محاولة فلسفية ثانية: هل تكمن الثورة
في عدم الثورة؟ جزء1: أشباه الثورات السياسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
ملاحظة
نشرت هذا المقال لأول مرة قبل
الثورة في
27 أوت 2008 و أعيد نشره بعد الثورة في 14 مارس 2013 مع تعديلات شكلية
مقدمة
كلمة فلسفة تعني حرفيا حب
الحكمة و أنا أعشق الحكمة منذ وعيت هذه الدنيا فأنا إذن فيلسوف بالقوة حتى و إن لم
أكن فيلسوفا بالفعل. الفلسفة هي تساؤل و تأويل و تفكير حول العالم و الوجود
الإنساني و هذا ما أحاول فعله منذ أن تخرجت سنة 1974 من المدرسة العليا للتعليم
التقني بباب عليوة بتونس العاصمة كأستاذ مرحلة أولى في التعليم الثانوي اختصاص
علوم الحياة و الأرض
سوف أتحدث في سلسلة المقالات هذه
عن عدد من أنواع الثورات (الدينية و السياسية و البيولوجية و الفلاحية و الصناعية
و الديمغرافية و المعلوماتية) التي حدثت في الخمس قرون الأخيرة من تاريخ البشرية و
أتناولها بالنقد و أترك الشكر لغيري فالتجميل ليس من اختصاصي. أنا أعتبر النقد
مدرسة قائمة بذاتها لا علاقة لها بالوعظ و الإرشاد و تقديم البدائل. هذا موقف فكري
ذاتي لا يلزم أحدا غيري لكن لا تغفلوا أيها القراء الأحباء المشاكسين - قبل
مهاجمتي بعنف لفظي لا مبرّر له و قبل أن تنزّلوني المنزلة التي لا أستحق - عن
قراءة ما كتبت بتأنّ وتمعّن و تضعوه في إطاره الفكري الجدلي البشري الافتراضي القابل
للتفنيد و لا تلبسوني جبة أوسع من قياسي فأنا مواطن بسيط حر و مستقل، لا أنتمي إلى
أي حزب و لا جمعية و لا أمثل أو أقود تيارا فكريا و لست كاتبا أو مفكرا كبيرا، و أنا
لست داعية سياسي و لا فكري و لا إيديولوجي و لا يهمّني إن اقتنع بآرائي مائة أو
ألف. أنا شخصية فكرية محدودة المساحة و الإمكانيات المادية و الفكرية و العلمية،
لا حول و لا قوة لي إلا بالله و لا أصبو إلى تحقيق هدف محدّد سلفا سوى هدف محاولة إصلاح
حال هذه الأمة، أمتي العربية الإسلامية التي لا أنكر و لا أتنصل من انتمائي إليها،
أنا مثقف و مفكر أعيش على هامش المجتمع كجل المثقفين المستقلين، فرجاءا وجّهوا أسلحتكم الإيديولوجية أو الدينية
إلى أعدائكم الحقيقيين و لا تخطئوا الهدف فتضيع سهامكم و مجهوداتكم في غير موضعها،
هباءا منثورا
أ.
أشباه الثورات السياسية
أبدأ بالتذكير التاريخي التقريبي
لفترة تحضير أشهَرِ "أشباه الثورات" في العالم و أرصد بعض نتائجها
الكارثية على السكان الأصليين و على البشرية جمعاء
-
دامت الثورة الجزائرية ثماني سنوات، من 54 إلى 62. حرّرت
الأرض الجزائرية و لكنها استعبدت المواطن الجزائري و أفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا
متنكر في زي اشتراكي
-
دامت الثورة الكوبية ثلاث سنوات، من 53 إلى 56. حرّرت
الأرض الكوبية و استرقّت المواطن الكوبي و أفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا في
زي شيوعي. الإنجازات المادية العظيمة للثورة الكوبية لم و لن تغفر هفواتها و
تعدّيها على الحقوق الأساسية للمواطن الكوبي
-
دامت الثورة الناصرية ثلاث سنوات، من 50 إلى 52. حرّرت
الأرض المصرية و استعبدت المواطن المصري و أفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا في
زي قومي - اشتراكي. باع لنا الزعيم جمال عبد الناصر الأحلام و خدرنا بأوهام خطبه
الديماغوجية و لم يوقظنا من سكرتنا إلا أزيز الطائرات الاسرائيلية و هي تقذف
بالقنابل الطائرات المصرية الرابضة في مطاراتها في هزيمة 67 و ليست نكسة 67 كما
يحلو لمثقف السلطة آنذاك، محمد حسنين هيكل، أن يسمّيها
-
دامت الثورة اللينينية في روسيا ستة عشر سنة، من 1901
إلى 1917. أسست الإمبراطورية السوفياتية و استرقت المواطن السوفياتي جسدا و فكرا و
أفرزت نظاما سياسيا شموليا شيوعيا قمعيا ديكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته
المادية العظيمة في الصناعات و خاصة الصناعة الحربية على وجه الخصوص. انحلّت أكبر
امبراطورية قمعية في التاريخ سنة 1991 دون حرب خارجية معلنة.
سقطت كما تسقط الفاكهة الفاسدة عندما
تتخلى عنها الشجرة الأم (الجمهوريات السوفياتية) و يأكلها الدود من الداخل (العمال
و الفلاحون السوفياتيون المقموعون جسدا و فكرا و المحكوم فيهم ظلما و بهتانا مع انتحال
اسمهم و صفتهم "ديكتاتورية البروليتاريا") و تتحالف ضدها العوامل
الخارجية (كل الدول الغربية و الشرقية المعارضة للشيوعية على الطريقة الماركسية
اللينينية - الستالينية و ماركس منها براء). أظن أنه لو قام ماركس الآن لما صنّف
نفسه ماركسيا و لأنكر على كل الأحزاب الشيوعية شيوعيتها و لناضل ضد كل الأنظمة
التي حكمت بنظريته و باسم العمال و الفلاحين و هي في الواقع شوّهت نظريته المثالية الجيدة في جل
مبادئها الإنسانية العادلة. قتلت الأنظمة الشيوعية الملايين من العمال و الفلاحين.لو
قام ماركس لحاربوه الداعون إليه و سمّوه ليبراليا
لو قام ماركس لساند روزا لوكسمبورغ
في معارضتها لمفهوم "المركزية الديمقراطية" التي بناها لينين
في الاتجاه الخاطئ ، يعني من القمة إلى القاعدة و لو عكس لأصاب. لو قام ماركس لسجنه
ستالين في "القولاج" و هجّر عائلته و أقرباءه إلى سيبيريا. لو قام ماركس
لبارك أفضل ما هو موجود في الأنظمة السياسية الحالية و هي الأنظمة الإسكندنافية
الليبرالية الاشتراكية في انتظار الأهداف الكبرى و السامية للشيوعية: مثل مبدأ "من
كل حسب جهده و لكل حسب حاجته"، و مبدأ "الإنسان يصنع تاريخه بنفسه" و لا
يصنعه له الحزب الشيوعي، و مبدأ "العمال يحرّرون أنفسهم بأنفسهم" لا
بقيادة المثقفين الطلائعيين الشيوعيين الانتهازيين، و مبدأ "التمهيد لانقراض
الدولة و تلاشي السلطة القامعة التي تحتكر العنف". لو قام ماركس لفعل عكس ما
فعله كل زعماء الشيوعية من لينين إلى ستالين إلى ماو إلى كاسترو الذين نفخوا في
الدولة و أقاموا على قاعدتها أكبر جهاز مخابراتي قمعي في تاريخ البشرية القديم و
الحديث
-
دامت الثورة الماوية في الصين ثمان و عشرون سنة، من 1921
إلى 1949. حرّرت الأرض الصينية و استرقت المواطن الصيني جسدا و فكرا و أفرزت نظاما
سياسيا شموليا شيوعيا قمعيا ديكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته المادية
العظيمة. و منذ استرجاع مستعمرة هونق كونق من بريطانيا، بدأ هذا النظام الشيوعي يطهّر
نفسه من أدران و مساوئ الشيوعية الماوية و يغسلها بمياه الرأسمالية المتوحشة الأكثر
تعفنا
-
دامت الثورة الإيرانية خمسة عشر سنة، من 64 إلى 79. منذ
ولادتها و بواسطة الديماغوجية الدينية، أقحمت هذه الثورة الدينية المواطن الإيراني
في حرب الثماني سنوات دون قضية مشروعة ضد جيرانه العراقيين أبناء مذهبه الشيعي و أبلت فيهم البلاء الحسن و
قتلت منهم خمس مائة ألف عراقي شيعي و سني و أفرزت في الآخر نظاما سياسيا دينيا
دكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته المادية العظيمة (لا أعدّ القنبلة
النووية الإيرانية من الإنجازات العظيمة بل أراها أكبر إهدار للطاقة وأكبر إضرار بالصحة
و أكبر فقدان للتوازن البيئي و التنمية المستدامة و لا أحسبها أيضا رادعا للعدو و
لنا في القنبلة النووية الباكستانية أسوأ مثال
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي أو بالحيلة، لأن الحيلة تُعتبر عنفا مقنّعا و غير
مباشر
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ
فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن أن
تتخيلوها
تحية دائمة
و متجددة لزملائي المربين: في
ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون
بالمساواة ؛ ردت عليهم ميركل: كيف أساويكم بمن علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية
الضيقة
الإقصائية و
المتعصبة فاقدة للحواس الخمس
تاريخ أول نشر على مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث
حمام الشط في 27 أوت 2010
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire