الفيلسوف أدورنو قال:
"التفكير النقدي لا يتمثل في المحافظة على الماضي بل يتمثل في تحقيق آمال
الماضي وأحلامه".
وعلى منواله أنسُجُ: التفكير
الإسلامي النقدي لا يتمثل في إحياء ماضي السلف الصالح على أهميته بل يتمثل في
تحقيق ما ينتظره رسولُنا منا: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
أفهم الحديثَ كالآتي: أخي اليوم ليس هو أخي في الأمس فقط، أخي اليوم هو اليساري والقومي
والليبرالي، هو المسيحي واليهودي والبهائي والبوذي والهندوسي وحتى اللاأدري
والملحد، أخي في الإنسانية، والإنسانية أرحب من الأديان والإيديولوجيات والأعراق
والقوميات، أخي هو ماهية الإنسان. ولكي نحقق ما ينتظره رسولنا منا، يجب علينا أن
نغذّي هذا "الأمل النبوي" الذي أناطه الرسول أمانة بأعناقنا وأودعه في
عهدتنا وزرعه فينا، نغذّيه، نرعاه، نسقيه، نحفظه، نصونه وننمّيه.
"أملٌ نبويٌّ" يدفعنا
إلى الإيمان بأن تحقيقَ آمالنا وأحلامنا أمرٌ ممكنٌ وهيّنٌ لو تعلقت هِمَمُنا
بالأمل وبما وراء الأمل (plus qu’un espoir, un méta-espoir). أنا
أعي جيدًا بنبل المهمة وجسامتها في نفس الوقت، وأعي أيضًا أن الجبلَ الذي نروم
صعودَه، جبلٌ مزروعٌ أشواكًا، وحجره حجرٌ مذبّبٌ صوّان، والأقدام تمشي حافية، والضميرُ
تعبان، لكن القلبَ فَتَى ولهانْ من شدة الإيمانْ.
نحن، المسلمون، يجب علينا أن لا
نكتفي بالتغنّي بأمجاد السلف الصالح وإلا كان حالنا كحال مَن "يذرف واقفًا دمعًا
على رَسْمٍ دَرَسْ، ما ضرَّ لو كان جَلَسْ".
يجب علينا أن لا نرضى بحاضرنا الإسلامي المخيّب لطموحاتنا والمخيّب في نفس الوقت
لمدى جدارتنا بثقة رسولنا التي وضعها فينا. ولكي لا نخذل أنفسنا يجب علينا أن نبحث
في أسباب تخلفنا وفي الوسائل المتاحة لنا لتجاوز محنتنا وأزمتنا حتى ننال رضاء
رسولنا علينا فيحق لنا أن نطمعَ في شفاعته يوم القيامة.
واقعُنا، تخلّفُه يكاد يفقأ
أعينَنا. واقعُنا، لا يطلبُ منا عِللاً أو أعذارًا وتبريرات (وهمُ نظرية المؤامرة)،
أوهامٌ نخفّف بواسطتها وقعُ الصدمة علينا. واقعُنا، ينتظر منا وقفةً حازمة وهِمّة
عالية وعزيمة تَهدّ الجبال وتُفتّت الصخرَ وتمهّد لنا الطريق لتحقيق كل غاياتنا
الإنسانية النبيلة، الصغيرة منها والكبيرة، الفردية والجماعية، القومية منها
والأممية، تحقيقها يخدمنا ويخدم في نفس الوقت كل الإنسانية.
أمَلِي في المسلم
وفي الإنسان عمومًا، كبيرٌ جدًّا جدًّا (un méga-espoir):
أيها الإنسان، أنت، وقبل أن
تكون إنسانًا عاقلا مفكّرًا (homo sapiens depuis environ 300 mille ans)، أنت
إنسانٌ حالمٌ (Pour reprendre l’inoubliable
formule d’Ernest Bloch, avant d’être homo sapiens, une créature pensante, l’homme
est une créature espérante) وأخلاقياتك سبقت نظرية وجودك (Emmanuel Levinas entendait la même
chose lorsqu’il soutenait que l’éthique précédait l’ontologie).
خاتمة:
أنهِي مقالي التفاؤلي حول "البيداغوجيا النبوية" بطرح
إشكالية قابلة للإثراء: هل من الممكن أن نحوّل فضاءاتنا المدنية (دُور الثقافة)
وفضاءاتنا الدينية (دُور العبادة) إلى فضاءات نقدٍ وحوار من أجل تقريب وجهات النظر
بين الإخوة الفرقاء، وذلك عبر إقامة جسورِ تفاعلٍ وعبورٍ في الاتجاهَين. عبورٌ بين
ضفتَيْ نهرٍ، أي بين أبناء وطنٍ واحدٍ، ولِمَ لا بين ضفتَيْ بحرٍ، أي بين أبناء
جميع الأوطان وجميع الأديان.
نحن البشر، أمةٌ واحدةٌ، من القطبِ إلى
القطبِ، نُسَخٌ غير متطابقةٍ من ADN واحدٍ، تُغطّينا سماءٌ واحدةٌ ولنا ربٌّ واحدٌ، نعيش
على كوكبٍ واحدٍ، نتقاسم حلوه ومرّه، حاضره ومستقبله، لا شيء مما نفعله أو نفشل في
فعله هو بمعزلٍ عن الآخر، لا أحد منا يستطيع - حتى لو رغب في ذلك - أن يستغني عن
الآخر أو يتجاهله، الآخر حاضرٌ فينا غصبًا عنا، ولا أحد منا أيضًا في مقدوره أن
يتجنب زَبدَ عواصف الآخر أو يهرب من شظايا حروب الآخر حتى ولو وقعت في برٍّ آخر أو
بحرٍ آخر أو جوٍّ آخر.
لم يبقَ أمامنا إذن إلا خيارٌ واحدٌ: "التجديفُ
معًا أو الغرقُ معًا" (Z. B).
Ma source d’inspiration : Zygmunt
Bauman (sociologue-philosophe), La vie liquide, Ed. Fayard/Pluriel, 2016 (je
viens de terminer de le déguster
إمضائي (مواطن
العالَم، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي
الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle
individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر"
(جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours
et non par la violence. Le Monde diplomatique
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 10 نوفمبر 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire