ملاحظة ديونتولوجية: للأمانة العلمية، لستُ مختصًّا في اللسانيات ولا في السيميولوجيا ولا أستاذ ثانوي لغة عربية، أنا أنقل وأجتهدُ فقط وأجري على الله فلا مُجِيرَ لي غيرُه.
قال جان جاك روسّو (1712-1778)، الفيلسوف البارادوكسال والمواطن الجنيفي، فرنسي القلم واللسان، أب ومؤسس البيداغوجيا الحديثة (للمقارنة والتذكير فقط: ماريا مونتيسوري-1870-1952، أمّ ومؤسِّسة البيداغوجيا العلمية أي البيداغوجيا المعاصرة)، قال روسّو: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". لوموند ديبلوماتيك تضيف: "اللغة المُشَكَّلَة (la langue façonnée) تَصلح في المقابل للمحافظة أو تحنيط المجتمع في الهيكل (la structure) أو القالب الذي أنتجها هي نفسها، واللغة ترتبط بالمجتمع في علاقة جدلية متواصلة (dialectique ou interaction permanente)".
تعليق مواطن العالَم:
يبدو لي أن مجتمعَنا التونسي يتعامل مع نسختين للّغة العربية، واحدة فصحى والثانية دارجة، يستعمل الأولى في المجالات الرسمية والفضاءات الدينية (الجامع، التعليم، الإدارة، الأدب، الشعر، التلفزة، إلخ.، أي لغة النخبة المثقفة فقط)، ويستعمل الثانية في المجالات غير الرسمية (الفيسبوك، الشارع، المقهى، البيت، الحب، السينما، المسرح، إلخ.، أي لغة الشعب والنخبة المثقفة أيضًا تستعملها يوميًّا خارج اهتماماتها المهنية: مثلا، الأستاذ الجامعي، يحب بالدارجة، يغضب بالدارجة، في المقهى يتكلم بالدارجة، إلخ).
إذا أردنا إذن تغييرَ مجتمعِنا، فهل نستطيعُ تغييرَه دون تغييرِ لغتِنا ؟
يبدو لي أنه من الصعب أن نغيّر النسخة الأصلية أي الفصحى.
لماذا ؟
لأنها تحفةٌ فنيةٌ مُحْكَمَةُ الصُّنْعِ والجمالِ والبهاءِ (لغة القرآن).
بارادوكسالّومان: ولأنها تحفةٌ فنيةٌ محكمة الصنع لذلك بالأساس يصعب تغييرها دون تشويهها (en français, on dit qu’elle est victime de son succès d’antan, au moyen-âge ). لغةٌ تقريبًا أحفوريةٌ (une langue presque fossile)، لغةٌ لا تصلح إلا لأن نضعها في المتحف كما وضع الأوروبيون اللغة الإغريقية واللغة اللاتينية، جذور الفرنسية المعاصرة (على فكرة: اللغة الفرنسية الفصحى الحالية كانت لغةً دارجةً تقريبًا قبل القرن 16م).
هل ظلمتُها، اللغة العربية الفصحى ؟
لا أظن أنني فعلتُ !
ماذا تُسمِّي لغةً لا يتقنُها أغلبية أهلها ؟ (مَن يُصرّ على التحدّث في المقهى بالفصحى، يصبح كاراكوزا ومحل سخرية العامة الخاصة).
قال فيها الجابري أكثر مما قال مالك في الخمر: بمعنى أنها أحاطت نفسَها بقوقعة كلسية-طينية غير نفوذة (imperméable)، وغير مستعدة للتفاعل مع حاجيات المجتمع العربي المعاصر بديمقراطيته وعلومه واكتشافاته التكنولوجيته الغزيرة والمعقدة.
لم تفعل ما فعلته اللغة الفرنسية مثلاً أي لم تستطع أن "تتشكّل حسب حاجيات المجتمع" كما عرّف اللغة روسّو (Michel Serres, ancien membre de l’académie française, a dit : nous avons ajouté au dictionnaire de l’académie française 35 mille mots nouveaux entre la précédente version -vers 1930- et la dernière version d’aujourd’hui).
اعتذارٌ موجَّهٌ إلى زملائي أساتذة اللغة العربية الأجلاء وأخص بِالودِّ منهم ليلى حاج عمر ولسعد النجار ورفيق الطبوبي وعفيف ساسي، المستشارين اللغويين المتطوّعين الذين أشكرهم وأعتمد عليهم في تجويد لغتي في الفيسبوك: أرجو أن لا تفهموا من كلامي النقدي هذا أنني عدوٌّ للفصحى أو داعٍ لخلعها وتنصيب الدارجة مكانها، والدليل أنني بها تعلمت وبها أكتب 99% مما أنشر على الفيسبوك. ويكفي أنها لغة القرآن ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا أعاديها ! لغة الوحدة العربية ولغة المتنبي ونزار والمسعدي وعبد الوهاب وفيروز وأم كلثوم والحلاج وابن عربي.
أما الدارجة فهي لغتُنا الحية بامتياز، وصفٌ واقعيٌّ وليس انحيازًا فكريًّا. الدارجة ينطبق عليها ما لا ينطبق على الفصحى، ينطبق عليها تعريف روسّو للغة عمومًا: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". هي لغتنا في معيشنا ولا لغة لنا غيرها أما الفصحى فكأن بها حياءْ، لا نلقاها إلا في الكتبِ وعلى لسان الأدباءِ والشعراءْ !
خاتمة: أحترمُ عدم تخصصي في اللغة وأسكت عن الكلام المباح حتى لا أتمادى في الخطأ في صورة ما إذا كان كل كلامي خطأ لا يحتمل ولو نزرًا قليلاً من الصواب !
Source: Le Monde diplomatique, août 2020
قال جان جاك روسّو (1712-1778)، الفيلسوف البارادوكسال والمواطن الجنيفي، فرنسي القلم واللسان، أب ومؤسس البيداغوجيا الحديثة (للمقارنة والتذكير فقط: ماريا مونتيسوري-1870-1952، أمّ ومؤسِّسة البيداغوجيا العلمية أي البيداغوجيا المعاصرة)، قال روسّو: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". لوموند ديبلوماتيك تضيف: "اللغة المُشَكَّلَة (la langue façonnée) تَصلح في المقابل للمحافظة أو تحنيط المجتمع في الهيكل (la structure) أو القالب الذي أنتجها هي نفسها، واللغة ترتبط بالمجتمع في علاقة جدلية متواصلة (dialectique ou interaction permanente)".
تعليق مواطن العالَم:
يبدو لي أن مجتمعَنا التونسي يتعامل مع نسختين للّغة العربية، واحدة فصحى والثانية دارجة، يستعمل الأولى في المجالات الرسمية والفضاءات الدينية (الجامع، التعليم، الإدارة، الأدب، الشعر، التلفزة، إلخ.، أي لغة النخبة المثقفة فقط)، ويستعمل الثانية في المجالات غير الرسمية (الفيسبوك، الشارع، المقهى، البيت، الحب، السينما، المسرح، إلخ.، أي لغة الشعب والنخبة المثقفة أيضًا تستعملها يوميًّا خارج اهتماماتها المهنية: مثلا، الأستاذ الجامعي، يحب بالدارجة، يغضب بالدارجة، في المقهى يتكلم بالدارجة، إلخ).
إذا أردنا إذن تغييرَ مجتمعِنا، فهل نستطيعُ تغييرَه دون تغييرِ لغتِنا ؟
يبدو لي أنه من الصعب أن نغيّر النسخة الأصلية أي الفصحى.
لماذا ؟
لأنها تحفةٌ فنيةٌ مُحْكَمَةُ الصُّنْعِ والجمالِ والبهاءِ (لغة القرآن).
بارادوكسالّومان: ولأنها تحفةٌ فنيةٌ محكمة الصنع لذلك بالأساس يصعب تغييرها دون تشويهها (en français, on dit qu’elle est victime de son succès d’antan, au moyen-âge ). لغةٌ تقريبًا أحفوريةٌ (une langue presque fossile)، لغةٌ لا تصلح إلا لأن نضعها في المتحف كما وضع الأوروبيون اللغة الإغريقية واللغة اللاتينية، جذور الفرنسية المعاصرة (على فكرة: اللغة الفرنسية الفصحى الحالية كانت لغةً دارجةً تقريبًا قبل القرن 16م).
هل ظلمتُها، اللغة العربية الفصحى ؟
لا أظن أنني فعلتُ !
ماذا تُسمِّي لغةً لا يتقنُها أغلبية أهلها ؟ (مَن يُصرّ على التحدّث في المقهى بالفصحى، يصبح كاراكوزا ومحل سخرية العامة الخاصة).
قال فيها الجابري أكثر مما قال مالك في الخمر: بمعنى أنها أحاطت نفسَها بقوقعة كلسية-طينية غير نفوذة (imperméable)، وغير مستعدة للتفاعل مع حاجيات المجتمع العربي المعاصر بديمقراطيته وعلومه واكتشافاته التكنولوجيته الغزيرة والمعقدة.
لم تفعل ما فعلته اللغة الفرنسية مثلاً أي لم تستطع أن "تتشكّل حسب حاجيات المجتمع" كما عرّف اللغة روسّو (Michel Serres, ancien membre de l’académie française, a dit : nous avons ajouté au dictionnaire de l’académie française 35 mille mots nouveaux entre la précédente version -vers 1930- et la dernière version d’aujourd’hui).
اعتذارٌ موجَّهٌ إلى زملائي أساتذة اللغة العربية الأجلاء وأخص بِالودِّ منهم ليلى حاج عمر ولسعد النجار ورفيق الطبوبي وعفيف ساسي، المستشارين اللغويين المتطوّعين الذين أشكرهم وأعتمد عليهم في تجويد لغتي في الفيسبوك: أرجو أن لا تفهموا من كلامي النقدي هذا أنني عدوٌّ للفصحى أو داعٍ لخلعها وتنصيب الدارجة مكانها، والدليل أنني بها تعلمت وبها أكتب 99% مما أنشر على الفيسبوك. ويكفي أنها لغة القرآن ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا أعاديها ! لغة الوحدة العربية ولغة المتنبي ونزار والمسعدي وعبد الوهاب وفيروز وأم كلثوم والحلاج وابن عربي.
أما الدارجة فهي لغتُنا الحية بامتياز، وصفٌ واقعيٌّ وليس انحيازًا فكريًّا. الدارجة ينطبق عليها ما لا ينطبق على الفصحى، ينطبق عليها تعريف روسّو للغة عمومًا: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". هي لغتنا في معيشنا ولا لغة لنا غيرها أما الفصحى فكأن بها حياءْ، لا نلقاها إلا في الكتبِ وعلى لسان الأدباءِ والشعراءْ !
خاتمة: أحترمُ عدم تخصصي في اللغة وأسكت عن الكلام المباح حتى لا أتمادى في الخطأ في صورة ما إذا كان كل كلامي خطأ لا يحتمل ولو نزرًا قليلاً من الصواب !
Source: Le Monde diplomatique, août 2020
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire