jeudi 7 mars 2013

أنا أكره مؤسسة الجيش بصفة عامة و أكره مؤسسة الجيش التونسي بصفة خاصة. مواطن العالَم د. محمد كشكار



أنا أكره مؤسسة الجيش بصفة عامة و أكره مؤسسة الجيش التونسي بصفة خاصة. مواطن العالَم د. محمد كشكار

الجيش التونسي هو أداة السيطرة العنيفة الثالثة لنظام بورقيبة و بن علي، بعد الشرطة و الجلادين المعذِّبين، لكن قمعه للمواطنين التونسيين لا يُقارَن بقمع جيوش الأسد و صدام و عبد الناصر و القذافي لمواطنيهم. جيشنا مدني حنون مسالم و منعزل في ثكناته لكنه خرج في مناسبتين، 1976 و 1984، قتل منا العشرات أو المئات في الشوارع ليلا و غدرا ثم رجع إلى سباته من جديد و لم يفق إلا يوم اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010  و لم يُحاسب على ما فعل حتى الآن و من المفارقات المضحكات المبكيات أنه يُشكر و يُمجّد أثناء الثورة و بعد الثورة على حياده السلبي القاتل بصفة غير مباشرة و على عدم حمايته المؤسسات الاقتصادية الخاصة و العمومية خلال الانفلات الأمني المبرمج أو المسكوت عنه على ما أظن و الله أعلم

أسوق مقدمة منهجية لما سأقول حول الجيش حتى أنسّب كلامي، لا بمزيد من الرقابة الذاتية تجنبا لمتابعة قضائية قد يبادر بها الجيش ضدي كما فعل مع مَن تجرؤوا عليه في القول و إنما إقرارا موضوعيا بمحدودية معلوماتي حول الجيش التونسي و احتراما للدور المدني الذي يقوم به منذ تأسيسه انطلاقا من "الفلاّڤة" أو المقاومين التونسيين المسلحين ضد الاستعمار الفرنسي، و يا ليته اقتصر على هذا الدور المدني المشرّف و لم ينجرّ وراء ديكتاتورية بورقيبة و يلوّث تاريخه المدني الناصع بمشاركته الفعالة في قمع الانتفاضتين الشعبيتين في تاريخ تونس الحديث، الإضراب العام أو انتفاضة 26 جانفي 1976 و انتفاضة الخبز سنة 1984. و دون مواربة أو تقية، أنا أكره مؤسسة الجيش بصفة عامة و من حسن الحظ أن لا أحد في المقهى يشاركني رأيي المثالي أو المتطرف لأنه قد يكون للجيش التونسي دورا في استقرار الدولة التونسية منذ الاستقلال سنة 1956. لكنني و رغم أقليتي أصرّ على رأيي  و لا أرى لمؤسسة الجيش عموما ضرورة في العصر الحديث و خاصة في القرن الواحد و العشرين، قرن القطب الواحد و الجيش الواحد "الجيش الإرهابي الأمريكي" و رديفه الحلف الأطلسي و جيش الهجوم الإسرائيلي. أما بقية الجيوش و خاصة جيوش الدول العربية، فهذه الفصيلة الأخيرة تضر شعوبها و تنفع أعداءه و لا يوجد في سجلّها العسكري إلا الحروب الأهلية أو حروب الجوار باستثناء واقعة اجتياز خط بارليف من قبل الجيش المصري، الانتصار العربي الوحيد و الذي قُتل في المهد  للأسف الشديد و الإحباط القاتل و الخيانة العظمى من قبل القيادة السياسية المصرية، و واقعة صمود جيش حزب الله في وجه العدوان الإسرائيلي سنة 2006. أنا أتمنى من كل قلبي أن تنقرض كل جيوش العالَم حتى يعم السلام و الوئام بين الشعوب و حجتي الأولى على عدم جدوى الجيش تقوم على انهزام الجيش البريطاني، أقوى جش في ذلك التاريخ، أمام إيمان النبي المسالم الأعزل غاندي و حزبه، أما حجتي الثانية فتتمثل في سقوط "الأبرتايد" في جنوب إفريقيا الدولة المصنِّعة للسلاح النووي أمام إصرار الزعيم المسالم مانديلا و حزبه

هل قرأتم مرة واحدة في حياتكم أن جيشا قام بثورة على النظام القائم؟ يقوم بانقلاب، كلام معقول، سمعنا فخفنا و ذعرنا و صدمنا فأطعنا، عبد الناصر و القذافي و الأسد و غيرهم في تاريخنا العربي كثيرون، و ما تاريخنا القديم و الحديث إلا سلسلة من الانقلابات. لكن إذا كذبوا عليك و أوهموك و خدّروك أو خدعوك بصريا و جعلوك ترى الديك حمارا و تصدق أن الجيش التونسي قام بثورة ضد النظام القائم أو حمى الثورة، فأفق يا صديقي و رُدَّ عليهم حجتهم و انسج لهم من حبالهم قيدا و قل لهم بكل بساطة: ما دمتم مصرّين على أن الجيش هو الذي قام بالثورة أو حماها، فالثورة إذن ليست ثورة! ليس مهما أن أصدق أنا أو تصدق أنت، المهم أن الجيش "حامي حمى الثورة" قد حقق أهداف "ثورته" المزعومة و استرجع مكانته المخطوفة من الشرطة و الحرس في عهد بن علي بل و ثأر لنفسه من غريمَيه و منافسَيه عن طريق "الشعب" الذي أحرق جميع مراكز الشرطة و الحرس في عشية واحدة - أشك أن تكون عفوية - و حافظ على وحدته الداخلية و تمسك بالامتيازات الاستثنائية لكوادره و قيادته و الأهم من كل ما سبق هو أنه أفلت نهائيا من المحاسبة على الجرائم التي يُتهم بارتكابها في حق المواطنين أثناء الإضراب العام سنة 1976 و في أحداث الخبز سنة 1984، أضف إلى التهمة السابقة الذكر، تهمة جديدة تتلخص في "عدم نجدة مواطن تونسي في خطر" من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 و ما بعدها: الشرطة المدججة بشتى أنواع الأسلحة تسب و تشتم و تهين في الشارع و تضرب و تجرح و تعمي و تقتل أمام أنظار جيشنا الوطني المسلح أيضا و هذا الأخير يتفرج و لا يحرك ساكنا، لا بل يتجاسر دون حياء و يمنّ علينا صباحا مساء بأنه لم يشارك مباشرة في قمعنا و اكتفى بالحياد، أي حياد قاتل هذا؟ الشرطة تقتل من المتظاهرين الوردة تلو الوردة وراء الكاميرا و الجيش يأخذ من الجميلات الباقة تلو الباقة أمام الكاميرا

أيام الثورة، لم يحم الجيش مؤسساتنا الاقتصادية، على الأقل أشهد على ما سمعته و رأيته و عشته بمدينتي حمام الشط حيث أُحرق مركز بريد و مركز حرس على بُعد عشرة أمتار من شاحنة معبأة بالجنود رابضة صباحا مساء و يوم الأحد أمام مقر البلدية و قد استنجد بجنودها مواطنو حمام الشط لحماية بريدهم فلم ينجدوهم لغياب الأوامر من القيادة العليا (و في الجمهورية، أحرقت أو أتلفت أو نُهبت فضاءات تجارية عمومية و خاصة، معامل، جامعات، إدارات، معدّات صناعية عمومية، إلخ) فخسرنا جراء إهمال الجيش القيام بواجبه الوطني ما يقارب ثلاثة آلاف مليون دينار تونسي (ثلث ميزانية الدولة تقريبا في ذلك الوقت) لكنه و الحق يُقال، لقد حمى جيشنا المفدى مقرات المعتمديات و البلديات و الولايات على كامل تراب الجمهورية و لن أنسى اليوم الذي أطلق فيه جنوده الرصاص في السماء حماية لدار التجمع الدستوري الديمقراطي بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة عندما كنا نحاول اقتحامها سلميا بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف من المتظاهرين التونسيين الثوريين الصادقين الغائبين الآن - للأسف - في السلطة و في الفضائيات

و اليوم يتم تمديد إعلان حالة الطوارئ، فأصبح الجيش خارج الثكنات يحمي - حسب ما يُقال - المؤسسات العمومية و أهمل حماية الحدود من خطر أشد و هو توريد السلاح من قبل حركات دينية متطرفة لا تؤمن، لا بالجمهورية و لا بالديمقراطية و لا بحرية التعبير و لا بحرية المعتقد و لا بحرية المرأة، و غفل أيضا عن تهريب الأغذية و الأدوية من الداخل إلى الخارج مما أشعل و ذكّى نار الأسعار و تسبب في فقدان بعض الأغذية الأساسية و الأدوية الحياتية من السوق التونسية لمدة أشهر معدودة

تاريخ أول نشر على مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث
حمام الشط في 6 مارس 2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire