vendredi 17 janvier 2025

نحن بشرُ القرنِ 21، هل قدرُنا أن نمرّ بِـ"اختبار الموت" حتى يعترف الواحدُ منا بالآخر ؟ فكرة الفيلسوف العظيم هيڤل. نقلاً عن فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة. صياغة وتأثيث مواطن العالَم، مسالِمٌ حتى النخاع ومُحِبٌّ للآخر إلى حد التماهي معه والذوبان فيه عِشقًا

 


 (L`épreuve de la mort)

يبدو أن الاعتراف بالآخر كـ"آخر له كامل الحقوق رغم اختلافه" شيء صعبُ المنالِ والتحقيقِ لدى الإنسانية القديمة والمعاصِرة. نقيصةٌ من نقائصِ الجنس البشري أو إرثٌ جيني من ماضيه البدائي الأقرب لطبائع الحيوانات.

"اختبار الموت" هو صراعٌ بين الإنسان وأخيه الإنسان، صراعٌ بين خصمين يصل إلى ملامسة الموت عن قربٍ، ملامسةٌ تجعل كل واحد منهما يراها بعينيه، يراها مصيبة في أخيه، في ولده، في جاره، في ابن عمومته وابن قبيلته. صراعٌ ينتهي عادة بانتصار ساحقِ وماحقٍ لأحد الطرفين فينبثق عنه حلّان: تعايشٌ في حالة الاعتراف المتبادل أو انفصالٌ في حالة الإصرار على عدم الاعتراف.

1.   بعض الأمثلة الحديثة التي أفضت إلى التعايش المشترك:

-       مرّت دولة روندا أخيرًا بحربٍ أهلية، تقاتلت فيها فرقتان من شعبها (الهُوتُو 80% والتُّوتسِي 20%) سنة 1993-1994، ودفعتا الثمنَ غالِيًا جدًّا، مليون قتيل أي عُشر سكانها تقريبًا.  واليوم تجاوزت محنتها واعترف المتخاصمان بِبعضهما البعض وأصبحت رواندا نموذجًا للبلدان النامية تحقق نسبًا عالية من النمو (8 أو 9 %).

-       مرّت الشقيقة الجزائر تقريبًا بنفس المحنة، حربٌ أهليةٌ بين الجيش الرسمي والمتمردين الإسلاميين الجزائريين. الحصيلة 200 ألف قتيل. هُزِم الإسلاميون فسلّموا سلاحهم، عفَى عنهم الجيش وها هو الشعب الجزائري اليوم ينعم  بـ"الأمن مقابل الحرية".

-       في تاريخ أوروبا، تقاتلا الكاتوليك والبروتستان حتى الموت طيلة عقود دموية. واليوم ها هم يتعايشون بسلام ووئام بعد أن اعترف كل واحد من الفريقين بمذهب الآخر. فمتى نرى هذا عندنا بين السنة والشيعة. ألا تكفينا حرب العراق-إيران والمليون قتيل شيعي وسني من الطرفينِ وكلاهما عندي وبنفس الدرجة إنسان.

 

2.   بعض الأمثلة الحديثة التي أفضت إلى الانفصال الجغرافي والفصل التام بين المتحاربين:

-       في كورِيا وبعد حربٍ ضروسٍ لم يحدث الاعتراف المتبادَل بين المتحاربين، فانقسمت إلى دولة جنوبية وأخرى شمالية. الجنوبية رأسمالية والشمالية شيوعية ومهما كانت حِدة الاختلاف بينهما اليوم فهو أفضل ألف مرة من الفِتنة وهي أشد من القتل. المهم أن القتل والاقتتال توقفا وقتيا وأتمنى أن يكون نهائيًّا.

-       سنة 1945، أي في أواخر الحرب العالمية الثانية ذات الحصيلة الثقيلة، 60 مليون قتيل من العالم أجمع وبعد انتصار الحلفاء على هتلر،  حدث انفصالٌ بين الألمانيتين (شرقية وغربية) وذلك لتجنب حربٍ بين الروس والأمريكان، وفي عام 1989 ومن حسن طالع البشرية انهارت الشيوعية اللينينية-الستالينية وللأسف الشديد انتصرت الرأسمالية فحصل تعايشٌ بين القُطبَيْنِ، نَتَجَ عنه اتحادٌ بين الألمانيتين.

 

3.   بعض الأمثلة القديمة والحديثة التي أفضت إلى الاعتراف بالهزيمة والتسليم التام الوقتي أو النهائي من قِبل المهزوم للمنتصر:

-       سكان المغرب "العربي" الأصليون، أعني بهم الأمازيغ، انهزموا أمام الفاتحين المسلمين بعد مقاومة بطولية شرسة دامت 300 عام، صمدوا ثم انهزموا وعن كره أو طواعية أسلموا، تعرّبوا، انصهروا، تأقلموا، تكيّفوا، وفيهم مَن أصبح قائدًا لجيوش المسلمين وأشهرهم طارقٌ بن زياد فاتحُ إسبانيا. يبدو لي أنه يحق لِمن لم يتعرّب منهم أن يطالب اليوم بِاستعادة هُويته المسلوبة وإحياء لغته البربرية، حق يكفله لهم الإسلام قبل البيان العالمي لحقوق الإنسان.

-       صَبَرَ الإسبانُ على الاحتلال العربي-الإسلامي، لكنهم لم يقبلوا ولم يُسلِّموا ولم يُسلِموا ولم يتأقلموا ولم ينصهروا ولم ييأسوا من رحمة ربهم فمنّ عليهم وخلصهم منه بعد ثمانية قرونٍ من المعاناة بِغض النظر عن إنجازات المسلمين الحضارية في حَضَرِ الأندلس (فلسفة، علم، موسيقى، معمار، فلاحة، إلخ) فهي فخرٌ للمسلمين وحدهم وتبقى في تاريخهم يعتزون بها كما يشاؤون وليس كما يشاء السكان الأصليون المسيحيون. الإسبانيون قاوموا الدخلاءَ المسلمين ولم يرضوا بالفتح وتمسكوا بدينهم ورفضوا الإسلام وهم أحرار، ولا إكراه في الدين، والإنسان الحر بطبيعته يرفض أن يُقاد عنوة ولو للجنة والإسلامُ لا يرضى بإذلال الإنسانِ مهما كان دينُ هذا الإنسان، لا بل يحترم مَن لا يُبدّل دينه ويحتقر مَن يفعلها خوفًا أو طمعًا أو نفاقًا والله أولَى بالخِشيةِ من الحاكمِ المسلمِ وهو أعلَمُ بما في الصدور. أما علاقنا نحن مع مجيء الإسلام في المغرب فمختلفة تمامًا: ارتأى أغلبُنا وبِصفة بَعدية (بعد 300 عام) أن الفتحَ الإسلامي فتحٌ وليس استعمارًا غاشمًا بعد ما رآهُ نصفُ أجدادِنا البربر ولأول وهلة احتلالاً، ورضينا بِالإسلام دينًا وبِالعربية لغةً وبِالعروبة قوميةٌ (إلا بعض الأمازيغ المحافظين على أمازيغيتهم ولهم كامل الحق في ذلك) وذُبنا فيهم الثلاثة (الدين واللغة والقومية) وأصبحنا من أشد المدافعين عليها بل اعتبرناها من ثوابت هُويتِنا والحمد لله. 

-       أقرّت ألمانيا واليابان بِهزيمتهما أمام الأمريكان، ومن فرط فِطنتهم وذكائهم استنبطوا مقاومةً من نوعٍ جديدٍ، عنوانها "العلم والعمل" وأصبحا أفضل أمَّتَيْنِ أُخْرِجتا للناس في القرن العشرين.

-       في إسبانيا قامت ثورة في الخمسينيات، انتصرت فيها الفاشية الفرنكية على الجمهوريين الكوسموبوليتيين ثم خمدت الحرب الأهلية ودام الاستقرار للمنتصر عقودًا ثلاثة ثم سقط سقطة مدوية واسترجعت إسبانيا عافيتها وديمقراطيتها وهبت فأقلعت وبسرعة التحقت بِركبِ الأمم المتقدمة.

 

 

خاتمة متفائلة: يبدو لي أن "اختبار الموت" ليس قدرًا محتومًا على الإنسانية وما على الشعوبِ إلا أن تمرّ به قسرًا للوصول إلى التعارف المتبادَل والتعايش السلمي. أنا من موقعي وجانِبِي أرى أن "اختبار الحب والإيمان بِإمكانيةِ إعادةِ أنْسَنَةِ الإنسانية" أفضل طريقٍ وأسلمِها وأقصرِها لو وَعَتِ البشرية بقيمة البشرية. وأتمنى أن يُجنّبنا الله في تونس المرور بـ"اختبار الموت" بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، أوَ ليس هو القائل سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

الله قال "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" ولم يقل "أقواكم أو أذكاكم أو أشرفكم أو أجملكم أو أغناكم" فالبشر ليسوا بحيوانات حتى يحكمهم قانون داروين القائل بمبدأيْ "الانتقاء" و"البقاء للأصلح".

 

إمضائي

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 9 أفريل 2017.

Haut du formulaire

 

اللاعنف. مواطن العالم وغاندي الهوى

 

 

بلدان كبيرة تحررت من الاستعمار الغربي دون عنف: الهند وجنوب إفريقيا.

بلدان كبيرة فتحها المسلمون دون عنف: أندونيسيا.

إمبراطوريات عظيمة سقطت دون عنف: الاتحاد السوفياتي سابقا.

ثورات نجحت دون عنف: الثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية.

 

ملاحظة ديونتولوجية: رغم أنني لا أوافقهم جميعًا لكنني لا أشك في نوايا التونسيين -يساريين وإسلاميين وقوميين- المساندين للمقاومة المسلحة في فلسطين وأحترم خاصة المؤمنين بالعنف الصادقين مع أنفسهم الذين انضمّوا إلى الصفوف الأولى للمقاومة المسلحة نصرة لرفاقهم أو إخوانهم مثلما فعل الجمهوريون الأوروبيون في حرب أسبانيا ضد فرانكو والكوبيون في أنغولا ضد جنوب إفريقيا العنصرية والشيوعيون العرب في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ضد إسرائيل والإسلاميون العرب في أفغانستان ضد الاستعمار السوفياتي.

 

Gandhi a dit : « L’ennemi ne trouvera pas chez moi une résistance physique contre laquelle il peut s’appuyer
mais une résistance de l’âme qui l’aveuglera ».

« Je crois en vérité que s'il fallait absolument faire un choix entre la violence et la lâcheté, je conseillerais la violence ». (...) Mais je crois que la non-violence est infiniment supérieure à la violence ».

ترجمة: "لن يجد العدو عندي مقاومة مادية هامشية قد يوظفها لمصلحته بل مقاومة روحية تعميه".

تعليقي: وحديثنا قياسٌ ‼

"أعتقد أنه لو وجب حتمًا على إنسانٍ أن يختارَ بين العنف والجُبن. قد أنصحُه باختيار العنف (...) لكنني أومن أن اللاعنفَ أفضلَ بكثيرٍ من العنفِ".

 

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 18 جانفي 2025.

رسالةٌ مفتوحةٌ إلى مَن لم نثأر منهم فرجعوا ليثأروا مِنّا. مواطن العالَم

 

 

إليهم جميعًا أقول: أعرف أنكم حكايةٌ، حكايةٌ للثورة معادِيَهْ وللحلمِ مغايِرَهْ، حكايةٌ مِن حكايات الانحطاط القِيمِي (Vers une dévalorisation de l`humain)، حكاية الفساد بكل أنواعه وفروعه ولوبياته وكلابه وأصحاب كلابه حسب تعبير أحدكم من عَرّابِي الفساد.

بِتَرَفُّعٍ وحياءٍ أغض نظري عنكم في ازدراءٍ أحيانًا وقلقٍ أحيانًا أخرَى وفي كُرهٍ ضارِبٍ غالِبًا. أعرف أنكم لستُم في خَطِّ مَرْمَايَ، وسِهامِي أخطأت منكم السحايَا (Les méninges) ولن يبلغكم في منطقتِكم الخضراء منها إلا الروايَة.

أعرف فقط أنني ثابتٌ على موقِفِي المعارِضِ لكم ولِمشاريعكم وسياساتكم، لكنني في الوقت نفسه أربأ بِنفسي عن الشماتة فيكم أو في غيركم وأدينُ مبدئيًّا وبِشدة كل تهديدٍ يطالَكم بالعنف المادي أو اللفظي. كنتم دومًا حجرَ عثرةٍ في طريق الوطن، لا أدامكم الله عِبئًا على أكتافِ هذا الوطن يا "مراييع" الغنم...

 

إمضائي

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 9 أفريل 2017.

 

هل تعلم ما هو مرياع الغنم ؟

المرياع هو كبش من الغنم، يُعزل عن أمه يوم ولادته ويسقى حليبها دون أن يكتحل برؤيتها، ويوضع مع أنثى حمار غالباً ليرضع منها حتى يَعتقد بأنها أُمه. وبعد أن يكبر يُخصى ولا يُجَزُّ صُوفه (للهيبة) وتنمو قرونه فيبدو ضخما ذا هيبة.. وُتعلق حول عنقه الأجراس الطنّانة والرنّانة. فإذا سار المرياع، سار القطيع وراءه مُعتقداً أنه يسير خلف زعيمه البطل ... لكن المرياع ذو الهيبة المَغشوشة لا يسير إلا إذا سار الحمار ولا يتجاوزه أبدا....
الأغنام خلف قائدها وقائدها خلف الحمار...
وحديثنا قياس

 

 

 

Haut du formulaire

 

 

mercredi 15 janvier 2025

ما هَلَكَنَا في تونس إلا النضال الإيديولوجي ! فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، صياغة مواطن العالَم

 


L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas.

أعني به النضال الإيديولوجي بجميع تمظهراته، الدستورية والنقابية والقومية واليسارية والإسلام السياسي. كلها لم تأتِ لنا بحلولٍ لمشاكلنا بل زادتها تعقيدًا وحوّلت كل مشكلةٍ عندنا (مشكل له حل) إلى معضلةٍ (مشكل لا حل له في المستقبل القريب)، وعوض أن ننظر مباشرة في واقعنا نظرنا إلى ما تقوله الإيديولوجيات المستوردة في واقعنا.

كل الإيديولوجيات وفدتْ علينا من الخارج: الدستورية والقومية والنقابية من العالم الحر (أوروبا وأمريكا)، والشيوعية من الاتحاد السوفياتي، والإخوانية من مصر والوهابية من السعودية.  كلها وافدة ومنبتّة في بلادنا وغير متجذّرة في ترابنا. كنا مجتمعًا متناسقًا فشتتتنا الإيديولوجيات شِيعًا وأحزابًا وفرّقت بين الأخ وأخيه وبين الابن وأبيه.

1.   "النضال" الدستوري قسّم البلاد في فجر استقلالها إلى بورڤيبيين ويوسفيين، وقامت بينهم حربٌ أهليةٌ انتصر فيها الأقربُ لأطروحات فرنسا الاستعمارية لا الثورية.

2.   "النضال" النقابي انتشر في غير موضعه الطبيعي، أي في القطاع العمومي عوض القطاع الخاص مَهْدُ نشأته وسِرُّ نجاعته. حسب رأيي المعادي لـ"النضال" يجب مَنْع الإضراب في القطاع العمومي لأن كل يوم انقطاع عن العمل يدفع ثمنه دافعو الضرائب لا الرأسماليين.

3.   "النضال" القومي جزّءنا أكثر ممّا وحّدنا وجلب لنا الهزيمة تلو الهزيمة، 48، 56، 67، 73، 2003 والقادم أشوم.

4.   "النضال" اليساري، صراعُ طبقات أردنا تطبيقه في بلدٍ لم تتكون فيه الطبقاتُ بعدُ لأن الطبقة يحددها ضمير الطبقة وليس المستوى المادي للطبقة (La classe est déterminée par sa conscience).

5.   "النضال" الإسلامي السياسي أرجعنا إلى ما كان سائدًا قبل الإسلام، حروبٌ وصراعاتٌ مذهبية دون قضية.

 

خاتمة: هذا وصفٌ وليس تحليلا، نتيجةٌ كارثيةٌ لا أجد لها تفسيرًا ولا تبريرًا. خللٌ في المناعة أصاب الجسم العربي (Une maladie auto-immune)، مرضٌ عُضالٌ لا علاجَ له لأن مضاداتنا الحيوية (Les anticorps) أصبحت لا تُفرّق بين الأخ والعدو (Le soi et le non-soi) بل تقضي على الأول قبل الثاني. ضعُفت مناعتُنا الداخلية حتى أصبح كيانُنا عُرضةً للأمراض الانتهازية (Les maladies opportunistes) وأصبحت أوطانُنا مستباحةً من قِبل الأعداء الضعفاء قبل الأقوياء. علينا إذن تحطيم الإيديولوجيات وبناء الكفاءات. فهل يقدر على هذا "مناضلونا" (Les militants et les activistes de tous bords) ؟ والله أشك ! مناضلونا الأشاوس لا يجدون وقتًا كافيًا للتفكير ويا ليتهم يُنجزون، همهم الوحيد يتمثلُ في الوصول إلى السلطة حتى ولو كانت بمرتبة وكيل للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

 

قرار افتراضي صادِر عن شخصٍ صفرٍ على الشمالِ في بطاقة النضالِ: لو كنتُ في السلطة -ولن أكون فلا تفزعوا أيها "المناضلون"- لَمنعتُ كل "المناضلين" بجميع تلويناتهم الإيديولوجية من تولِّي المناصب العليا في الدولة، وعوض أن أصرفَ لهم تعويضًا، سوف أحاسبهم على الفُرَصِ التاريخية التي فوّتوها علينا للحاق بِرَكْبِ الدول المتقدمة وأفضَلُها عندي اليوم هي الدول الأسكندنافية الأقل إيديولوجية !

 

ملاحظة ديونتولوجية: رجاءً هاجموا الفكرة ولا تشتموا ناقلَ الفكرة أو صاحبَها فهو وحيدُ زمانه، هو جليسي اليومي المفضل في مقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية، طاولة الثقافة التي تتحطم فوقها الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات

Espace culturel de la déconstruction des idéologies, toutes les idéologies.

 

إمضائي

"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي" (مواطن العالَم)

وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 2 أوت 2017.

Haut du formulaire

 

 

 

التسيُّبُ السائدُ اليوم بين المواطنين العرب المسلمين أنفسهم وفي بلدانهم، فيه نَفْيٌ ضِمْنِيٌّ لِوجود الله لو كانوا يفقهون ! فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، صياغة وتأثيث مواطن العالَم

 


 (Le micro-pouvoir foucaldien)

نتذمّرُ من ازدراءِ الغربيين لِديننا، ونحن المواطنون العرب المسلمون المعاصرون نلعنُ دينَنا في اليوم مليون مرة، نلعنه بأفعالِنا السيئة و"باردوكسولُّمُون" (Paradoxalement) نمجّده في صَلَواتِنا. تَفضحُنا سلوكاتِنا ولن تُفلِحَ أوهامُنا في سَتْرِ عُيوبِنا.

أن تَنفِي الآخرَ وتُقصيه وتتجاهله، يعني أنك نَفَيْتَ الله في الآخرَ (الإنسان عمومًا دون تمييز من أي نوعٍ). قال الله تعالَى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ولم يقل "إن أكرمكم عند الله مسلِمكم". خَلَقَنَا مختلفين لِحِكمةٍ نقبلها حتى ولو كنا نجهلها. الله سبحانه غنيٌّ عن صلاتِكَ أيها المسلم، وعن صيامِكَ وقِيامِكَ، وعن عِباداتِكَ جملةً وتفصيلا. الله مُجرّدٌ حيٌّ قَيُّومٌ، عالٍ متعالٍ، مستقلٌّ بذاته عن جميع مخلوقاته ولا يحتاجُ لإثباتٍ من أحدٍ. أما أخوكَ الإنسان فهو في أشد الحاجةً إليك، بل لا يستطيعُ العيشَ بدونك وبدون اعترافك به كآخر، وإن كفرتَ به فقد كفرتَ بالله الذي خلقه كما يشاء هو سبحانه لا كما تشاء أنتَ أيها الغِرّ المعتدّ بنفسه، فاتقُوا الله في خلقِه تفوزون بالدنيا وقد تفوزون بالآخرة أيضًا.

 

في مقهى البلميرا سُئِلَ فيلسوف حمام الشط: ما الفضيلةُ (La Vertu) يا سي الحبيب ؟ أخذ نَفَسًا كبيرًا وكأنه يُهيِّئ نَفْسَه للغوصِ في الأعماقْ ثم أجابَ قائلاً : الفضيلةُ هي عادةُ ممارسةِ الفضيلةِ (L`apprentissage habituel de la Vertu ) في الواجب وخارج الواجب، في البيت والشارع، في الوطن وخارج الوطن، مع المسلم وغير المسلم، مع الصغار والكبار، مع الرجل والمرأة، مع البشر والشجر والحجر، مع المريض والسليم، مع الحاضر والغائب، إلخ. الفضيلةُ ليست فِعلٌ أو قولُ يُكتَفَى به أو يُحتذَى به في المناسبات والمواسم. الفضيلةُ ليست صدقةً من حين لآخر أو شفقةً في المصائب أو فَطرةً نوزعها في العيد الصغيرِ أو تبرّعًا لبناء جامِعٍ أو خمسَ صلواتٍ نقيمها في اليوم دون خُنوعٍ لله أو خشوعٍ، أو صيام شهرٍ في السنة، شهرٌ تكون فيه البطنُ خاويةٌ أما التقوى فغائبةٌ. قال الله تعالَى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، اعملوا لا تعنِي (Travailler comme enseignant ou ingénieur ou autre) ولا تعني الاكتفاءَ بأداءِ الفرائض، بل تعنِي عملَ الخيرِ.

 

وما الخيرُ يا سي لَحْبِيبْ ؟

الخيرُ هو العملُ التطوعِيُّ النزيهُ المجرّدُ من كل غرضٍ دنيويٍّ أو أخرويٍّ (Une occupation complètement désintéressée) دون انتظارِ جزاءٍ أو شكورٍ من أحدٍ ودون طمعٍ في جنةٍ أو خوفٍ من نارٍ، خاصةً وأن المخدومَ عادةً (الإنسان المحتاج لأخيه الإنسان ماديًّا أو معنويًّا) لا يملك شيئًا يُقدمه للخادِمِ سوى رضاءَ الخادم على نفسه وهذا أعز ما يطمح إليه الإنسانُ التقيُّ مهما كانت عقيدته، توحيدًا أو إلحادًا. أأنتَ خلقتَه أم الله ؟

 

حبيب يُغني وجناحُه يرد عليه والغِناء عند حبيب فلسفةٌ والفلسفة عنده حوارٌ أو لا تكون. ومن يا تُرَى يكون جناحُه بحمام الشط ؟ جناحُه هو مَن نشرَ على لسانه (حبيب) قرابة العشرين مقالاً.

تدخلتُ في النقاشِ شارِحًا مستشهِدًا بأمثلة تُؤيد حبيب لأن من عادة الفلاسفة أنهم لا يحبِّذون سَجنَ فكرتهم في مثالٍ حرصًا على عدم اختزالها، اختزالٌ قد يشوهها دون قصدٍ (Les exemples sont souvent réducteurs)، وقلتُ: انظرْ للغربيين كيف يحترمون القانون الوضعِي (العقل) والقانون عندهم مفهوم  عالٍ متعالٍ كالإله عند التوحيديين مع الإشارة أنني كمسلم أنزّهُ الله عن كل تشبيه. بعض الغربيين يكرهونك كمسلمٍ دخيلٍ مهاجرٍ، لكن لم يمنعهم حقدهم الموروث اجتماعيًّا هذا من أن يطبّقوا عليك القانون مثلما يطبّقونه على أبناء جلدتهم، أي أنهم أناسٌ قادرون على جهاد أنفسهم وكبح جماح عواطفهم وكتمِ عنصريتهم وكبتِ غرائزهم الفطرية والمكتسبة (Les réflexes innés et conditionnels)، وفي الوقت نفسه يُبدون الجيدَ من عواطفهم، بشاشةٌ في الوجه، حُسنُ الاستقبالِ، رحابةُ الصدرِ وسرعةُ قضاءِ الحاجةِ.. لا يعني هذا أنهم بلا تقوى ولا روحانيات كما يذهب في ظن الأكثرية من المسلمين المتكبرين بدينهم، ومن المؤسف أن أقول إنهم وحتى في هذا الميدان هم أكثر منا حنانًا على بعضهم البعض.

 

ومَن يا تُرى أمِرَ بمجاهدةِ النفسِ ؟ هم المسلمون نحن وسميناه جهادًا أكبرَا. جهادُ النفسِ الأمّارةِ بالسوءِ وما أكثرَ السوءَ في مجتمعاتنا ! والمفروض أن خِشية الله عندنا تكون أعلَى من خِشية القانون. فهل إذا الفرعُ (خِشية القانون الوضعي الزجري) بعد الثورة ذهبَ، ذهبَ معه الأصلُ أيضًا (خِشية الله) ؟

نحن فعلنا عكس ما فعله الغربيون : فعِوض أن نُلجِم عُدوانِيتَنا المكتسبة اجتماعيًّا، أطلقناها دون لٍجامٍ كالكلب المسعور تنهش أعراضَنا وتستبيح مقدساتِنا وتُتلِف قيمَنا السَّمحة بأسلحة من صنعهم ولكن للأسفِ الشديدِ استعملناها نحن بعقولِنا الجامدةِ وأيدينا الآثمةِ، ولم يسلم من إيذاء عُدوانِيتِنا، لا العدوَّ ولا الصديقَ، ووصل شر عُدوانِيتِنا إلى مجال القطاع الخاص والعام و"نجحنا" في تلويثِ حِسنا العام وذوقنا السليم ونشرنا القبحَ مكان الجمال.

 

خاتمة:

نحنُ أمّةٌ رُحِمنا بكثرةِ الصلاةِ وطولِ الصيامِ وابتُلِينا بالكسلِ وعدم إتقان العملِ !

دستورنا لم ينهنا، قانوننا لم ينهنا، تقاليدنا لم تنهنا، صلاتُنا لم تنهنا، صيامُنا لم ينهنا، قرآنُنا لم ينهنا، سُنة رسولِنا لم تنهنا، فمَن يا تُرى سينهنا أو يُمحينا عن بكرة أبينا !

سأل برنار بيفو (منشط سابق في برنامج "أبوستروف" في قناة أنتان 2) مرةً الفيلسوف بول ريكار: "لماذا تصلحُ الفلسفة ؟". أجابه ساخِرًا: "لا تصلحُ لشيء أو بالأحرى تصلحُ لشيء قريبٍ من اللاشيء (Le Presque-rien) ولكن يبدو أن هذا الشيء القريبٍ من اللاشيء هو كل شيء".

تصبحون إن شاء الله على شيء قريبٍ من اللاشيء...

 

إمضائي

"فلتكن لديك الشجاعة والجرأة للمعرفة.. و.. اجرؤ على استخدام فهمك الخاص" كانط

"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 4 أكتوبر 2017.