حِفظ
الأمانة: قيمة أخلاقية تونسية أمازيغية
عربية إسلامية كونية، كانت وما زالت متأصّلة في أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا في
جمنة، تذكّرتها في هذا الزمن التونسي "الثوري"، الانتقالي إن شاء الله !
حدثت
هذه القصة الواقعية القصيرة بجمنة (ولاية ڤبلي، جمهورية تونس) في أربعينات القرن
العشرين.
في
أحد الأيام فقدت أمي يامنة أحد قرطيها الذهبيّين وهي راجعة من عرس (لا أتذكر
بالضبط، المهم قطعة ذهبية، "بَدْلَة" أو "شِرْكة" باللهجة
الجمنية). خَشِيَتْ غضب أبي (سي السيد بالمعنى المصري للكلمة) ولم تطلب من منادِ
القرية (البَرَّاحْ باللهجة الجمنية) ما يُطلب منه في مثل هذه المناسبات، يعني أن
يجول في الشوارع ويعلن و يفشي الخبرْ حتى يعثر على الأثرْ.
وَجَدَ
القرط الضائع أحد المواطنين الجمنين (الساسي بن صالح بن بوبكر مقداد حسب ذاكرة أختي
فاطمة)، وهو عامل مهاجر بفرنسا جاء يقضي عطلته السنوية بمسقط رأسه جمنة. أخذ القرط
واحتفظ به في منزله حتى تظهر صاحبته، انتظر شهر العطلة ولم يناد مناد القرية على
شيء ضائع كالعادة. رجع إلى فرنسا.
مرّ
عام على الحادثة وصاحبنا محتفظ بالأمانة لصاحبة الأمانة. وفي أحد أمسيات عمّالنا
بالخارج، روى في فرنسا ما حدث له في جمنة. سمعه صدفة أحد جيراننا فأخبره أن صاحبة
الأمانة موجودة لكنها كتمت خبر ضياع قرطها خوفا من بطش زوجها. وعند عودة بطل قصتنا
إلى القرية بعد عام غربة، سلّم الأمانة سرّا إلى أمي عن طريق زوجته.
ملاحظة:
برّاحُنا في جمنة اسمه
مْحِمَّدْ بن رُمضان وأحيانا يعوّضه الساسي بن حْمِدْ. مُنادينا المرحوم بن رمضان يا
سادة يا كرام كان فنانا موسيقارا. الموسيقار هو مَن ينتج أو يؤدي موسيقى. ومَن مِن
الجمنين في عهده لم يطربه عزفه على مزماره السحري
(الغَيّاطَة باللهجة الجمنية). شخصيا أطربتني موسيقاه في طفولتي كما
أطربتني في شبابي موسيقى بتهوفن في أغاني فيروز.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire