفلاسفة كما ادّعى وقد صدق في ادّعائه. لم أقرأ هيڤل، كلمتين حفظتهم أمس مساءً في مقهى الأمازونيا من صديقي فيلسوف حمام الشط لكي لا أقول على هيڤل خطأً !

- مندال، مؤسس علم الوراثة هو قس مسيحي.

- حسين مروة أكبر مُنظِّر في الحزب الشيوعي اللبناني وكاتب كتاب "النزعات المادية في الإسلام" دَرَسَ  14 عامًا في الحزوة الشيعية في النجف في العراق.

- طه حسين والطهطاوي، رموز النهضة العربية العقلانية، دَرَسا في جامع الأزهر.

- الطاهر الحداد محرر المرأة التونسية دَرَسَ في جامع الزيتونة.


خلاصة القول: مقولةُ"غسل الدماغ" مقولةٌ فيها مبالغة: المخ ليس صحنًا نغسل بالصابون ما علق به من دهون، المخ عشرة مليارات خلية عصبية. كل خلية قادرة على أن تُقيم مع جاراتها عشرة آلاف وصلة عصبية أي ما يُقدّر مجموعه بمليون مليار علاقة عصبية في المخ بين خلية وأخرى. علاقات تتشكل خلال العمر كله حسب التجربة التي يمر بها كل شخصٍ على حِده 

L`épigenèse cérébrale 

وصلات عصبية غير قارّة (La plasticité cérébrale) ولا أحد يستطيع التنبّؤ بكيفية تشكلها في كل ثانية من جديد. تتشكل بالتفاعل مع ثلاثين ألف جينة داخل نواة كل خلية (ADN) ومع المحيط الخلوي الداخلي ومع المحيط الخارجي بكل مكوّناته المتعددة والمتحركة التي لا نعرف اتجاه حركتها مسبقًا. المخ البشري عالَمٌ معقدٌ جدًّا، عجز العلم عن كشف جل ميكانيزماته وأعمق أسراره

 Ses mécanismes et ses mystères 

ولا أعْتَى حاسوب في "سيليكون فالِي" أمريكا أو الصين يَقدر على مراقبة تفاعلاته الفيزيائية-الكيميائية أو قيس ذبذباته الكهرو-مغناطيسية، لا يَقدر عليه إلا الخالق الذي أبدعه و"ما أوتيتم من العلم إلا قليلا" !

خاتمة: أنا أدينُ وبشدة كل تجاوزٍ يقع على الأطفال وفي أي مكان في تونس أو في العالَم، الرڤاب أو غيرها، وإذا ثبتت التهمة على المتهمين في قضية المدرسة القرآنية بالرڤاب فأنا أطالب بتسليط أشد العقاب عليهم هم وعلى مسؤولي الطفولة المحليين والجهويين والوطنيين ولا تنسوا أمثالهم السياسيين والإداريين. 

لي طلبٌ آخرَ ولو أنني أثقلتُ عليكم زملائي البيداغوجيين ورفاقي اليساريين والحداثيين ولائكيِّ فرنسا: لا تنسوا أن تتفقدوا ما يحدث من تجاوزات مماثلة أو أفظعَ  في مهرجانات الأولياء الصالحين (الله ينفعنا ببركاتهم) والروضات ونوادي الأطفال والمبيتات التلمذية والرحلات المدرسية بأكثر من يوم وإقامات المصائف والجولات المطوّلة وغرف ملابس الصغار في ملاعب الكرة والمخيمات الكشفية والمراكز المندمجة (قُرَى أطفال بورڤيبة سابقًا)، إلخ. هذا لا يعني تمييعًا لجريمة الرڤاب وليس تبريرًا لها ولا تخفيفًا بأي شكلٍ من الأشكالِ.

لماذا كتبتُ هذا المقال ؟: هو مواصلة لنقاش في مقهى الشيحي وليس ردّا أو استفزازًا لأحد. لقد تناولتُ الموضوع من جانب علمي ديداكتيكي (فلسفة التعلّم، تعلّم القرآن أو غيره من المواد) وليس من جانب عاطفي ديني وإن لم تصدّقوني فاجعلكم لا صدّقتم ! لكي أكتبَ يكفي أن أصدّقَ نفسي وأرضِي ضميري وبَسْ. ولو سألوني أين ستُعلِّم ابنك ؟ سأجيبُ مع العلم أنني لستُ نهضاويًّا ولن أكون ولا جبهاويًّا (كتلة مكونة من أحزاب ستالينية) ولن أكون أيضًا. أنا مسلم يساري، يسار ما قبل ماركس، علماني على الطريقة الأنڤلوساكسونية غير المناوئة للدين عمومًا والحمد لله على ما أعطاني، سأجيبُ كالآتي: 

- قبل المدرسة أدخِله كُتّاباً (3-6) لا يُحفَّظ فيه إلا القرآن ودون تفسيرٍ، درسٌ أعتبره علميًّا حمّامًا لغويًّا (Un bain linguistique).

- يتعلم فيه الفصحى والنطق السليم للحروف مثلما تعلمتهما أنا في "خَلوة" (كتّاب) جمنة في الخمسينيات عند "المِدِّبْ" محمود، الله يرحمه.

- في التعليم العمومي الأساسي (6-15) يتعلم المواد العلمية والإنسانية ويتعلم القرآنَ والتفسيرَ والحديثَ والشرحَ في التربية الإسلامية.

- في التعليم العمومي الثانوي (15-19)، علمي أو أدبي،  المواد العلمية والإنسانية ويتعلم الفقهَ والتفكيرَ الإسلامي.

- في التعليم العمومي العالي (19-22) ، علمي أو أدبي،  يتعلم المواد العلمية والإنسانية ويتعلم أنتروبولوجيا الأديان اختصاص جاكلين الشابي ويتعلم الدينَ المقارنَ اختصاص علي شريعتي (قال عنه سارتر الفيلسوف الوجودي الملحد: "لو قررتُ يومًا أن أختارَ دينًا لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي"، أي الإسلام).

- يحق لكل مواطن تونسي مسلم غير يساري وغير علماني أن يُدخِلَ ابنه مدرسة علمانية أو يُدخِلَه مدرسة دينية من الكتّاب إلى الجامعة والتعليم الديني موجود وبكثرة في الدول العلمانية المسيحية والدولة العلمانية اليهودية مغتصبة فلسطين.

حمام الشط، الجمعة 8 فيفري 2019.


تاريخ بعض المفاهيم الإسلامية: ملاحظات وفرضيات شخصية وليست استنتاجات علمية ؟



ملاحظة منهجية:

لا يجب التقليل من قيمة الملاحظات والفرضيات خاصة عندما تصدر عن شخص مطلع نسبيا على التراث الإسلامي من خلال المطالعة الإبستمولوجية الجادة وغير الإيديولوجية. نحن نعرف أن لكل مفهوم (Concept) تاريخ لغوي واجتماعي، والمفهوم ليس كائنا جامدا محنّطا بل هو كائن حي يولد ويموت وينمو ويكبر ويتطور أو يضمر من قلة الاستعمال فينقرض ويندثر. حتى قداسته تتغير حسب المكان والزمان وحسب ظروف حامِلِه الاجتماعية والطبقية والثقافية والدينية. الفرضية العلمية لا تنزل من السماء ولا تنزل على بشرٍ صدفة، هي تنزل فقط على مَن ينتظرها. لو فرضنا جدلاً أن تفاحة نيوتن هي التي أوحت إليه بقانون الجاذبية فليس سقوطها هو سبب اكتشاف القانون وإنما عقل نيوتن العبقري هو السبب الأساسي لأنه عقلٌ حاملٌ لنظرية علمية غير ناضجة وغير مكتملة، وحادثة السقوط ليست سوى الشرارة التي حرّكت ماكينة البحث العلمي الجاهزة في مخ نيوتن وما أكثر مَن سقطت على رؤوسهم أجسام أكبر من التفاحة ولم يكتشفوا شيئا إلا نتوءات في جماجمهم الفارغة. أضيف: الملاحظة والفرضية العلميتان هما أول المرحل في تمشي البحث العلمي، يليهما مراحل التجربة والتحليل والتأويل ثم الاستنتاج وتعميم القانون العلمي الجديد وهو بدوره عارضٌ نفسه للدحض والتكذيب على صفحات المجلات العلمية المختصة.


لُبّ الموضوع:

المفاهيم الإسلامية التي سأتناولها بالتحليل هي صنفان: الصنف الأول يشمل العبادات (الفروض الشرعية أو حقوق الله) كالصلاة والصيام وهي في الظاهر ثابتة وبعد التمحيص نكتشف أن قداستها قد تنقص أو تزيد حسب الجغرافيا والتاريخ. الصنف الثاني يشمل الأحكام والحدود (المعاملات الدنيوية أو حقوق الإنسان)  كالجزية وقطع يد السارق وهي تخضع للاجتهاد والتعديل والتطوير، منها مَن لا يزال صامدًا وعصيًّا عن التغيير، ومنها مَن انقرض ومنها مَن في طريقه إلى الانقراض تحت سياط المجتهدين وأولهم عمر رضي الله عنه الذي لم يطبق حد السرقة على السارق في عام المجاعة رأفة بالمسلمين وليس عصيانًا لأمر الله وآخرهم راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة (حزب مدني ذو مرجعية إسلامية سنّية أشعرية مالكية تونسية) الذي حكم البلاد قرابة الثلاث سنوات ولم يحرّم بيع واستهلاك الخمر علنًا ولم يحرّم أيضا ممارسة البغاء العلني في المواخير الحكومية، الشيئان المحرّمان صراحة في القرآن الكريم منذ 14 قرنًا بل حلّل لحكومته استثمار الأموال الحرام المتأتية من هذين النشاطين الاجتماعيَّين المدنّسين حسب تعاليم ديننا الحنيف.

الصنف الأول: العبادات (الفروض الشرعية أو حقوق الله)

- الصلاة رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام بل الركن الأهم ورغم ذلك لا يمارسها بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين (مَن يؤمّون الجوامع ومَن يصلون في ديارهم أو أماكن عملهم) ومَن لا يمارسها يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للصلاة قداسة في الشرق أكثر من تونس.

- الصوم رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يمارسه بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين (ممارسة يستحيل قياسها أو مراقبتها) ومَن لا يمارسه يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للصوم قداسة في تونس أكثر من قداسته في العراق.

- الزكاة رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يؤديها بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين الأغنياء (الذين يخافون ربهم في السر والعلن) ومَن لا يمارسها يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للزكاة قداسة في قلوب المسلمين المتقين أكثر من قداستها في قلوب المسلمين العاديين.

- الحج رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يستطيعه إلا عدد قليل من المسلمين الأغنياء وكثيرٌ مِمَّن يذهبون إلى مكة يركّزون على التجارة وهي حلال لهم لكنهم يهملون العبادة ويرجعون إلى بلدانهم كما ذهبوا أو أقل تقوى وأكثر إقبالا على ملذات الدنيا.

- الجهاد ضد الكفار: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفهوم الكفار واضحا أي "غير المسلمين المعتدين على المسلمين" أما اليوم فقد ضاع المفهوم المحمدي بحكم العولمة والاختلاط وأصبح في التطبيق لاغيا. حرية المعتقد والضمير لم تُبْقِ لهذا المفهوم معنى، حرية منصوص عليها صراحة في الدستور التونسي الجديد 2014 الذي شاركتْ في صياغته أحزاب ذات مرجعية إسلامية. هل يُعتبَر الفرنسيون كفارا وفيهم حوالي سبعة ملايين مسلم ؟ هل دولة النورفاج التي منحتنا أخيرا جائزة نوبل، دولة عدوة لأنها كافرة وهل تهددنا مثل ما يهددنا اليوم الإرهابيون المسلمون التونسيون ؟ الكافر اليوم هو الإرهابي المسلم قبل المسالم غير المسلم ؟ بل الكفر اليوم هو التخلف والاستبداد والجوع والفقر والمرض والتلوث. فَهِمَ الألمان واليابانيون هذه الحقيقة منذ سبعين سنة وعرفوا عدوهم وحاربوا الجهل والفقر بالعلم والعمل وانتصروا عليهما أيما انتصار دون عنتريات ودون طلقة نارية واحدة وهم ليسوا أقل شجاعة منّا.

الصنف الثاني: الأحكام والحدود (المعاملات الدنيوية أو حقوق الإنسان)

- الجزية التي كانت مفروضة في عهود الخلافة الإسلامية على أهل الذمة من المسيحيين واليهود: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب اليهودي التونسي أو المسيحي التونسي بدفع الجزية ؟

- قطع يد السارق: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بإقامة الحد على السارق ؟ خاصة والفساد والرشوة والارتشاء أدواءٌ متفشية في الدول المسلمة وفي كل الطبقات الحاكمة والمحكومة. ولو طبقناه اليوم لا قدر الله، فأحرى بنا أن نطبقه عل الحاكم السارق والقاضي المرتشي والشرطي "بوخمّوس" (رشوقة في الطريق بخمسة دنانير) ورجال الأعمال شركاء الطرابلسية قبل أن نطبقه على سارق دجاحة أو سارق أثاث منزلي.

- تسخير العبيد وما ملكت أيمانكم: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بامتلاك عبيد أو جواري ؟

- جلد أو رجم الزاني والزانية: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بتطبيق هذه الحدود على الزناة ؟

- تحريم الخمر والبغاء: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بغلق الخمارات والمواخير المرخصة من الدولة التي يشارك في حكومتها الحالية حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية المعلنة ؟

- تجريم المثلية الجنسية: قال الغنوشي: "لن نتجسس على الناس في بيوتهم ولن نفتش على دليل إدانة في أجسامهم ما داموا عاصين متسترين".

- تحريم الفنون: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بِمنع الرقص والغناء والنحت والرسم في تونس ؟

حمام الشط، الأربعاء 16 ديسمبر 2015.



 

احفِرْ قبل أن تعلّق !


1. غُصْ قبل أن تعلّق: في تونس وللأسف يبدو لي أن جل الإسلاميين لا يملكون ثقافة إسلامية معمّقة كذلك جل اليساريين لا يملكون ثقافة يسارية معمّقة !

2. غُصْ قبل أن تعلّق: عند العرب، يبدو لي أن التعليم الديني القديم أنتج علماء-فلاسفة (ابن سينا، ابن رشد، الفارابي، إلخ) والتعليم الغربي الحديث لم ينتج لا فلاسفة ولا علماء ! لا يعني هذا أن اليوم التعليم الديني أفضل من التعليم الغربي كما تدّعي منظمة "بوكو حرام" الداعشية النيجيرية.

3. غُصْ قبل أن تعلّق: كل الوافدين على تونس، الفينيقيون والرومان والفرنسيون كانوا عنصريين لذلك لم نَرِثْ حضاراتهم، إلا المسلمين لذلك ورثنا حضارتهم !

4. غُصْ قبل أن تعلّق: الحضارة السائدة اليوم في تونس عمرها 14 قرنًا مع بقايا أمازيغية والباقي استعمار حضاري وثقافي (الفينيقيون والرومان والفرنسيون والعثمانيون) !

5. غُصْ قبل أن تعلّق: المفارقة أن الحضارة العربية-الإسلامية أضعفتها عدالتها ومساواتها وتسامحها وانعدام العنصرية نسبيًّا داخلها وغياب الإقطاع والطبقية !

6. غُصْ قبل أن تعلّق: أيها اليساري التونسي أنت اعتنقتَ نظرية الماركسية الوافدة، آمنتَ بها ودافعتَ عنها، فكيف تتعجّب من اعتناق أمازيغ شمال إفريقيا للإسلام !

7. غُصْ قبل أن تعلّق: إذا عرفتَ أنك غبيٌّ فهذا دليل قاطع على أنك الذكي، كذلك إذا عرفتَ أنك فاشلٌ فأنت الناجح، وإذا عرفتَ أنك بلا كفاءةٍ فأنت الكفءُ !

8. غص قبل أن تعلق: الملحدون التونسيون هم أنتروبولوجيا مسلمون. الغريب أنهم ينكرون هذه الحقيقة والغربيون يعرفونها ويعاملونهم كمسلمين ! 

9. غُصْ قبل أن تعلّق: كل المسلمين غير العرب هم جزئيا عرب لأن الحضارة الإسلامية هي منتَج ثقافي عربي بالأساس (ليس منتج عِرقي) وحتى القرآن فهو وحي إلهي بلغة العرب !

10. غُصْ قبل أن تعلّق: انتشار السلفية  منذ سبعينيات القرن الماضي ليس صحوةً إسلاميةً أو اقتداءًا بالسلف الصالح كما يدّعي السلفيون، وإنما هي في الواقع صحوة بترودولارية وهابية تخدم مصالح الخليج العربي السياسية لا غير !

حمام الشط في 8 جوان2020.


يوجد في الغرب ملحدون غربيون يقولون عن أنفسهم علنًا أنهم "ملحدون/مسيحيون" وبالقياس يصبح ملحدونا التونسيون "ملحدين/مسلمين"


لا أدّعي بأنني قمت بدراسة جامعية أو ميدانية أو إحصائية لكنني أكاد أجزم استنادً لحدسي وملاحظاتي العلمية الدقيقة كـ"مسلم/يساري" قد سبق لي وإن عاشرت واقعيًّا في حياتي طيلة ستون عامًا بعض الملحدين الغربيين مثل بعض أساتذتي المباشرين السابقين في تونس السبعينات وفي أوائل القرن 21 ولم يسألوني ولو مرة واحدة عن ديني وبالمثل لم أسألهم عن دينهم إلا من صرح به منهم علنا في القسم واختلاف عقيدتَينا لم يُطرح ولو مرة واحدة للنقاش ولم يعطلنا في بحوثنا ولو ثانية واحدة لأن اختصاصنا المشترك كان علميًّا تجريبيًّا ولا يحتاج تماما للدين: SVT). 

عاشرتُ أيضًا بعض الملحدين التونسيين مثل بعض زملائي وبعض رفاقي الماركسيين فعرفت أيضًا أن كل ملحد تونسي هو "ملحد/مسلم": ملحد عقائديًّا ولا يحق حسابه في الدنيا من قِبل أي بشر ومسلم أنتروبولوجيًّا أي يشاركنا أفراحنا وأتراحنا وأعيادنا ويدافع عن أرضنا وشرفنا ووطننا فكيف نعاديه وهو من مد يده إلينا يخطب ودنا ولم يعادنا في ديننا... أيصح أن نعاديه ؟ لو فعلناها لأصبحنا على ما فعلنا من النادمين ! 

Déclarations : Le philosophe français Michel Onfray a déclaré qu’il est « athée/chrétien ».("ملحد/مسيحي")   Le philosophe français Albert Jacquard a déclaré qu’il est « athée ».("ملحد") .  Le philosophe Edgar Morin et Le Président Mitterrand ont déclaré qu’ils sont tous les deux « agnostiques ».(لا أدرييون)  Moi, je déclare que je suis « gauche/musulman » (يساري/مسلم) 

حمام الشط في 9 أوت 2023.


 

بصيغة برقية بعض النقاط النظرية المتشابهة بين بعض الحركات الماركسية وبعض الحركات الإسلامية


1. الاثنان يدّعيان أنهما يملكان الحل وهو الإسلام أو الشيوعية. (أنا أرى أن الحل لا يمكن أن تملكه إيديولوجية بمفردها).

2. الاثنان يدّعيان أنهما يملكان كل الأجوبة لكل الأسئلة في الكتاب القرآن الكريم أو في كتاب رأس المال لماركس. (أنا أرى أن كل منهما يملك جزءًا من الأجوبة فقط لجزء من الأسئلة فقط).

3. الاثنان أمميّان الهوى لا يعترفان بتقسيم العالم إلى أوطان بل يؤمنان بالأممية الشيوعية أو بالخلافة الإسلامية (أنا أيضًا أومن بالأممية لكن أمميتي تختلف عن أمميتيهما، أمميتي لا تلغي وطنيتي بل تتفاعل معها تفاعل الند للند).

4. الاثنان يؤمنان بالعنف المسلح وسيلة لتحرير الأوطان أو للوصول إلى السلطة، جهادًا كان يُسمّى أو عنفًا ثوريًّا. (أنا غاندي الهوى).

5. الاثنان لا يملكان رصيدًا نظريًّا يسند فكرة الدولة (أو قد يكون موجودًا وأنا لم أطّلع عليه) بل على العكس يُنظّران لزوال هيمنة الدولة على كل مفاصل السلطة. (أنا أومن بدولة السبعينيات، الدولة الاجتماعية الراعية للطبقات الفقيرة والوسطَى ولو أنني أنا أيضًا لم أقرأ الكثير عن فكرة الدولة نفسها).

6. الاثنان استعملا الإرهاب وسيلة لتحقيق غاياتهم السياسية. (أنا أقف ضد الإرهاب وسيلة حتى ولو كان من أجل تحقيق غاية نبيلة مثل التحرّر من الاستعمار).

7. الاثنان استعملا تسفير مناضليهم لنصرة إخوانهم أو رفاقهم. (أنا أقف مع تسفير المناضلين لنصرة القضايا العادلة بغض النظر عن ديانة الضحية أو إيديولوجيتها أو جنسيتها أو عِرقها أو مذهبها أو طائفتها أو لون بَشرتها).

حمام الشط في 20 جويلية2022.

ما هو مصدر مخزون الكُرهِ المُتَبادَلِ للأسف بين اللائكيّين التونسيّين والنهضاويّين التونسيّين ؟


يبدو لي أنه كُرهٌ موروثٌ. كُرهٌ وَرَثَهُ اللائكيّون التونسيّون من جانبهم عن فِكر الثورة الفرنسية غير الملحد لكنه معادي للمسيحية

Pensée déiste non athée mais anti-théiste

 و كُرهٌ وَرَثَهُ النهضاويّون التونسيّون من جانبهم عن فِكر الإخوان المسلمين المصريين المعادي لـ"اللائكية الناصرية".

بكل ودٍّ ولطفِ، أدعو الطرفين إلى حلحلة موقفَيْهما الإقصائيَّين وإلى محاولة كل واحد منهما الاقتراب من خصمه الإيديلوجي التاريخي، هذا لو أرادا التعايش السلمي مع بعضهما في كَنَفِ الديمقراطية التمثيلية دون توافقٍ مزيّفٍ كالذي يحدثُ الآن بين النهضة والنداء (سنة 2017). وأدعوهم أيضًا إلى التعاملِ مع الواقع كما هو وليس من خلال النصوص النظرية الخصوصية على أهمّيتِها.

على اللائكيّين التونسيّين أن يطّلعوا على التجارب العَلمانية في الدول الأنڤلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا وألمانيا) حيث يتعايش اللائكي مع المتدين في كَنَفِ الاعترافِ المتبادَل دون تنازلاتٍ مبدئيةٍ. ومن أجل كسبِ ثقة الناخب الحر، فَلْيتنافس المتنافِسون.

لَوْمِي أشد على بعض قيادات النهضة الذين اطلعوا على هذه التجارب وتمتعوا بِمزايا العَلمانية الأنڤلوسكسونية في مَنفاهم القَسري.

ومن نَكَدِ الديمقراطية على الخصمِ أن يرى خصمًا له ما من التعاون معه مَهْرَبُ !

إمضائي

« Aux yeux de Socrate, un homme de valeur ne peut être lésé par quelqu`un qui ne le vaut pas. » Michel Onfray

حمام الشط، الجمعة 3 فيفري 2017.

أفكارُ اليساريينَ والإسلاميينَ التونسيينَ، هل غيرت من عقليةِ المواطنِ التونسيِّ، وهل غيرت من عقلياتِهم هم أنفسِهم ؟


يبدو لي - والله أعلم - أن معظم اليساريين والإسلاميين التونسيين يلتقون ويتوحدون حول الأفكار الإيجابية والغايات والقِيم الإنسانية، مثل العدالة الاجتماعية، التضامن، التضحية، المساواة في الحقوق والواجبات، الصدق في القول والإخلاص في العمل. كلها أخلاقٌ نبيلةٌ وعاليةٌ، ثمّنها القرآن الكريم قبل ماركس بعشرة قرونٍ أو أكثر قليلاً. للأسف الشديد، هذه الأفكار السليمة بقيت سجينة الكتب، بشريةً كانت أو مقدسةً، لم تترك أثرًا طيّبًا في عقلية المواطن التونسي، ولم تغيّر من سلوكاته وسلوكاتهم (اليساريين والإسلاميين) السيئة شيئًا يُذكَر فيُشكَر.

المفارقة الكبرى تكمن في أن سلوكات المجموعتين السيئة هي التي سادت وانتشرت في مجتمعنا التونسي، مثل الأنانية، المحسوبية، الجهويات، الربح السهل والسريع دون جَهدٍ ولو يَسيرٍ، الفساد، الرشوة، تراجع الضمير المهني، إلخ: تجد اليساري والإسلامي على حد سواء من بين الأساتذة المقاولين تجار المعرفة الجشعين ومن بين الموظفين عديمي الضمير ومن بين المسؤولين المرتشين ومن بين الحِرفيين الغشاشين ومن بين الأطباء الجشعين ومن بين القضاة والمحامين الفاسدين، إلخ. التونسي يبقى تونسي، يَسّرَ أو تخونجَ والطبعُ غالبًا ما يغلب التطبّعَ !

كمختص في إبستمولوجيا التعليم (الديداكتيك)، أنا أعي جيدًا أن الأفكار السلبية، مثلها مثل التصورات غير العلمية، تصمد بقوة ضد التنوير العلمي أو الديني أو الفكري أو الثقافي، لا تنهزم بسهولة، ولا تزول بسرعة. وأعرف أيضًا أن المستوى التعليمي لا يغير أوتوماتيكيًّا الأخلاقَ إلى الأفضلِ إلا عند الفيلسوف سقراط الذي يمثل المثل الأعلى لتصالح المعارف والقِيم وترافقها وتعايُشها وتجسّمها في شخصِ واحدٍ أحدٍ. شيئٌ شبه مستحيلٌ لكن سقراط نجح في تطبيقه على نفسه على الأقل، ومات مُضحّيًا بروحه من أجله، متجرّعًا السم تنفيذًا لحكمٍ بالإعدام.

ماذا تَعَلمَ المواطن التونسي من المجموعتين المتخاصمتين ؟

من اليساريين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الخطابَ "الجبهاويَّ" (Le discours frontal) الذي غالبًا ما يوصِل إلى نتيجةٍ عكسيةٍ تتمثل في تَجنُّبِ محاورتهم والابتعاد عن مخالطتهم، معاداةَ الحضارة الإسلامية عن جهلٍ بإنجازاتها أو تضخيمٍ لسلبياتها، والعنفَ اللفظيَّ الذي اكتويتُ بناره شخصيًّا والذي سُلِّطَ عليّ أنا من قِبل عديد الأصدقاء الحميمين وغير الحميمين، أنا ابن العائلة اليسارية، العاقُّ في نظرهم. آه لو يدرون أن تجاهلَهم المقصودَ لأفكاري وأطروحاتي قد أعطاني - عكس ما ينتظرون - طاقةً رهيبةً للكتابةِ والنشرِ والقراءةِ أكثرَ. لن أهضم حق بعض أصدقائي اليساريين، وهم قلة، الذين شجعوني، وأقول لهم شكرًا من القلبِ والعقلِ.

من الإسلاميين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الإقصاءَ لغير الإسلامي، التسرعَ في التكفير، عدمَ الانفتاح على الأفكار غير الإسلامية، والتعصبَ الأعمَى المُضِرَّ بالهُوية الإسلامية نفسِها. أما معاملةُ جل مَن عرفتهم من النهضاويين لي شخصيًّا فقد كانت أرقَى بكثيرٍ من معاملة المذكورين أعلاه (يبدو أنه استثناءٌ كما أكد لي بعض اليساريين الثقاة، استثناءٌ محمودٌ، لكنه، وككل الاستثناءات، يؤكد القاعدة ولا ينفيها، حتى ولو كنتُ المستفيدُ الوحيدُ منه)، وأما دواخِلُهم فلا يعرف كنهَها إلا الله سبحانه وتعالَى.

إمضائي

"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

Les vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du peuple gouverné.

حمام الشط، الجمعة 30 مارس 2018.

هل يختلفُ المواطن التونسي المتحزب اليساري عن الإسلامي أو القومي أو الدستوري-التجمعي في سلوكياته وقِيمه (Comportements et Valeurs) ؟


للأمانة العلمية أقول لكم:

لا تنزعجوا أيها المنتمون للأحزاب التونسية، فملاحظاتي التالية ليست ناتجة عن بحثٍ أو دراسة لأحوالكم المتردية والواضحة للعيان ولا تحتاج إلى بيان، بل هي مجرد انطباعات صادرة عن مُسِنٍّ (65 عام) فَقَدَ ثقته فيكم جميعًا ولا يرى مستقبل تونس في أي إيديولوجية من إيديولوجياتكم المستوردة غربًا (الماركسية والقومية والدستورية) أو شرقًا (الإسلام السياسي).

يبدو لي أن الجواب على سؤال العنوان سوف يكون حتمًا بِـ"لا" وهو في ظني أقربُ للصواب والدلائل كثيرة ولكم منها بعض مما أعرف:

- كثيرٌ من المدرّسين والمدرّسات يساهمون في تخريب المدرسة العمومية التونسية وذلك عن طريق الكسب المشط من بيع الدروس الخصوصية غير القانونية (القانون يقول: لكل مدرّسٍ الحق في تنظيم دروس خصوصية خارج المدرسة لغير تلامذته في القسم على شرط ألا يفوق العدد الجملي 12 تلميذًا، يقسّمهم إلى ثلاث مجموعات منفصلة وبمقابل غير مشط) أو عن طريق التدريس أو العمل كمدراء في المؤسسات التجارية-التربوية الخاصة. وإذا سكن وزارة التربية مُخرِّبٌ للمدرسة العمومية أو مُخَرِّبانٍ فمدارسنا يسكنها مائة ألف مدرس-مخرّب والمصيبة أن هؤلاء غير واعين أنهم للتعليم العمومي مخربون، إما عن جهلٍ بماهية التخريب أو عن نقصٍ في الكفاءة البيداغوجية والإبستمولوجية (كلهم تقريبًا) أو عن جشعٍ وطمعٍ لا يليقان برسالة التعليم.

- كثير من المتحزبين ليسوا ديمقراطيين حقيقيين: الإسلاميون يساندون أردوڤان مُدَمِّرُ المدن الكردية في تركيا وسجّان الصحافيين الأتراك المعارضين، اليساريون والقوميون يساندون الدكتاتور بشار ابن ووريث الدكتاتور حافظ (مع الإشارة أن كل مَن شارك في تدمير سوريا أعتبره أنا شخصيًّا مجرمَ حربٍ من أمثال الحكومات التركية والقَطرية والسعودية والإيرانية والروسية وحزب الله اللبناني وأمريكا وأوروبا) أما الدستوريون فيكفيهم نقدًا أن زعيمهم بورڤيبة هو أول مستبد تونسي حكم تونس بعد الاستقلال.

- جل التُجار يزيدون في الأسعار ولا يقنعون بالزيادة القانونية.

- جل الحِرَفِيين يغشون ولأعمالهم لا يتقنون.

- جل قيادات أحزابكم يَكذِبون ولِوعودهم الانتخابية يخونون. 

- جل الموظفين العموميين يفصعون عن العمل ولا يقومون بواجبهم ويتعاطون مخدر العطل المرضية المزيفة.

- جل المتحزبين لا يتقبلون النقد الذاتي العلني، لا بل يُحقِّرون من شأن نُقادِهم المستقلين. 

- جل المتحزبين لا يهتمون بالنشاط الفكري والثقافي.

- جل المتحزبين على الدنيا متكالبون وللقانون مخترقون، فكيف لفاسدٍ إذن أن يقاومَ فاسدًا مثله. 

Conclusion :

« Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites » (Sartre Jean Paul, 1948, qu’est-ce que la littérature ? collection idées/Editions Gallimard p.193).

Les idéologies importées ne changent pas les valeurs des tunisiens. Seule une rupture épistémologique bachelardienne pourrait déstabiliser leurs têtes et déconstruire leurs valeurs millénaires.

إمضائي

"فلتكن لديك الشجاعة والجرأة للمعرفة.. و.. اجرؤ على استخدام فهمك الخاص" كانط

"الفلسفةُ هي الحوارُ" فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة

"نَحْنُ نسأل مَن نكون في هذا الحاضر ؟ لا لنكتشف مَن نَحْنُ فقط بل لنرفض مَن نَحْنُ، أي أن نتخيل كيفية وجود مُغايِرة، تأكيدًا لحق الاختلاف، حق الآخر...". فوكو (عمر بوجليدة، 2013)

حمام الشط، الأحد 24 سبتمبر 2017.



يبدو لي أنه من الأسلَمِ أن لا يطلبَ اليساري التونسي من أخيه الإسلامي التونسي أن يتخلى عن ثوابتِه الدينية وأن لا يطلبَ الإسلامي التونسي من أخيه اليساري التونسي أن يتخلى عن ثوابتِه الإيديولوجية !


المصدر:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset &Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages

نبذة عن أمين معلوف: 

كاتب باللغة الفرنسية (Prix Goncourt 1993 pour « Le Rocher de Tanios »)، مزدوج الجنسية، من عائلة وتنشِئة مسيحية-عربية، لبناني-فرنسي، متعدد الهويات، لا ينكر انتماءه إلى أي واحدة منها وفي الوقت نفسه لا يضخّم من شأن واحدة على حساب الأخرى.

ترجمة نص أمين معلوف بشيء من التوسّع:

صفحة 100-101: أنا أستغرِبُ كيف يطلبُ من المواطن العربي المسلم أن يعترف بأن صناعته العربية-الإسلامية التقليدية قد وَلّت وبلِيت، وأن كل ما ينتجه اليوم لا يساوي شيئًا مقارنة بما ينتجه الغربُ، وأن تعلّقه بوصفاتٍ طِبِّيةٍ عربيةٍ أصبح يُصَنّف في باب الشعوذةِ، وأن انتصارات جيوشه العربية-الإسلامية لا تعدو أن تكون مجرّدِ ذِكرَى مُبهمَة (دخول مصر والعراق وأسبانيا وفلسطين-مرّتين وغيرها كثيرين) تركها أبطالُه العسكريين المقدَّسين (حمزة وعلي وخالد والجرّاح وأسامة وصلاح الدين وعمر المختار وغيرهم كثيرون)، وأن شعراءه الكبار (عنترة وامرؤ القيس وأبو تمام وحسّان والمتنبئ وشوقي وأبو القاسم الشابي وغيرهم كثيرون) وعلماءه (الخوارزمي وابن سينا والجزار وابن هيثم وابن جبر وابن النفيس وابن خلدون وغيرهم كثيرين) وشخصياته المرموقة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وفاطمة والحسين وغيرهم كثيرون) وجوّالِيه (ابن بطوطة وغيره)، كلّهم لا يُساوون نكلة في عيون العالَم غير الإسلامي، وأن دينه (الإسلام) متهم بالتكلّس والدغمائية والرجعية والظلامية والتزمّت والتعصّب والتطرّف والهمجية والاستبداد والدموية (حَشرُ القاعدة وداعش والنصرة وطالبان وGIA وغيرها من المنظمات الإرهابية زورًا وبُهتانًا في الإسلام والوقع أننا لم نسمع لها في التاريخ العربي-الإسلامي شبيها أو ذكرى، وفي المقابل فقد نجد لها شبيها في التنظيمات الشيوعية والنازية والفاشستية والقومية بنات عمومتها مثل منظمة القمصان الزرق أو السود وبادِرْ مايِنْهُوفْ الألمانية والألوية الحمراء الإيطالية والفِعْلُ المباشر الفرنسية وبعض فِرَقِ الجيش الأحمر التروتسكي أو الستاليني أو الماوي أو البول بوتي أو الياباني وسَرايا الدفاع لرفعت الأسد وكتائب حزب الكتائب اللبناني وجيش فرانكو أو بينوشيه وCIA   الأمريكية و KGB  السفياتية والمنظمات الإرهابية الصهيونية ومنظمة كوكسلان الأمريكية وغيرها كثير، وأن لغته العربية لم يعُد يهتم بدراستها إلا حفنة من المختصين، وإذا أراد العربي أن يعيش ويعمل ويتواصل مع باقي الإنسانية فعليه أن يتكلم بلسانهم وفي المقابل كمْ من الغربيين يرَون حاجة اليوم أو منفعة في تعلم اللغة العربية أو التركية.

في كل خطوة يجد المواطن العربي المسلم نفسه معرّضا للإهانة والشعورِ باليأس والخيبة. فكيف لا تكون شخصيته مجروحة ؟ وكيف لا يشعر بأن هويته مهدّدة ؟ وكيف لا ينتابه شعورٌ بأنه يعيش في عالَم على ملك الآخرين، عالَم يخضع لنواميس مملاة من الآخرين، عالَم يحسّ فيه العربي-المسلم بأنه يتيمٌ، أجنبيٌّ، دخيلٌ أو  مَنبوذٌ ؟ وكيف يمكن أن نتجنب أن ينتابَ البعض من العرب المسلمين شعورٌ بأنهم خسِروا كل شيء وأنهم باتوا كشمشون الجبّار يتمنون سقوط النظام، أي نظام، ويردِّدون قولته الشهيرة: "يا رب، علَيَّ وعلى أعدائي ؟".

خلاصة القول: أطلب من المواطن الإسلامي التونسي أن يعامِل أخاه المواطن اليساري بمثل ما يرغب هو أن يعامَلَ، ويجب ألا ننسى أنّ لليساريين ثوابتهم المكتسبة وأخلاقهم الكونية ولهم ثقافة عالية ورموز وجب على الإسلامي احترامها، لم أقل عدم نقدِها. ولْيُؤمِن ويطَبِّق كلاهما مبدأ حرية الضمير والمعتقد المضمون في الدستور التونسي الجديد 2014.

حمام الشط، الجمعة 27 نوفمبر 2015.


 

اليسار في العالم يسارات مختلفة المسارات ؟


1. اليسار الماركسي: لينين، روزا، إلخ.

2. اليسار غير الماركسي: الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري، مواطن العالَم، إلخ.

3. أقصى اليسار الماركسي (أو اليسار الماركسي-اللينيني وبلغة أوضح اليسار الستاليني الذي يؤمن بالثورة المسلّحة وبلغة أوضح الانقلاب المسلّح): شي، كاسترو، هوشيمنه، حزب العمال التونسي، الوطد الموحّد، الوطد الثوري، إلخ.

4. اليسار التحرري (أو الأناركي): برودون، باكونين، ميشيل أونفري، إلخ.

5. اليسار الليبرالي: ميترّان بعد 1983، حزب الجمهوري، حزب التكتل، حزب التيّار، إلخ.

6. اليسار الاشتراكي-الديمقراطي: الدول الأسكندنافية، الحزب الألماني الاشتراكي-الديمقراطي، مواطن العالَم، إلخ.

7. اليسار الديني المحافظ: اليسار الأمريكي-اللاتيني (الكهنة الحُمر)، اليسار الإسلامي (الجورشي)، إلخ.

8. اليسار الدموي: ستالين، تروتسكي، ماو، بول بوت، إلخ.

9. اليسار الغاندي (أو اليسار السلمي والمسالم): مواطن العالَم (بِـصدقٍ لا أعرف اسمًا غيرَه لكن أكيد انه ليس الوحيدَ زمانه).

10. اليسار المؤمن بأن الغايات النبيلة (الحرية والعدالة الاجتماعية) لا تبرر الوسائل الرذيلة (ديكتاتورية البروليتاريا، الحزب الواحد، عدم التداول على السلطة، معسكرات الاعتقال أو الـﭬولاﭬ،، إلخ.): مواطن العالَم (بِـصدقٍ لا أعرف اسمًا غيرَه لكن أكيد انه ليس الوحيدَ زمانه). 

الحرية والعدالة الاجتماعية في آن، مطلبٌ مستحيلٌ حسب رأيي فقد عجزتْ عن تحقيقه فوق الأرض كل الأنظمة السياسية على مدى تاريخ البشرية وعجزتْ عنه أيضًا حتى الرسالات السماوية وذلك لِـسبب جيني بحتْ لأن الانتقاء الطبيعي (La sélection naturelle darwinienne) صمّم موروثَنا الجينية ( ADN : logiciel ancien,  anachronique et non performant) بطريقة جعلتْ من الإنسان كائنًا متضامنَا متعاونًا داخل مجموعته (عائلة، قبيلة، عِرق، جنسية، دين، طائفة، قومية، لغة، إلخ) وفي نفس الوقت أنانيًّا عدوانيًّا إزاء المجموعات الأخرى، ولا أمل في تغييره إلا بواسطة طفرة جينية (Une mutation génétique) كالتي "حوّلته من قردٍ إلى إنسانٍ"، طفرة جينية متوارثة أو طفرة ثقافية-جينية متوارثة-مكتسبة (Interaction entre les gènes du cerveau et l’environnement ou Épigenèse cérébrale, mon sujet de thèse, UCBL1, 2007) قد تُحوّله إلى مواطن العالَم، مواطن متضامن متعاون داخل مجموعته وإزاء المجموعات الأخرى في آن.

Ma source d’inspiration dans la construction du paragraphe 10 : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages

إمضائي

 الغاية النبيلة لا تبرر عندي الوسيلة الرذيلة.

حمام الشط في 9 سبتمبر2020.



 

بشّارْ يا حامِينا ... أحْنا الزبدة وِانتَ السكِّينة ! لوموند ديبلوماتيك، ترجمة مواطن العالَم، يساري غير ماركسي


تاريخ أول نشر على حسابي الفيسبوكي : حمام الشط، الأحد 23 ديسمبر 2018.


كيف نعرّف نظام بشارْ الأسد ؟

- بشّارْ غير المهيَّئِ بما فيه الكفاية، هو الوريثُ لأبيه، حافظ، الأب مهندس النظام السوري الشمولي (Totalitaire)، نظامٌ يندرُ وجودُه في العالم العربي. مؤسسَةٌ للعنف، صُمِّمت لتزجَّ بشعبٍ بأكمله في قفصٍ، وتنزعُ منه كل طموحٍ أو رغبةٍ في الثورة.

- سنة 1994، دُعِيَ بشّارْ إلى دمشق من أجل تدريبه للجلوس على الكرسيِّ الرئاسيِّ وهو ما يزال طالبًا في طب العيون في أنڤلترا، دُعِيَ على عجلٍ إثر وفاة أخيه باسل، الوريث الشرعي، في حادثٍ غامضٍ.

-"ربيعُ دمشق" (2000-2001)، عرائضُه، حواراتُه، ندواتُه الديمقراطيةُ، محاولاتُه الإصلاحيةُ التعدديةُ، كلها لم تكن إلا سحابة صيفٍ، وإلا -حسب البعض- كانت فخًّا منصوبًا لكشف المعارضين.

-"مَن شابه أباه فما ظلم"، بشّارْ لا يسمحُ ولا يطيقُ أي نفسٍ احتجاجيٍّ مهما كان ضيقًا أومحدودًا.

- ما هي الحكمة الأساسية التي يرتكز عليها نظام الأسد الابن ؟ الاعتمادُ دومًا على العائلةِ والطائفةِ والعشيرةِ، لكن يبدو لي أنه من الخطأ أو التبسيط أن ننعتَ نظامَه بالنظام العلوي. من المؤكد أن الشخصيات النُّصَيْرِيةِ (النصيريةُ، مذهبٌ أعادت تعميدَه السلطات الفرنسية إبّان الاحتلال 1923-1943، وأطلقت عليه نعت العلوي) هي التي تسيطر على أهم مراكز النفوذ في سوريا، لكن النظامَ يعتمد أيضًا على ثنائيةِ بورجوازيةِ الدولةِ وبورجوازيةِ الأعمالِ. بشّارْ يحذقُ إرضاءَ الطرفَينِ، يُرقّي رجالَ الدولةِ ويمنحُ تسهيلات في الصفقات لرجالِ الأعمالِ، كما كان يفعلُ أبوه.

- نظامٌ يتبجّحُ بالاستقرارِ، استقرارٍ حققه على حسابِ حقوقِ المواطنينَ وكرامتِهم، لكن -وإحقاقًا للحقِّ- فقد استفاد السوريونَ أيضًا من هذا الاستقرار : وفّرَ لهم حاجياتَهم الدنيا من التعليمِ والغذاءْ والنقلِ والدواءْ.

- نظام "الممانَعة"، إستراتيجيةٌ ذكيةٌ ورثها عن أبيه، إستراتيجيةٌ تتمثلُ في صمودِ الضعفاءْ ضد الأقوياءْ (مثل إسرائيل وأمريكا)، أو على الأقل ادّعاءُ ذلك قولاً (مواطن العالم : و"الفعل إجِيبَه ربي") أمام حلفائه "المناهضين" مثله للإمبريالية والصهيونية أعداء الأمة العربية. 

من بين مآثِرِ إستراتيجيةِ "الممانَعة"، نذكر:  حوّلت أنظارَ العالَم عن كل الأدواء التي تُنغِّصُ عيشَ الأغلبية الغالبة من السوريين وذلك منذ عقودٍ، لكنها لم تستطعْ أن تحجبَ الحقيقةَ التي تقول أن الجيش السوري "بطل الممانعة وذراعها العسكرية الضاربة" لم يطلقْ ولو رصاصة واحدة ضد العدو الإسرائيلي منذ حرب 1973 (مواطن العالم : "يُحكَى أن البندقية السورية، العَلمانية والمتدينة، بندقيةٌ أصبحت "حشّامةٌ" منذ 1973، تستحِي أن تكشف عن عورتَها أمام البرّاني، الجندي الإسرائيلي"). 

- يبدو أن جل يوميات ضحايا الحرب الأهلية السورية أصبحت تخلق انزعاجًا لدى القرّاء : الاستدعاءُ غير المكتملِ لجرائم النظام نجده منهجيًّا تقريبًا مصحوبًا بشهادات تؤكد، مثلاً، على حضور "الخيِّرِين والأشرار في الجهتَين المتنازعتَين" أو على "المطالبة الواضحة بالديمقراطية" التي جعلت السوريين يقفون كالرجل الواحد ضد تقسيم بلادهم وتجزئتها إلى دويلات طائفية متناحرة. 

خاتمة مواطن العالَم: برافو لبشّار، لقد حقق انتصارًا عظيمًا على شعبه، تمّ له ذلك بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله, وهنيئًا للحركات الظلامية الحديثة سَحْقَها للشعب السوري بسواعدَ تونسيةٍ وأموالٍ سعوديةٍ-قطريةٍ ومساندةٍ عسكريةٍ تركيةٍ وأمريكيةٍ. يحدثُ في سوريا الحبيبة كل هذا الخَوَرْ، والعدو المحتل على مرمَى حَجَرْ.

Référence : Le Monde diplomatique, décembre 2018, Extrait de l`article « Stratégies du pouvoir syrien », par Akram Belkaid, p. 25, commentaire sur le livre de Subhi Hadidi, Ziad Majed et Farouk Mardam-Bey, Dans la tête de Bachar Al-Assad, Solin-Actes Sud, Arles, 2018, 208 pages, 18,80 euros.

ملاحظة: عُشّاقُ بشّار، والله العظيم أنا أحترمكم وأتفقُ مع غاياتِكم العروبيةِ الوحدويةِ النبيلةِ، لكن الغايةَ حسب اعتقادي لا تُبرّرُ الوسيلةْ، وأياديكم ليست ملوثة بجرائم الدكتاتور، "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، وبشّار، مثله مثل زملائه ستالين وماو وبول بوت وصدام والڤذافي والقائمة تطول، شخصيات عامة ومن حقي الاشتغال عليها. ألفتُ نظركم إلى التالي: النقدُ هذا آتٍ من لوموند ديبلوماتيك، أما شِعرُ المَديحِ في العنوانِ فلِي ! ارجموا الجريدة إذن واشكروني، أو على الأقل "قِيلونِي" يرحم والديكم! 

إمضاء المترجم مواطن العالَم، يساري غير ماركسي 

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

 

أختلفُ معهم، أحترمُ ذَواتِهم، لكنني، وبكل لياقةٍ وودٍّ، أحاولُ أن أفنّدَ أطروحاتِهم


منذ يومَينِ، نشرتُ مقالا مترجمًا عن جريدةِ "لوموند ديبلوماتيك"، الشهريةُ الفرنسيةُ، ديسمبر 2018، عنوانُه "يا بشّارْ يا حامِينا ... أحْنا الزبدة وِانتَ السكِّينة !"، كله نقدٌ لنظام بشّار الأسد، وذيّلتُهُ بملاحظةٍ من تأليفي، هذا نَصُّها: "عُشّاقُ بشّار، والله العظيم أنا أحترمكم وأتفقُ مع غاياتِكم العروبيةِ الوحدويةِ النبيلةِ، لكن الغايةَ حسبَ اعتقادي لا تُبرّرُ الوسيلةْ، وأياديكم ليست ملوثةً بجرائمِ الدكتاتور، "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، وبشّار، مثله مثل زملائه ستالين وماو وبول بوت وصدام والڤذافي والقائمة تطول، شخصيات عامة ومن حقي الاشتغال عليها. ألْفِتُ نظركم إلى ما يلي: هذا النقدُ مصدره جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، أما شِعرُ المَديحِ في العنوانِ فلِي ("يا بشّارْ يا حامِينا ... أحْنا الزبدة وِانتَ السكِّينة !") ! ارجموا الجريدة إذن واشكروني، أو على الأقل "قِيلونِي" يرحم والديكم" !

علّقت قارئةٌ وكتبتْ: "وعلاش تبرر وتعتذر إلى قَوّادة بشار؟ أو بِجِدّك تعتقد في نياتهم البريئة ؟".

أجبتُها مباشرةً وباقتضابٍ كالآتي: "لي فيهم بعض الأصدقاء، ونعمْ ما زلتُ أحترم ذواتهم، لا أفكارَهم، وبكامل الجد ما زلتُ أعتقد في نواياهم البريئة إلى أن يأتي ما يخالف ذلك."

اليومَ، وعملاً بالمقولة التي كنتُ أمضي بها دومًا جميع مقالاتي "على كل مقال سيء نرد بمقال جيد"، سأتوسّعُ قليلاً في الجوابِ وأضيفُ ما يلي: أختلفُ فكريًّا مع فئة من المفكّرين التونسيين (ليبراليين وقوميين ويساريين ونهضاويين). لكن لِي فيهم أصدقاء حميمين، أحترمهم، أحبهم، أقدّرهم، وأخافُ على كبريائِهم من هزّةِ النسيمِ العليلِ. المفكّرُ المهذّبُ يجاملُ لكن الفكرَ لا يجاملُ. لا أتطاولُ مجانًا على رموزِهم ولا على ثوابتِهم، لكنني، وبكل لياقةٍ وودٍّ، أحاولُ أن أفنّدَ أطروحاتِهم التي أختلفُ معها جِذرِيًّا.

1. الليبراليون التونسيون: يبدو لي أن أنظمتهم الاستغلالية، قبل الثورة وبعدها (بورڤيبة، بن علي، السبسي)، هي التي خرّبت قِيمَنا التضامنية، أتلفت بذورَنا الفلاحية الأصلية، همّشت قطاعَنا العام (تعليم، صحة، صناعة، نقل، إخ.)، باعتْ جزءًا كبيرًا منه إلى القطاع الخاص (مصانع، أراضٍ، شركات نقل، بنوك، شركات خدمات، إلخ.)، أجبرتْنا على الانصياعِ لغرائزنا وأنانيتنا وعدوانيتنا، أي أرجعتْنا قليلاً إلى "طَوْرِ الحيوانية" بعدما ظننا أنفسَنا أننا نجونا ووصلنا إلى شاطئ الإنسانية، برّ الأمان. أحمّلهم مسئولية كل الحيفِ الذي سُلِّطَ ظلمًا على المناضلين القوميين واليساريين والنهضاويين، وأطالبهم بجبرِ الضررِ، ولا أظن أن أحدًا من هؤلاء طلبَ ثمنًا لنضالهِ.

2. القوميون التونسيون: ألومُ فيهم عدم قيامهم بنقدٍ ذاتيٍّ لـ"تجاوزاتِ" قادَتِهم ضدّ مواطنيهم غير المسلَّحين (عبد الناصر، النميري، صدّام، الأسد الأب والابن، الڤذافي، علي عبد الله صالح، بومدين)، وأنتظرُ منهم رحابةَ صدرٍ حيالَ خصومهم السياسيين (ليبراليين ويساريين ونهضاويين)، رحابة تتمثلُ في عدمِ إصدارِ أحكامٍ مسبقةٍ دون تمحيصٍ، والقوميةُ ليست بشّارْ.

3. اليساريون التونسيون: أطلبُ منهم ما طلبتُ من الذين أتوا من قبلهم تجاه خصومهم السياسيين (ليبراليين ونهضاويين) وتجاه "تجاوزاتِ" قادَتِهم (لينين، ستالين، ماو، بول بوت)، واليسارُ ليس ستالينْ.

4. النهضاويون التونسيون: أطلبُ منهم ما طلبتُ من الذين أتوا من قبلهم تجاه خصومهم السياسيين (قوميين ويساريين) وتجاه "تجاوزاتِ" قادَتِهم (حسن الترابي، أردوڤان)، والإسلامُ ليس داعشْ.

خاتمة: أخذتُ من الليبرالية تقديسَ الحرية الفردية، ومن القومية تقديسَ الوطن، ومن اليسار تقديسَ العدالة الاجتماعية، ومن الإسلام تقديسَ الفضيلة. لذلك لا أكره أحدًا منهم جميعًا.

أنا، عبدُكم الفقيرُ لله، أعارضُ الأفكارَ، ولا أعادي أي إنسانْ مهما اختلفتُ معه فكريًّا، ما دام لم يُشهرْ سلاحًا في وجه أخيه الإنسانْ.

وإذا سمح لي أربعتُكم، أن أقدمَ لكم نصيحةً وديةً، فستكونُ كالتالي: اقرأوا أدبيات بعضكم البعض، لا تحكموا على نوايا بعضكم البعض، وسبّقوا الخيرَ في بعضكم البعض، فوالله لن تندموا، أنتم شتّى ومستقبلكم واحد ولن يُبنَى بواحدٍ، ولا خيار أمامكم سوى التعايش السلمي في كنفِ الديمقراطية وإلا -لا قدّر الله- الفوضى والفناءُ. 

أيها المختلفونَ، سجناءُ إيديولوجياتِكم، أرجوكم، أتوسّلُ إليكم، افتحوا نوافذَ براديڤماتِكم، حتمًا ستكتشفونَ كم هي تافهةٌ وسخيفةٌ خلافاتِكم، يكفي أن تنظروا إلى الأرضيةِ التي تحملُكم وتتحمّلُكم، احفروا في عمقِها قليلاً، لكن احفروا بمعاولَ علمية حديثة (الإبستمولوجيا والأنتروبولوجيا)، ثابروا في الحفرِ، ستكتشفون أن ما يوحّدكم أكثرَ بكثيرٍ مما يفرّقُكم، ستكتشفون حبالاً متينةً تربطُ بينكم، حبالاً فُتِلتْ من حديد، لو انقطع منها حبلٌ، لا تجزعوا، فلن ينفرط عقدكم، سيبقى واحدٌ أو اثنان أو ثلاثة حبال تشدكم إلى بعضكم البعض: كلكم حضاريًّا مسلمونَ، عرقيًّا عربٌ-أمازيغٌ، جيناتُكم مشتركةٌ، لغويًّا عربٌ أقحاحٌ، أعيادُكم واحدةٌ، تقاليدُكم واحدةٌ، نظامُكم الغذائيُّ واحدٌ، تراثُكم واحدٌ، كلكم في عيونِ الأجانِبِ عربٌ مسلمون، شئتُم أو أبيتُم، بتهمةِ الإرهابِ تُنعَتون، وبحرصٍ كبيرٍ في مطاراتِ العالَمِ تُفتَّشون، وبنفسِ الإسلاموفوبيا في الغربِ كلكم تُعامَلون.

لم يفرّقْ بينكم إلا الدخيلُ المستوردُ حديثًا: الإخوانيةُ من مصرَ، أما الليبراليةُ والقوميةُ والشيوعيةُ، فقد وفدتْ عليكم مع الاستعمارِ الغربِيِّ. 

هلاّ عرفتُم الآن لماذا أعشقُكم، أعشقُكم "بِريشِكم وحشيشِكم"، أعشقُكم بقومييكِم ويسارييكِم ونهضاوييكِم، أعشقُ المشتركَ بينكم وهو واللهِ جميلٌ جميلٌ جميلُ !

حمام الشط، الأربعاء 26 ديسمبر 2018.



أشواكٌ معرفيةٌ على الطريق: ماذا يحدث اليوم في الدول العربية المسلمة أو مَن نكون نحن العرب المسلمون في هذا الحاضر العالمي ؟


L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas.

Des épines épistémologiques sur la voie soi-disant droite.

نسأل مَن نكون نحن العرب المسلمون في هذا الحاضر العالمي، لا لنكتشف مَن نحن ونكتفي بل لنرفض مَن نحن (أسئلة فلسفية مستوحاة من عمر بن بوجليدة، الحداثة واستبعاد الآخر، 2013).

ماذا يحدث اليوم في الدول العربية المسلمة ؟ 

تحْدُثُ اليومَ فوضى هدامة في الدول العربية (Un chaos dévastateur)، فوضى واضحة للعيان ولا تحتاج إلى برهان، حروب أهلية قائمة في بعضها ومحتملة في البقية.

ومَن نكون نحن العرب المسلمون في هذا الحاضر العالمي ؟ 

نحن للأسف ورثة حضارة عربية-إسلامية كفّت عن المراوحة بين أصلَيها المؤسِّسَين، الأصل الأثيني والأصل المكّي (عمر بن بوجليدة، العرب ومسألة التنوير، 2016). 

في "زمن الأنوار" العربي-الإسلامي (الكندي، الجاحظ، ابن سينا، ابن رشد وغيرهم) كانت حضارتنا تتقدم على ساقين اثنتين، الدين الإسلامي والفلسفة الإغريقية. نحن أول أمة تكتشف الفلسفة الإغريقية مبكرًا (Le 1er Calife Abbasside mutaziliste Al-Ma'mûn, début du IXe s. ap. J.-C.) وأول أمة تتخلى عنها مبكرًا (depuis la mort du dernier philosophe arabe rationaliste, Avicenne, vers la fin du XIIe s. Ap. J.-C.). 

هل اكتشفنا اليوم مَن نحنُ ؟ الجواب بالنفي طبعًا ! اكتشفنا أن "نحن" ليست في الواقع هي نحن. على العكس اكتشفنا صورةً في المرآة ليست صورتنا فتوهمنا أنها صورتنا وعشقناها. جميلةٌ هي والله، صورة المسلم التقي الذي يخاف ربه ويحب لأخيه ما يحب لنفسه. حتى أنا أحببتُ هذه الصورة المثالية الوهمية بل بصدقٍ عشقتها. 

مرآتُنا الأصلية، مرآةٌ مجمّلةٌ غير مشوِّهةً، لا مقعّرة ولا محدّبة، لا شرقية ولا غربية، مرآتنا ليست بمرآة عادية، مرآتنا لم تعكس لنا صورتنا الواقعية في القرن 21، مرآتنا ليست مصنوعة من بلور عاكس بل مصنوعة من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة. لو أصررتم على أنها مرآةٌ فهي مرآةٌ لا تعكس إلا صورة محمد صلى الله عليه وسلم وأخلاق محمد وأين نحن من محمد وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم ؟

ينتقدنا الغربُ بما هو مكرّسٌ في واقعنا فنتفاخر نحن عليه بما هو مكرّسٌ في محمد وليس فينا ولم يكُ يومًا فينا: هل طبقنا فعليًّا، الزكاة والصدقة وحق المرأة في الإرث (حرمناها حتى من حقها الشرعي فلم تكوّن رأس مال مالي وبقي نصف مجتمعنا شبه معطّل عن المشاركة في الناتج المحلي الإجمالي -PIB). وهل طبقنا أيضاً حق الإنسان في الحياة وحرية المعتقد واحترام الأقليات، إلخ ؟ نحن اليوم نفعل عكس ما أمِرنا بفعله. واقعنا الذي نتفصى منه ولا ننظر إليه مباشرة كما يدعونا العلم بل ننظر إليه من خلال كتبٍ جميلة فنراه جميلا وهو تقريباً أخيَبُ ما في العالَم، شِركٌ في ثوب إيمانٍ داعشي، نفاقٌ، رشوةٌ، ارتشاءٌ، فسادٌ، تكاسلٌ، كذبٌ، جبنٌ، ذلٌ، خيانةٌ، تخلفٌ، وسخٌ، تسولٌ، قتلٌ وتقتيلٌ، وتَعَدٍّ صارخٌ على حقوق الأقليات الدينية، إلخ.

لم نكتشف أنفسنا على حقيقتها فكيف يَطلبُ منا الفيلسوف فوكو أن نرفض ما لم نكتشفه بعدُ ؟

يبدو لي -والله أعلم- أننا شعب المعوقين ولسنا "شعب الجبّارين" كما يحلو لعرفات ترديد هذه العبارة الجوفاء. منذ حوالي ثمانية قرون، بترنا ساقًا (الفلسفة العقلانية) فتورّمت الأخرى من الوقوف والتوقف (الإنتاج الغزير في علوم الدين وكأن الإنسان لا يتغذى إلا بالدين ولا يتطور إلا بالدين). نحن إذن -ومذ حرقنا كتب ابن رشد- نقف على ساقٍ واحدة (الدين الإسلامي السلوكي لا التَّقَوِي) ونرفض أن نزرع ساقاً صناعيةً (الفلسفة العقلانية)، ساقاً ممدودةً لكل مَن يعشق الحياة ويكره الموت، ممدودةً لكل من يحب الجمال والفن ويحتفي بهما ويبرزهما ويمجدهما ولا يعتبرهما عورة وحرام. نحن معوقون عضويّا والإعاقة العضوية غالبًا ما تؤثر سلبًا وقد تتسبّبُ احياناً في إعاقةٍ ذهنيةٍ. نحن مَن تَنَكَّرَ لأفضال الفلسفة اليونانية علينا (الاكتشافات العلمية المبكرة في الرياضيات والفلك والطب): حاربناها بضراوة ولا زلنا نقاومها بعقلية التعالي المتعصب بعد أن آمنتْ بنجاعتها جل شعوب العالم بمختلف حضاراتهم، تقدموا هم وتخلفنا نحن.

خاتمة: نحن قمنا بقطيعة إبستمولوجية في الاتجاه الخطأ عكس ما فعل ديكارت، هو ألغى السكولاستية (النقل) منذ القرن 16ميلادي واحتفظ بالعقلانية، أما نحن فألغينا الفلسفة العقلانية منذ القرن 12م واحتفظنا إلى اليوم بالنقل دون عقل. 

عندي أملٌ كبيرٌ أنه سيأتي يومٌ نكتشف فيه مَن نحنُ، وحتمًا سوف نرفض مَن نحن ونثور على مَن نحن، وإلا انقرضت حضارتنا العربية-الإسلامية كما انقرضت من قبلها حضارات عظيمة مثل البابلية والفرعونية والإغريقية.

إمضائي

"... إن إنكار الثقافة الغربية لا يستطيع أن يشكّل في حد ذاته ثقافة. والرقص المسعور حول الذات المفقودة لن يجعلها تنبعث من رمادها" الفيلسوف المغربي عبد الله العروي

حمام الشط، الأحد 3 سبتمبر 2017.

 

"الحضارة اليهودية-المسيحية تحتضر والمستقبل للإسلام" فرضية الفيلسوف الفرنسي اليساري الملحد ميشيل أونفري، ترجمة ونقل مواطن العالَم


المصدر: دروس ومحاضرات وحوارات ميشال أونفري على اليوتوب.

مَن هو ميشيل أونفري ؟

هو فيلسوف فرنسي معاصر ، يساري تحرري غير ليبرالي (ليبرالي تعني أن السوق تحكم المجتمع وتسنّ القوانين لمصلحة الرأسماليين الجشعين)، فوضوي برودوني (Anarchiste proudhonien أي قمة النظام وغير رافض للدولة)، غير ماركسي، ملحد مسيحي (ملحد ذو جذور حضارية مسيحية لم يخترها بل فُرِضت عليه كنَسبه)، كاتب نشر مائة كتاب في فلسفة التاريخ المضاد (La contre-histoire)، مؤسس الجامعة الشعبية في مدينة "كَنْ" (Caen) منذ 2002 ومحطِّم  الأيقونات الغربية من أمثال روبسبيار وكومونة باريس وماركس ولينين وكاسترو وفرويد وسارتر وسيمون دي بوفوار

La déconstruction et non la démolition. Il est épicurien hédoniste

 وقال عن المسيح أنه لم يوجد ماديا كشخصية تاريخية بل هو شخصية خيالية من صنع أتباعه (Un personnage conceptuel)، وقال عن الأناجيل انها محرّفةٌ.

هذا هو الفيلسوف نفسُه الذي قال "الحضارة اليهودية-المسيحية تحتضر والمستقبل للإسلام"، أظن أنه لا يمكن اتهامه بالتقرب من الإسلاميين ونفاقهم ؟

ماذا قال بالضبط ؟ (un constat impartial et non un jugement de valeur)؟

قال: "الحضارة اليهودية-المسيحية تحتضر ولا أمل في نهضتها من جديد مهما فعلنا ومصيرها كمصير باخرة "التيتانيك" عندما اصطدمت بجبل الثلج وغرقت في قاع المحيط. والسبب فقدانها لقِيم العدالة والحرية والأخوة والمساواة (Justice, Liberté, Égalité, Fraternité) التي قامت من أجل تحقيقها الثورة الفرنسية، واقترافها لجريمة إبادة أربعة ملايين مسلم مسالم مدني بريء منذ حرب الخليج الأولى إلى اليوم (1990-2016) في أفغانستان والعراق والصومال والشيشان وليبيا وسوريا واليمن دون أدنى أي ذنب اقترفوه سوى التوق للحرية والعدالة الاجتماعية".

ثم أضاف: "التاريخ لا يحتكِم للخير ولا للشر

 L`Histoire, c`est l'au-delà du bien et du mal ! 

والحضارات لا تُبنَى إلا بالعنف ! الحضارة تُعرّف بمجال جغرافي محدّد والإسلام غير محدّد الجغرافيا 

La déterritorialisation est un concept créé par Gilles Deleuze 

لا يوجد في العالم فردٌ مسيحيٌّ واحدٌ فقط مستعدٌّ أن يموت دفاعًا عن دينه أما في المسلمين فهم كُثْرٌ. والمرشّح الوحيد لتعويض الحضارة اليهودية-المسيحية المتفسخة المتدهورة (Une civilisation en décadence) هو الإسلام المجاهد العنيف الصاعد الواعد خيرا أو شرًّا".

ملاحظة شخصية: يبدو لي أن الإسلام الذي يقصده الفيلسوف هو إسلام المسلمين المستعدين للموت دفاعًا عن دينهم أي السلفيين الجهاديين أو ما سمّاه الأستاذ راشد الغنوشي بـ"الإسلام الغاضب"، وليس الإسلام الليبرالي الديمقراطي لحزب النهضة التونسي والله أعلم ؟

حمام الشط، السبت 9 جويلية 2016.



النبي هجر قومه في مكة وهاجر إلى قومه في المدينة، فلماذا لا نقتدي به ونهجر ذاتنا الحيوانية ونهاجر إلى ذاتنا الإنسانية ؟


مقدمة منهجية: قبل الغوص والحفر، لنتفق أولاً على التشخيص و"الأوّلُو شرطْ آخرُو نورْ" !

التشخيص: نحن، العرب المسلمون، منبطحون أمام الأعداء أسودٌ على الأشقاء. هذه حقيقتنا، هذه ذواتنا، هؤلاء حكامنا، وكيفما كنا يُولَّى علينا ! 

ماذا نهجر ولمَن نهاجر ؟

- نهجر الحداثة ونهاجر إلى الأصالة (L'indigénisation).

- نهجر الانبتات ونهاجر إلى التجذّر.

- نهجر النمو الرأسمالي ونهاجر إلى النمو التضامني (تجربة جمنة).

- نهجر التقييم الجزائي للتلميذ (أعداد) ونهاجر إلى التقييم التكويني للتلميذ (دون أعداد).

- نهجر الفلاحة الحديثة (أسمدة كيميائية) ونهاجر إلى الفلاحة التقليدية (دون أسمدة كيميائية).

- نهجر الإضراب ونهاجر إلى المفاوضات.

- نهجر التسيّب ونهاجر إلى الانضباط.

- نهجر الجهاد الأصغر (جهاد غير المسلمين) ونهاجر إلى الجهاد الأكبر(جهاد النفس).

- نهجر المدينة ونهاجر إلى الريف.

- نهجر النفاق ونهاجر إلى الصدق.

- نهجر الكسل ونهاجر إلى العمل.

- نهجر الغش ونهاجر إلى الإتقان.

- نهجر الشعوذة ونهاجر إلى العلم.

- نهجر الفوضى ونهاجر إلى النظام.

- نهجر الحرب ونهاجر إلى السلم.

- نهجر النقل ونهاجر إلى العقل.

- نهجر لباس السلف ونهاجر إلى عبقرية السلف.

- نهجر الطقوسية ونهاجر إلى الروحانية.

- نهجر التقليد ونهاجر إلى التجديد.

- نهجر الكره ونهاجر إلى الحب.

- نهجر الأنانية ونهاجر إلى الإيثار.

- نهجر الوطنية ونهاجر إلى الأممية.

- نهجر الجشع ونهاجر إلى القناعة.

- نهجر الاستيراد ونهاجر إلى الإنتاج.

- نهجر التسوّل ونهاجر إلى التعفف.

- نهجر التكبّر ونهاجر إلى التواضع.

- نهجر التطرف ونهاجر إلى الوسطية.

- نهجر التعصب ونهاجر إلى الآخر.

- نهجر القبح ونهاجر إلى الجمال.

- نهجر التحريم ونهاجر إلى الفنون. 

- نهجر التكفير ونهاجر إلى حرية المعتقد.

- نهجر التمييز الجندري ونهاجر إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق وليس في الواجبات.

- نهجر إطلاق العَنان للغرائز الحيوانية (L`ADN)  ونهاجر إلى كبح الغرائز ونُعيدُ أنسنتِها من جديد (L`épigenèse).

الخلاصة:نهجر غزو السم الفكري في الدسم الثقافي الغربي ونهاجر إلى مكارم الأخلاق في الأصالة. نهجر "غرق الحضارات" ونهاجر إلى بعث الحضارات. وإذا لم نهجر ونهاجر، غرقنا وانقرضنا ولسنا أفضل ممن سبقنا، حضارات سادت ثم بادت، البابليون والفراعنة والإغريق والفينيقيون والرومان والبيزنطيون والهنود الحمر والأنكا وأقربهم إلينا الأندلسيون المسلمون. هيّا نهجر معاً ونهاجر معاً علّنا نفوز كما فاز المصطفى وأصحابه.

إمضائي

الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، دارويني، يساري غير ماركسي، عربي-فرنكفوني اللسان، وكل هُوية تُضافُ إليّ هي لِـشخصيتي إغناءُ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي لِـشخصيتي إفقارُ.

حمام الشط، الأحد 21 أفريل2019.



 

روحانيات صباحية علمانية إسلامية مشتركة !


مسلم علماني-روحاني فرنكفوني يساري غير ماركسي، لستُ متديّنًا بالمعنى المتعارَف عليه لمفهوم التديّن، أي أنا أعترف أنني مُخِلٌّ ببعض واجباتي الدينية، لكنني أؤمن إيمانًا راسخًا بما سأقوله، وما سأقوله أراه معالمَ قد تدل الإنسانية جمعاء على الطريق المستقيم، مؤمنين وملحدين:

1. "لا إله إلا الله" (قرآن): لا أربابَ ولا أسيادَ على الأرض بل هدمٌ متواصلٌ ومتجددٌ للباطل وبِناءٌ متواصلٌ ومتجددٌ للحق.

Ni dieux ni maîtres sur terre (minuscules et pluriels), déconstruction du mal & construction du bien

2. "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (حديث): 

Amour, respect, affectivité, altruisme, solidarité

3. "لا إكراه في الدين"، "مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر"(قرآن): 

Liberté illimitée de conscience et de croyance

4. "الجنة تحت أقدام الأمهات" (حديث): 

Élévation au plus haut niveau du statut de la femme qu’aucun homme ne pourra l’atteindre un jour

5. " مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (قرآن): 

Appel solennel à la non-violence totale, au Gandhisme 

6. "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"  (حديث مشكوكُ في نَسَبِه):

100% matérialiste et en même temps 100% spiritualiste, le summum de l’humanisme & refus catégorique du consumérisme et de cupidité, interaction entre deux mondes sans partition ni distinction, le monde d’ici-bas et le monde de l’au-delà, unicité ou plutôt fusion entre l’âme et le corps et non dualisme cartésien par Taqîya - une pratique de précaution consistant, sous la contrainte, à dissimuler ou à nier sa foi afin d'éviter la persécution

توضيح: العلمانية التي أتبناها هي العلمانية الأنـﭬلو-ساكسونية المتصالحة مع الدين، وليست العلمانية الفرنسية المعادية للديانات التوحيدية الثلاث.

حمام الشط في 25 فيفري2020.


 

كيف حاول حسن الترابي سودنة تونس ؟


في رسالة وجهها الى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في أكتوبر 2011 نصح حسن الترابي الحركة كتابيًّا وقال: ” وأنا أنصحكم ، أن لا تبدؤوا في وضع برنامج الأسلمة والتّمكين قيد التّطبيق ، قبل أن تُفكّكوا مُؤسّسات الـدّولة القديمة ، فهي خطر كبير عليكم ، نحن جرّبنا هذا قبلكم وعـانينا منه… يجب عليكم تفتيت مُؤسّسات وادارة دولة بورقيبة ” العلمانيّة ” لأنّها ستقاومكم … فقط بعد ازالتها تستطيعون أن تبنوا الدّولة الاسلاميّة المنشودة …”.

وخلال تأبينه في مارس 2016 للترابي بمقر اقامته بالخرطوم قال رئيس الحركة وفق ما نقلت عنه وكالة الأناضول التركية: ” امتدح رئيس حركة النهضة ما قدّمه المفكر والسياسي السوداني الراحل للإسلاميين في تونس وقال “مظلة الترابي آوت شباب النهضة أثناء عثرتهم”.

وكان الغنوشي وعدد من قادة حزبه قد أقاموا سنوات في الخرطوم إبان مناهضتهم لنظام زين العابدين بن علي.

ووصل الغنوشي الخرطوم لتعزية أنصار حسن الترابي الذي توفي عن عمر يناهز 83 عاما إثر علّة طارئة شخّصها الأطباء بنوبة قلبية.

وكان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” قد تحول بدوره الى الخرطوم لتعزية أنصار الترابي الذي نعاه عدد من رموز العالم الإسلامي وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وأحد قادة حركة الأخوان المسلمين بمصر سابقًا.

ويُعتبر الترابي المؤسس الفعلي للحركة الإسلامية بالسودان ومهندس الانقلاب العسكري الذي أوصل الرئيس عمر البشير إلى السلطة في العام 1989 قبل أن يختلف الرجلين في العام 1999 ويؤسس الترابي حزب المؤتمر الشعبي المعارض.

Source : Site Tunisie Telegraph.



 

ما مدى صحة مقولة "المتطرّفون يتشابهون"

 Les extrêmes se rejoignent.


ديونتولوجيًّا، لستُ مختصًّا في الحركات المتطرفة ولا في الإرهاب "الشيوعي" أو "الإسلامي"، هو اجتهادٌ متواضعٌ، لا أكثر ولا أقل.

منهجيًّا، سأكتفي بـتناولُ مثالَين اثنَين فقط:المتطرّفون "الشيوعيون" (شيوعيون من كل الجنسيات) والمتطرّفون "الإسلاميون" (مسلمون من كل الجنسيات). مَن هم بالضبط؟

- المتطرّفون "الشيوعيون"، ظاهرة تاريخية وقعت في النصف الثاني من القرن الماضي: هم الماركسيون اللينينيون أي الستالينيونون-الماويون، ومنظماتهم السرية التالية: مثل "بادر ماينهوف" الألمانية، "الجيش الأحمر" الألمانية، "الجيش الأحمر" اليابانية، "الفعل المباشر" الفرنسية، "الألوية  الحمراء" الإيطالية، "الجبهة الشعبية" الفلسطينية، "الخمير الحمر" الكمبودية (وصلت إلى السلطة 1975-1979 وأثخنت في الشعب إرهابًا، قتلت ربعه على أقل تقدير)، إلخ.

- المتطرّفون "الإسلاميون"، ظاهرة معاصرة بدأت في أواخر القرن الماضي ولا تزال متواصلةً حتى اليوم: هم  الإسلاميون أو "الذين يُنسَبون خطأً للإسلام كَوَحْيٍ" أو "الذين يُنسَبون صوابًا للإسلام كحضارة" (فكرة التمييز بين الاثنين، الوحي والحضارة، لـصاحبها ديكارت المسلمين، المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي)، أو "الإسلام الغاضب" كما ينعته المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، ومنظماتهم السرية والعلنية التالية: "القاعدة" السعودية، "القاعدة" المغاربية، "أنصار الشريعة" التونسية، "داعش" السورية-العراقية، "داعش" الليبية، "النصرة" السورية، "طالبان" الأفغانية، "التكفير والهجرة" المصرية، "الأفغان الجزائريون"، إلخ.


1. ما هي أهم نقاط الخلاف الإيديولوجي بينهما ؟

- "الإسلاميون": يؤمنون بالقضاء والقدر، واليوم الآخر، والشهادة، والجنة والنار، ويؤمنون بالله وحده لا شريك له.

- "الشيوعيون": لا يؤمنون بالله، ولا القضاء والقدر، ولا اليوم الآخر، ولا الشهادة، ولا الجنة والنار، يؤمنون بالإنسان وحده لا شريك له.

- "الإسلاميون": يرغبون في تطبيق الشريعة مع تنفيذ عقوبات الحدود، ويؤمنون بأن الحاكمية لله وحده وليس للشعب، والدستور الوحيد الذي يعترفون به هو القرآن وصحيح البخاري.

- "الشيوعيون": يرغبون في تطبيق ديكتاتورية البروليتاريا، ويؤمنون بأن الحكم للحزب الشيوعي وحده وليس للشعب، والمرجع النظري الوحيد الذي يعترفون به يتمثل في أفكار وممارسات الرباعي "ماركس-أنجلس-لينين-ستالين" و"ماو" بالنسبة للماويّين منهم.


2. ما هي أهم نقاط التشابه في الوسائل بينهما ؟

- "الإسلاميون": وسيلتهم الأساسية لتحقيق مشروعهم السياسي تتمثل في العنف المسلّح ضد "أعداء الإسلام" (الجهاد المقدّس).

- "الشيوعيون": وسيلتهم الأساسية لتحقيق مشروعهم السياسي تتمثل في العنف المسلّح ضد الأنظمة الرأسمالية (العنف الثوري).

- "الإسلاميون": يقتلون أو يرهبون أو يعذبون المسلحين والمدنيين، مسلمين وغير مسلمين.

- "الشيوعيون": يقتلون أو يرهبون أو يعذبون المسلحين والمدنيين، شيوعيين وغير شيوعيين.

- "الإسلاميون": لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالتداول على السلطة. 

- "الشيوعيون": لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالتداول على السلطة. 

- "الإسلاميون": ربما قد يكونوا استوحوا من الشيوعيين وسائل الإرهاب الحديثة ومن الستالينية استلهموا أساليب تنظيماتهم الحديدية، لأن التراث الإسلامي يبدو خالياً من هكذا وسائل وأساليب (أمين معلوف).


ملاحظة تجنبًا لبعض التعاليق السخيفة والمزايدات الأكثر سخافة التي مللتُ قراءتها على صفحتي:

تنبيهٌ قد يبدو للبعض منكم حادًّا في لهجته، لكنني أراه ضروريًّا جدًّا، وهو موجّهٌ مباشرة إلى بعض الفيسبوكيين الذين نصّبوا أنفسهم "حماة القرآن"، إنهم يتجاهلون أن للقرآن حافظٌ أمينٌ وهو الله جل جلاله، ولو تركه في ذمة هؤلاء المسلمين المتعصبين لَفرّطوا في بعضه كما فرّطوا في البعض من عقولهم ومنطقهم وسيادتهم وأراضيهم وثرواتهم الباطنية وقيمهم وتقاليدهم وتراثهم !

كلما انتقِد أمثال هؤلاء، إلا وأشهروا سماحة الإسلام حجة في وجوه منتقديهم ! مالك بن نبي قال ولا قول بعد قوله: "ليس الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة لا تنزل من السماء وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم" (الغنوشي، 2015)، فآتوا بغيرها إن كنتم من المجادلين. الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء، رسالة للعالمين، مسلمين وغير مسلمين، هو معجزة إلهية لا استحقاق لكم فيها أيها المتطفلون، فلا تتباهوا على الآخرين بما ليس من صُنعكم. 

إرهاب إسلامي أو منسوب للإسلام خطأً أو صوابًا، إسلام داعشي، إسلام غاضب.. تعددت الأسماء والمسمّى واحدٌ، وهل قرأتموني يومًا أقول أن الإرهابَ أتى من الإسلام، كنتُ ولا زلتُ أقول دومًا أنه أتى من البشر، فلو كانوا شيوعيين نقول "إرهاب شيوعي" (بين معقّفَين)، ولو كانوا يهودًا نقول "إرهاب يهودي" (بين معقّفَين)، ولو كانوا مسيحيين نقول "إرهاب مسيحي" (بين معقّفَين)، ولو كانوا مسلمين نقول "إرهاب إسلامي" (بين معقّفَين)، لا أكثر ولا أقل.

حمام الشط في 10 مارس2020.

في عالمنا الإسلامي يوجد أربعة أنواع من الجهل. ترجمة مواطن العالَم


1. الجهل المقدّس (l’ignorance sacralisée): نوظف الدين لإضفاء هالة من القداسة على فكرة بشرية حتى تصبح هذه الفكرة غير قابلة للدحض والنقاش.

2. الجهل المؤسساتي (l’ignorance institutionnalisée): مؤسسات تربوية تدرّس معارف خاطئة أو مذهبا بعينه وتقدّمه على أنه الحقيقة المطلقة.

3. الجهل المركّب (l’ignorance complexe): نجهل ولا نعرف أننا نجهل ونظن أن لا أحدٌ يملك الحقيقة غيرنا (أخو الجهالة في الشقاوة ينعم).

4. الجهل المبرمَج منهجيًّا (l’ignorance méthodiquement programmée): دولة تحرّم تدريس الفلسفة والدين المقارَن وديداكتيك التعليم الديني.

- ابن رشد كان يقول في زمانه في القرن 12: "لو تعارض التأويل(l’exégèse) مع الفلسفة فعلينا أن نراجع التأويل لأن الحقيقة لا تناقض الحقيقة".

- عالم الفلكي كوبرنيك، في كتابه الصادر سنة 1543م، استشهد بخمسة عباقرة مسلمين، منهم ثلاثة فلكيين وعالم رياضيات وفيلسوف (ابن رشد).

- شعار "الإسلام هو الحل" الذي رفعته الحركات الإسلامية. "إسلامهم" ليس حلا بل هو الخِداع والنصب والاحتيال بعينه. الحل هو إسلام ابن رشد وابن سينا والفاراي والكندي.

- "طالبان طردوا العصافير لأنها تزقزق بحجة أن زقزقتها تلهيهم عن ذكر الله ونسوا أو تناسوا أن العصافير تسبح بحمد ربها لكن بلغتها"

- Ignorance+croyance=fanatisme. Ignorance+liberté=anarchie. Ignorance+argent=corruption. Ignorance+pouvoir=tyrannie.

Source : Ghaleb Bencheikh, Islamologue français, docteur ès sciences, actuel président de la fondation pour l'Islam de France. Sur YouTube.


Révolution/Contre Révolution. Habib Ben Hamida


Les idées de la révolution tunisienne résument à elles seules les conditions intellectuelles et psychologiques qui ont rendu possible les discussions, dialogues, débats et confrontations qui visent à interpréter un phénomène social total ; un événement fondateur de notre modernité politique, sociale et intellectuelle. En effet les différentes polémiques dénoncent le plus souvent l`assaut des groupes fidèles à l`ancien régime et affirment la nécessité pour le peuple de faire face et d`affronter courageusement ceux qui veulent confisquer de nouveau au service de leur propre intérêt les aspirations populaires. Le schéma des forces politiques en conflit est plutôt compliqué. Qui est réactionnaire et qui est révolutionnaire ? Tout est remis en cause au niveau idéologique et politique.

La révolution (inachevée) est-elle devenue antimoderniste par l`intervention des forces politiques islamiques et fondamentalistes ?

L`ouverture créée par la révolution a permis en effet aux forces islamiques de parvenir au pouvoir, et de s`approprier provisoirement le nouveau système politique.

Est-il possible qu`une révolution retarde le parcours de modernisation au lieu de l`accélérer ? Bref, que la Tunisie, la Lybie, la Syrie, le Yémen, l`Egypte… auraient pu faire l`économie d`une révolution.

La formule de R. Aron résume « la philosophie du printemps arabe » : « les hommes font l`histoire, mais ils ne savent pas l`histoire qu`ils font ».

Comment se fait-il que la révolution populaire se retourne contre le peuple ?

Le texte a le mérite de poser les vrais problèmes nés de la révolution sans parti-pris réactionnaire, il ne remet jamais en cause le projet d`émancipation inauguré dans le monde arabo-musulman par la révolution tunisienne ; le projet devrait être prolongé, voire dépassé.

Hammam-Chatt, mercredi 15 juin 2016.

4

نقد القوميين

استشهادات من وحي الكاتب شلومو صاند:

- "الدولة-الأمّة الحديثة قُدَّت على نموذج العائلة الموسعة وكأن كل مواطنيها تربط بينهم روابط دم فأصبح أقربُ جار لها يُعتبر عدوا محتملا" 

- أصل كلمة patrie هي كلمة père (وأصل كلمة الأمّة عندنا هي الأم).

- تقديس قطعة من الأرض كان منتشرا عند القبائل في العالم أجمع بسبب ظهور الفلاحة ومعها الاستقرار ولا علاقة له بالتقديس الحديث للأوطان.

- الدين عنصر تهدئة أما الخليط العنيف بين القومية والدين عند اليهود وعند العرب فلا يساعد على بناء مستقبل مشترك يرتكز على القيم الكونية

- الدولة-الأمّة الحديثة قُدَّت على نموذج العائلة الموسعة وكأن كل مواطنيها تربط بينهم روابط دم فأصبح أقربُ جار لها يُعتبر عدوا محتملا.

- الإيديولوجية القومية هي الإيديولوجية الأقدر على منافسة الديانات التقليدية على تجميع الناس حول انتماء مشترك.

- فولتير (القرن 18م): "كلما كَبُرَ الوطن كلما أحببناه أقل لأن الحب إذا قسّمناه ضَعُفَ ومن المستحيل أن نحب وطنًا لا نعرفه جيدًا"

- "الدولة-الأمة" الحديثة أوهمتنا (في العالم أجمع وخاصة في العالم الثالث) أننا كلنا مواطنون مساوون أمام القانون ونتمتع كلنا سواسية بحرية التعبير والنشر‼

- الأوطان عادة ما تعرض في المدارس على شكل خرائط مجردة مرفوقة بصور من الأرياف وليس من المدن (جبال، هضاب، آثار، عادات).

- اكتشاف الطباعة في القرن 15م ثم وسائل الاتصال التقنية ثم الإيديولوجيات ثم المدرسة العمومية، كلها ساهمت في تشكيل الأمم والأوطان.

- لو اعتبرنا المؤرخين هم أول الوكلاء المعتمدون لتأسيس أمة فالجغرافيون هم أيضًا ساهموا في تجسيد خيال هذه الأمة وتحقيق سلطتها على أراضيها.

- يبدو أن الأمة هي التي صنعت الوطن ولس العكس ويبدو أيضا أنه يعد من بين من أهم الاكتشافات المذهلة لكن قد يكون اكتشافا مدمرا‼

- في زمن التحرير (1940-1970)، كان الشيوعيون في العالم الثالث يقدمون مبدأ الوطنية على مبدأ الأممي. SS أنا: نتج عن ذلك أنظمة مستقلة لكنها مستبدة

- حتى الاتحاد السوفياتي سابقا الذي كان يتغنى في أدبياته بالأممية الماركسية، استعان بمفهوم الوطنية لكي يحفّز الجماهير في حربه ضد هتلر.

- روسّو: الديمقراطية المباشرة والحرية والعدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا في بلد صغير الحجم والعدد. أنا: مثل البلدان الأسكندنافية.

- روسّو: لا يحق لفرد أو شعب أن يستولي على أرض ويحرم الأجانب من خيراتها. أنا: المفروض أن تكون خيرات العالم لكل العالم في أو دولة وجدت.

- لا يمكن أن نحب وطنا يرزح تحت نظام استبدادي أو تحت مملكة غير دستورية. الاستبداد والوطنية ضدان لا يجتمعان في وطن واحد. 

- اليهود يدّعون أن الرب وعدهم بوطن فيه قمح وشعير وعنب وتين ورمان وفيه خاصة أنهار من العسل واللبن.

- كُتُبُ اليهود المقدسة لم تشر إلى وطن أرضي موعود ولا إلى وطن سماوي خلافا للمسيحية والإسلام اللذان يعدان بوطن سماوي أبدي (الجنة)

- عديد اليهود يرددون: "الرب غير موجود لكنه وعد ذرية إبراهيم (اليهود) بالأرض المقدسة (فلسطين)"

- في العصر الحديث، تدهورُ قيمة فلاحة الأرض كمصدر لخلق الثروات الاقتصادية هو أيضا ساهم في تراجع الينابيع المعنوية للوطنية.

- اقتصاد السوق والنخب والإعلام ساهموا في تشكيل الأوطان وحدودها (ق19و20) وهم نفسهم الذين بدأوا في تفكيكها (آخر20): الاتحاد الأوروبي نموذجا.

- في العصر الحديث، لم تهزم ظاهرة التعصب للوطن إلا ظاهرة الهجرة المكثفة بالملايين من أجل لقمة العيش: هجرة العرب إلى أوروبا.

- ازدهار الوطنية على حساب الدين: في العصر الحديث أصبح أسهل على الناس أن يسخروا من الذات الإلهية على أن يسخروا من الوطن.

- في بداية القرن 19م، نابليون باع (Louisiane) لأمريكا ولم يحتج عليه الفرنسيون وروسيا باعت (Alaska) لأمريكا ولم يحتج عليها الروس.

- "الدولة-الأمة" الحديثة جعلت مواطنيها الفقراء يشعرون بأنهم يملكون كل الأملاك العمومية. شعور أهمله الشيوعيون وعوضوه بالصراع الطبقي.

Référence de toutes les citations ci-dessus sur le nationalisme : Shlomo Sand, historien engagé, citoyen israélien de gauche, d’origine juive mais non juif et non sioniste et déconstructeur des légendes sionistes (peuple juif, terre promise, grand exil au Ier siècle ap. J-C, etc). Il est professeur émérite d’histoire contemporaine à l’Université de Tel-Aviv et écrivain traduit en 23 langues.

- القوميون لم يأخذوا من الماركسية إلا أسوأ ما فيها "الحزب الواحد" ولم يأخذوا من الدين إلا القشور التي يظنون أنها تغفر لهم أخطاءهم.

- اليساريون العرب عمومًا رافضون للدين والإسلاميون متعصبون لدينهم أما القوميون فيوظفون الدين لخدمة مصالح أنظمتهم الديكتاتورية.

-


 


ظهور العرب كشعب مستقل في كتب التاريخ بدأ حوالي سنة 853 قبل ميلاد المسيح.

تعريف من بين تعريفات متعددة لـ"العربي": العربي هو من يصرح أنه عربي، ويتكلم العربية ويحسن نطق ض، ق، ح، خ، هـ، إلخ.

تعريف من بين تعريفات الـعربي: كل من ينحدر من أصول الجزيرة العربية ومن سلالة اسماعيل. لكن بهذا المعنى يصبح اسماعيل غير عربي.

عندما نتكلم عن العربي، عادة ما نتناسى أن هنالك عرب مسيحيون ويهود وبهائيون وأكراد وأمازيغ. يجب أن نتكلم عنهم كلهم باحترام. 

ما معنى كلمة "عربي" لغويا: فصيح،بليغ،جَليّ،صريح،يعبّر بوضوح. وهذا هو المعنى المقصود بقرآن عربي.

صفات العربي قبل الإسلام: كائن اجتماعي لا يتغير، يعطي ولاءه كله لقبيلته (العصبية)، يدفن ابنته حية، فارس، شجاع، كريم، حليم، مضياف،فظ.

صفات سيد القبيلة عند العرب قبل الإسلام: كان كملكة النحل، سيد لكنه لا يحكم وحده بل يستشير الملأ في كل شيء. لذلك كان العرب أحرارًا.

صفات العرب قبل الإسلام: لم يكن عندهم حكمة اليونانيين ولا علم الفراعنة لكن كانت عندهم معرفة بالنجوم وشاعرية في الحكمة والفصاحة.

صفات المرأة العربية قبل الإسلام: كانت تُوَرَّث مع المتاع لكنها كانت حرة في أن تديرَ تجارتها بنفسها وتخلعَ زوجها وتحرّض في الحروب.

صفات العرب قبل الإسلام: بحر من تعدد الآلهة (polythéisme) وتعدد الجن (polydémonisme) فيه جُزُرٌ من التوحيد (اليهود، المسيحيون، الحنفاء).

قبيلة بني هاشم في مكة قبل الإسلام (قبيلة رسولنا) كانت تمثل السلطة الروحية وسُميت هاشم لأنها كانت تهشم الخبز وتوزعه عل الحجاج.

مكة قبل الإسلام، كانت عبارة عن جمهورية تجارية تحكمها أرستقراطية قبيلة قُريش (ploutocratie)مثل مدينة جنوة الإيطالية (Gênes).


Source : GhalebBencheikh, Islamologue français, docteur ès sciences, actuel président de la fondation pour l'Islam de France. Sur YouTube.




 

حول جمال عبد الناصر


"ناصر كان أكبر من الهزيمة، والسادات كان أصغر من النصر" أمين معلوف

"العرب يعشقون الرئيس الذي يقودهم إلى ملحمة حتى ولو كانت وهمية، إلى حُلم، إلى نيل إعجاب العالم، إلى شعور بالفخر" أمين معلوف





كيف نفسّر مواقف الملك حسين الوطنية ومساندته لـناصر في حرب 1967 ولـصدام في حرب الخليج الأولى سنة 1991 ؟


1. مساندته لـناصر في حرب 1967 ؟

كانت مفاجأة، خاصة وأنه عُرف بعدائه الشديد لـ"الريّس". فجر الثلاثاء 30 ماي 1967، أقلع الملك بطائرته الخاصة صوب القاهرة وقال لناصر: "أضع كل إمكانيات الأردن على ذمتك في الحرب القادمة". قال ناصر: "على شرط أن يتولى ضابط مصري قيادة الجيش الأردني". قبِل فورًا ودون أي اعتراض. 

لماذا قبِل الملك ؟

نعرف أنه لم يكن عدوًّا لدودًا لإسرائيل بل كان يقابل وفي عديد المرات المسؤولين الإسرائيليين خلال سفراته المتعددة للخارج. قبِل لأنه كان يعتقد أن الرفض في مثل هذا المد الناصري هو عبارة عن عملية انتحارية وأن عدم المشاركة في الحرب المنتظرة قد يكون مدمّرًا لمملكته الهاشمية مهما كانت نتيجتها: لو انتصر العرب فسيصبح ناصر بطلا قوميا قادرًا على تدمير العرش الأردني فيجب إذن اتقاء شره بالوقوف إلى جانبه، ولو انهزموا فسيتهمه شعبة بالتخاذل عن نصرة العرب وقد يفقد شرعيته نتيجة تخاذله.

2. مساندته لـصدام في حرب الخليج الأولى سنة 1991 ؟

تصرّف مع صدام بنفس الطريقة التي تصرف بها مع ناصر ولنفس الأسباب. سانده لأنه فعلا يتمنى أن يراه منتصرًا لا لأنه كان يعتقد في إمكانية انتصاره على أمريكا بل لأنه كان يفضّل أن يخطئ وهو ملتحم بشعبه الأردني خير من أن يصيب وهو منعزل عن شعبه الأردني.

أما لبنان فقد رفض المشاركة في حرب 67، لذلك سلم من القصف الإسرائيلي لكنه دفع ثمن عدم مشاركته غاليًا وفقدت الدولة والجيش شرعيتيهما. 

عدم مشاركة لبنان في حرب 67 جعل العرب يتهمون اللبنانيين بالجبن لكنهم في حرب 2006 ضد إسرائيل أثبتوا لنا –عن طريق حزب الله اللبناني- أنهم أشجع الشجعان.

فترة حكم ناصر وفترة حكم نابوليون 1، الفترتان انتهتا بهزيمة عسكرية واحتلال أجنبي لكن شعبيهما كانا يعبدانهما لأنهما زرعا في شعبيهما حُلمًا وفخرًا. 

القومية العربية، ناصر 56 رفعها إلى عنان السماء وناصر 67 أنزلها إلى أسفل السافلين ثم جاءت هزيمة صدام فأجهزت عليها نهائيا.

زيارة السادات إلى إسرائيل سنة 1977، هل كانت بداية مسيرة متعثرة نحو سلام حقيقي بين اليهود والعرب أم قبرًا لكل أمل في السلام ؟

صدام والقذافي حاولا ارتداء جبة ناصر، لكن الاثنين فشلا وكانا دون مستواه ولم يجتمع الشعب العربي على حبهما وكان مصيرهما كارثيًّا.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.


أحداث جانبية خارجية ساهمت في إفشال مشروع عبد الناصر الوحدوي (1952-1970)


1. سنة 1958 وبعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، أرسى المارينز الأمريكان على شواطئ لبنان وتم إنزال الكومندوس البريطانيين في الأردن. إنذار كان موجَّهًا إلى عبد الناصر !

2. سنة 1958، عبد الكريم قاسم، العدو اللدود لعبد الناصر، تسلم الحكم في العراق.

3. سنة 1961، قام البعثيون السوريون بانقلاب في سوريا وأنهوا الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961).

4. بعد الانقلاب في سوريا، انتفض الناصريون السوريون ضد البعثيين السوريين لكنهم فشلوا فقُتِل منهم المئات.

5. في اليمن تحالفَ اليمنيون الملكيون مع السعوديين ونجحوا في إرباك الجيش المصري المناصر للجمهوريين اليمنيين.

6. سنة 1965 في الجزائر، أطِيح بـ"بن بلة"، صديق عبد الناصر.

7. سنة 1966 في غانا، أطِيح بـ"نكرومة"، معجب متحمس لعبد الناصر إلى درجة أنه سَمّى ابنه جمال.

8. سنة 1966 في أندونيسيا، أطِيح بـ"سوكارنو"، رمز من رموز حركة عدم الانحياز التي أسسها عبد الناصر و"تيتو" يوغزلافيا.

9. سنة 1966 في العراق، قُتِل في حادث طائرة مدبَّر، الرئيس عبد السلام عارف، حليف مخلص لعبد الناصر.

10. سنة 1965، تأسست "فتح" فافتكت الأضواء من عبد الناصر بفضل نضالها المسلح ضد إسرائيل، نضالٌ وعد به عبد الناصر وللأسف لم ينفذ وعده.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.





ناصر معبود الجماهير العربية، يصفقون له عندما ينجح ويلعنون أعداءه عندما يفشل. شعور وهمي تمامًا وصحيح عميق في آن واحد


خلال أزمة تأميم قناة السويس سنة 1956، الوزير الأول العراقي قال لنظيره البريطاني: "اضربوه ! اضربوه فورا واضربوه بقوة !".

خلافا لكل الثورات التي سبقتها، ثورة ناصر لم تكن دموية: لم يقتَل أي باشا من النظام القديم لكنها لم تكن غاندية، أعدِم عديد المعارضين.

مانديلا كان رمزا للتسامح: لم ينتقم ممن عذبوه بل ذهب لزيارة أرملة الرجل الأبيض الذي رماه في السجن وشرب معها الشاي. 

ما كان يجب على جمال عبد الناصر (1952-1970) أن يفعله ولم يفعله رغم أن التاريخ لا يعالَج بهذا الشكل


وصل إلى الحكم في بلدٍ كانت تسوده ديمقراطية غير تامة الشروط فكان بإمكانه تحسينها وتعميمها على جميع طبقات الشعب بعدما كانت انتقائية، وذلك عن طريق إرساء دولة القانون والمؤسسات والقضاء على الفساد والمحسوبية والتدخلات الأجنبية في السياسة الداخلية. لو فعلها لأطاعه الشعب بجميع انتماءاته الإيديولوجية لكنه خيّر عكس ذلك ومنع الأحزاب وأنشأ نظام الحزب الواحد على المنوال الستاليني. فعلَ كل هذا بِـتِعلة حماية الثورة من أعدائها فكانت النتيجة أن فشلت الثورة وانتصر أعداؤها، الأجانب والمحلّيون.

القومية التركية والقومية العربية وُلدتا في نفس العصر لكنهما اختلفتا في المصير. الأولى وُلدت ناضجة والثانية لم تنضج بعد. فشلَ ناصر في توحيد العرب. مهمة صعبة لو أنِيطت بأتاتورك تركيا 1924 أو بيسمارك ألمانيا 1871 أو كافور إيطاليا 1861 لفشلوا جميعا.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.

أهم أخطاء جمال عبد الناصر (1952-1970) حسب أمين معلوف


1. لم يكن ديمقراطيًّا مع تلطيف التعبير.

2. أرسَى نظام الحزب الواحد على المنوال الستاليني أي بَيْعة في شكل انتخابات الـ99%.

3. أنشأ مخابرات أمنية سرية منتشرة في كل ركن من أركان مصر، شديدة على المصريين ضعيفة أمام الأعداء.

4. أنشأ معتقلات اختلط فيها الإسلاميون والماركسيون وسجناء الحق العام ومواطنون أبرياء غير خُرس أي أن ذنبهم الوحيد التعبير عن آرائهم. 

5. قوميته كانت معادية للأجانب المقيمين في مصر وخاصة في مدينة الإسكندرية (إيطاليون ويونانيون ومالطيون ويهود ومسيحيون سوريون-لبنانيون).

6. منواله الاقتصادي كان عبثيًّا وغير محكم التنظيم: كان يعيّن عسكريًّا غير كُفءٍ ودون خِبرة على رأس كل شركة مؤمَّمة.

7. أسطورة جيشه القوي انهارت في ساعات معدودات يوم 5 جوان 1967 تحت ضربات الطيران الإسرائيلي. قد يكون وقَعَ في فخٍّ نصبه له أعداؤه الكُثر، فخٌّ لم يُفلح في تجنّبه. 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.




 

معلومة تاريخية عدد 1، أوّل مرة أعرفها حول جمال عبد الناصر (1952-1970)


لم يُلغِ عبد الناصر النظام الملكي مباشرة بعد ثورة 52 رغم ترحيل الملك فاروق وأبقاه شكليا وليس فعليًّا (nominalement). عَيّن في المنصب الأمير ولي العهد ملكا وكان عمره آنذاك بضعة أشهر.

ألغاه رسميًّا بعد عام تقريبًا تخوّفًا من تكرار السيناريو الإيراني في مصر: الوزير الأول "مصدّق" أطاحت به بريطانيا في أوت 1953 بعدما أمم شركتها النفطية وأرجعت الشاه الذي كان في المنفى الإرادي فحَكم إيران 25 عامًا فخاف ناصر من إرجاع الملك فاروق وإرساء ملكية دستورية برعاية بريطانية.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset &Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.



معلومة تاريخية عدد 2، أوّل مرة أعرفها حول جمال عبد الناصر (1952-1970)


خلال أزمة تأميم قناة السويس سنة 1956، هُزم ناصر عسكريًّا من قِبل التحالف العسكري الهجومي الإسرائيلي-البريطاني-الفرنسي لكنه انتصر سياسيًّا وأصبح رمزًا عالميًّا وقُدوة لجميع حركات التحرر باختلاف جنسياتها.

نصرٌ حققه ناصر بصموده وشجاعته وجزئيًّا بمحض الصدفة. صدفة تتمثل في تزامن حدثَين عالميين مهمّين: العدوان الثلاثي على مصر تزامن مع دخول الدبابات السوفياتية إلى مدينة بودابيست في المجر. حدثٌ قد يغطّي على حدثٍ آخر ولذلك تدخلت أمريكا على الخط وناشدت أصدقاءها بإيقاف العدوان وإلغائه وسحب قواتهم وتأجيل النظر في قضية تأميم قناة السويس إلى أجل غير معلوم بعدما كانت موافقة وأعطتهم الضوء الأخضر. لم تفعلها أمريكا حبًّا في ناصر أو احترامًا لمبدأ تقرير المصير بل فعلتها من أجل التركيز على تدخل الاتحاد السوفياتي في المجر وعزل نظامه عالميًّا وضرب مصداقيته لدى حلفائه وإصابته بهزيمة سياسية كبرى.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 €, 315 pages.

متى وُلِدَ اليأسُ العربيُّ ؟


أمين معلوف: " وُلِدَ اليأسُ العربيُّ يوم الاثنين 5 جوان 1967".

مواطن العالَم: قبل هزيمة 67، كنّا نمنّي أنفسنا بِنصرٍ عظيمٍ على العدو الإسرائيلي. بعد 67، أصبحنا "نَنَعَمُ" بانتصاراتنا الدموية العبثية المأساوية على بعضنا البعض: عراقيون على إيرانيين وكويتيين وإيرانيون على عراقيين، سنّة على شيعة وشيعة على سنّة، قوميون على إسلاميين ويساريين وإسلاميون على قوميين وعلمانيين، مغاربة على جزائريين وجزائريون على مغاربة، سعوديون وإماراتيون على يمنيين وحوثيون على سعوديين، سوريون على سوريين وليبيون على ليبيين، قريةٌ على قريةٍ، قبيلةٌ على قبيلة، عرشٌ على عرشٍ، دارٌ على دارٍ وزنڤةٌ على زنڤةٍ.. عربيٌّ على إسرائيليٍّ.. "يبطأ شويّة" !

حمام الشط، الجمعة 26 أفريل2019.

قرأتُ حول نظام الأسد في سوريا ! توفيق بكّار، أديبٌ، كريمٌ في المعنى بخيلٌ في الكلمات. نقل مواطن العالَم 


نظام الأسد في سوريا: فلا في حربٍ أبلَوا ولا في سِلم أجْدُوا ولا أسْدُوا لأمتهم ما هي جديرة به من العيش الكريم. أهانوا شعب الشام وهو العزيز، فغنموا باذخاً، وأغرموه فاحشاً، ونعِموا، وأبطروا، وأشقَوْه شقاءً عظيماً.

[محنة شعب الشام منذ أحقاب بحكّام لا يجيدون من أساليب السياسة في هذا العصر إلا شدّة القهر والبطش الرهيب. عتاةٌ شداد سطوا عليه بالعنف غرّة واستبدّوا بالنفوذ فيه آماداً، وسلبوه حقوقه والحريات، ونهبوه واستأثروا وذويهم والموالي بالمنافع والخيرات. ودعواهم بعد "البعث" و"الاشتراكية" حرصهم على أمن الدولة والعدوّ الصهيوني مرابطٌ على الحدود يتربّص بها شرّا. وهم في الأصل عساكر دجّجوا بالسلاح وجيّشوا قوّة لصدّه عن أرض الوطن المفدّى، فأباحوها وما منعوه، وحموا نظامهم وما حَمَوْها. خسروا معه معاركهم في الساحات وتركوا له الجولان وانخذلوا. وعلى قدر هزائمهم ولا فخر استأسدوا (بالخط العريض في النص الأصلي) في البلاد يذلّون رقاب العباد، لا يرعون لواحد في ذاته حرمة. يأخذون البريء أخذ الجاني بلا أسباب، أو لشبهة أو دسيسة أو نميمة، فيضيع في غيب سراديبهم من الظلام، وبذوي النفوس الأبيّة ينكّلون، وبذوي الرؤوس العصيّة، فيفتكون بأجسادهم والأرواح فتك الوحوش الضواري، سادرين في غيّهم لا يبالون بحساب أو عقاب، كأنهم في السماء من الأرباب، يسألون ولا يُسألون، وليسوا، وإن طغوا، إلا على الأرض من ضعيف العباد. فلا في حربٍ أبلَوا ولا في سِلم أجْدُوا ولا أسْدُوا لأمتهم ما هي جديرة به من العيش الكريم. أهانوا شعب الشام وهو العزيز، فغنموا باذخاً، وأغرموه فاحشاً، ونعِموا، وأبطروا، وأشقَوْه شقاءً عظيماً.

بشنائعهم، قبل هبّة الثائرين عليهم، يدكّون من صرح سلطانهم في كلّ يوم صخرةً، يشهّر المعسعس (مؤلف الرواية) في قصّته هذه "حمّام زنوبيا"، في صحراء القطر.]

المصدر: قصة "حمّام زنوبيا"، رياض معسعس، تقديم توفيق بكّار، دار الجنوب، تونس 2012، في 357 ص، الثمن: 10,700 د. ت.


أبلغُ نقدٍ قرأته في الإيديولوجية القومية. ترجمة مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا


المصدر:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset &Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

نص أمين معلوف:

صفحة 110: "أليس أول فضيلة عند الإيديولوجية القومية هي البحث عن مذنِبٍ لكل مشكلة عوض البحث عن حل". 

إضافة محمد كشكار: أمثلة متعددة من البحث عن المذنب: نكبة فلسطين سنة 1948 بسبب خيانة تركيا وبريطانيا. "نكسة" جمال عبد الناصر سنة 1967 أمام الجيش الإسرائيلي بسبب خيانة رئيس أركان جيشه عبد الحكيم عامر. نصف هزيمة مصر في حرب أكتوبر 1973 أمام الجيش الإسرائيلي بسبب خيانة أنور السادات. هزيمة صدام حسين سنة 2003 بسبب تحالف الدول العربية ضده مع الدول الغربية. فشل ثورات الربيع العربي بسبب مؤامرة غربية ضد العروبة والإسلام، إلخ.

كيف نعرّف نظام بشارْ الأسد ؟ لوموند ديبلوماتيك، ترجمة مواطن العالَم، يساري غير ماركسي

- بشّارْ غير المهيَّئِ بما فيه الكفاية، هو الوريثُ لأبيه، حافظ، الأب مهندس النظام السوري الشمولي (Totalitaire)، نظامٌ يندرُ وجودُه في العالم العربي. مؤسسَةٌ للعنف، صُمِّمت لتزجَّ بشعبٍ بأكمله في قفصٍ، وتنزعُ منه كل طموحٍ أو رغبةٍ في الثورة.

- سنة 1994، دُعِيَ بشّارْ إلى دمشق من أجل تدريبه للجلوس على الكرسيِّ الرئاسيِّ وهو ما يزال طالبًا في طب العيون في أنڤلترا، دُعِيَ على عجلٍ إثر وفاة أخيه باسل، الوريث الشرعي، في حادثٍ غامضٍ.

- "ربيعُ دمشق" (2000-2001)، عرائضُه، حواراتُه، ندواتُه الديمقراطيةُ، محاولاتُه الإصلاحيةُ التعدديةُ، كلها لم تكن إلا سحابة صيفٍ، وإلا -حسب البعض- كانت فخًّا منصوبًا لكشف المعارضين.

- "مَن شابه أباه فما ظلم"، لا يسمحُ بشّارْ ولا يطيقُ أي نفسٍ احتجاجيٍّ مهما كان ضيقًا أومحدودًا.

- ما هي الحكمة الأساسية التي يرتكز عليها نظام الأسد الابن ؟ الاعتمادُ دومًا على العائلةِ والطائفةِ والعشيرةِ، لكن يبدو لي أنه من الخطأ أو التبسيط أن ننعتَ نظامَه بالنظام العلوي. من المؤكد أن الشخصيات النُّصَيْرِيةِ (النصيريةُ، مذهبٌ أعادت تعميدَه السلطات الفرنسية إبّان الاحتلال 1923-1943، وأطلقت عليه نعت العلوي) هي التي تسيطر على أهم مراكز النفوذ في سوريا، لكن النظامَ يعتمد أيضًا على ثنائيةِ بورجوازيةِ الدولةِ وبورجوازيةِ الأعمالِ. بشّارْ يحذقُ إرضاءَ الطرفَينِ، يُرقّي رجالَ الدولةِ ويمنحُ تسهيلات في الصفقات لرجالِ الأعمالِ، كما كان يفعلُ أبوه.

- نظامٌ يتبجّحُ بالاستقرارِ، استقرارٍ حققه على حسابِ حقوقِ المواطنينَ وكرامتِهم، لكن -وإحقاقًا للحقِّ- فقد استفاد السوريونَ أيضًا من هذا الاستقرار: وفّرَ لهم حاجياتَهم الدنيا من التعليمِ والغذاءْ والنقلِ والدواءْ.

- نظام "الممانَعة"، إستراتيجيةٌ ذكيةٌ ورثها عن أبيه، إستراتيجيةٌ تتمثلُ في صمودِ الضعفاءْ ضد الأقوياءْ مثل إسرائيل وأمريكا، أو على الأقل ادّعاءُ ذلك قولاً أمام حلفائه "المناهضين" مثله للإمبريالية والصهيونية أعداء الأمة العربية. من بين مآثِرِ إستراتيجيةِ "الممانَعة"، نذكر: حوّلت أنظارَ العالَم عن كل الأدواء التي تُنغِّصُ عيشَ الأغلبية الغالبة من السوريين وذلك منذ عقودٍ، لكنها لم تستطعْ أن تحجبَ الحقيقةَ التي تقول أن الجيش السوري "بطل الممانعة وذراعها العسكرية الضاربة" لم يطلقْ ولو رصاصة واحدة ضد العدو الإسرائيلي منذ حرب 1973. 

- يبدو أن جل يوميات ضحايا الحرب الأهلية السورية أصبحت تخلق انزعاجًا لدى القرّاء: الاستدعاءُ غير المكتملِ لجرائم النظام نجده منهجيًّا تقريبًا مصحوبًا بشهادات تؤكد، مثلاً، على حضور "الخيِّرِين والأشرار في الجهتَين المتنازعتَين" أو على "المطالبة الواضحة بالديمقراطية" التي جعلت السوريين يقفون كالرجل الواحد ضد تقسيم بلادهم وتجزئتها إلى دويلات طائفية متناحرة. 

خاتمة مواطن العالَم: هنيئًا للحركات الإسلامية المتطرفة سَحْقَها للشعب السوري بسواعدَ بعضها تونسيةٍ وأموالٍ سعوديةٍ-قطريةٍ ومساندةٍ عسكريةٍ تركيةٍ وأمريكيةٍ. يحدثُ في سوريا الحبيبة كل هذا الخَوَرْ، والعدو المحتل على مرمَى حَجَرْ.

Référence : Le Monde diplomatique, décembre 2018, Extrait de l`article «Stratégies du pouvoir syrien», par Akram Belkaid, p. 25, commentaire sur le livre de Subhi Hadidi, Ziad Majed et Farouk Mardam-Bey, Dans la tête de Bachar Al-Assad, Solin-Actes Sud, Arles, 2018, 208 pages, 18,80 euros.

لا أتفق مع القوميين المتحزبين المتعصبين في المواقف التالية ؟


1. يساندون نظام بشار وأنا لا أسانده ولا أساند الدواعش معارضيه المسلحين.

2. يعشقون ناصر وبومدين والقذافي وصدام والأسد الأب والابن، وأنا أعشق غاندي ومانديلا، أمقت ستالين وماو وبول بوت، وأكفر بديكتاتورية البروليتاريا حيثما حلّت، غربًا أو شرقًا.

3. بارَكوا سَعْيَ صدام لامتلاك السلاح النووي وأنا لا أبارك أحدًا في مثل هكذا سَعْيٍ.

4. حكموا فظلموا، ناصر وبومدين والقذافي وصدام والأسد الأب والابن، ظلموا رفاقي اليساريين، عذبوهم وسجنوهم وشرّدوهم. وفي المقابل، اليساريون لم يحكموهم يومًا واحدًا حتى يظلموهم.

5. حصيلتهم في الحكم سلبية وفي الحروب مع أعداء الأمة كارثية (هزيمة 1967 وهزيمة بغداد 2003).

6. جاؤوا رافعين شعار الوحدة العربية، ذهبوا ولم يحققوا منه شيئًا بل على العكس زادوا العرب حقدًا على حقدٍ: الانفصال المصري-السوري الفجائي بعد الوحدة على عجل، حرب ناصر في اليمن، الفتنة الإيديولوجية بين شقي الحزب الواحد (البعث العراقي والبعث السوري)، العداوة بين الجارتين الجزائر والمغرب والحرب الصحراوية العربية-عربية.

7. حاولوا تطبيق الاشتراكية في البلدان العربية فمسخوها في مصر واليمن وسوريا والعراق والجزائر وليبيا. لم يحققوا حتى الحد الأدنى مما حققته البلدان الاشتراكية في الصين والاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية حيث أجيالٌ حُرمت من الحرية لكنها على الأقل تركت لأبنائها بُنَى تحتية وصناعة قوية. قوميونا الاشتراكيون العرب حرمونا عقودًا من الحرية ولم يتركوا لنا من الإنجازات التحتية شيئًا ما عدى سد أسوان اليتيم، نسيت، لن أظلمهم، تركوا لنا جيوشًا أسودًا ضد شعوبنا نعاجًا أمام الأعداء، جيوشًا بواسل لا زالت تكتم أنفاسنا حتي اليوم في مصر وسوريا والجزائر.


خاتمة: ثبّطوا العزائمَ ولم يورّثونا سوى الهزائمَ فلَمْ أعُدْ آمن للصقور منهم ولا الحمائمَ !

الشعبُ السوريُّ البريءُ في كمّاشةِ الإمبرياليةِ الغربيةِ-العربيةِ والدكتاتوريةِ البشّاريةِ والحركاتِ الإسلاميّةِ "المعتدلةِ" منها والمتطرِّفةِ، السنيّةِ منها والشيعيةِ ؟


يُساقُ البريءُ إلى المصيدةِ متلبسًا بقهرِ الزمانِ متهمًا بجريمةِ القدرِ الذي أنجبَه في هذه الظروفِ الضاريةِ، في هذا العصر الواعر، في هذا الزمنِ الرديءِ المتردِّي من عُلوٍ، تتلقفُه حَيّةٌ بثلاثةِ رؤوس، الإمبرياليةُ الغربيةُ-العربيةُ والدكتاتوريةُ البشّاريةُ والحركاتُ الإسلاميّةُ "المعتدلةُ" منها والمتطرِّفةُ، السنيّةِ منها والشيعيةِ، تُغويهِ، يتحللُ سُمُّها في دمِه، يلتهمُ شرهُها جوعَه، يراوغُ خبثُها طيبتَه، يعانقُ غدرُها عفويتَه، تتغلبُ عدوانيتُها على سلميتِه، تختلطُ قسوتُها بدموعِه، فيتّحدان في جسمٍ مفزعٍ في بلدٍ بلا حدودٍ في ساحةٍ مكتظةٍ مقفِرةٍ، إلا من الذين قَذَفَ بهم المكتوبُ في زمنٍ غير مكتوبٍ. وأمام تلك الحشودِ المتجمهرةِ وعلى مسمع من الشعبِ السوري الصامتِ الحاقدِ المقهورِ المحرومِ من الحقِّ في استردادِ الحقِّ، يرقصُ العقلُ المشوّهُ على أجسادِ الخلقِ السويِّ، تُقطعُ الأرزاقُ وتُصلبُ الأعناقُ وتُدَمَّرُ الأسواقُ، يظلُّ الإسلامُ شامخًا، تبقى الثورةُ إنجازُ الشجعانْ والعروبةُ حُضنُ النَّصْرانْ والديمقراطيةُ مطمحُ الغَلبانْ، وباسمها جميعًا دُنِّستِ الجوامعُ والصلبانْ، ومن أجلها تقاتلَ الأتباعُ، الأعاجِمُ والعربانْ، وهُتِكتْ الأعراضُ واغتُصِبتْ النِّسْوانْ. طُمِستْ الأنسابُ ومُحِيتْ إلى الأبدِ الأسماءُ وانقرضتْ الأعراقُ وفي تَدمرَ دُمِّرتْ الحضارةُ، جُفِّفتْ الينابيعُ ودُفِنتْ الأشواقُ، أمِيتَ الأملُ وفي بلادي نَمتْ مكانَه الأشواكُ، بلادي اليوم هي سوريا وشعبيَ اليوم هو الشعبُ السوريُّ.

حمام الشط، الأحد 16 أفريل 2018.



ANNEXE

5

المُلْحَقات

- حِكَمٌ وأقوال مأثورةٌ حول الرأسماليّين....697

- حِكَمٌ وأقوال مأثورةٌ حول الإسلاميين.....774

- حِكَمٌ وأقوال مأثورةٌ حول القوميين........799


ملاحظة:

من يرغب في الاطلاع أكثر،

عليه أن يتحمّلَ الجهد ويُكمِلَ قراءة الملحقات.


حِكَمٌ وأقوال مأثورةٌ حول الرأسماليّين 

(جمّعتها خلال سنوات 2012-2024)

- من حق العامل أن يعرف مَن المستفيد من عمله ومَن المستفيد مما يبيع ويشتري وهل هذا كله يساهم في الحفاظ على البيئة أو يساهم في تلويثها.

- يجب إدراج مادة التربية البيئية في التعليم حتى يعي كل مواطن أن المحافظة على البيئة مشروع مشترك يتحمل مسؤولية في تحقيقه 

- مؤتمر البيئة ONU في مدينة Cocoyoc في المكسيك سنة 1974 أعلن أن التخلف في البلدان الفقيرة ليس تأخرا بل هو نتيجة لنمو البلدان الغنية. 

- مؤتمر البيئة ONU في مدينة Cocoyoc في المكسيك سنة 1974  نصح البلدان الغنية بالتخفيض في الإنتاج والاستهلاك وتناول مضادات الاكتئاب. 

- مؤتمر البيئة ONU في مدينة Cocoyoc في المكسيك سنة 1974، توصياته الإنسانية نسفتها الثورة الليبرالية المضادة في بداية الثمانينات.

- بلدان الشمال الغنية (G7,G20,UE) تتنظم وتتحالف عند الأزمات فلماذا لا تفعل مثلها بلدان الجنوب الفقيرة عوض أن تتقاتل فيما بينها ؟

- بلدان الجنوب الفقيرة، لماذا لا تنسق فيما بينها وتتبادل التجارب الناجحة وتتعظ من الفاشلة ؟ السبب 100% داخلي و100%  خارجي في آن واحد.

- سنة 1956، تاريخ نهاية الهيمنة السوفياتية على الحركة الشيوعية العالمية وبداية الاختلاف مع الصين حول ستالين.

- سنة 1989، سقطت الشيوعية وسقط معها شعار "تقرير المصير" الذي عُوض بشعارَي "حقوق الإنسان" و"حق التدخل".

- منذ سقوط الشيوعية في بداية التسعينات، بدأت أمريكا تُفعّل "حق التدخل" في يوغسلافيا والعراق والصومال وأفغانستان.

- العالم الغربي لا يقول للعالم الثالث: "أطيعوني" بل يقول: "أطيعوا قواعد النظام العالمي" أي القواعد التي سطرها هو لمصلحته.

- منذ سقوط الشيوعية في بداية التسعينات وأمريكا تدّعي أنها تسعَى لإرساء نظام عالمي للوقاية من الإبادات الجماعية. غزة فضحتْ ادّعاءَها.

- أمريكا عمّدت نفسها بنفسها "شرطي العالم" واختارت مَن يساعدها على تنفيذ هذه المهمة وأرست 1000 قاعدة عسكرية خارج حدودها.

- مِن غزة (فلسطين) إلى كياف (أوكرانيا)، رفضت الدول الضعيفة عسكريًّا الاستسلام لهيمنة الدول العظمى مثل روسيا وأمريكا الصهيونية.

- دول الجنوب رفضت الانصياع لإملاءات الشمال في غزة وكياف وفضحت سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الغرب حيال غير الغرب.

- حتى السعودية، أكبر حليف لأمريكا في العالم الإسلامي، رفضت الانخراط في الحملة الغربية لمقاطعة روسيا ديبلوماسيا واقتصاديا.

- روسيا أصبحت تلعب في ميدان أمريكا وتتوسط بين إسرائيل وإيران وبين الحوثيين والإمارات وبين تركيا والأكراد.

- في الخليج العربي لم تعد أمريكا تُعتبر حليفا موثوقا به 100%. محمد بن سلمان رفض مرة الرد على بايدن في الهاتف وأبرم مصالحة مع إيران.

- النظام العالمي كان ثنائي القطب خلال فترة الحرب الباردة ثم أصبح وحيد القطب بعد سقوط الشيوعية واليوم بدأ يتشكل عالم متعدد الأقطاب.

- باسم العلم والدين والاعتقادات والمعرفة، أرسى الغرب المسيحي الرأسمالي الليبرالي هيمنته المجحفة على دول الجنوب الفقيرة.

- ماضي الانحطاط العربي جثم على قلوبنا طويلا من القرن 16م إلى اليوم. هذا الماضي الذي لا يريد أو لا نريد له أن يمضي !

- في نفس الفترة التي كان الغرب يحاكم فيها النازيين بتهمة الاحتلال والعنصرية (1945) كان هذا الغرب نفسه يحتل غير الغرب.

- الاتحاد السوفياتي سابقًا ساند حركات التحرر في العالم الثالث في الجزائر وجنوب إفريقيا وزنبابوي وموزنبيق وأنڤولا وناميبيا وفلسطين.

- الاتحاد السوفياتي سابقًا أرسل 10 آلاف جندي إلى أنغولا لنجدة الحركة الشيوعية المحلية وساهم في تحرير ناميبيا جنب القوات الكوبية.

- روسيا اليوم تستثمر كثيرا في إفريقيا: الحديد في جنوب إفريقيا والأورانيوم في تنزانيا والماس في أنغولا وزنبابوي.

- بداية من 2013، زادت روسيا في مبيعاتها العسكرية إلى مصر والمغرب وخاصة الجزائر.

- بداية من 2014، أمضت روسيا اتفاقات (عسكرية ومدنية وفضائية ورقمية وإعلامية) مع 20 دولة إفريقية (مالي، كونغو، مدغشقر، سودان، إلخ).

- في روسيا اليوم يدرس 34 ألف طالب إفريقي منهم أكثر من 6 آلف يتمتعون بمنحة جامعية.

- صندوق النقد الدولي (FMI) تأسس سنة 1944 من أجل التعاون والتنسيق المالي بين الدول. اليوم أصبحت مهمته تنحصر في المساعدة والمتابعة والمراقبة 

- صندوق النقد الدولي (FMI) أملَى على فرنسا الترفيع في سن التقاعد وفعلا نفذت إملاءاته رغم المعارضة الشعبية الكبيرة.

- ما هي إملاءات صندوق النقد الدولي (FMI) عموما: تخفيض عدد الموظفين+الترفيع في سن التقاعد+خوصصة الشركات العمومية. 

- الوجه الخفي للـFMI: في 2010 طلبت أوكرانيا قرضا لكن رئيسها رفض الشروط. في 2014 أطيح به لفائدة رئيس بروغربي فتنازل الصندوق عن شروطه المجحفة.

- سلاح العقوبات الاقتصادية سلاح أمضَى من السلاح العسكري: سنة 1997 كان نصف سكان العالم يرزحون تحت ظلم العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

- حصار العراق الاقتصادي 1990-2000: عزز نظام صدام وأفلس الاقتصاد وتسبب في نقص كبير في الأغذية والأدوية وقتل نصف مليون طفل.

- البيئة أصبحت تخدم الأغنياء وحدهم وتلوثها يضر بصحة الفقراء: كل عام يفقد العالم 15 مليون هكتار مساحة مشجرة منها 6 ملايين تصحّرت.

- أصحاب المصانع سمموا التربة والماء والهواء من أجل الربح السريع في وقت قصير مما تسبب في انتشار الأمراض والمصنع الكيميائي بڤابس أشنع مثال.

- 6% فقط من سكان العالم، أي أثرى الأثرياء، يستهلكون ثلث الطاقة المنتجَة في العالم ويستغلون ثلث الثروات الباطنية في العالم.

- في مملكة النمل تولد الملكات بجناحين وتمارسن الجنس بينما العاملات لا تطير ولا حق لها في ممارسة الجنس. هل يعقل أن يعمل الإنسان كالنملة ولا يحب ؟

- هذا الغول، هذا النمو الاقتصادي السريع، عنوان التقدّم، هل يقود البشرية إلى القضاء على الفقر أم يقودها إلى مزيد من الفقر ؟

- النظام الرأسمالي الليبرالي يقول: لتكون يجب أن تملك أكثر. الفخ يتمثل في أن من يملك أكثر يرغب دومًا في ما أكثر فيصبح عبدا لغرائزه.

- السيارة والحاسوب والجوّال، صُمِّموا لربح الوقت لكنهم في الواقع أخذوا من وقتنا الكثير عوض أن نربح منهم وقتا إضافيا للمتعة والراحة.

- جزء مهم من ربحنا من العمل نخصصه لشراء وسيلة تنقلنا بسرعة إلى مكان العمل لكنها سرعة أقل من سرعة الدراجة بسبب الازدحام المروري.

- المصانع التي كانت تشغل ألف عامل أصبحت آلية وتشغل عشرة فقط أي التقدم التكنولوجي زاد في البطالة عوض أن يوفر لنا المتعة والراحة.

- المجتمع الاستهلاكي يستهلك مواطنيه ويرهقهم ويجبرهم على استهلاك سلع غير ضرورية بل مضرة بالصحة والبيئة كالمصبرات والبلاستيك.

- في الغرب يضحون بالعدالة الاجتماعية من أجل الحرية في محراب آلهة التنمية وفي الشرق يضحون بالعدالة الاجتماعية من أجل الحرية في محراب نفس الآلهة.

- البلدان في طريق النمو أمام معضلة: لو أرادت استخلاص الضرائب من الشركات الأجنبية فقد تغادر أي يستغلونها ولا خيار أمامها إلا الصمت.

- الماركسيون صنفوا البورجوازية إلى نوعين: وطنية وكمبرادورية (وسيطة) وفضلوا الأولى على الثانية ناسين أن الاثنتين استغلاليتان.

- بعض البلدان في طريق النمو أرادت حماية بورجوازيتها الوطنية من المنافسة الأجنبية عن طريق الدعم والديوانة فشلّت قدرتها على التجديد.

- أمريكا لم تكتف بتهديد العالم بأسلحتها الفتاكة فحولت "دولارها" إلى سلاح: عاقبت بواسطته 12 ألف شخص و22 دولة أي ربع الاقتصاد العالمي.

- سنة 2015، أمريكا عاقبت البنك الفرنسي (BNP) بخطية قدرها 8،9 مليار دولار لأنه لم يحترم الحصار المضروب على كوبا وإيران والسودان.

- المفاوضات بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة هي مفاوضات غير متكافئة لأن الشمال مسلح أكثر بالمعنيين الحرفي والمجازي للكلمة

- الاتفاقيات المبرمة بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة عادة ما تكون لصالح الشمال نتيجة عدم إلمام الجنوب بعلم المفاوضات 

- عقدة التفوق عند الغرب: يرون أنهم صنعوا أفضل حضارة على المستوى العلمي والاقتصادي وحتى على مستوى حقوق الإنسان (الإنسان الغربي لا غيره)

- دول الشمال الغنية والقوية تواجه أعداءها وهي متكتلة مع بعضها أم دول الجنوب الفقير والضعيفة فهي تواجه وهي منقسمة بل متناحرة مثل الدول العربية

- "كل واحد يدعي أنه هو الوحيد المتحضر وكل أجنبي هو بربري" (Montaigne) واليوم الغربي هو المتحضر والعربي المسلم هو البربري

- التحضر لا يُقاس بالمستوى العالي للتصنيع كما لا يدل غياب التصنيع على عدم التحضر فللبلدان غير المصنعة حضاراتها التي تستحق الاحترام. 

- يبدو أن الاستعمار ومخلفاته قد شوّه أشكال التنظّم الاجتماعي القديمة في العالم الثالث وكذلك فعل مع الحياة الثقافية لأهله ونظرتهم للإنسان.

- لو أردنا القضاء على منوال التبادلات التجارية غير المتكافئة بين الشمال والجنوب فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار حق الشعوب الفقيرة في تقرير مصيرها بنفسها ولا تكتفي بتبادل السلع.

- على لسان شكسبير، يقول العالم الثالث للغرب ما يلي: علمتني لغتك وكل ما ربحت من ورائها. ربحت القدرة على لعنك فوباء يأخذك لأنك علمتني لغتك.

- مأساة شعوب العالم الثالث وغضبه يتمثلان في التمزق الذي تعيشه بين الانبهار الذي يمارسه عليها الغرب أو الرجوع إلى أفضل عاداتها. 

- الحوار الدائر في صمت بين الدول الغنية والدول البروليتارية: إمّا سيأخذ وجهته الإنسانية وننجو جميعا وإمّا سيتحول إلى ثورة ومواجهات عسكرية.

- جريدة Le M diplo ومجلة Manière de Voir أراهما موضوعيتين لكنني لاحظت أن ما أنقله عنهما لا يحظى بالتفاعل المنتظر. لم أفهم ما السبب ؟

- منذ نشأته سنة 1918، "القانون الدولي" لم يخدم إلا مصالح القوى الكبرى.  علاوة على ذلك، هل هو فعلاً "قانون" ؟ 

- كارل شميت (1888-1985) قال: "يتميز القانون الدولي بالكيل بمكيالين. حروب استباقية يشنها الأقوياء على الضعفاء ويخرقون القانون الدولي الذي وضعوه بأنفسهم".

- "القانون الدولي" لا يملك جهازًا تنفيذيًّا مما يجعله نوعًا من الطموح بلا مضمون أي وجهة نظر معلقة في السماء لا أكثر ولا أقل.

- القوى الكبرى المسيطِرة على العالم تفعل ما تشاء سواء توافق ما تفعله مع القانون الدولي أو لم يتوافق معه.

- منذ البداية، منظمة الأمم المتحدة () كانت مشروعًا أمريكيا خالصًا تديره أمريكا لوحدها. وإلى اليوم لم يتغير شيءٌ لللأسف. Stephen Schesinger

- في سنة 2010، هيلاري كلنتون أمرت المخابرات بالتجسس على الأمين العام للأمم المتحدة وأربعة سفراء للدول العضوة في مجلس الأمن.

- "القانون الدولي"، من وجهة نظر واقعية ودون لف أو دوران هو ليس قانونًا وليس دوليًّا.

- أنتونيو غرامشي: "تُعرَّف الهيمنة (l’hégémonie) بالنجاح في تمرير مصلحة خاصة في ثوب مصلحة عامّة".

- "النفاق هو ممارسة تقوم بها الرذيلة تقليدًا للفضيلة لكي تغطي عن مقاصدها السيئة".

- الصراع الطبقي العالمي: بين نهاية حرب الجزائر 1962 ونهاية حرب فيتنام 1975، اغتِيل أهم الزعماء التقدمين في العالم الثالث مثل بن بركة وغيفارا.

- حسب البنك العالمي: يوجد 700 مليون بشر يعيشون بسبعة دنانير في اليوم في البلدان المتخلفة ومناطق الحروب والجهات الريفية المعزولة.

- "منذ مؤتمر باندونغ في أندونيسيا سنة 1955، ماتت عقدة النقص لدى العالم الثالث"

L S Senghor, Le M diplo, oct 1965

أشك في ذلك إ

- "نحن الصعاليك المتسربلين في ثياب رثة، نحن من سيحقق يومًا الحرية للإنسانية جمعاء" كاتب هندي حاصل على جائزة نوبل للأدب 1913

- 2200 مليار دولار، قيمة المواد الأولية وساعات العمل التي يأخذها الشمال من الجنوب. مبلغ يساوي 15 مرة المبلغ الضروري للقضاء على الفقر في العالم.

- شارل ديغول قال: "الدول ليس لها أصدقاء، الدول ليس لها إلا مصالح". 

- تعليقي: منطق ليبرالي فج وغير إنساني والقوي فيه يأكل الضعيف. 

- "عالم جميل، ليس فقط هو ممكن بل هو في طريقه إلينا. ربما أكثرنا لن يكون في استقباله لكنني لو انتبهت قليلا اسمع أنفاسه" كاتبة هندية، 2002

- ليس صدفة أن تظهر قارة أوروبا في أعلى خريطة العالم (globe terrestre) وفي مركزه. حيلة اخترعها مَن يعتقدون أنهم هم الأعلى ليوهمونا بأننا دائما الأسفل.

- ليس صدفة أن الغرب يسمى نفسه الشمال ويسمّينا بلدان الجنوب بالرغم من أن العلم يقول إن لا وجود لشمال أو جنوب في الفضاء.

- عقدة النقص لدى الجنوب حيال الشمال لن تزول إلا إذا اقتنع الجنوب بأنه ليس أقل شأنًا من الشمال وأنه قادر علي تقرير مصيره بنفسه.

- عدد أكبر أصحاب المليارات في العالم: 813 في أمريكا الشمالية و473 في الصين بما فيها هونغ كونغ و200 في الهند.

-

Source de tous les statuts récédents : Manière de Voir (Le Monde diplomatique), juin-juillet 2024.

- تداين الدول حيلة رأسمالية لنهب دافعي الضرائب وليس حلا لعجز الميزانية وإلا كيف نفسر تداين الدول الغنية مثل أمريكا وفرنسا؟

- تداين الدول حيلة رأسمالية: الدول تمول البنوك المركزية والبنوك المركزية تقرض البنوك الخاصة بفائض والبنوك الخاصة تقرض الدول بفائض أكبر.

- لا توجد دولة واحدة في العالم تحتاج فعلاً إلى قروض (تحيّل رأسمالي). مبدأ استقلالية البنك المركزي حيلة رأسمالية لنهب الدولة والحد من السيادة.

- البنك المركزي، مستقل عن الدولة لكنه تابع للدوائر المالية العالمية -FMIetCies: يقرض البنوك الخاصة بفائدة 6% والخاصة تقرض الدولة بـ9%.

- يبدو لي أن الإنسانَ كلما تعلّم أكثر توحّش أكثر والدليلُ أمريكا ومنذ تأسيسها شنّت ضد العالَم 200 حرب استباقية وإسرائيل وُلدت وحشًا.

- ماذا عسانا ننتظر من عالَمٍ يحرّكه رأسماليون دون علمٍ ولا ثقافة؟ وينصّبون في السلطة مثقفين جهلة بالعلم ويشغّلون علماء جهلة بالثقافة؟

- صرخة: بارادوكسالمان، بدأت أومن أن الجهلَ نور والعلمَ ظلام.

أرقى العلم الغربي (الأسلحة) موظف ضدنا لكن بأيدينا. جنت على نفسها براقش!

- الطبقات الشعبية الأمريكية المحافظة، الذكورية، المتخلّفة، الجاهلة، والعنصرية، هي التي انتخبتْ ترامب ونتنياهو.

LeMonde diplomatique Janvier 2019.

- الدولة قررت بيع المواد الأساسية بأسعارها الحقيقية فليقرر الشغالون إذن بيع قوة عملهم بسعرها الحقيقي.

(يصبح السميـﭬ 1500 د)

- ليس من حق الدولة أن تتخلى عن دعم فقرائهالكن ما دامت فعلتها دون حياءفلتتخلى أيضًا عن دعم أغنيائها بالقروض الكبرى وبشروط ميسّرة.

- الدوائر المالية العالمية لم تترشّحْ في أي انتخابات في أي دولة، لكنها ربحتها كلها منذ سنة 1970. تعزِل وتعيّن الوزراء في أعتى الدول.

- الدوائر المالية العالمية: صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، البنك المركزي الأوروبي، الشركات متعددة الجنسيات. أنتَ تنتخب وهي تحكم.

- أي حكومة -تقدمية أو رجعية- تأخذ قرارًا سياديًّا ضد الدوائر المالية العالمية. تهددها الدوائر فتتراجع آجلاً أم عاجلاً ؟

- الأجراء هم عادة من يدفع الضرائب ويجنون مستشفيات ومدارس غير مجهزة .وفي المقابل الدولة تدعم الأغنياء الذين يتهربون من دفع الضرائب.

- Mobilisation des gilets jaunes Fr: « Quand l'ordre est injustice, le désordre est déjà un commencement de justice » Romain Rolland 

- Les solutions aux revendications  des gilets jaunes en france: Le partage, la justice sociale, les grosses taxes sur les grosses fortunes.

- Trump et Macron, deux poupées gonflables du capital. Michel Onfray. Certains présidents arabes sont les poupées des poupées. 

- أغلب البلدان الأوروبية تنعَم بالسلام منذ 1945وأغلب بلدان العالم الثالث تقاسي من ويلات الحروب. أسلحة الأولى هي محرك حروب الثانية !

- اقتراض الدول من البنوك الخاصة (B. M., FMI, BCE, etc.) لم يعد مؤشرًا على التخلف الاقتصادي: فرنسانموذحًا.

- الفرد تتقاسمه نزعتان، نزعة وراثية غريزية حيوانية وأخرى مكتسبة تربوية إنسانية: الليبرالية غذّت الأولى وهمشت الثانية بدافع الربح.

- الفردُ تتقاسمه نزعتان، الدين والفلسفة يغذيان النزعة التربوية المكتسبةوالرأسمالية تغذي النزعة الغريزية الوراثية وتهمش الدين والفلسفة.

- قديماوحديثاالحضارة المسيحية ظلمت وقتلت وعذبت واستعبدت مليون مرة أكثر من الإسلامية ولا يستحون ويدعون أننا إرهابيون وأن قرآننا عنيف.

- الاشتراكية وحدها عقيمة لا تنجب حرية. الرأسمالية لا تنجب عدالة اجتماعية. الحل أسكندنافي: أخذ العدالة من الاشتراكية والحرية من الرأسمالية.

- السياسة السائدة اليوم في دول العالم الثالث سياسة بافلوفية تقايض مواطنيها بين الجزرة والعصا أي الأمن أو الغذاء. ممنوع الاثنان معًا.

- الصحفي والفيلسوف أندري ﭬورز (1923-2007): "مجتمع الاستهلاك الرأسمالي خَلَقَ شعورًا بالحرمان أكثر من الشعور بالرضا لدى أغلبية المواطنين في العالَم أجمع". ترجمة مواطن العالَم.

- الظاهر في العالم: اليسار أضعفَ الدولة. الخفي: اليمين خوصص جزءا كبيرا من قطاعها العام فأفقدها كثيرا من مواردها وقدرتها على التشغيل.

- الفردانية (L’individualité) مفهوم ليبرالي ابتدعه الغرب في القرن XVII لكي يسلبنا فردانيتنا وينهب ثرواتنا، نحن الشعوب غير الغربية. 

- الليبرالية همّشت كل القِيم، باعت وشرت كل الذمم، أغوت كل الأمم وجعلتها تابعة لها، سلعنت كل المهن وأفرغتها من رسالاتها غير الربحية !

- "لا يمكن أن نصل لحل مشاكل باستعمال نفس نمط التفكير الذي كان سببا في بروزها" أنشتاين. مصائب الليبرالية لا تحل بمزيد من الليبرالية.

- تعريف النظام عقدة النقص لدى الجنوب حيال الشمال لنالليبرالي المهيمن في جل بلدان العالم: الدولة تخلت عن دورها الحامي للفقراء وتركتهم فريسة ينهشها الرأسماليون الجشعون.

- NB : Moi-même, je suis laïc (laïcité anglo-saxonne non hostile à la religion et aux religieux) donc je ne confonds pas entre laïc et athée.

- ظام النيوليبرالي، المهيمن في جل بلدان العالم منذ 2010،

قام بخوصصة مكثفة للنظام الصحي وأهمل المستشفيات العمومية.

Le Monde diplomatique Janvier 2019.

- رُب ضارّة نافعة: أزمة كوفيد-19 سمحت بتطوير التعليم عن بُعد والطب عن بُعد والبنك عن بُعد. ثورة رقمية لم يستفد منها إلا قلة.

- رأسمالية اليوم جشعة: لم يعد يكفيها استغلال قوة عملك، بل استغلال كل حياتك. عاملا كنت أو عاطلا أو حتى طريح الفراش، فخراجك لها وحدها

- صندوق النقد الدولي يتصرف مع تونس وبعض الدول كـ"طبيبٍ يتمنى مريضُه أن يصفعَه"، طبيب يتمعش من استمرار مرض مريضه ولا يريد له الشفاء ! 

- علاقة أوروبا بإفريقيا كعلاقة الأوراق بالجذور، تأخذ نَسغها الخام، تصنّعه وترده لها سلعا باهظة. الثانية تقاسم أدوار الأولى قهر وعار.

- منذ 1944، تاريخ تأسيسه وبمعية FMI وتحت هيمنة  USAلم يتوقف البنك العالمي عن تمويل ديكتاتوريات ومشاريع مضرة بالبيئة والإنسان.

Le Monde diplomatique, mars 2022

- العصر الليبرالي المتوحش، نقصت العنصرية اللونية وزادت العنصرية المؤسساتية: صندوق النقد الدولي هو السيد وحكومات العالم الثالث عبيده !

- كل الدول الرأسمالية ومؤسساتها (بما فيها الصين) هي عبارة عن مصانع للمحتالين. لتنجح أكثر تحيل أكثر.

La fabrique des imposteurs, Roland Gori

- كنا نتمنى أن نكون مثل فرنسا، الظاهر أن فرنسا أصبحت مثلنا: تبعية لأمريكا، مديونية مجحفة، لم يعد التعليم فيها مِصعدا. عصر عَولَمة الرداءة. 

- مع سقوط جدار برلين (1989) سقطت نظرية "صراع الحضارات" (هنتنڤتون، 1996) وعوّضتها نظرية "غرق الحضارات" (أمين معلوف، 2019). 

- لو قلدْنا الغرب فلن نلحق به. ولو لحقناه في ظلمه وتوحشه وجشعه ونهبه لثروات الشعوب فيا لخيبة المسعى! ما الحل؟

- "نهاية الإيديولوجيات" أو "نهاية التاريخ"هي خدعة نيوليبرالية لإزاحة الإيديولوجيات المنافسة.

Roland Gori,La fabrique des imposteurs.

- في 15 أوت 1971، قررت الولايات المتحدة الأمريكية إنهاء العمل بمبدأ "التكافؤ المثبَّت بين الذهب والدولار" فأصبح monnaie fiduciaire (نقود ورقية دون رصيد من الذهب في البنك المركزي الأمريكي) 

Source : Manière de Voir, juin-juillet, 2024 (MV)

- عدد فقراء العالم اليوم أكثر من عددهم إبان تأسيس ONU ?

- C’est le socialiste Léon Blum, et non Hitler, qui l’a dit en 1930: « Il est du devoir des races supérieures d`aider les races inférieures ».

- . والسبب لا يكمن في نقص الثروات المنتَجة بل يكمن في سوء توزيعها وسوء استعمالها. (MV)

- ديكتاتورية النمو العالمي: لم ينتفع به إلا قلة من سكان العالم وتسبب في زيادة التفاوتات بين البلدان والدول النامية تسميه استغلالا وليس نموًّا. (MV)

- حق "الحق في العمل" لا يعني فقط الحصول على عمل بل يعني أساسًا تحقيق الذات في عمل خال من الاستلاب عبر طرق تعامل الإنسان كآلة. (MV)

- يجب على البلدان الفقيرة المصدِّرة للمواد الأولية أن لا تطلب إعانة من البلدان الغنية المستوردة بل تطلب ثمنا مناسبا لبضاعتها كما تفعل الغنية. (MV)


- Dans la société capitaliste, la seule chose qui soit plus dure que d’être exploité, c’est de ne pas l’être (p. 3). Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, février 2021, extraits de l’article « Produire moins sans appauvrir la population mondiale. Mirages de la décroissance », Leigh Philips, Auteur, p. 3.

"أفيون المثقفين" (الماركسية)، عنوان كتاب للفيلسوف اليميني الفرنسي ريمون آرون، 1955.


- سنة 1956، تاريخ نهاية الهيمنة السوفياتية على الحركة الشيوعية العالمية وبداية الاختلاف مع الصين حول ستالين. Manière de Voir, juin-juillet 2024

- يوغوسلافيا تيتو (1945-1980) كانت تساند كل حركات التحرر الوطني وهي أول دولة أوصلت صوت  FLNالجزائرية  إلى ONU. 

- الرئيس تيتو ليس من مؤسسي "حركة عدم الانحياز" ولم يشارك في مؤتمر باندونغ سنة 1955 لكنه هو من احتضن أول مؤتمر لها سنة 1961.

- يوم 19 جانفي 1958، حجزت البحرية الفرنسية في وهران باخرة ناقلة بضائع يوغوسلافية تحمل شحنة من السلاح إلى جبهة التحرير الجزائرية (FLN).

- سنة 1958، التحق صحفي يوغوسلافي (le journaliste monténégrin Stevan Labudovic) بجيش التحرير الجزائري والكاميرا على كتفه وصوّر كل معاركه مع الاستعمار حتى 1962 سنة الاستقلال.

- منذ سنة 1956، تاريخ بداية الاختلاف بين الصين وروسيا حول تقييم فترة حكم ستالين واليسار العالمي تشقه اختلافات فكرية وتناحرات مسلحة.

- سنة 1989، سقطت الشيوعية وسقط معها شعار "تقرير المصير" الذي عُوض بشعارَي "حقوق الإنسان" و"حق التدخل". idem

- منذ سقوط الشيوعية في بداية التسعينات، بدأت أمريكا تُفعّل "حق التدخل" في يوغسلافيا والعراق والصومال وأفغانستان. idem

- العالم الغربي لا يقول للعالم الثالث: "أطيعوني" بل يقول: "أطيعوا قواعد النظام العالمي" أي القواعد التي سطرها هو لمصلحته. idem

- اليساريون الفرنسيون (جلهم غير ستالينيين) يدافعون عن الأقليات المسلمة ويساندونهم ضد اليمين المتطرف ويتعاملون مع الإسلاميين دون حُكم مسبق.

- أما يساريونا -جلهم ستالينيون- يكرهون تراثهم ويشيطنون الإسلاميين. ورثوه عن معبودهم: هدَمَ كنيسة في موسكو وشيد مكانها كَنِيفٌ عمومي.

- الإيديولوجيا الستالينية انقرضت تقريبًا في جميع بلدان العالم إلا تونس.

- "الماركسيون الصادقون، دنيا وآخرة خاسرون": هذا عندهم شكر وليس ذمّا: ضد الربح لأنه لا يأتي إلا من الاستغلال والدين عندهم أفيون الشعوب.

- الماركسيون-اللينينيون (أو بصفة أوضح الستالينيون) ينعتون الاشتراكيين-الديمقراطيين على النمط الأسكندنافي بالخونة وهم أحق بهذا النعت !

- المسلمون الملحدون يتفننون في إثبات عدم وجود إله مجرّد وغير مرئي ولا يرون الله المتجلي في سجود مليار ونصف من المسلمين المؤمنين!

- اليساري غير الماركسيهو اليساري الذي يؤمن باشتراكية تختلف عن الماركسية لكنها لا تعاديها، اليسارية خُلقت قبل ماركس.

- اليساري غير الماركسي هو اليساري الذي لا يؤمن بديكتاتورية البروليتاريا ولا بالحزب الأوحدولا بالعنف الثوري وسيلة للتغيير.

- اليساري غير الماركسي هو اليساري الذي يؤمن بالدولة والديمقراطية والعلمانية عكس الماركسيالذي لا يؤمن بالأسس الثلاثة.

- اليساري الماركسي هو يساري ملحدٌ أو لا يكون، أما اليساري غير الماركسي فهو قد يكون ملحدًا أو مؤمنًا أو لاأدريًّا (agnostique). 

- اليساري التونسي كفرد هو حر في أن يكون ماركسيا/غيرماركسي أما إذا أراد أن يغير مجتمعه فعليه أن يكون غيرماركسيأ أوكان الفشل في انتظاره.

- الماركسية هي أفيون المثقفين عموما والتونسيين تخصيصا هي ترف فكري لا يقدر عليه إلا البورجوازية الصغيرة هي كالملح قليله مفيد وكثيره مضر.

- الماركسية تذكّرني بأحلى أيام شبابي، نظرية غير علمية، نبيلة، جميلة ورحبة لكن النظرية اليسارية غير الماركسية غير علمية أيضا لكنها أنبل وأجمل وأرحب.

Source d’inspiration : « L'Opium des intellectuels », un livre écrit par le philosophe français Raymond Aron et paru en 1955.

- L’Indigénisation (التأصيل) est le meilleur remède contre la maladie infantile du communisme qui attaque nos adultes gauchistes.

- Ho ChiMinh: رئيس حكومة الجمهورية الديمقراطية الفيتنامية 1945، سبق وأن رشحه الحزب الشيوعي الفرنسي في الانتخابات البلدية بباريس في1925.

- أكونُ يساريًّا مخطئًا وأنا متصالحٌ مع هويتي الإسلامية كما يتهمني رفاقي، خيرٌ لي من أكون محقًّا وأنا معادٍ لـهويتي الإسلامية. يساري غير ماركسي

- يبدو أن التصالح مع الدين الإسلامي قد أصبح ضرورة ملحة بالنسبة للأحزاب العربية اليسارية وليس اختيارا كما هو الشأن عند المثقف اليساري 

- الحقيقة تبقى هي الحقيقة سواء خرجت من أفواه يسارية أو إسلامية والكذب كذلك هو كذب سواء خرج من أفواه ملحدة أو مؤمنة. مواطن العالَم

- مقاطعة الانتخابات ليست خطيئة. بين الناخب والمترشح عقد: منحتك ثقتي. وعدتني بحفظ كرامتي. خنت وعدك ألف مرة فماذا تنتظر مني يا تُرى ؟

- لست متفائلا ولا متشائما. أنا متشائل.

Je ne suis ni optimiste ni pessimiste. Je suis peptimiste.

- الأوروبيون -مسيحيون وملحدون ولاأدريون- يعشقون عيسى رسولهم، فماذا أصاب ملحديناوعلمانيينا حتى لا يعشقوا مصطفانا صلى الله عليه وسلم؟

- « La gauche n’est pas née pour sermonner le monde, mais pour le changer » (Le Monde diplomatique, septembre 2019)

- أقول: ولد اليسار ليستفيد المجتمع من مبدأ العدالة الاجتماعية ويغير نفسه بـنفسه، لا أن يفرض بالقوة رأي أقلية ثرثارة على أغلبية صامتة.

- Les laïcs tunisiens (libéraux et surtout gauchistes) devraient "faire avec" les islamistes tunisiens, non pas pour "aller contre" mais pour "aller avec". Comment ?Par l`interaction démocratique.Et le projet qui va émerger de cette interaction n`est pas prédéterminé à l`avance!

- أنا يساري غير ماركسي وأحب دين أهلي. أيها الرفاق، إذا قبلتموني بيساريتي المركبة فبارك الله فيكم وإذا رفضتموني فاتركوني وشأني وشكرا.

- « Le pouvoir gouverne toujours comme les gouvernés gouverneraient s'ils avaient le pouvoir »  Jean Giono. La Gauche gouvernerait comme Said & Sibsi..

- اليسار التونسي أخطأ المرمى لذلك لم يُصِبْ الهدف: أهمل تناقضه الرئيسي مع الإمبريالية وانشغل بتناقضه الثانوي مع الفكر الديني. 

- الفنانون العرب المسيحيون دخلوا قلوبَ إخوانهم العرب المسلمين بِـفعلهم لا بِـدينهم. لماذا لا ينسجُ على منوالهِم الماركسيونَ العربْ ؟

- الماركسيون tn تخلوا عن قضيتهم الأساسية (تنظيم البروليتاريا في حزب) وذهبوا يدافعون عن المهمشين الذين يحتقرهم ماركس فهُمّشوا بدورهم.

- الماركسيون التونسيون تخلوا عن قضيتهم الأساسية (تنظيم البروليتاريا في حزب) وذهبوا يدافعون عن حقوق الإنسان التي انتقدها ماركس. نضال الصالونات.

- الماركسيون التونسيون يريدون تغيير المجتمع التونسي. هم لم يفهموا أنتروبولوجيته فلم يفهمهم مجتمعهم.

- المثقف التونسي، كلما علتْ شهادته الجامعية أكثر، كلما ابتعد عن اهتمامات الطبقات الشعبية أكثر. ويسارنا التونسي أكثر منتسبيه جامعيون.

- شعار الأممية الشيوعية "تحرير العمال، إنجاز لا يحققه إلا العمال أنفسهم". في أحزابنا الشيوعية التونسية، لا يوجد تقريبا ولوعامل واحد  !

- Les gauchistes, qui professent en apparence un féminisme et une fraternité, pratiquent une misogynie et un racisme décomplexés.

- "اليسار=صدق + نزاهة + نكران الذات + تضحية + تطوع + شجاعة أدبية + انحياز للمظلومين". تعريف لليسار لم أصادفه في تونس.

- أحزاب اليسار التونسي ليست أحزابًا عمّاليةً بقدر ما هي أحزابُ مثقفين: موظفون، أساتذة، معلمون، ممرّضون وبعض المحامين. 

- الانحيازُ للمضطهَدين، واجبٌ على اليساريين المثقفين. المضطهَدون اليوم هم المسلمون، في العالم وفي أوطانهم، فماذا تنتظرون؟ انقراضكم أم انقراضهم ! 

- اليساريون أغلبية منتشرةٌ ثقافيًّا، أقلية معزولةٌ سياسيًّا. يا ليتهم اهتمّوا بالفكر وتركوا السياسة، شرفٌ عظيمٌ لهم لو كانوا يفقهون !

- يسار تونس: لماذا لا يدافع عن فكره ووجدانه، ويُجذّرُ في الوطن كيانه،ويتصالح مع شعبه وزمانه،ففيه من الدرر ما ينفع أهله ويرفع شأنه.

- اليسار الحزبي التونسي حوّل الفكر الماركسي من فكر جدلي (dialectique) إلى فكر متكلّس (statique) فقيّد يديه بحبل متين من صنع يديه.

- اليساريون التونسيون قالوا: "الإسلاميون التونسيون الكل ظلاميون". وأنتم "شُموعُكم" تتلألأ في السماء: ستالين، ماو، بول بوت، شاوسيسكو..

- أيها الرفاق، لو عرفت أن جملة كهذه "مسيرة النهضة محكمة التنظيم" ستصدمكم لقلت أنها "غير محكمة التنظيم"ولكنها للأسف" محكمة التنظيم"!

- أنكِرُ على "الوطد" و"القوميين" انتسابَهم إلى اليسار حتى ولو ادّعوا ذلك وكان ستالين حجتَهم، لأن اليساري بثقافته أمميٌّ أو لا يكون  !

- أيها اللائكيون التونسيون، إذا أنتم لا تريدون أن تعبدوا الله، فحَرِيٌّ بكم أن لا تعبدوا ما دُونَه: ستالين، عبد الناصر، بورڤيبة، إلخ.

NB : Moi-même, je suis laïc (laïcité anglo-saxonne non hostile à la religion et aux religieux) donc je ne confonds pas entre laïc et athée.

- الانتماء الفكري اختياري وحُر أو لا يكون. الكلام واضح ولا يحتاج إلى إيضاح: أنتَ يساري ماركسي وأنا يساري غير ماركسي لا أكثر ولا أقل.

- اليساريون العرب ارتكبوا نفس الجرم الذي ارتكبه المعتزلة منذ 12 قرنًا: وظفوا جبروت السلطة ضد خصومهم في الفكر.

- يساريونا فشلوا في الوصول للسلطة، لم يطبقوا مبادئ اليسار في المجتمع ولا حتى طبقوها على أنفسهم فإما اليسار وهم أو يساريونا هم الوهم!

- أقولها بمرارة اليساري: كل الأحزاب اليسارية تناصر كل احتجاجات المهمّشين، لكن كل المهمّشين لا يناصرون هذه الأحزاب بل يتبرّؤون منها!

- في أمريكا اللاتينية وبفضل اليسار، الاختيار بين الاشتراكية والليبرالية ما زال ممكناً. في الدول العربية وبسبب اليسار، لم يعد ممكناً.

- أقولها بمرارة يسارية : يسارُنا يلبس نظارات لا تريه إلا الفسادَ.فسادٌ في ديننا وتقاليدنا ومؤسسات قطاعنا العام وأحزابنا إلا أحزابه !

- مفارقة: في الدول الرأسمالية، الشيء الوحيد الذي يفوق مرارة الاستغلال (التشغيل) هو عدم الاستغلال (البطالة).

- Dans la société capitaliste, la seule chose qui soit plus dure que d’être exploité, c’est de ne pas l’être (p. 3). Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, février 2021, extraits de l’article « Produire moins sans appauvrir la population mondiale. Mirages de la décroissance », Leigh Philips, Auteur, p. 3.

- في تونس، الفقراء والمهمّشون يحتاجون للخبز والعلاج، نعم، لكنهم يحتاجون أكثر للورود والاحترام وللكرامة والحلم بمستقبل أفضل لأولادهم. 

- مرّتْ مائة عام على اليسار في تونس مائة عام من الخطاب المنحاز للعمال. مرّت مائة عام والعمال لم ينحازوا لليسار. مائة عام من العزلة.

- من كثرة ما تعرضتُ له من نيران يسارية رفيقة، خلتُ نفسي الماركسي التونسي الوحيد الذي تخلى عن ماركسيته دون أن ينكر انتماءه لليسار.

- مناوئيّ اليساريون يعيّرونني بأن جل متابعي صفحتي إسلاميون ! لو كانوا كذلك رغم يساريتي المعلنة فهم أوسعُ أفقاً.

- منذ وعيت على السياسة 1976، ونحن اليساريون ننقد غير اليساريين. 2024: لو طبقنا على أنفسنا ما طالبنا به غيرنا لما كان حالنا صفر فاصل !

- يبدو أن يسارَنا يسارُ إستياءْ (Ressentiment) وليس يسارَ بناءْ (Construction) مستاء من بورﭬيبة وبن صالح والغنوشي. فشل في بناء جبهة !

- يبدو لي أن جيل يسار السبعينات المولودين في الخمسينات، جيلي هو جيلٌ من التائهين المنبتين مثل أبطال رواية "التائهون" لأمين معلوف.

- يسارنا، يسارٌ بلا روحانيات، أقصد الروحانيات اللائكية أي نهاية استغلال الإنسان للإنسان، لا الروح الدينية فذلك أمرٌ بينهم وبين خالقهم.

- يساري ولا أرى في مأسسة الزكاة الحل الأمثل للفقر، أراها طريقًا للأمثل: ضريبة فوق الضريبة تُفرض على الأغنياء، تجمعها وتوزعها الدولة.

- عديد المتابعين استغربوا جملتي "الماركسيون تحالفوا مع الليبراليين ضد الإسلام!". أشهد أنني عندما كنت ماركسيًّا، كنت معاديا لجميع الأديان.

- نحن نعيش اليوم عصرًا هجينا تسود فيه المساواة الحقوقية لا الحقيقية. المفارقة أن المحامين هم فرسانه والحقوقيين اليساريين حرّاس المعبد المدنّس !

- "غايضني حالي كيساري، لماذا اليسار لم يكشف حتى قضية فساد واحدة ولّى آني مسْمعتش بيها ؟ّ أما القضايا التي أثارها، فكلها تموت في المهد ولا تثمرُ؟

- بعض النخب اليسارية المثقفة تخدم السلطة البورجوازية بانتهازية، تصاحبها لكي تتّقي شرّها وفي نفس الوقت تدّعي أنها معارضة وضحية القمع.

- اليسار التونسي برؤوسه الثلاثة، الماركسي والقومي والليبرالي، أقلية عددية نجحت في أن تجعل من نفسها أغلبية صوتية في الثقافة والإعلام.

- اليسار التونسي، أعداؤه وهميون وأصدقاؤه وهميون أيضًا: يعادي بورجوازية لم تتشكل كطبقة ويناضل من أجل بروليتاريا لم تتشكل كطبقة أيضًا.

- اليسار التونسي لم يفق بعدُ أن الخط الثوري العالمي افتكه منه المحافظون منذ 1978 في عهد تاتشر (inspiré A Maalouf).

- "اليسار قوة اقتراح للبدائل": لا أشك في النوايا بل أشك في الوسائل، البدائل لا تُفرَض على الشركاء غير اليساريين بل تُبنَى معهم وبهم.

- اليساري عادة لا يُسمَع ولا يُفهَم في المجتمع الإسلامي لأن خطابه لا يُقبَل. هو القرآن الكريم نفسه يدخل القلوب قبل العقول. Donc il doit s’indigéniser

- اليساريون التونسيون رفاقي كلهم ينتمون إلى فئة البورجوازية الصغيرة، فئة انتهازية متذبذبة، قال فيها ماركس أكثر مما قال مالك في الخمر.

- الطبقة يحددها الوعي الطبقي ولا يحددها الوجود الفعلي للعمال. ما دام الوعي الطبقي العمالي مفقود في تونس فلا وجود لطبقة عماليةولذلك نرى العمال ينخرطون في ويصوتون للأحزاب اليمينية ويهجرون الأحزاب اليسارية.

- المدرس والموظف والطبيب والممرض ليسوا بروليتاريا: لا يعيشون مثل البروليتاري ولا يفكرون ولا يلبسون مثله حتى ولو كانوا أقل منه أجرًا.

- Certains gauchistes tunisiens ne sont pas encore conscients que la classe ouvrière tunisienne n'a pas encore acquis la conscience de classe.

- La gauche tunisienne qui moque l`autocritique, la philosophie et la spiritualité islamique n`est pas ma gauche.

- « Le capitalisme, c`est l`exploitation de l`homme par l`homme et le communisme, c`est l`inverse »

Les ploutocrates pseudo-démocrates exploitent les ouvriers, et la Nomenklatura pseudo-révolutionnaire du parti communiste unique et dictatorial exploite les ouvriers aussi.

- C’est le socialiste Léon Blum, et non Hitler, qui l’a dit en 1930 : « il est du devoir des races supérieures d`aider les races inférieures ».

- أكبر أخطاء ارتكبها ماركس وأنجلس وﭬيفارا، الأوّل أيّد الغزو الحضاري للجزائر، الثاني مجّد ضمّ تكساس لأمريكا والثالث ساند ديكتاتوريات.

- مفارقة 1: الماركسية والرأسمالية: الأولى تدّعي أنها علمية وهي في الواقع ليست علمية بل يوتوبية، أما الثانية فقد خلقت عديدا من العلوم الاقتصادية تُدرّس في جامعات الدول الرأسمالية والدول الشيوعية. الأولى تدّعي أنها تضامنية بين العمّال لكنه تضامن في الفقر، أما الثانية فقد طبقت التضامن الفعلي في الثراء بين الرأسماليين. الأولى لم تحسّن من القدرة الشرائية للعمّال، أما الثانية فقد حسّنت كثيرًا من القدرة الشرائية للعمّال. إمضاء يساري غير ماركسي

- مفارقة 2: الدولة التونسية الحالية خفّضت في ميزانية الدعم الموجّهة للفقراء ولم تخفّض على حد علمي في ميزانية التشجيع الموجّهة للرأسماليين المستثمرين الجدد (قروض وتسهيلات وإعفاءات ضريبية وديوانية).

- شيطنة اليساري للإسلامي تشرّع وتبرّر للإسلامي شيطنة اليساري، سجينان فكر ضيق في حلقة مفرغة، والفاسدون يرتعون خارج حلبة الدِّيَكَة.

- طبعًا جرائم الشيوعيين ضد الإنسانية أكثر وأكبر وأشنع من جرائم الجهاديين الحديثة. أمَا زال عندك شك ؟ لكن المجرم مُدانٌ في الحالتَين.

- سؤال معرفي بعيدا عن الإيديولوجيا: ماذا كان سيكون وجه العالَم اليوم لو تأثر ﭬيفارا بفلسفة غاندي عوضا عن التأثر بفلسفة ماركس ؟

- ماركس نعتَ اشتراكية برودون بالاشتركية الطوباوية وسمّى اشتراكيته بالاشتراكية العلمية. جاء لينين فسفّه أحلامَ الاثنين وجعلها توتاليتارية.

- يسارنا المثقف "المحفلط المزفلط" يكره شعبنا غير المثقف وغير المحفلط وغير المزفلط، ويتهمه بالرجعية والظلامية والقرب من النهضة ومرزوقي.

- في دولة 99% من مواطنيها مسلمين، أتعجب كيف يتعجب رفاقي اليساريون من فوز الإسلاميين في كل الانتخابات. إمضاء مواطن يساري غير ماركسي.

- في كُتب التنظير الشيوعي عومِلت البروليتاريا كطبقة ملكة ومنقذة وفي الأنظمة الشيوعية المنقرضة عومِلت كطبقة مبعَدة مهمّشة ومستعبَدَة.

- كل علم يرحب بنقّاده (sesépistémologues) وبفضلهم يتطور. اليسار يدعي أن الماركسية علم لكنه يقصِي نقّادَه ويعاديهم. دونهم لن يتطوّر.

- لماذا تتشبّث بهوية "يساري" ؟ لأنني ضد الأنظمة الرأسمالية، الأليفة منها والمتوحشة. كل "لَقْشة" من ماركس، أتشرّف بها رغم أنني غير ماركسي.

- لماذا تركز نقدك على اليسار ؟ النقد اختصاص: ناقدُ البيولوجيا دارسٌ لها أو لا يكون ولا يتطفل على الرياضيات. إمضاء يساري غير ماركسي

- أنتمي إلى اليسارية ما قبل الماركسية التي أنشأت التعاونيات للعمال والفلاحين، لا اليسارية الماركسية التي قتلت العمال بالملايين. 

- اليسار التونسي يريد الفوز في الانتخابات، لكنه لم يفعل شيئًا من أجل تحقيق ذلك: كأن ينظّم مثلاً اجتماعات وندوات ثقافية موجهة إلى الطبقات الشعبية.

- كيف لليسار التونسي أن يتّحدَ وهو منقسمٌ حول أهم مسألة سياسية في تونس: فريق مع إجراءات ما بعد "25 جويلية" وفريق ضدها وآخر بين-بين ؟

- كيف لليسار التونسي أن يتّحدَ وهو الذي لم يجتمع في تاريخه وحاضره إلا على معاداة وإقصاء حزب النهضة والنهضاويين والإسلاميين أجمعينَ  !

- اليسار التونسي ركّز نضاله ضد حزب النهضة والنهضاويين والإسلاميين أجمعينَ وأهمل نضاله الاجتماعي من أجل رقي الطبقات الشعبية !

- كل محاولات اليسار التونسي للحدّ من انتشار الإسلام السياسي باءت بالفشل. بل وصل إلى نتيجة عكسية: الإسلام السياسي انتشرْ وهو انحسرْ !

- أولويّات اليساريين التونسيين (بالترتيب: الثقافة، حقوق الإنسان، الصحة، التعليم) ليست أولويّات أغلبية الشعب (القفة، التشغيل، الصحة).

- أرجوكم لاحظوا وانتبهوا أن كل ما أنشره هذه الأيام من نقد لليسار التونسي كله ليس ذاتيا بل موضوعيا ومستوحى من جريدة لوموند ديبلوماتيك

- أيها الرفاق لقد جنتْ عليكم جريدة لوموند ديبلوماتيك (جانفي 2022) وما جنيت على أحد. لقد خصصت ملفًّا بـ8 صفحات لنقد اليسار في العالم.

- طبعا كل ما نشرته من نقد حول اليسار التونسي لم يرد حرفيًّا في جريدة لوموند ديبلوماتيك01/2022 بل هو من إنتاجي الشخصي مع اعتماد منهجية القياس.

- من أسباب فشل اليسار الحزبي التونسي: قطعَ صلته بفكر نقاد يساريين كبار (جيلبار النقاش ومحمد  شريف فرجاني ويساريين مستقلين كبار (الأمين بوعزيزي).

- لوأراد اليسار الحزبي التونسي أن يسترجع تعاطف الناخبين فعليه أن يتجنب تحدي تصوراتهم الدينية حول الإرث وصلاة الاستسقاء والأم العزباء.

- "لوجيسيال" اليسار الحزبي التونسي، "لوجيسيال" انتهت صلوحيته مع سقوط جدار برلين سنة 1989. عليه إذن أن يحيّن خطابه ويتأقلم مع الحاضر.

- من أسباب فشل اليسار الحزبي التونسي: التكلم باسم الفقراء لم يعد حكرا على اليسار تبناه الإسلاميون أيضًا ووظفوه لصالحهم.

- "العيشُ بكرامة"، شعارٌ قوي لكنه فضفاض: شعارٌ وظفه اليساريون والليبراليون والإسلاميون حتى أفقدوه معناه الأصلي  !

- إذا أراد اليسار الحزبي التونسي أن يتدارك أمره الذي لا يسرّ، فـ"عليه أن يجري ويربط خيوط حذائه في نفس الوقت"

Inspirée du M.d. 01/2022

- إذا أراد اليسار الفكري التونسي أن يتدارك أمره الذي لا يسرّ، فعليه أن يقول "لا" لكل ما يقوله اليسار الحزبي التونسي !

Inspirée du M.d. 01/2022

- منذ 1989 واليسار الحزبي يسقط في الانتخابات في العالم أجمع عدا بعض الاستثناءات ولن ينهض ما دام يمد يده لليبراليين عوض أن يمدها للشعب.

- "الزيادة في الأجور" عادة ما تسبقها أو تليها زيادة في الأسعار: مسكّن وليس علاجا، خلقته الرأسمالية وما زال الاتحاد يوزعه لفائدته/ها.

- تماهي اليساري التونسي مع مجتمعه وتصالحه مع هويته الإسلامية

ليس بالأمر الهيّن كما يعتقد الكثيرون.إنه جهاد ضد النفس. اسألوا مجربا  !

- ماركس لا يحب الفلاحيين ولا المهمشين ولا المعطلين لذلك هؤلاء كلهم لا يحبون الماركسيين. لا يحب إلا طبقة بروليتاريا ونحن في تونس ليسا لنا بروليتاريا.

- Faire avec les acquis de la civilisation islamique pour aller contre ses aléas est une obligation non un choix pour les gauchistes.

- اليساريون يتهمون النهضواويين بالتمكن من مفاصل الدولة خلال العشرية الأخيرة والواقع أن انتهازيهم هم الذين تمكنوا منها فعلا خلال  67 سنة.

- تربيت في وسط ثقافي ماركسي يزدري الإسلام والمسلمين والإسلاميين. أبذل مجهودا جبارا للتخلص من الكره مع المحافظة على يسارية غيرماركسية.

- من عماء خصوم النهضاويين أنهم يصنفونني -أنا اليساري- نهضاويا

لمجرد أنني ضد الاستئصال وأحمّل النهضة جزء من المسؤولية على فشل 11-21.

- "من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته"، أحدُ أنبلِ شعارات الشيوعية، أنا معه لكنه للأسف يتناقض مع ما جُبلت عليه جيناتنا ربانيا وداروينيا !

- ميشيل أونفري يقول عن نفسه ملحد-مسيحي. لماذا يُصر يساريونا على تشويه تاريخهم (لم أقل نقده) ؟ناكر أصله يلفظه أهله ولا يقبله الآخر !

- هل يمكن للفرد التونسي أن يكون في نفس الوقت مسلمًا ويساريًّا، وطنيًّا وأمميًّا، فرنكوفونيًّا وعروبيًّا؟ تجربة قاسية وفارقية أعيشها!

- "هم يؤمنون بدولة الخلافة"، يقولونها عادة للتحقير! أنا يساري غير ماركسي ولا أرى عيبًا في ذلك، خاصة إذا عصرنّا المفهوم على غرار USA

- أستغرب من هذا الكم الهائل من الغل الذي يحمله اليساريون ضد النهضاويين أو يحمله النهضاويون ضد اليساريين؟ لم أجد له ضرورةً ولا سببَا. 

- بداية من اليوم لن أناقش كل محاور يكره ويقصي شق من التونسيين

- يساريا كان أو نهضاويا (لم أقل يعارض). لا فائدة، حقدهم أعماهم عن المنطق.

- وصفة ناجعة للتخلص من عقدة التعصب الإيديولوجي: اقرأ ما كُتب حول الإيديولوجيات الأخرى فسوف تكتشف أنها ليست خالية من الكنوز!

- هل أصبح من العيب أن يقوم يساري بالدفاع عن حق خصومه السياسيين (الإسلاميين) في التواجد والتنظّم ؟ وهل أصبح من العيب أن لا يشيطنهم ؟

- مَن لا يستطيع أن يضع نفسَه مكان ضحية الاستبداد ولو افتراضيا، إسلامية كانت أو يسارية أو قومية، لا يُعوَّلُ عليه في بناء ديمقراطية  !

- مَن نذر نفسه جسرًا بين اتجاهه والاتجاه المقابل، عليه أن يحمل كفنه على كتفه ويذهب لمصافحة الآخر، كفنه هو نقده الذاتي قبل نقد الآخر.

- مَن نَذَرَ نفسَه جسرًا بين اتجاهه والاتجاه المقابل، عليه أن يتحمّل دَوْسَ أقدام العابرِين من الضفتين لكن "حتى الحديدْ يفل  !

- منذ سنة 1970 (année charnière) ضعفت المعارضات اليسارية التقدمية ونشطت المعارضات الإسلامية المحافظة في إيران، مصر، تونس، الجزائر، لبنان.

- منذ 1970، تخلت الدول العربية عن مهمتها الأساسية في تحقيق عدالة اجتماعية فالتجأ المضطهدون إلى مناشدة عدالة إلهية لا سلطان لهم عليها.

- يبدو لي أن الهيمنة الثقافية الغربية والإلحاد المناضل لدى بعض اليساريين العرب ساهما في تأجيج التطرف لدى المسلمين العرب.

رَدّة فِعل.

- منذ أجيال والعرب يحاولون تربيع الدائرة دون جدوى: يريدون أن يصبحوا حداثيين كالأوروبيين دون أن يخضعوا للهيمنة الثقافية الأوروبية.

- يساري غير ماركسي وليست لي أي مشكلة مع صندوق الزكاة والحُبُس وتحفيظ القرآن في الكتّاب ودولة الخلافة العصرية: c’est l’Indigénisation

- Définition de l’indigénisation (Wiktionnaire):Transformation d'une institution en vue d'une reconnaissance accrue de l'importance des peuples autochtones.

- شيوعيونا لم يقرؤوا جيدًا تجارب الشيوعية المتعددة في حكم الدولة الحديثة (كلها فاشلة) وإسلاميونا تجاربُهم قليلة في هذا المجال.

- الدولة الحديثة (État-nation) أسسها اليمين الليبرالي لليمين الليبرالي لذلك فشل اليسار في إدارتها ومن المستبعد نجاح اليمين الإسلامي !

- الشيوعيون نظّروا للأممية وديكتاتورية البروليتاريا، والإسلاميون للخلافة وشورى أهل العقد. الاثنان ينظران نظرة شك وريبة للديمقراطية !  

- تماهِي اليساري التونسي مع مجتمعه لا يعني التخلي عن هويته اليسارية بل يعني أن يحب من يحبون (الله ورسوله) ولا يكره من يكرهون (الغير).

- تمنيت لو كنتُ نهضاويا حتى أرى دون لبس أن الثورة ثورة والانقلاب انقلاب والإسلام ديمقراطية. قدري جعل مني يساريا ناقدا وأنا راض بقدري.

- توجد ملايين الصداقات بين مسلمين ومسيحيين واختلاف الديانة لم يفسد للود قضية فكيف أفسد اختلاف الرأي للود قضايا بين إسلاميين ويساريين. 

- جُل اليساريين التونسيين يتكلمون يساريًّا ولا يمارسون يساريًّا. وجُل الإسلاميين التونسيين يتكلمون إسلاميًّا ولا يمارسون إسلاميًّا.

- رجاءً لا تخلطوا بين العلاقات الإنسانية والمبادئ: أمجّد بعض النهضاويين أو أنقد بعض اليساريين لا يعني أنني مع النهضة أو ضد اليسار. 

- حاولت ولا زلت أن أجسّر الهوة التي تفصلني عن بني وطني الإسلاميين فحفر لي رفاقي اليساريون هوة بيني وبينهم ووجدت نفسي معزولا في جزيرة

- قال أرسطو: "حرية الفرد وكرامته وسعادته لا تكون إلا إذا اعترف بها الآخر"، حرية يبدو أنها لن ينعمبها  الإسلاميون واليساريون إلا إذا اعترف بها أحدهم بالآخر.

- في فرنسا، يتنامَى قُطبٌ إسلامي-يساري يُساند المسلمين ضد اليمين.في تونس، يتنامَى قُطبٌ تجمعي-يساري يُعادي الإسلاميين.

- إينياسيو راموني، فيلسوف يساري جده مؤسس "الحزب الشيوعي المصري". طارق رمضان، فيلسوف إسلامي جده مؤسس "الإخوان المسلمون". ألفا كتابًا مشتركًا.

- محمد كشكار قدم محاضرة حول المخ في المكتبة الوطنية في "نادي مقابسات" ذي المرجعية الإسلاميةمحمدكشكار خائن لليسار ومتملق لـ"النهضة"

- كنت ماركسيا وكنت أقول إن الدين هو أفيون الشعوب، واليوم لا زلت يساريا لكنني غير ماركسي وأصبحت أقول : "الماركسيةَ هي أفيون المثقفين".

- إدﭬار موران ، فيلسوف لاأدري (agnostique).طارق رمضان، فيلسوف إسلامي.ألفا كتابًا مشتركًا.

- في داخل كل يساري تونسي، يسكن تونسي محافظ وأنا واحد منهم، لكنهم يكابرون. ليس عيبًا أن نجمع بين مزايا الحداثة ومزايا المحافظة في آن.

- من سوء حظنا، نحن اليساريون العلمانيون، أن العلمانية واليسار، مفهومان منبوذان لدى أغلبية التونسيين لأنهما جاءا مع الاستعمار ومسنودان منه.

- كتبت عن النهضاويين فقالوا نهضاوي. عن البهائيين فبهائي. عن المتصوفة فصوفي. عن الشيوعيين فشيوعي، إلخ. أنا كل هذا وأرحب من هذا !

- في عهد بن علي، لجأ كل اليساريين والقوميين المنتمين لأحزاب سرية إلى الاتحاد،لا إيمانًا بالنضال النقابي،بل خوفًا من مجابهة النظام.

- مصادري معلنة:

 Onfray, Atlan, Serres, Jacquard, Gori, Bauman, De Duve, Bachelard, Le diplo

- وما بَرِحَ اليسار الجاهل يصر على تصنيفي نهضاويا!

- معجم تراثنا الإسلامي يعجّ بعبارات اللطف واللياقة. لماذا يستنكف اليساريون من استعمالها ولا يستحون من اتهامي بالنفاق عند استعمالها ؟

- في عهد بن علي يتباهى اليساريون المنتمون لأحزاب بمساندتهم للإسلاميينوكأنهم حقوقيون من ﭬواتيميلاأنتم لستم وسطاء أنتم طرف في النزاع.

- ما يعيبه عليَّ بعض اليساريين: "كل قرّائك نهضاويون". ما أعيبه عليهم: أنتم لا تقرؤون ما أقرأ من مصادر يسارية عالمية تعرّي جهلكم بمجتمعكم.

- أيها اليساريون الحاقدون علىّ: أعارض النهضة ولن أعادي النهضاويين ولن أعاديكم لا لأنني أحبكم بل لأنني أعذركم لجهلكم.

- حول التربية والتعليم نشرت أربعة كتب وكتبت آلاف المقالات وقدمت عشرات المحاضرات. لم يناقشني في ها أي يساري لأنها لا تحوي كلمة "نهضة"!

- قالوا: لماذا لا يهاجر أنصار الشريعة إلى أفغانسان. أقول: لماذا لا نهاجر نحن اليساريون إلى الغرب الذي نؤمن بفلسفته؟ أشك أن يرحب بنا!

- لماذا كلما قابلت نهضاويا إلا وعاملني بلطفٍ متناه رغم الاختلاف، وفي المقابل كلما قابلت يساريا إلا وعاملني بعنفٍ مجاني رغم صلة الرحم.

- لماذا نخبتنا اللائكية (ليبراليةويسارية) تعادي الفصحى والإسلام ؟ لأن الاحتلال الفرنسي اغتصب رأسمالنا الرمزي المتمثل في ديننا ولغتنا. 

- لو اقتنع يساريونا بدور الدين في تغيير مجتمعنا ولو عمل إسلاميونا بحكمة عمر-انصحوا الناس بحسن سلوككم لانتهت العداوة التاريخية بينهما.

- لو حوكم كاسترو بتهمة تسفير 100ألف جندي نصرة لأنـﭬولا لما أنكر ما نسب إليه وافتخر. فلماذا يستحي الإسلاميون من تهمة التسفير إلى سوريا ؟

- ما معني يساري تونسي متماه مع مجتمعه؟ يساري يحفر في حضارة مجتمعه ليكتشف نقاط قوتها لأن الأنتروبولوجيا قالت: لا حضارة أفضل من حضارة.

- لا يحق للخصوم (اليساريون والقوميون) اعتبار التسفير عند الإسلاميين جريمة. لقد مارسه جمهوريون في أسبانيا وشيوعيون في أنـﭬولا وقوميون في كل مكان. أما أنا فضد التسفير.

- وددت من النهضة أن تقول: "التسفير، تهمة لا أنفيها وشرف لا أدّعيه وقد مارسه الشيوعيون قبلي وكانوا يتفاخرون به" مجرد مقارنة أما أنا فغاندي الهوى.

- يبدو لي أن أهم سبب يفسر العداوة التاريخية بين يساريينا وإسلاميينا هو الانتماء لأحزاب ستالينية التنظيم في الجهتين. للأسف أحزابنا كلها ستالينية التنظيم !

- أنا نذرتُ نفسي ولم يجبرني أحدٌ على إقامة جسرٍ فكري بين اليساريين التونسيين والإسلاميين التونسيين. أحب الفريقين والفريقان لا يفهماني!

- لو النهضة a musclé son bras gauche (العدالة الاجتماعية) ولو اليسار a musclé son bras droit (الإسلام) لكانت تونس أفضل بكثير

Mon commentaire : Idée inspirée par Michel Onfray, philosophe français de gauche libertaire.

- اليساريون التونسيون لقنوني ازدراء تاريخ الحضارة الإسلاميةوالإسلاميون بالغوا في تمجيدهالحقيقة غابت عن الاثنين: لا ازدراء لا تمجيد.

- قديما تطوع الشيوعيون خارج أوطانهم نصرة لرفاقهم واليوم يفعل الإسلاميون نفس الشيء، فلا يحق لأحدهم أن يلوم الآخر على ما فعله هو نفسه.

- لا يحق لليساري والإسلامي أن يتبادلوا تهمة التدخل العسكري الخارجي، لكن يحق لي كمسالم أن ألومَ الاثنين على تغذية الحروب الأهلية.

- قل لي يا تونسي يا يساري، خبرني عن نضالك، عن علاقتك بالعمال والفلاحين، عن علاقتك بهوية مجتمعك، قل كل شيء، لا تخجل، احكِ كل ما جرى  !

- "قوّة الثوّار اليساريين في أمريكا اللاتينية لا تكمن في اشتراكيتهم العلمية، بل تكمن أساسًا في عقيدتهم الدينية وحماسهم العاطفي. قوّة دينية صوفية روحانية"

- José Carlos Mariategui (1894-1930), écrivain marxistedu Pérou, fondateur du parti communiste péruvien et l’un des précurseurs de la théologie de la libération qui confère la foi chrétienne une force émancipatrice contre la modernité capitaliste. Le Monde diplomatique, décembre 2022.

- في أمريكا اللاتينية ما بعد الاستعمار، ما زال الجدل قائمًا بين ما هو اقتصادي (classe) وما هو ثقافي (race). جدلٌ مغيّبٌ في الماركسية الأوروبية.

- قيادي نهضاوي نوعي نظم ندوة في باريس على شرف الكاتب اليساري جيلبير النقاش. أتمنى أن يفعل مثله قيادي يساري ويستضيف كاتبًا نهضاويًّا !

- مفارقة: عند إعداد مشروع الإصلاح التربوي السابق كانت النهضة جزءًا من الحكم وكان جل الفاعلين فيه يساريين وكان النهضاويون مَقصيين.

- المدارس القرآنية لا تخرّج بالضرورة دواعش. وإلا من أي مدارس تخرجت الدواعش العلمانية الأشد خطرًا على الإنسانية: ستالين، بوش، ساركوزي؟

- المرحوم ألبير جاكار، عالِم وراثة وفيلسوف ملحد. دعته مرة منظمة إسلامية فرنسية وقدّم محاضرة حول الجينات.

- معارضو الإسلام السياسي -وأنا1منكم- لا تفرحوا كثيرا بقرب زواله فبين الإسلام والسياسة علاقة جدلية-تاريخية مثل التي بين القرآن والفصحى

- يبدو لي أن سرا من أسرار صمود الإسلام السياسيضد خصومه يتمثل في مرجعيته الدينية بغض النظر عن طبيعة نواياه، مرجعية يفتقدها كل خصومه في الداخل.

- "خصوم حزب النهضة يشيطنونه بدعوى أنه حزب ديني والحقيقة أنهم يشيطنونه لأنهم متأكدون أنه سيهزمهم في كل انتخابات نزيهة" F Burgat

- اليسار يدّعي أنه يعادي النهضة على أساس أنها حزب ديني. حجة واهية لأننا لم نرَ لها قانونا أو إنجازا دينيا واحدا خلال عشرية الحكم التي شاركت فيها 

- في تونس، كل عدوّ للديمقراطية هو بالضرورة عدوّ للنهضة. هذا لا يعني البتة أن النهضة ديمقراطية، بل لأن النهضة شعبية وأعداءها نخبويون.

- النهضة حسب المفهوم الغربي ليست ديمقراطية. حسب المودودي هي تيو-ديمقراطية (ضد المساواة في الإرث) لكنها أكبر مستفيد من الديمقراطية.

- النهضة حبيبتنا وتسكن في حومتنا تونس. كمسلم يساري علماني دارويني، أعارضها فكرًا وسياسة، لكنني كديمقراطي لا أقصيها والصندوق هو الحَكم.

- خلافي مع رفاقي حول "النهضة": هم يرونها كل السلطة ويحمّلونها مسؤولية كل الفشل وأنا أراها جزءا من السلطة وأحمّلها وزرَ جزء من الفشل. 

- أفضل مقولة عَلمانية قرأتُها في حياتي: "أنا عمدتك وأنت لستَ مطراني، أنا منتخَبٌ وأنتَ لم ينتخبك أحدٌ"، قالها خوليو أنـﭬيتاكونزالس، رئيس الحزب الشيوعي الإسباني وعمدة قرطبة، صديق مسلمي إسبانيا الملقّب بالخليفة الأحمر، سنة 1978.

- دستوري قال لي اليوم في المقهى: أحنا الملاكة في البلاد وأنتم الكراية ذوو الإيديولوجيات المستوردة أنتم اليساريون وأصدقاؤك النهضاويون.

- علمانية يساريينا من علمانية فرنسا المعادية للدين لكن يسار فرنسا تصالح مع الإسلام والمسلمين أما يساريون فما بدلوا تبديلا.

- رد الاعتبار لهويتنا الأمازيغية العربية الإسلامية: Estime de soi أكبر قيمة فقدناها جراء الاستعمار. كيف لشعب أن ينهض وهو يحتقر نفسه ؟

- لماذا تخلى اليساريون والنهضاويون التونسيون على أمميتَيْهما. الأممية أرقى أنواع الانتماء فهي تكمل الوطنية، تجملها ولا تنفيها.

- مفارقة: الحداثيون التونسيون (ليبراليون ويساريون وقوميون) هم الذين عطلوا عملية التحديث في تونس (عطلها قبلهم الاستعمار، قال ع. عروي) 

- "لم تتعطّل عملية التحديث في اليابان كما تعطّلت في الدول العربية مع أنهم بدؤوا في نفس الوقت (XIXe)، لأن اليابان لم يُستعمر" ع. عروي

- المستعمر الفرنسي والحداثي التونسي عطلا عملية التحديث في تونس -XIXe &XXe – لأن الاثنين يتقاسمان علمانية معادية للأصالة واللغة والدين.

- درس فلسفة: "السلطة الحالية تحكم دومًا مثلما سيحكم المحكومين لو وصلوا إلى السلطة". جان جيونو. النهضة حكمت كالتجمع عندما وصلت للسلطة

- الحداثي التونسي (ليبرالي أو يساري) عطل عملية التحديث في تونس (XXe) دون نية مبيتة منه بل نتيجة جهله -كالمستعمر- بدور الدين في تونس. 

- « Le Coran fait la distinction entre «ceux de la droite »-les justes- et «ceux de la gauche»-les injustes ».

Le Coran des historiens,  p.2O12

- أتعجب من رفاقي الماركسيين عندما يحتكرون صفة "المناضل العضوي" ! في مجتمع مسلم "المناضل العضوي" لا يمكن أن يكون إلا مسلمًا أو لا يكون.

- ماو قال: "المناضل الشيوعي في مجتمعه كالسمكة في الماء" فكيف لمناضل شيوعي تونسي أن يكون كذلك؟ المناضل المسلم وحده يستطيع ذلك.

- أنا أعتبر نفسي يساري غير ماركسي وناقد نكرة لليسار التونسي. أتساءل: كيف لا يستطيع هضمَ نقدي وماذا كان سيفعل لو كان نقادُه بالآلاف ؟

- إذا كانت "لا حضارة أفضل من حضارة" فإنني لا أفهم تَنَكّر بعض اليساريين لحضارتهم العربية-الإسلامية. قد تكون عقدة نقصٍ ناتجة عن جهلٍ!

- أقصى اليسار والدواعش في العالم: يظنان أنهما وحدهما يمتلكان الحقيقة، الوضعية أو الإلهية. الأول صوت بلا مدفع والثاني مدفع بلا صوت (mass media).

- أعجب من يسارنا كيف لا يقرأ قرآننا بينما قرأه واهتم بما فيه 28 عالِم من مختلف الاختصاصات وألفوا جماعيا كتاب قرآن المؤرخين في 3400 ص.

- رفاقي السياسيون اليساريون ألا تعرفون أن القلوب هي مفاتيح العقول ولا مفاتيح لعقول أغلبية التونسيين أفضل من القرآن والتراث الإسلامي.

- رفاقي السياسيون اليساريون، لا تهملوا مفتاحَ القرآن والتراث الإسلامي وإلا أهملتكم جماهير المهمّشين وبقيت قلوبُهم موصدةً في وجوهكم.

- أيها اليساري التونسي، كفرد أنت حر في عدم التماهي مع مجتمعك لكن إذا أردت أن تفعل فيه، فعليك أن تتكلم لغته، ولغة مجتمعنا هي الإسلام.

- صحيح أن لا حضارة تفوق حضارة، لكنني أكاد أجزم أن حضارتنا العربية-الإسلامية أقل ضررا بالإنسانية من الحضارة المسيحية-اليهودية. السبب ؟ تخلفنا العلمي والتكنولوجي. سببٌ قد يبدو غير مشرّف لكن بارادوكسالومان نتيجته تبدو مشرفة جدا: لم نصنع أسلحة مدمرة ولا مبيدات.

- فيلسوف ملحد-مسيحي، أونفري: الحضارة المسيحية في طريق الانحطاط والحضارة الإسلامية فتية لأن فيها من هو مستعد للتضحية بحياته من أجلها.

- عشتُ شبابي كشيوعي ولم يقاطعني أحدٌ من أصدقائي المصلين. عام 1989 سقطت الشيوعية فتخليت عنها فقاطعني جل أصدقائي اليساريين.

- الإسلاميون يستمدون قوتهم من تجذرهم في هوية الشعب. فلماذا لا يفعل اليساريون مثلهم لكن بإضافة ثقافية كما أضاف المأمون "بيت الحكمة" ؟

- الدولة الاشتراكية المنشودة قوية ضد الأقوياء ضعيفة مع الضعفاء الدولة الليبرالية الموجودة ضعيفة ضد الأقوياء قوية ضد الضعفاء

M Onfray 

أونفري، يساري ينتقد اليسار الفرنسي، قال: لم يستضفني أي حزب يساري.كشكار، يساري ينتقد اليسار التونسي، قال: لم يستضفني أي حزب يساري. 


حُلْمُ كشكار: لو نزعنا الماركسية من اليسار التونسي ونزعنا الليبرالية من النهضةلوجد الإخوة "الأعداء" مجالا للعمل المشترك في SOCIAL

- "العنف الثوري"كان يسمى نضالا مشروعا عندما كان يمارسه الشيوعيون أصبح إرهابا عندما مارسه الإسلاميون.هو فظيع أكان إسلاميا أو شيوعيا.

- الفكر النظري اليساري يشترك مع الفكر النظري الإسلامي في لاعنصريته وأمميته وعدم تعصبه للقومية وانحيازه للفقراء.

- الفيلسوف أونفري أعلن أنه ملحد مسيحي. أنا أعلن أن ملحدينا مسلمون رغم أنوفهم، أنتروبولوجيّا مسلمون: أسماؤهم، عائلاتهم، تقاليدهم، إلخ.

- مواطن العالَم، مسلم أنتروبولوجيًّا وعقائديًّا ويساري غير ماركسي. وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي. أخيرًا ألا ليتني كنت ذاتًا لا تكتب ولا تنشُر، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت. ختامًا، نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلمي ويخفّف عني حملي؟ "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران).

- ما يراه اليساريون فيَّ عيبًا (القرب من الإسلاميين) أراه أنا أكبرَ مكسبٍ وهو محاولة إقامة جسرُ حوارٍ حول إشكاليات تربوية وعلمية وفلسفية

- كُره المنافس السياسي شعور غائب عندي لذلك أعجب عندما أسمع مثقفا يساريا يقول إنه يكره النهضاويين أو نهضاويا يقول أنه يكره اليساريين.

- القربُ من الإسلاميين ومن اليساريين في آن واحد لا يسمى "الجمعُ بين متناقضات" كما علّق أحدهم بل هو "الجمع بين متشابهات ترى نفسها بنظارات الغرب متناقضات".

- الماركسية تنتقدُ الدينَ وتفعلُ مثله، وعدتْ بِـجنّةٍ فوقَ الأرض.

لكن جنّةَ الدينِ مُؤجّلةٌ للآخرة وجَنّتُها هي كذّبَتْها التجربةُ. 

- المتدين الذي لم يُربّه دينُه ليس متدينا أصلا ! واليساري الذي لم تُربّه يساريتُه ليس يساريا أصلا ! أنصح بالنهل من النبعَين. 

- جل التونسيين يكرهون الحداثة والعلمانية واليسار. لماذا ؟ ثلاثتهم جاؤوا مع الاستعمار ولن يتصالحوا معها إلا إذا استرجعت تونس سيادتها كاملة. 

- اليسار لم ينتشر في تونس رغم مرور مائة عام على تواجده فيها. لماذا ؟ ما زال لم يتطوّر في تونس بعدُ وعيٌ طبقيّ، بروليتاريًّا كان أو بورجوازيًّا.

- المعضلة في العالم العربي أن جل الأنظمة علمانية وتميل للغرب وفي المقابل جل الشعوب تميل للشريعة وتكره الغرب ولا حل للمعضلة في الأفق.

- المفروض أن الانتماء إلى حزب يسار أو يمين يصقل المواهب ويدرب على الحوار مع المختلف.في بلدي وقع العكس تفّه المواهب وزرع البغضاء بين الطرفين.

- يبدو أنه لاملجأ للمواطن التونسي الفقير إلا العروبة والإسلام.  بورﭬيبة واليسار عاديا الاثنين والإسلاميون عادوا القوميين والقوميون عادوا الإسلاميين.

- النظام السياسي الاشتراكي-الديمقراطي الاقتصادي والاجتماعي والتربوي الفنلندي ينال إعجاب اليساريين والإسلاميين فلماذا لا نستورده مع المحافظة على ديننا.

- الهوية السردية لليسار غامضة في حين إيديولوجية خصومها المفروض فيها أنها ظلامية هي الأكثر نفاذا للقلوب والقلوب مفاتيح العقول. فتحي بن الحاج يحي

فكرة من وحي كتاب "اليسار والإسلام السياسي أو النزاع العالق" تأليف هشام بن عبد الصمد، ترجمة فتحي بن الحاج يحي، نشر "كلمات عابرة"، تونس 2019، 175 صفحة، السعر: 12 د. ت.

- "الديمقراطية العلمانية تكرار للفظين من نفس المعنى. الديمقراطية لا يمكن أن تكون سوى علمانية. الديمقراطية الإسلامية جمع بين الشيء ونقيضه" فتحي بن الحاج يحي

- أليس غريبًا أن يتصاحبَ يساريٌّ مع نهضاويٍّ ؟ليس غريبًا أن يلتقي الأصيلُ مع الأصيلِ من الجهتين.الغريب أن يلتقي المنبت مع الأصيل !

- اليساري غير الماركسي لا ينحاز لرفاقه فقط بل ينحاز للمظلومين دون تمييز إيديولوجي على عكس ماركس الذي لم ينحز في حياته إلا للبروليتاريا (أي العمال الصناعيون).

- اليساري التونسي والإسلامي التونسي (النهضاوي وخاصة السلفي) شخصان ممزقان بين الإيديولوجيا وعادات وتقاليد مجتمعهم. صراع داخلي متواصل.

- اليساري إنسانٌ منحازٌ للفقراء أو لا يكون، وفقراء بلدي لغتهم الإسلام فواجب على اليساري إذن أن يتكلّم لغتهم حتى يوصل رسالته ويفهموه.

- اليساريون التونسيون يريدون أن يغيروا واقعا لم يبذلوا جهدا في فهمه لذلك ذهبت نضالاتهم سُدًى والقليل منهم وظّف شبكات تحليل مستوردة.

- اليساريون التونسيون يميلون إلى التبسيط ويهربون من التعقيد-La complexité:الماركسية نظرية علمية والدين بِنية فوقية وعامل تخلف وكل الإسلاميين كِيف كيف. 

- عن جهل بدور الدين في المجتمع أراد اليساريون التونسيون إبعاد المجتمع عن الدين فأبعدهم الدين عن المجتمع في الانتخابات. كنت مع رأيهم.

- مأزق اليساريين:"الخوانجية أعداء الحرية والديمقراطية".جاءت الحرية والديمقراطية ففازت النهضة وفشل اليسار وما زال اليسار على موقفه.

- اليساريون والإسلاميون لم يولوا اهتمامًا كبيرًا في تثقيف قواعدهم حول "الدولة" و"الديمقراطية". مفهومان دخيلان على أدبياتهم المرجعية.

- اليساريون والقوميون والإسلاميون يختلفون إيديولوجيا كلهم يدافعون عن منوال تنمية موحد (الرأسمالية المعولمة) فلماذا أفضل أحد على آخر؟

- أن تعتبرني يساريا أجنبيا يحترم الإسلام ويحب المسلمين خيرٌ عندي من أن تعتبرني يساريا تونسيا استئصاليا ينبذ الإسلام ويكره المسلمين.

- قال لي: "أنت يساري فلماذا دوما تراعي مشاعر المسلمين ولا تسب الإسلاميين ؟ أجبته: "مَن يؤذي أهلي فأنا خصمه الفكري والسياسي ما حييت".

- أن تكون يساريًّا تحرّريًّا لا يعني أن كل اليساريين على صواب وكل النهضاويين على خطأ بل الإقرار بأن الصواب ليس حكرًا على اليساريين.

- مثل الإسلاميين والماركسيينلا أؤمن بالديمقراطية الغربية الشكلية

لكنني أجاهر بذلك ولا أؤمن أيضا بنموذج الحكم الإيراني ولا الستاليني.

- أونفري، فيلسوف يساري ملحد: "جذوري مسيحية-يهودية لذلك أساند إسرائيل". أتمنى على اليساريين التونسيين أن يدافعوا عن جذورهم الإسلامية.

- بعض اليساريين يشيطنون اليساري غير الماركسي بنفس الدرجة التي يشيطن بها بعض الإسلاميين تارك الصلاة. المتطرفون يلتقون في تطرفهم.

- بعض رفاقي اليساريين انزعجوا من اقتراحي تعميم حفظ القرآن (3-6س) ونعتوني بالرجعي فأهلا بالرجعية لو كانت في تعلم الفصحى من أصولها.

- شجرة اليسار التونسي،لكي تُعانق أغصانها السماء وتُزهر،لا بدّ لجذورها أن ترسخ في أعماق مجتمعها: طاهر الطاهري في تجربة جمنة نموذجاً.

محتويات جدارياتي الفيسبوكية حول الإسلاميين

(جمعتها خلال سنوات 2012-2024)

"وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" إلا الإنسان وهبه الله عقلا وحمّله مسؤولية البحث عن رزقه وقال له "إن الله لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

انفصام الشخصية عند العربي-المسلم: 

ينعتُ الغربَ بالكافر العلماني المايع وفي المقابل تتمثل أقصى أمنياته في الهجرة لهذا الغرب !


- اليوم سمعت الغنوشي على "اليوتوب" يستعمل عبارات "الديانات الأخرى" و"كل الأديان" أي لا ينفي وجود أديان أخرى غير الإسلام على عكس الكثيرين ويرحب بتوظيف العلوم الحديثة (psycho, anthropo, linguistique,) في تفسير القرآن لكنه يخشى زعزعة اليقينيات.

- المسلمون الصادقون لا يزكون أنفسهم، ولا يتخذون من دون الله أربابا. المفروض إذن أن لايزكي المترشحون أنفسهم في الانتخابات.

- الحضارة الإسلامية والمسيحية: الأولى أقل ظلما وفسادا وقتلا، أكثر عدلا وتسامحا لكنها أقل بناء وعلما وفلسفة. الثانية عجوز الأولى شابة.

- "الحضارة المسيحية حضارة متهاوية والحضارة الإسلامية حضارة فتية والدليل أن المسلم مستعد للموت من أجل دينه" م أونفري، يساري ملحد مسيحي وفيلسوف

- الإسلامي يمجد الحضارة العربية-الإسلامية واليساري يقلل من شأنها. أقف ضد التمجيد وضد التقزيم وأقول: تبيد القصور ولكن حجارتها لا تبيد

- الدين ليس مسألة ذاتية بل هو مسألة ذاتية-جمعية(intersubjectif) وشبكة من التواصل تربط بين الوعي الذاتي لآلاف أو ملايين من الأفراد.

- كنت أظن أن إسلاميينا متمسكون بالقرآن والسنة أي هم الأصل وأنا اليساري هجين لكنني اكتشفت أنهم مثلي حداثيون أي كلنا هُجُنٌ acculturés

- كنت أنتظر من الثورة أن تهدم جدار الحقد الذي يفصل بين المضطهَدين من الإسلاميين واليساريين فخيبتْ ظني وشيدت أعلى من سورالصين بينهما!

- "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم": قالها لك الله بكل وضوح وأنت مازلت تنتظر حلولا من السماء. ألا يكفيك أنه خلقك مفكرًا؟

- يبدو لي أنه لو حكم عمر أطول مما حكم لأرسى نظاما سياسيا لا رأسماليًّا ولا شيوعيًّا ولترك لنا فقهًا إسلاميًّا أفضل مما عندنا اليوم.

- يبدو لي أن الشيوعيين والإسلاميين لم يكتبوا كثيرا في فلسفة "الدولة". الشيوعيون فضلوا عليها الأممية والإسلاميون فضلوا عليها الخلافة.

Commentaire : je parle de l'"état-nation" non de l'"état-empire"

- قرأت 7 كتب لراشد الغنوشي ولم أجد الجملة التي تُنسب عادة إليه "المرأة وعاء جنسي". إمضاء قارئ يساري غير ماركسي معارض للنهضة في الحكم.

- مذ تحوّلَت "حركة الاتجاه الإسلامي" إلى "نهضة"، فقدت جل أخلاقياتها الإسلامية التي أسِّست من أجلها: الخلافة، الدعوة، تطبيق الشريعة.

- مذ تحوّلَ "حزب العمال الشيوعي" إلى "حزب العمال" فقد هو أيضاً أخلاقياته الشيوعية التي أسِّس من أجلها: محاربة الرأسمالية ونشر اليسار.

- يبدو لي أن انتصار "طالبان" سوف يعطي نفساً منعشاً للحركات الإسلامية جميعا ونفساً خانقاً ولو لحين لدعاة التغيير السلمي والديمقراطي  !

- يبدو لي أن انتصارَ "طالبان" وضع حدّاً ولو لحين لمبدأ "كونية حقوق الإنسان" المبني أساسا على عقدة تفوّق تسمّى "المركزية الأوروبية" !

- بعض أسباب رفض المسلمين لمفهوم الدولة الحديثة الغربي: 1. أتاهم مع الاستعمار. 2. هدم دولة الخلافة. 3. أول الدول الإسلامية الحديثة كانت ظالمة!

- بعض أسباب رفض المسلمين لمفهوم "الدستور الحديث" الغربي: عندهم دستور إلهي (القرآن) فكيف تطلب منهم أن يخضعوا لدستور وضعيimpossible ! 

- بعض أسباب رفض المسلمين لمفهوم الدولة المدنية حيث المدني يعلو على الديني وليس العكس: لو تعارض قانونها مع أحكام القرآن يرجعون للقرآن 

- بعض أسباب رفض المسلمين لمفهوم "فصل الدين عن الدولة": في المسيحية الدولة هي التي مأسست الدين، في الإسلام الدين هو الذي مأسس الدولة. 

- يبدو لي أن جل المبادئ الكَونية أي الغربية لم تفلح في اختراق سور الحضارة الإسلامية: المساواة التامة بين الرجل والمرأة، العقلانية الديكارتية، الديمقراطية.

- مبدأ كوني واحدٌ نجح في اختراق سور الحضارة الإسلامية، مبدأ العلم الغربي، لكن سورَها كان انتقائيا: رفض الداروينية وتاريخ نشوء الأرض.

- يبدو لي أنه لن تحدث ثورة في العالم الإسلامي بعد الثورة الإسلامية التي فجرها محمد صلى الله وسلم فهو خاتم النبوة و خاتم الثورات.

- قرأتُ ماركس: قبل أن يقول: "الدين أفيون الشعوب"، قال: "الدين هو صرخة المظلوم، هو روح عالَم بلا روح، هو أيضا أخلاق عالَم بلا أخلاق". ("البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضد هذا البؤس الأخير. الدين هو صرخة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب.".)

- هل قراءة التاريخ هي معرفة ثابته أو متحولة ؟ هي ثابتة عند الأصوليين (النقل أولا) ومتحولة عند المجددين (العقل أولا). الحل في التفاعل بين الاثنين.

- مهما كان موقف اليساري من أخيه الإسلامي فالإسلامي أقرب إلى تاريخنا الإسلامي المشترك. هو رأسمالنا الأنتروبولوجي ويجب علينا أن لا نُقصيه.

- مهما كان موقف الإسلامي من أخيه اليساري فاليساري أقرب إلى المرجعيات الثقافية الغربية. هو رأسمالنا الحداثي وجسرنا الوحيد لبلوغ الكونية.

- اليساري والإسلامي خطان متوازيان وليس مطلوبًا ولا مرغوبًا من أحدهما أن يتنازل للآخر عن مبادئه لكن من الضروري أن يتبادلا الاعتراف.

- اليساري والإسلامي صنفان من التفكير مختلفان في الغايات والوسائل لكنهما مشتركان في المصير ولا أحد منهما يستطيع الاستغناء عن الآخر.

- الديمقراطية تفرض على اليساري والإسلامي أن يعترفا ببعضهما البعض حتى يتعايشا في بلد واحد بسلام وإلا انعدمت الديمقراطية عند الاثنين.

- الاعتراف بالآخر المختلف فضيلة وليس جُبنًا ولا نفاقًا (اليساري بالإسلامي والإسلامي باليساري). هو شرط أساسي للتعايش في بلد ديمقراطي. 

- اليساري والإسلامي العربيان أخوان من الرضاعة: تربيا في جغرافيا واحدة وتاريخ واحد ولغة واحدة وأنتروبولوجيا واحدة. حرام أن الواحد يكره أخاه !

- لم أقابل في حياتي مثقفًا غير نهضاوي يقول كلمة حق في حق النهضاويين. أإلى هذه الدرجة فشل النهضاويون أو عَمِيَ المثقفون ؟

- لو طبق اليساريون والإسلاميون على أنفسهم ما يدْعون الناس إليه، لما كان حالنا مثلما نحن عليه اليوم. يدْعون إلى التعفّف وهم أول المتهافتين.

- ما يجذبني إلى بعض النهضاويين هو طيبتهم معي، وما ينفّرني من جل اليساريين هو عدوانيتهم نحوي. وعلى الطيبة لا خيار لي إلا الرد بطيبة أكبر.

- ماركس قال "الدين صرخة المظلوم وروح عالم بلا روح"

وأيمة جوامعنا جعلوه "أفيونا للشعوب"وذلك بخُطبهم الساكتة عن الحق والمؤيدة للظالم.

- أحسن هدية يقدمها إسلامي صادق إلى شخص هي الإسلام. وهل نقدم هدية إلى شخص نكرهه ؟ لا.فقدر الإسلامي إذن أن يحب الناس جميعا دون استثناء.

- ما لم يحب اليساري لأخيه الإسلامي الخير، وما لم يحب الإسلامي لأخيه اليساري الخير، فلا تصدق الاثنين،لا يسار الأول ولا إسلام الثاني!

- لو قرأ اليساريون أدب السجون الإسلامي وقرأ الإسلاميون أدب السجون اليساري لنقص الحقد وزاد التعاطف بعيدًا عن الاختلاف الإيديولوجي.

- يبدو أن الإسلاميين مقصّرون في نشر أدبهم السجني على المستوين الوطني والعالمي والسبب قد يكون منهم أو بسبب إقصائهم من الفضاء الثقافي.

- لو كان في تاريخ اليسار النضالي ثلاثون ألف سجين سياسي وعشرات الشهداء، ماذا كانوا سيفعلونْ ؟ النهضاويون لا يُتقِنون تثمينَ نضالاتِهم!

- لو كانت "النهضة" متغلغلة في مفاصل الدولة كما يبالغ خصومها لما أزيحت وبسهولة من السلطة مرتين، مرة شعبيا-2014 ومرة تعسفيا-25 جويلية.

- لو تحدث الحداثي إلى المحافظ والمحافظ إلى الحداثي لاكتشفا الاثنان أن مصيرهما مشترك وأن وجود الأول مرتهن بوجود الثاني والعكس بالعكس!

- لو قرأ اليساري التونسي للإسلامي التونسي والعكس بالعكس لاكتشفا الاثنان أن المسألة أكثر تعقيدا مما يتصوران ولضحكا من جهلهما ببعضهما!

- يبدو لي أن إسلامنا السياسي صناعة محلية وإسلاميونا تعلموا في مدارس علمانية لذلك يختلف عن الإسلام السياسي الشرقي رغم أن مؤسسه درس في الشرق.

- العلمانية والاشتراكية وحقوق الإنسان الكونية، سوء تطبيقها في الغرب ليس دليلا على عدم نجاعتها، كسوء تطبيق الإسلام عندنا ليس دليلا على عدم نجاعته.

- ما الفرق بيني وبين اليساريين في الموقف من النهضاويين؟ كلنا فكريًا وسياسيًا نعارضهم لكن أنا لا أشيطنهم وأنا والديمقراطية لا نقصيهم.

- ما هو الفرق بين مبدأ صراع الطبقات عند ماركس ومبدأ "التدافع" عند الغنوشي ؟ يبدو من الوهلة الأولى أنه تلطيف في غير صالح المضطهَدين !

- لست من أنصار حزب النهضة، لا صراحة لا تقية. أنا من معارضيه لكنني أقف ضد من ينادي بإقصائه أو حله أو استئصاله. إمضاء يساري غير ماركسي

- كَـيساري غير ماركسي، أختلفُ معه إيديولوجيًّا، ولكنني لستُ قاضيًا حتى أحكمَ له أو عليه، ولستُ حاقدًا حتى أتشفّى في شخصٍ يُحْرَمُ من حرّيته الفردية، خاصة وقد سَبقَ لي وأن قرأتُ له سبعةَ كُتُبٍ من مؤلفاته.RachedGannouchi Le 19 avril 2023

- لا يهم إذا كان الإسلامي لليساري خصمًا أو صديقًا. المهم أنه لا يمكن بناء مستقبل أفضل إلا به ومعه أي تقديم المصلحة العامة على الخاصة.

- المفروض أن يكون هدف السياسي، يساريا كان أو إسلاميا، ليس تدمير الخصم بل أن يكون الهدف تغيير تصورات الخصم من لاعقلانية إلى عقلانية.

- في القرن 20 سادت في العالم أنظمة شمولية-Totalitaire: النازيون في ألمانيا والفاشستيون في إيطاليا وأسبانيا والشيوعيون في روسيا والصين.

- العربي في نظر الغرب مسلم مهما كانت إيديولوجيته فالأفضل إذن ألا تهرب من أنتروبولوجيتك ولا تكن طابورا خامسا في وطنك.

- "لست اليسار كي تُدار ولست اليمين كي تلين ولست الوسط كي تنضبط. أنت النمط أنت النمط" بحري العرفاوي

- لم أر فرقا في الاستقبال بين موظف إدارة نهضاوي وآخر يساري ولا فرقا بين طبيب خاص نهضاوي وآخر يساري، فعن أي انتماءٍ إيديولوجي تتحدثون ؟

- فن الترجمة يمكّنك من اللغتين، الفرنسية والعربية، وفن التجسير بين التراث اليساري والتراث الإسلامي يُطلِعك على الثقافتين. فنون ترهق.

- أن تكونا ماركسيًّا 100% أو إسلاميًّا 100%، الوضعيتان مريحتان لـ"الأنا"، لكن أن تجسر بين الإيديولوجيتين فهذا نشاط صعب، متعب ومحرج!

- ما يسمى بالإرهاب الإسلامي هو فعل واقع لكن أساليبه مستوحاة من فكر الحداثة الغربيةحقيقة قالها أمين معلوف المفكر العلماني ولم يقلها القرضاوي.

- في نقدي المتواصل، قد أبدو قاسيًا على اليساريين وأقل قسوة على القوميين والإسلاميين. والسبب: لأنني يساري أعرف اليساريين أكثر, نظرية وممارسة.

- لا أفهم تهمة الجهاد المسلح الموجهة للإسلاميين خاصة عندما تأتي من اليسار الذي يؤمن بالعنف الثوري. الأول أمر إلهي، الثاني أمر ماركسي

- موقفي الشخصي: أنا لا أومن بالعنف سواءٌ كان جهادًا مسلّحًا عند الإسلاميين أو عنفًا ثوريًّا عند الماركسيين. أنا مسالمٌ غانديّ الهوى.

- - لا أكره النهضاويين ولا أعادي النهضة لكنني كيساري أعارض سياستها: موقف مبدئي عاقبني عليه أصدقائي اليساريون عقابا شديدا. جلهم قاطعوني

- الدساترة ليسوا الأفضل واليساريون ليسوا الأفضل والقوميون ليسوا الأفضل  والنهضاويون ليسوا الأفضل ولا الأسوأ !

- في العالَم الإسلامي ومنذ 79 (الثورة الإيرانية)، الإسلاميون أصبحوا ثوريين (انقلبوا على حاضرهم) واليساريون أصبحوا محافظين (تشبثوا بماضيهم). مواطن العلم

- في بريطانيا العلمانية، لم يتحرّج العلمانيون من لقب ملكتهم الرسمي "المحافظ الأعلى للكنيسة" ونحن ضقنا ذرعا بـ"صندوق الزكاة" في الكرم.

Le titre de gouverneur suprême de l'Église d'Angleterre 

- في تونس الحديثة وللأسف اقترن مفهوم الحداثة بالاستلاب والعدوانية وقلة التربية والإقصاء إلى درجة أنني أصبحت للمحافظة والأصالة أميلُ. 

- في تونس، الإسلاميون يمثلون أكثرية عدديا وأقلية إعلاميا واليساريون أقلية عدديا وأكثرية إعلاميامتناحران لم تجن تونس شيئا من تناحرهما 

- في تونس لا يخدعك الخطاب، اليساري ليس يساريا في قِيَمه السلوكيّة، والنهضاوي ليس إسلاميا، والقومي ليس وحدويا، والدستوري ليس دستوريًّأ.

- فشل الأحزاب الإسلامية في الحكم لا يعني نهاية الإسلام السياسي لأن الإسلام هو مكون مركزي لهوية أغلبية العرب المسلمين. Le Monde diplomatique

- العلمانيون العرب وخاصة اليساريين عادة ما يتجاهلون الحقيقة التالية: توجد علاقة جدلية بين الإسلام والسياسة. إمضاء علماني عربي

- الدين المسيحي خلقته الدولة الرومانية والدين الإسلامي خلق دولته لذلك يسهل فصل المسيحية عن الدولة ويصعب فصل الإسلام عن دولته.

- قد تنجح الأنظمة غير الديمقراطية في منع الأحزاب الإسلامية من النشاط لكنها حتما لن تنجح في فصل السياسي عن الإسلامي في فكر المسلمين.

- الإقرار بوجود علاقة جدلية بين الإسلام والسياسة وبحق الأحزاب الإسلامية في النشاط العلني لا يعني البتة الانحياز للإسلام السياسي. 

- تشرشل: "الحرب ليست بالأمر الهين حتى نتركها في يد العسكريين"وأنا أقول  :الإسلام ليس بالأمر الهين حتى نتركه في يد مثقفين جهلة بالعلم.

- ظاهرة انتشار الإرهاب الإسلامي (منظمات "داعش" و"النصرة" بسوريا و"أنصار الشريعة" بتونس وغيرها) كانت نتيجة خيبة أمل حلت بالعرب بعد ثوراتهم الفاشلة سنة 2011 ولا علاقة لها بالدين الإسلامي مثلما كانت ظاهرة انتشار الإرهاب اليساري بدورها أيضًا نتيجة خيبة أمل حلت باليسار الأوروبي بعد فشل ثورات "ماي 68" (منظمات "الفعل المباشر" بفرنسا و"الألوية الحمراء" بإيطاليا و"بادر ماينهوف" بألمانيا الغربية وغيرها).والدليل أن جل المجاهدين الشبان لم يكن لديهم معرفة جيدة بالقرآن والسنّة.ملاحظة: رأي منقول من محاضرة على اليوتوب لأكاديمي أوروبي غير مسلم لم أتمكن من سماع اسمه.

- النهضة واليسار والثقافة:"النهضة قاعدة واسعة لكنها متوسطة الثقافة ضئيلة الفعالية والتأثير". المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة (ص 47).

- تعليق: اليسار قاعدة ضيقة لكنها عالية الثقافة شديدة الفعالية والتأثير.

- باسم الدين أعيب على المسلمين عدم مناهضتهم الصريحة للرأسمالية خاصة وقد سبقوا تاريخيا اليساريين في مناهضتهم للإقطاع أب الرأسمالية.

- المفروض أن يكون المسلمون أشد عداءً للرأسمالية من اليساريين. لأن عمودَها الفقري هو الربا وديدنها سلعنة القِيم (تضامن، تطوع، العائلة).

- عندما أمجد صديقا نهضاويا يستحق (بكار عزوز)، فهذا لا يعني أنني أمجد النهضة وكل النهضاويين. أنا معارض فكري والنهضة جزء من المعارضة.

- ضعف تأثير النهضة يبرز في أربعة قطاعات:  قطاع العمال (طرح عقائدي أخلاقي)  وقطاع النساء (قضية عري وتبرج) وقطاع غياب التنظير في الفنون وقطاع الثقافة متوسطة الفعالية. المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة (ص 43-47).

- النهضة حزب لا أتفق معه تماما، هو رأسمالي التوجه وأنا اشتراكي، هو مسؤول جزئيا عن أخطاء العشرية الماضية لكنه حزب مدني وله حق التنظم

- إذا اعتمدنا المعايير الغربية فالمسلم ليس ديمقراطيًّا ولا ليبراليًّا ولا مع المساواة بين المرأة والرجل ولا مع حقوق الإنسان. مسلم لا أكثر ولا أقل.

- أفضل حزب إسلامي هو حزب أردوﭬان: دستراللائكية، ساوى في الإرث بين الرجل والمرأة، منع تعدد الزوجات، ألغى عقوبة الإعدام.

ناقص الحرية !

- في كل الدول الديمقراطية، ألا تفعل الأحزاب ما يُلام على الفِرق الدينية ؟ كل حزب يدّعي امتلاك الصواب ويتهم الأحزاب الأخرى بالضلال.

- كيف أرى الإسلام ؟ أراه فاتحا لمجال البحث العلمي والفلسفي وليس خاتما له. أراه أسئلة متجددة وليس أجوبة جاهزة كما يراه جل المسلمين.

- كيف أرى الإسلام ؟ أراه منهجيةً أكثر منه معرفة محنّطة. أراه ثورةً مستمرةً ضد الظلم وليس خضوعًا له وكأنه قدر كما يراه جل المسلمين.

- في تونس، الدين الإسلامي هو رأسُ مالِنا الثقافي والرمزي. هو رأس مال الإسلامي واليساري والقومي والدستوري فكلهم أنتروبولوجيا مسلمون.

- لم أفهم بعد لماذا لا يحترم موقف من يريد أن ينأى بنفسه كفرد عن الصراعات السياسوية: لست مواليا لأحزاب اليسار ولا للنهضة ولست معاديا.

- سُئِلَ مرة المرحوم جلبار النقاش، المناضل التونسي اليساري،

- عن رأيه في حزب النهضة فقال (كنتُ حاضرًا):

« C’est du Tajammo3 Halal »

تعليق الأمين البوعزيزي: "هو يقصد لبرالية مؤخلقة/أخلقة اللبرالية".

- سُئل اليساري جلبار النقاش 

عن رأيه في حمة الهمامي فقال (كنت حاضرا):"كيف يقدم مشروعا يساريا إلى حكومة يمينية وينتظر منها أن تطبقه"

- 1979-Année charnière

قبل هذا العام كانت الثورات تنجز بأياد يسارية. بعدَ، أصبحت تنجز بأياد يمينيةلا اليسار أوفى بما وعد ولا اليمين

Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €.

- L'islamisme au Maghreb : la voix du Sud, F Burgat.

الإسلام هو صوت الشعب، حقيقة تمنيت أن يعيها اليسار ولا يحتكرها الإسلاميون وحدهم! 

- إذا اعتبرنا العنف الثوري الماركسي في السبعينات مقاومة مشروعة فلا يحق لنا أن نعتبر الجهاد الإسلامي المسلح إرهابا ! أنا ضد الاثنين.

- أردوﭬان: يعجبني إسلامه المتأقلم مع العلمانية حقق لتركيا مناعة اقتصادية. لا تعجبني مواقفه من اليساريين والأكراد وتطبيعه مع إسرائيل.

- أسبابٌ أربعةٌ قد تكونُ جعلتْ منّي يساريًّا لا يكرهُ الإسلاميين: لم أحضر صراعهم مع اليساريين في الجامعة ولا صراعهم مع بورقيبة (كنت أستاذًا متعاونًا في الجزائرمن 1980 إلى 1988)

ولم أنتمِ لأي حزبٍ يساريٍّ وقرأتُ جلّ أدبيات الإخوانْ سنة 1980.

- إشادتي بالمعاملة الحسنة التي لقيتها من بعض النهضاويين لا تعني أنني أشيد بالنهضة ونقدي لليساريين لا يعني أنني أرحب بسبهم على صفحتي..

- "أعارض النهضة"يجب أن أسبّها حتى يرضى عني اليسار. تجنبت سبّها ففقدت جل أصدقائي اليساريين.أطالب بِـجبر الضرر من النهضة! (Ironie) 

- "الإخوان المسلمون" حركة سياسية أممية. لا أفهم لماذا يصرّ النهضاويون على إنكار الانتماء إليها عكس اليساريين الذين يتباهون بأمميتهم.

- الإخوان في مصر صمّوا آذاننا بشعار "الإسلام هو الحل" وعندما وصلوا للحكم تبنّوا شعار "الديمقراطية هي الحل" (منقول). تنكّروالمبادئهم !

- اليساريون قبل ثورة أكتوبر صموا آذاننا بشعار "الشيوعية هي الحل" وبعد الثورة تبنوا شعار "رأسمالبة الدولة هي الحل". تنكّروا لمبادئهم!

- غير المتدين لا يعرف ربه إلا عند الأزمات أما المتدين فيعرف ربه خمس مرات في اليوم. المفارقة أن الاثنين يتشابهان في المعاملات السيئة! 

- الأستاذ اليساري والأستاذ النهضاوي، الاثنان مقاولا "أوتيد". الطبيب اليساري والطبيب النهضاوي، الاثنان نفس ثمن الفحص. لا أثر للمبدأ !

- الإسلامي والماركسي لايعترفان بالديمقراطية الليبرالية ولا بالدولة القومية:الأول يؤمن بالخلافة والثاني بالأممية.

- الإسلامي واليساري لو اطلع كل واحد منهما على أدبيات الآخر لَزال الكره المتبادل أو لَقل أو لَكان على أساس معرفي لا إيديولوجيا سطحيا.

- الإسلاميون واليساريون يحبون الديمقراطية الغربية الشكلية وكلهم ليسوا ديمقراطيين. الإسلاميون أوصلتهم للحكم واليساريون حمتهم من الحاكم.

- اليساريون العرب أقلية في مجتمعاتهم فلا أمل لهم إذن في الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. بقي لهم أمل وحيد لبلوغها: الثورة أو الانقلاب.

- الإسلاميون لا يمكن أن يكونوا 100% ديمقراطيّين لأن لهم في القرآن قوانين منزَّلة غير قابلة للاستفتاء الشعبي كقوانين الزواج والإرث والربا.

- الدين ليس مسألة ذاتية بل هو مسألة ذاتية-جمعية (intersubjectif)  وشبكة من التواصل تربط بين الوعي الذاتي لآلاف أو ملايين من الأفراد.

- الخوضُ في المسائل الدينية-الدنيوية التي تهمّ المسلمين ليس بالأمرِ الهيّن حتى نتركه في أيدي المتعصّبين والمتزمّتين. هو حقٌّ وواجبٌ.

- الدنيا مادة وروح. الروح يفسّرها علماء الدين. المادة يشرحها علماء المادة. فلماذا لا يشتغل كل واحد في مجاله دون صراع إيديولوجي عقيم.

- لولا التفسير الغيبي للظواهر (فقر، مرض، جفاف، إلخ.) لنقص الإيمان وانقرضت الأديان وانتحر الجوعان ولكن لولا العلم لزادت معاناة الإنسان.

- الديمقراطيةتسمح للنهضة "تحكم" ولا يحق لليسار أن يُملي عليها كيف "تحكم"وتسمح لليسار يعارض ولا يحق للنهضة أن تملي عليه كيف يعارض !

- "الذباب الأزرق"، سمعتُ عنه."الذباب الأحمر"، كل صباح يلسعني في الشيحي و243 مرة في fb، ومع ذلك أتعاطف مع كل مَن لسعته ذبابة B ou R

- العديد من الأصدقاء نصحوني بالتأليف في الإسلام. أشكرهم على ثقتهم وأقول لهم:أعرف مؤهلاتي وأقف عندها أي لا أملك الثقافة الضرورية لذلك.

- التونسي الذي يحتقر حضارته الإسلامية لا خير فيه ومَن يتعصب لها ولا يرى غيرها فلا خير فيه أيضًا. الفضيلة هي الوسط بين رذيلتين. أرسطو

- الإخوان المسلمون في مصر وتونس فازا في انتخابات ما بعد الثورة رغم اختلاف وضعيتيهما: في مصر كانوا أحرارا وفي تونس مقموعين.

Source : Les Frères musulmans à l'épreuve du pouvoir Egypte, Tunisie (2011-2021)

Sarra & Pierre. Sur IReMMO, YouTube.

- الإخوان المسلمون، عادة ما نقيمهم بـ"معتدلين، متشددين، مع العنف، ضد العنف" وننسى نقطة ضعفهم "ضد الدولة الوطنية" (Etat-nation) idem

- من أسباب فشل "النهضة في الحكم" أنها لم تفهم أن الشعب انتفض ضد المنوال التنموي (لم تغيره وبقي كمنوال بن علي) وليس ضد الدولة.idem

- مَن أسقط "النهضة من الحكم في تونس" ؟ أسقطتها النخبة وليس الشعب بما فيها المحامون والأساتذة والنقابيون والمثقفون والجمعيات.idem

- الإخوان المسلمون في مصر وتونس، الاثنان تسلّما الحكم ديمقراطيا والاثنان خرجا منه بانقلاب.idem 

- نجح الإخوان في تركيا وفشلوا في مصر وتونس لأن مفهوم الخلافة عند الأتراك لا يتعارض مع نفس المفهوم عند الإخوان ولا مع القومية التركية.

- كلما جالستُ يساريًّا إلا ووجدت في جعبتي ما أقوله نقداً في الإسلاميين وكلما جالست إسلاميًّا إلا ووجدت في جعبتي ما أقوله نقداً في اليساريين. 

-


حِكَمٌ وأقوال مأثورةٌ حول القوميين

(جمّعتها خلال سنوات 2012-2024)

- الجيوش العربية القوية لا تنتصر إلا على شعوبها في الجزائر وسوريا ومصر والعراق والضعيفة منها هُزِمت في ليبيا واليمن والسودان. الجيش التونسي محايد!

- بعد الحرب العالمية الثانية، أرادت القومية العنصرية الألمانية أن تكفّر عن عنصريتها: ساعدت إسرائيل العنصرية بالمال والسلاح الكلاسيكي والنووي!

- في كل بلاد الدنيا القوميون مصنفون يمين إلا عند العرب سجلوا أنفسهم في خانة اليسار وتصرفوا وحكموا أسوأ من أقصى اليمين Ghazi Sammari

- (a posteriori) بشّار مستبدٌّ وظالِمٌ لكن لو خُيّرتُ جدلاً بين حُكمِه والحرب الأهلية لاخترت ودون تردد حُكم بشار لأنه أقل ضررًا بسوريا

- فعل العرب بأنفسهم أكثر مما فعله بهم الأعداء: 14 مليون مواطن سوري مشرّد، نصفهم خارج الوطن. Manière de Voir, avril-mai 2024, p. 85

- حرب 67 لم تقع ! الإسرائيليون هجموا على ناصر وناصر لم يرد. حرب الخليج لم تقع أيضًا ! لأمريكان هجموا على صدّام وصدّام لم يرد.

- كل الأنظمة العربية الدكتاتورية "اللائكية" (صدام، بن علي، الڤذافي، مبارك، بشار) غدرت بها الأنظمة الغربية الديمقراطية "اللائكية" رغم أن الأولى لم تؤذ الثانية. Michel Onfray

- كل الزعماء القوميين لم يجلبوا لنا إلا الهزيمة وراء الهزيمة من ناصر إلى صدام. حزب إسلامي طائفي جلب لنا نصرا عقيما في 2006.

- "رغم أننا لا نعترف إسلاميًّا بالعنصر القومي أساسًا أولاً للاجتماع البشري، إلا أن القومية فرضت علينا فدخلت عقولنا وقلوبنا" المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة (ص 19).

تعليق: ونحن أيضًا، اليساريون الأمميون، رغم أننا لا نعترف يساريًّا بالعنصر القومي أساسًا أولاً للاجتماع البشري، إلا أن القومية فُرِضَتْ علينا فدخلت عقولنا وقلوبنا.

- لواء الأسكندرون (Sandjak d’Alexandrette)، ولاية سورية اقتطعتها فرنسا من سوريا وأهدتها إلى تركيا الكمالية سنة 1939.

- "تطور في اتجاه معاكس: في سوريا والعراق ومصر ناصر، انتقلنا من ليبرالية نسبية (وديمقراطية نسبية) إلى أنظمة شمولية أثمرتها انقلابات" المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة (ص 61). إضافتي: (وديمقراطية نسبية)

- مفهوم يجمع بين متناقضَين(oxymore) : ديكتاتور وطني. كيف يكون وطنيًّا وهو يقهر شعبه؟ هتلر وستالين عدوّا الحرية، أنجزا لكن لُعِنا داخلياوخارجيا.

- هزيمة 67: هي هزيمة إيديولوجِتَيْ القومية العربية والماركسية العربية، هزيمةٌ فتحت الباب للسلفية النفطية. ثلاثتهم: ماضوية ولاعقلانية ودوغمائية. ياسين الحافظ، الهزيمة والايديولوجيا المهزومة، 1978.

- كل الدول العربية والإسلامية ودون استثناء خذلت غزة 2024 وما زال العرب والمسلمون يتساءلون: هل انقرض فعلا التضامن العربي-الإسلامي ؟

 إصداراتي بداية من سنة 2010 إلى بداية سنة 2025. مواطن العالم د. محمد كشكار

Ou plus exactement mes 16 compilations d’articles inspirés par une multitude de penseurs libres


ستة عشر كتابًا :


  1. Enseigner des valeurs ou des connaissances ? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages. 

2. Le système éducatif au banc des accusés ! « Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas », Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.

4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017، 488 صفحة.

5. حكايات طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.

6. حدّث ميشيل سارّ قال...، طبعة حرة، تونس 2022، 110 صفحة.

7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.

8. حدّث ﭬاستون باشلار قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.

9. حدّث أمين معلوف قال...، طبعة حُرّة، تونس 2024، 174 صفحة.

10. حدّثت جريدة "لوموند ديبلوماتيك" قالت... (النسخة الفرنسية 2019-2023)، طبعة حُرّة، تونس 2024، 290 صفحة.

11. النقد هدّامٌ أو لا يكون. هدّامٌ للتصورات غير العلمية. 2024،  440 صفحة.

12. حدّث حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، قال... 2024، 88 صفحة.

13. عاشق الفلسفة، 2024، 293 صفحة.

14. خواطر حول اللغة والفن والثقافة والعلم/الدين والهوية والسريالية والذكاء الاصطناعي، 2025، 280 صفحة.

15. نِساءْ.. حيف متواصل وثورة مستمرة، تونس 2025، 60 صفحة. 

16. مُخْتَلَفٌ عَلَيْهَا.. الإيديولوجيا، "حُرِّيَةٌ عِنْدَ تَشَكُّلِهَا، قَمْعٌ عِنْدَ تَمَكُّنِهَا"، تونس 2025، 808 صفحة. 

 

أختم بأفضل تعريف للإيديولوجيا وفي نفس الوقت أقوى نقد لها:

"كل الإيديولوجيات، حرية عند تشكلها، قمع عند تمكنها".


« Les idéologies sont liberté quand elles se font, 

oppression quand elles sont faites »

(Jean Paul Sartre, 1948, qu’est-ce que la littérature ? Collection idées / Editions Gallimard p.193)