نحنُ رجالُ التعليم ونساؤه المعارضون لسياسة الانتقاء في التعليم العمومي (la sélection selon le mérite scientifique appelée sélection républicaine)، وأخص بالذكر منهم اليساريين الذين عرفتهم. كُنّا في السبعينيات من القرن الماضي نطالب بإلغاء الانتقاء ودَمَقرطة التعليم من أجلِ مَنحِ فرصة أكبر في النجاح لأبناء الأغلبية، أي أبناء الفقراء من طبقة العمال والفلاحين الصغار الذين يمثلون 99 % من سكان العالم.
اليوم وأنا
متقاعد وعيتُ متأخرًا أننا لم نكن على صوابٍ تام كما كنا نعتقد في شبابنا. اليوم،
هبّت على العالم وعلينا رياحُ الديمقراطية الليبرالية المنحازة إلى طبقة الأغنياء
الذين يمثلون 1 % من سكان العالم وحلّت بين ظهرانينَا المدرسة الليبرالية (L`école libérale de Ben Ali et de la Révolution) فعوّضت المدرسة الجمهورية (L`école républicaine de Bourguiba).
في المدرسة
الجمهورية، صحيحٌ كان يسود الانتقاء الليبرالي وليس الجمهوري (La
sélection libérale a remplacé la sélection selon le mérite scientifique appelée
sélection républicaine)، لكنه انتقاءٌ حسب
الاستحقاق العلمي وليس الطبقي. في المدرسة الليبرالية المعممة، يسود اليوم انتقاءٌ
من نوعٍ آخرَ، انتقاءٌ مغلّفٌ بدمقرطة مزيفة: أهمِلت المدرسة العمومية وهُمشت
لغاية في نفس رجال الأعمال الجشعين. هذه الغاية غير النبيلة تتمثل في تقوِية
التعليم الخاص الليبرالي وإبرازِه في دورِ المنقذِ من تَدهورِ التعليم العمومي
وتدحرُجِه: يُقال أن في مفتتح هذه السنة الدراسية 2016-2017 التحق بمؤسسات التعليم
الخاص حوالي 25 ألف تلميذ جديد. النجاحُ في الجامعة والتشغيلُ بعد التخرجِ أصبحا في
الغالب مُحتكرَين من قِبل أولاد أصحابِ النفوذ والمال، وأصبح المدرّسُ عُرضة
للرشوة عن طريق دروسٍ خصوصيةٍ باهظة الثمن ونسبية النجاعة. تعطّلَ الارتقاءُ
الاجتماعي (L`ascension sociale) حسب الاجتهاد في الدراسة
وفُسِح المجال واسعًا أمام المحسوبية والفساد المادي والأخلاقي وفقدت المدرسة بريق
السبعينيات وانطفأ أمل الارتقاء في عيون التلامذة الفقراء ونقصت لديهم الدوافع (La motivation).
يبقى دومًا لكل
قاعدةٍ استثناءٌ، والاستثناء يتمثل في التعليم المجاني رفيع المستوى في فنلندا وفي
القليلِ مِن الدول الاشتراكية أو الرأسمالية (فنلندا،
ألمانيا، سنغفورة، بريطانيا، كوريا الجنوبية، الصين، المجر، الشيلي، كوبا، تركيا)،
حيث يغيبُ
التعليم الخاص أو يكاد ويُثمّن التعليم العمومي أفضلَ تثمينٍ وحيث
توصّلوا بنجاح إلى الجَمعِ والتوفيقِ بين محاسن الانتقاء العلمي ومحاسن دمقرطة
التعليم، لذلك لم ينزل المستوى العلمي للتعليم وفي نفس الوقت ارتفع عدد المستفيدين
منه على اختلاف انتماءاتهم الطبقية.
إمضائي
"وإذا كانت
كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر
على النت: حمام الشط، الاثنين 6 ديسمبر 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire