1.
يبدو لي أن الأستاذ الذي
يتباهَى بتلامذته المتفوقين الذين تخرّجوا أطباءً ومهندسينَ هو أستاذٌ قد أخطأ
مرتين: المرة الأولى، أخطأ في حق نفسه لأنه نسي أن فَشَلَ التلامذة غير المتفوقين
-وهم عادة أكثر- سوف يُنسَبُ إليه أيضا. المرة الثانية، أخطأ في حق هؤلاء المتفوّقين
لأنه نَسَبَ نجاحَهم إليه، أي تباهَى بإنجاز ليس هو مَن صَنَعَه على الأقل جزئيا.
2.
يبدو لي أن هذا الأستاذ
الشاكِر نفسه قد ظلَمَ تلامذته غير المتفوّقين -ربّما عن حسن نية- مرتين أيضا:
المرة الأولى، ظلمَهم لأنه لم يصنع منهم متفوّقين خاصة وهو يحاول أن يوهِم
السامعين بقدرته العجيبة على صُنعِ العباقرة. المرة الثانية، يبدو أنه ظلَمَهم
لأنه قد يكون ميّز عنهم خلال دراستِهم ودون وجه حق زملاءَهم المتفوّقين.
3.
يبدو لي أن هذا الأستاذ
قد انحاز حيث يدعي أنه عَدَلَ لأنه بذلَ جهدًا في غير محله: قدّم مساعدةً لمَن
ليسوا في حاجة إلى مساعدته من المتفوّقين (جلهم أولاد أغنياء أو أولاد متوسطي
الحال يتلقون دروسًا خصوصيةً خارج المعهد) وكان الأجدَرَ به أن يقدّم هذه المساعدة
لمَن هم في حاجة ماسّة وأكيدة إليها، أعنِي بهم الأكثرية غير المتفوّقة التي
تتعرّض إلى صعوبات تعلّمية والتي لا تنتظر مساعدة إلا منه هو فقط ولا أحدٌ لها غيره (عادة ما يكونوا مِن أبناء الفقراء
والمحتاجين الذين لا يقدرون على دفع ثمن باهظٍ مقابل الدروس الخصوصية).
4.
يحاول هذا الأستاذ أن
ينفي عن نفسه تهمة التمييز بين التلامذة ويدّعي أنه أعدَلُ من الفاروق ويقول أنه يقدّم درسًا موحدًا إلى كل تلامذته دون تمييز. رُب عذر أقبح من ذنب: يجب على
الأستاذ العادل أن لا يقدّم درسًا موحدًا لكل تلامذته بل يقدم لكل تلميذ حسب قدرته
واستعداداته، أي يطبق "البيداغوجيا الفارقية" ويميز إيجابيًّا التلامذة الذين
يتعرضون إلى صعوبات في التعلم، لأن تلامذة القسم الواحد عادة ما يكونوا تلامذة مختلفي
القدرات الذهنية نتيجة اختلاف موروثهم الجيني وحالتهم المادية والاجتماعية
والثقافية.
5. يبدو لي أن هذا الأستاذ غيرَ مؤمِنِ أو غيرَ مطّلِعِ
على مزايا المدرسة البنائية التي تقول أن
ذكاء التلامذة لا يُرَتّبُ وأن الذكاءَ
الخفيَّ المحتملَ لا يَراهُ إلا الأساتذة المستنيرين بعلوم التربية وهم للأسف
الشديد قلة قليلة جدا.
L`école constructiviste
de Piaget, Vygotsky et les néopiagetiens : l`élève construit son savoir
lui-même avec l`aide de son prof et ses pairs.
Albert Jacquard: On ne
peut pas catégoriser l`intelligence.
La ZPD de Vygotsky:
Zone Proximale de Développement mental de l`élève.
هذا الأستاذ المغترّ
بنفسه والذي يمشي على الأرض مرحًا، هذا الأستاذ الراضِي عن نفسه رضاءُ الجاهل الذي
لا يعي أنه جاهلٌ، هذا الكائن الغريب العجيب لا زال يطبق التعاليمَ الباليةَ
للمدرسة السلوكية التي تعتبر التلميذَ
عجينةً مرنةً نشكّلها كما نشاءُ أو إناءً فارغًا نملؤه بما نريدُ أو فأرَ تجارِبٍ،
نرسمُ له مسبقًا مدخلَ المتاهة ومَخرجَها.
L`école béhavioriste de
Watson et Skinner: on donne à l`élève une question, on attend de lui une
réponse, on ne cherche pas plus loin.
6. يبدو لي أن هذا الأستاذ المسكين، الذي يشعر بالتفوق لمجرّد تفوق تلامذته ولا
يشعر بالفشل لفشل تلامذته، يجهل أن التفوقَ ليس من عنده والفشلَ أيضا ليس من عنده.
التفوقُ والفشلُ يا سِيدِي هما انبثاق (Émergence) ينتج عن تفاعلٍ معقّدٍ ومستمرٍّ (Interaction complexe et permanente) بين قدرات التلميذ الذهنية الوراثية (Son patrimoine génétique)
وقدراته المكتسبة (Ses acquis et ses mérites) من المحيط التربوي (البرنامج، وسائل التعلم، البنية
التحتية للمدرسة، الحالة المادية والاجتماعية والثقافية لعائلة التلميذ نفسه، إلخ.
وما الأستاذ إلا حلقة من هذه الحلقات المترابطة والمتشابكة، حلقة مهمة، أكيد،
لكنها ليست محدِّدَة لوحدها).
خاتمة:
يبدو لي أن الأستاذَ المثاليَّ هو أستاذٌ مُطالَبٌ بالزرعِ دون انتظار الحَصَدِ. عليه
أن يكون زارِعًا لا حاصِدًا. هو مطالبٌ بالعطاءِ دون انتظار الجزاءِ. هو لا يدري
أنه يملك كنزًا لا يفنَى، كنزٌ فريدٌ من نوعه، كنزٌ يزيدُ كلما زاد العطاءُ منه،
كنزٌ اسمه العِلمُ. هنيئًا له وطُوبَى له، فاز في الدنيا وفي الآخرة. فهو في عالم
المُثُلِ يُعدُّ من أغنى الأغنياء وأشرفُ العطّائينَ جميعًا من حاتم الطائي إلى
بيل ڤاتس !
إمضائي:
على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا
بالعنف اللفظي.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 4
جوان 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire