mercredi 6 mars 2013

لكل ثورة متضرّرين – بعد المحاسبة – و لم أر حتى الآن لثورتنا متضررين غير مَن قاموا بالثورة أنفسهم! مواطن العالَم د. محمد كشكار



لكل ثورة متضرّرين – بعد المحاسبة – و لم أر حتى الآن لثورتنا متضررين غير مَن قاموا بالثورة أنفسهم! مواطن العالَم د. محمد كشكار

لكل ثورة متضرّرين - بعد المحاسبة - و لم أر لثورتنا متضررين غير مَن قاموا بالثورة أنفسهم، لذلك يبدو لي أن ثورتنا لم تحقق أي هدف من أهدافها حتى الآن، و هذا لا يعني أنها لن تحقق أهدافها، و ما ضاعت ثورة وراءها نفس ثوري

I.                  مَن هم الانتهازيون المستفيدون من الثورة التونسية؟

هم صنفان:
1.      صنف داخلي و هو ما يُسمى بالثورة المضادة و يتكون أساسا من أركان النظام القديم أو أدوات السيطرة العنيفة و الناعمة التي بطش بن علِي بواسطتها و استبد على مدى 23 سنة: الأجهزة الأمنية (الجيش و الشرطة و الحرس و الديوانة و حرّاس السجون و الإصلاحيات) و الإعلام التونسي المرئي و المكتوب و المسموع (نفس الأقلام و الوجوه القديمة السائدة في العهد البائد، نفسها لا تزال سائدة بعد الثورة) و أصحاب الامتيازات الاستثنائية في الأجهزة الإدارية العمومية و غير العمومية (التجمع الدستوري الديمقراطي أو الحزب الحاكم السابق المنحل و مؤسسة المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل غير المنحلة - و لم أقل الاتحاد العام التونسي للشغل - و اتحاد الأعراف و اتحاد الفلاحين  و جل القضاة و المحامين الفاسدين بشهادة زملائهم و الولاة و المعتمدين و الكتاب العامين للجان التنسيق التجمعية الجهوية و رؤساء الجامعات التجمعية  المحلية و رؤساء الشعب التجمعية و كبار المسؤولين في الإدارات المركزية و الجهوية لكل الوزارات من مدير معهد إلى رئيس مصلحة أو كاهية مديرأو مدير أو مدير عام).

2.      و صنف خارجي و هو ما يُسمى بالمؤامرة. مِن طبيعة عدوك أن يتآمر عليك و من واجبك أنت أو أضعف إيمانك أن تقاوم خططه التآمرية، خاصة ما دمت غير قادر على التآمر عليه مثل ما يتآمر عليك، و على رأس المتآمرين التاريخيين على عالَمنا العربي يأتي البنك العالمي و صندوق النقد الدولي و أمريكا و إسرائيل و أوروبا و طابورهم الخامس المتكون من الدول الخليجية التابعة لهم اقتصاديا و عسكريا.


II.               ما هي أدوات السيطرة العنيفة لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة؟

1.     أداة السيطرة العنيفة الأولى لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة تضم الشرطة و الحرس و قوات التدخل لقمع المظاهرات و التجمعات و الإعتصامات و الإضرابات
سِجِلّ أسود من القمع و التعذيب باعتراف بعض النقابيين الأمنيين الجدد النادمين و العالمين بما حدث و ما زال يحدث - للأسف - في أجهزة الشرطة و الحرس و أقبيتهم و مراكزهم و سجونهم. لم يتغير في جهاز الأمن غير الاسم و بين عشية و ضحاها أصبح أمنا جمهوريا بعد ما كان أمنا قمعيا على مدى ستين عاما. لم نر و لم نلمس من نعته الجمهوري حتى الآن شيئا. بعد الثورة، انخرم الأمن في الطرقات و الأحياء و القرى و المدن ليلا نهارا و ارتفعت نسبة الجريمة في الريف و الحضر و لا يزال التعذيب ساري المفعول و هذا بشهادة الوزير النهضاوي لحقوق الإنسان سمير ديلو و المعارِضة الحقوقية اليسارية المحامية راضية النصراوي

2.     أداة السيطرة العنيفة الثانية لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة تضم حرّاس السجون و خاصة القائمون على التعذيب منهم
التعذيب النفسي و البدني و الاجتماعي لأهل السجين و أقربائه و جيرانه و مشغّليه و المتعاطفين معه ماديا و عاطفيا و قد ذاق ويلاته مناضلو اليسار في الستينات و السبعينات و اكتوى بناره مناضلو النهضة في الثمانينات و التسعينات

3.     الجيش التونسي هو أداة السيطرة العنيفة الثالثة لنظام بورقيبة و بن علي، بعد الشرطة و الجلادين المعذِّبين، لكن قمعه للمواطنين التونسيين لا يُقارَن بقمع جيوش الأسد و صدام و عبد الناصر و القذافي لمواطنيهم. جيشنا مدني حنون مسالم و منعزل في ثكناته لكنه خرج في مناسبتين، 1976 و 1984، قتل منا العشرات أو المئات في الشوارع ليلا و غدرا ثم رجع إلى سباته من جديد و لم يفق إلا يوم اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010  و لم يُحاسب على ما فعل حتى الآن و من المفارقات المضحكات المبكيات أنه يُشكر و يُمجّد أثناء الثورة و بعد الثورة على حياده السلبي القاتل بصفة غير مباشرة و على عدم حمايته المؤسسات الاقتصادية الخاصة و العمومية خلال الانفلات الأمني المبرمج أو المسكوت عنه على ما أظن و الله أعلم

أسوق مقدمة منهجية لما سأقول حول الجيش حتى أنسّب كلامي، لا بمزيد من الرقابة الذاتية تجنبا لمتابعة قضائية قد يبادر بها الجيش ضدي كما فعل مع مَن تجرؤوا عليه في القول و إنما إقرارا موضوعيا بمحدودية معلوماتي حول الجيش التونسي و احتراما للدور المدني الذي يقوم به منذ تأسيسه انطلاقا من "الفلاّڤة" أو المقاومين التونسيين المسلحين ضد الاستعمار الفرنسي، و يا ليته اقتصر على هذا الدور المدني المشرّف و لم ينجرّ وراء ديكتاتورية بورقيبة و يلوّث تاريخه المدني الناصع بمشاركته الفعالة في قمع الانتفاضتين الشعبيتين في تاريخ تونس الحديث، الإضراب العام أو انتفاضة 26 جانفي 1976 و انتفاضة الخبز سنة 1984. و دون مواربة أو تقية، أنا أكره مؤسسة الجيش بصفة عامة و من حسن الحظ أن لا أحد في المقهى يشاركني رأيي المثالي أو المتطرف لأنه قد يكون للجيش التونسي دورا في استقرار الدولة التونسية منذ الاستقلال سنة 1956. لكنني و رغم أقليتي أصرّ على رأيي  و لا أرى لمؤسسة الجيش عموما ضرورة في العصر الحديث و خاصة في القرن الواحد و العشرين، قرن القطب الواحد و الجيش الواحد "الجيش الإرهابي الأمريكي" و رديفه الحلف الأطلسي و جيش الهجوم الإسرائيلي. أما بقية الجيوش و خاصة جيوش الدول العربية، فهذه الفصيلة الأخيرة تضر شعوبها و تنفع أعداءه و لا يوجد في سجلّها العسكري إلا الحروب الأهلية أو حروب الجوار باستثناء واقعة اجتياز خط بارليف من قبل الجيش المصري، الانتصار العربي الوحيد و الذي قُتل في المهد  للأسف الشديد و الإحباط القاتل و الخيانة العظمى من قبل القيادة السياسية المصرية، و واقعة صمود جيش حزب الله في وجه العدوان الإسرائيلي سنة 2006. أنا أتمنى من كل قلبي أن تنقرض كل جيوش العالَم حتى يعم السلام و الوئام بين الشعوب و حجتي الأولى على عدم جدوى الجيش تقوم على انهزام الجيش البريطاني، أقوى جش في ذلك التاريخ، أمام إيمان النبي المسالم الأعزل غاندي و حزبه، أما حجتي الثانية فتتمثل في سقوط "الأبرتايد" في جنوب إفريقيا الدولة المصنِّعة للسلاح النووي أمام إصرار الزعيم المسالم مانديلا و حزبه

هل قرأتم مرة واحدة في حياتكم أن جيشا قام بثورة على النظام القائم؟ يقوم بانقلاب، كلام معقول، سمعنا فخفنا و ذعرنا و صدمنا فأطعنا، عبد الناصر و القذافي و الأسد و غيرهم في تاريخنا العربي كثيرون، و ما تاريخنا القديم و الحديث إلا سلسلة من الانقلابات. لكن إذا كذبوا عليك و أوهموك و خدّروك أو خدعوك بصريا و جعلوك ترى الديك حمارا و تصدق أن الجيش التونسي قام بثورة ضد النظام القائم أو حمى الثورة، فأفق يا صديقي و رُدَّ عليهم حجتهم و انسج لهم من حبالهم قيدا و قل لهم بكل بساطة: ما دمتم مصرّين على أن الجيش هو الذي قام بالثورة أو حماها، فالثورة إذن ليست ثورة! ليس مهما أن أصدق أنا أو تصدق أنت، المهم أن الجيش "حامي حمى الثورة" قد حقق أهداف "ثورته" المزعومة و استرجع مكانته المخطوفة من الشرطة و الحرس في عهد بن علي بل و ثأر لنفسه من غريمَيه و منافسَيه عن طريق "الشعب" الذي أحرق جميع مراكز الشرطة و الحرس في عشية واحدة - أشك أن تكون عفوية - و حافظ على وحدته الداخلية و تمسك بالامتيازات الاستثنائية لكوادره و قيادته و الأهم من كل ما سبق هو أنه أفلت نهائيا من المحاسبة على الجرائم التي يُتهم بارتكابها في حق المواطنين أثناء الإضراب العام سنة 1976 و في أحداث الخبز سنة 1984، أضف إلى التهمة السابقة الذكر، تهمة جديدة تتلخص في "عدم نجدة مواطن تونسي في خطر" من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 و ما بعدها: الشرطة المدججة بشتى أنواع الأسلحة تسب و تشتم و تهين في الشارع و تضرب و تجرح و تعمي و تقتل أمام أنظار جيشنا الوطني المسلح أيضا و هذا الأخير يتفرج و لا يحرك ساكنا، لا بل يتجاسر دون حياء و يمنّ علينا صباحا مساء بأنه لم يشارك مباشرة في قمعنا و اكتفى بالحياد، أي حياد قاتل هذا؟ الشرطة تقتل من المتظاهرين الوردة تلو الوردة وراء الكاميرا و الجيش يأخذ من الجميلات الباقة تلو الباقة أمام الكاميرا

أيام الثورة، لم يحم الجيش مؤسساتنا الاقتصادية، على الأقل أشهد على ما سمعته و رأيته و عشته بمدينتي حمام الشط حيث أُحرق مركز بريد و مركز حرس على بُعد عشرة أمتار من شاحنة معبأة بالجنود رابضة صباحا مساء و يوم الأحد أمام مقر البلدية و قد استنجد بجنودها مواطنو حمام الشط لحماية بريدهم فلم ينجدوهم لغياب الأوامر من القيادة العليا (و في الجمهورية، أحرقت أو أتلفت أو نُهبت فضاءات تجارية عمومية و خاصة، معامل، جامعات، إدارات، معدّات صناعية عمومية، إلخ) فخسرنا جراء إهمال الجيش القيام بواجبه الوطني ما يقارب ثلاثة آلاف مليون دينار تونسي (ثلث ميزانية الدولة تقريبا في ذلك الوقت) لكنه و الحق يُقال، لقد حمى جيشنا المفدى مقرات المعتمديات و البلديات و الولايات على كامل تراب الجمهورية و لن أنسى اليوم الذي أطلق فيه جنوده الرصاص في السماء حماية لدار التجمع الدستوري الديمقراطي بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة عندما كنا نحاول اقتحامها سلميا بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف من المتظاهرين التونسيين الثوريين الصادقين الغائبين الآن - للأسف - في السلطة و في الفضائيات

و اليوم يتم تمديد إعلان حالة الطوارئ، فأصبح الجيش خارج الثكنات يحمي - حسب ما يُقال - المؤسسات العمومية و أهمل حماية الحدود من خطر أشد و هو توريد السلاح من قبل حركات دينية متطرفة لا تؤمن، لا بالجمهورية و لا بالديمقراطية و لا بحرية التعبير و لا بحرية المعتقد و لا بحرية المرأة، و غفل أيضا عن تهريب الأغذية و الأدوية من الداخل إلى الخارج مما أشعل و ذكّى نار الأسعار و تسبب في فقدان بعض الأغذية الأساسية و الأدوية الحياتية من السوق التونسية لمدة أشهر معدودة

III.           ما هي أدوات السيطرة الناعمة لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة؟

1.     أداة السيطرة الناعمة الأولى لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة، تضم مؤسستي القضاء و المحاماة
جل القضاة و المحامين التونسيين فاسدين و مرتشين في عهد برقيبة و بن علي و هذا بشهادة بعض القضاة و المحامين الشرفاء و بشهادة بعض المواطنين المتقاضين. هؤلاء القضاة و المحامين الذين باعوا ضمائرهم لمن يدفع أكثر، هم أدوات بن علي و الطرابلسية لممارسة السرقة و النهب للمال العام بالتحيّل على القانون و تطويع هذا الأخير لمصالحهم الخاصة ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العامة

2.     أداة السيطرة الناعمة الثانية لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة، تضم مؤسسة المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل – و لم أقل الاتحاد العام التونسي للشغل
أسوق مقدمة منهجية لما سأقول حول الاتحاد العام التونسي للشغل، قلعة النضال و أفصل بينه و بين  "زائدته الدودية المتعفنة" مؤسسة المكتب التنفيذي، صحيح أن الاتحاد هو أكبر قوة في البلاد بنقاباته العامة و الجهوية و الأساسية و بمناضليه القاعديين الشرفاء النزهاء الصادقين و قد ناضلت في صفوف الأخيرين بصدق و شرف و نزاهة و شفافية طيلة ثلاثين عاما  و أشهد على الملأ أن هؤلاء النقابيين القاعديين هو قُوّاد الثورة و ملهموها و مذكوها و محركوها منذ انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008
يبدو لي أن  أنعم أدوات السيطرة الناعمة في نظام بورقيبة و بن علي هي مؤسسة المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل شقيق بالرضاعة للتجمع الدستوري الديمقراطي، حكومته "أشوم" من الحكومة الرسمية و وزراءه لم يتغيروا على مدى عقدين من الزمن و قد فاق نفوذهم في عديد التدخلات نفوذ الوزراء الحقيقيين!  ألم تجتمع الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل بأمر من مكتبه التنفيذي مرتين لتناشد الديكتاتور بن على للترشح غير الدستوري في مناسبتين انتخابيتين رئاسيتين. لماذا لم يحِلّوه كما حَلّوا شقيقه بالرضاعة؟
أتمنى أن يغيّروا اسم "الاتحاد العام التونسي للشغل" إلى "اتحاد النقابات العامة للعمّال". تُؤسس النقابات العامة فيما بينها تنسيقية عامة مُفرغة الصلوحيات كرئيس جمهوريتنا المرزوقي و فاقدة القرار مثل حكومة الجبالي إلا من قرار واحد و هو التنسيق بين النقابات العامة المستقلة ماليا و تنظيميا، تنسيقية تجتمع لظرف معين أو أداء مهمة محددة ثم تنحل أوتوماتيكيا و ترجع عند الحاجة أوتوماتيكيا أيضا

3.     أداة السيطرة الناعمة الثالثة لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة تضم الديوانة
جهاز الديوانة و ما أدراك من جهاز الديوانة و علاقته المشبوهة مع مافية "الطرابلسية" التي أغرقت السوق التونسية الهشة بسلع صينية و تركية رديئة الصنع و بخسة الثمن و مضرة بالصحة و ملوثة للبيئة و زيّنت أعيادنا بلعب أطفال تمثل خطرا عاجلا و آجلا على الصغار

4.     أداة السيطرة الناعمة الرابعة لنظام بورقيبة و بن علي و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة تضم أصحاب الامتيازات الاستثنائية في الأجهزة الإدارية العمومية و غير العمومية
 و الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، ما زال كل هؤلاء بمناصبهم متشبثون و لنفوسنا كاتمون و لتحقيق أهداف ثورتنا معطّلون و لميزانيتنا ناهبون و مبذّرون

5.     أداة السيطرة الناعمة الخامسة لنظام بورقيبة و بن علي أو السلطة الرابعة و التي لا تزال تسيطر رغم الثورة تضم الإعلام التونسي المرئي و المكتوب و المسموع
نَفْسُ الوجوه الإعلامية الباهتة و الموروثة عن العهد القديم، تحولت بقدرة قادر إلى أبواق ثورجية. تجار و مقاولون و ليسوا إعلاميين، يستضيفون صباحا مساء و يوم الأحد محللين سياسيين من السلطة و من المعارضة، خبراء في طرح المشاكل الفارغة للنخبة السياسية الغنية (حرية الرأي وحرية المعتقد و المساواة بين المرأة و الرجل و اللائكية و العَلمانية و السلفية و الخوف على انقراض الإسلام من تونس و التعصب الأعمى للهوية العربية الإسلامية و التنكّر لكونية حقوق الإنسان، إلخ) و متخصصون في  إغفال المشاكل الحقيقية (إصلاح المنظومة التربوية و الصحية، التشغيل، البحث العلمي، التلوث، المحاسبة، إنصاف أهالي شهداء و جرحى الثورة، غلاء الأسعار، تهريب الأغذية و الأدوية، توريد و تكديس الأسلحة الثقيلة، الرشوة و المحسوبية، إلخ). لقد لفت انتباهي، في الفضائيات التونسية، غياب وجوه المتظاهرين البسطاء من أمثالي و أمثالك الذين قاموا بالثورة من مثقفين مهمشين و معطلين عن العمل و نقابيين قاعديين و في المقابل ألاحظ حضورا مكثفا للانتهازيين المتحزبين الذين التفوا على الثورة سلطة و معارضة، يسارا  و يمينا، دستوريين و تجمعيين، خبراء مرتزقة منبتين و من بلاد الغرب قادمين منقضّين و للغنائم مغتصبين

IV.           ما هي أدوات المؤامرة الخارجية على الثورة التونسية؟

1.     أداة المؤامرة الأولى بامتياز تضم البنك العالمي و صندوق النقد (أو النهب) الدولي
ماذا يطلبان الآمران بأمر أمريكا من الدول المقترضة الدائرة في فلكهما؟ يطلبان منها تحرير الأسعار. و قد تحقق هذا الهدف الثوري بامتياز بسرعة جنونية. ولتذهب القدرة الشرائية للمواطن التونسي إلى الجحيم! يطلبان منها أيضا فتح الحدود على مصراعيها. و هذا ما حصل فعلا و عوض أن يدخل لنا من حدودنا غذاء و دواء و كتب و سيارات و محركات فلاحية و صناعية، دخل لنا منها سلاح مضاد للطائرات و الغريب أننا في تونس لا نملك طائرات ما عدى التي يسقطها الحجر، فلمن يا ترى تُعدّ أسلحة الدمار الشامل التي تُخزّن في بلادنا من الجنوب إلى الشمال؟

2.     أداة المؤامرة الثانية تضم الديون المشبوهة التي اقترضها بن علي
و نحن نحترم الشرعية الدولية ونفي بتعهداتنا و نعوّض من قوتنا ما سرقه بن على و نعطيه جزية و نحن صاغرون إلى المستعمر الغاشم القديم - الحديث المتمثل في الاتحاد الأوروبي

3.     أداة المؤامرة الثالثة تضم قطر و السعودية
دولتان رجعيتان باعتراف العالم أجمع، متخلفتان اجتماعيا و علميا و ثقافيا، نسبة الديمقراطية في أنظمتهما السياسية صفر و ليس صفر فاصل. الأولى تساند النهضة بالفم و ليس بالمال و الثانية تساند السلفية الوهابية الجهادية العنيفة بالمال و السلاح لتخرّب تونس كما خرّبت سوريا و تقيم فيها الآذان فلا تجد مَن يلبي النداء الرباني

4.     أداة المؤامرة الرابعة تضم أمريكا و الاتحاد الأوروبي
قطبان قويان لا قِبَلَ لنا بهما، يتنازعان على استعمارنا و سرقة ثرواتنا الطبيعية و البشرية. من فرط جهلي و سذاجتي، كنت دوما أطرح على أصدقائي السؤال التالي: لو كان رأس المال جبان كما قال الحكيم حمادي جبالي، فلماذا لا يستثمر الغرب قوّته و علمه و ماله في الاستثمار الاقتصادي في البلدان العربية عوض استثماره في الحروب الاستباقية العدوانية الظالمة فيضرب عصفورين بحجر واحد، يربح مالا أكثر و يجنّب جنوده خطر الحروب؟ لكن و في لحظة تجلي و صفاء، حالفني الذكاء و هذا الأخير قليل ما يحالفني، فوجدتها: السرقة و النهب أسهل و أسرع و أضمن من الاستثمار الاقتصادي الطويل المدى و هذا ما يفعله عادة المنحرفون و "الباندية" (les bandits) و قطاع الطرق متسلحين بعصا أو سكين أو سيف أو شفرة حلاقة، فما بالكم لو كان المنحرف دولة خارجة عن القانون الدولي تصنع و تصدّر صواريخ عابرة للقارات و طائرات نفاثة و قنابل أورنيوم مخفف أو مفقر مثل ما يملك الباندي رقم 1 الولايات المتحدة الأمريكية، و الباندي رقم 2 الاتحاد الأوروبي و أداتهم المشتركة حلف الشر و الإرهاب الأطلسي

5.     أداة المؤامرة الخامسة و الأشدّهم فتكا تضم إسرائيل لوحدها، عدوتنا اللدودة في الوجود و الحدود و الدين و الحضارة و الثقافة و غريمتنا في الماضي و الحاضر و المستقبل
ربحت اللئيمة حربا ضروسا أتت على الأخضر و اليابس في قرانا و مدننا وقضت علينا الواحد تلو الآخر بسلاحنا و مالنا و أيدينا و لم تطلق إسرائيل رصاصة واحدة و لم تخسر جنديا واحدا. تهدمت ليبيا و سوريا فعليا و انهارت مصر و تونس و اليمن اقتصاديا و تخلف الجميع مائة عام على التخلف الذي كانوا ينعمون فيه. فهل يوجد ذكاء هدّام أكثر من ذكاء الإسرائيليين؟ و هل يوجد شعب مختار أجدر من الشعب اليهودي بهذا الإستئثار؟

الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي أو بالحيلة، لأن الحيلة تُعتبر عنفا مقنّعا و غير مباشر
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن أن تتخيلوها
تحية دائمة و متجددة لزملائي المربين: في ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون بالمساواة ؛ ردت عليهم ميركل: كيف أساويكم بمن علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية الضيقة الإقصائية  و المتعصبة فاقدة للحواس الخمس

تاريخ أول نشر على مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث
حمام الشط في 6 مارس 2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire