محاولة
فلسفية ثانية: هل تكمن الثورة في عدم الثورة؟ جزء 4: الثورات العلمية؟ مواطن
العالم د. محمد كشكار
ملاحظة
نشرت هذا المقال لأول مرة قبل
الثورة في 27 أوت 2008 و أعيد نشره بعد الثورة
في 14 مارس 2013 مع تعديلات شكلية
الثورات
العلمية
1.
الثورة الطبيّة
ارتفع
متوسط العمر بفضل الوقاية و الرعاية الصحية و نقصت الوفيات و زادت الولادات لكن
نحن نعرف الآن أن هذه النتائج المشهدية (من المشهد حسب تعبير ڤي دي بور) هي بمثابة
الشجرة التي تخفي الغابة: احتكار الأدوية و أمصال التلقيح من قبل بعض الشركات
متعددة الجنسية و ارتفاع أسعار الأدوية و العمليات الجراحية و تخلي الدول عن مسؤوليتها
في ضمان مجانية العلاج و المضارّ الجانبية لكل الأدوية مثل مضادات الالتهاب أو
المضادات الحيوية و بعض مساوئ الطب الغربي الميكانيكي الذي أباد عمدا كل أنواع
التطبب الإنساني مثل الطب التقليدي الصيني و العربي و الإفريقي مستعينا بحجة القوة
لا بقوة الحجة و المنطق و العلم
2.
الثورة الفلاحية
كثر
الإنتاج حتى صار الغربيون يسكبون الحليب في الساحات و يرمون القمح في البحر و
يتلفون التفاح في الطرق السيارة و يحرقون محصول الذرى احتجاجا على انخفاض الأسعار
في الأسواق العالمية و في نفس هذا الزمن الردئ يموت ملايين الهنود و البنقلاديشيين
و الباكستانيين و الأفارقة جوعا. استنزفوا التربة و لوّثوا المائدة المائية و الجو
بأسمدتهم الكيميائية و مبيداتهم الكيميائية و نباتاتهم المعدّلة جينيا. جنّنوا
الأبقار بهرموناتهم المسرطِنة و علفهم المتكون من بقايا اللحم عوض العشب (الغذاء
الطبيعي للبقر)، و جنّنوا البشر بفرض نظام غذائي غربي مستورد يعتمد على لحم البقر
و الخنزير و الدجاج المسمَّن على عجل. سرق الغرب البذور الأصلية المتلائمة مع
البيئة المحلية من العالم الثالث و احتكر بيعنا بذورا لا تنتج إلا مرة واحدة و
ربطنا إليه بحبل التبعية الاقتصادية و الغذائية و التكنولوجية كما تُربط البهائم
في الإصطبل. أتلفوا عمدا البذور و الحيوانات الأصلية المتأقلمة مع المناخ المحلي
في الهند و العالم الثالث و أجبرونا على استيراد بذور غربية و بقر هولندي مرفقا إجباريا
بتقنيين و أدوية و أسمدة و هرمونات أجنبية غالية الثمن و حرّموا علينا بالقوة
تصنيعها وطنيا
3.
الثورة التكنولوجية الصناعية
طبقت
العلوم و أخرجتها عن أهدافها و مقاصدها النبيلة و طوّرت تكنولوجيا من الطائرات المدنية
و الحربية و السيارات و الدبابات و الصواريخ و القنبلة النووية و المبرّدات و الغسّالات
الكهربائية. جنينا و ربحنا من هذه التكنولوجيا الخير الكثير و أصابنا من شرورها
أكثر. أصابتنا حروبا و استعمارا و استيطانا و ظلما و قهرا و كانت تكنولوجيتهم
العسكرية و المخابراتية عونا للحكام المستبدين و الصهاينة الجدد على الضعفاء
المساكين من مواطنينا و مواطنيهم
4.
الثورة المعلوماتية
أتاحت
لنا فرصة للحاق بركب التقدم العلمي، أسأنا استخدامها و لم نحسن استعمالها فعادت
علينا بالوبال، وبال يتمثل في تفسخ أخلاقي و انبتات حضاري و غزو ثقافي و كسل فكري
و هروب من المطالعة و ترويج للثلب و السخافات و التفاهات و عشنا في جوّها
الافتراضي سكارى دون شراب لا أحمر و لا أصفر
5.
الثورة البيولوجية
قفزت
قفزة عملاقة و نوعية باكتشاف البيولوجيا الجزيئية و الجينات أو المورّثات. لم تتحلّ
هذه البيولوجيا بالموضوعية و لا بالأخلاق
بل كانت انتقائية و منحازة لمنتجيها الغربيين الاستعماريين الجدد. استفاد منها
حصرا الغرب الرأسمالي الاحتكاري للعلم و التكنولوجيا و صنع بفضلها جينات و أدوية و
أمصالا و قنابل جرثومية و قنابل كيميائية أحرقنا بها في العراق و أفغانستان و الباكستان
و فيتنام و فلسطين و لبنان
خاتمة:
البديل؟
لا
أملكه و لا يملكه أحد غيري. هو ملكية مشاعة بين عقول البشر، كل البشر متعلمين و
غير متعلمين، مواطنين عادين أو خبراء مختصين. ينبثق هذا البديل من تفاعلنا السلبي
و الإيجابي مع بعضنا و مع الغير في جو من التسامح و عدم الإقصاء و قبول الآخر مهما
كان هذا الآخر و ممارسة الديمقراطية و حرية التعبير و حرية الاعتقاد. لكن أقترح
فقط تعويض مفهوم "الثورة" الفجائية أو العنيفة أو الدموية بمفهوم جديد،
أسميته "تغيير المفاهيم و التصورات
غير العلمية في المجتمع"، يتجسم هذا المفهوم الأخير في محاولة تغيير القيم و
الممارسات الاجتماعية عبر سيرورة فكرية علمية بطيئة و رصينة و ليس تحت تهديد السيف أو الإيديولوجيات
الإقصائية
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي
عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي أو بالحيلة،
لأن الحيلة تُعتبر عنفا مقنّعا و غير مباشر
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و
أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن أن تتخيلوها
تحية دائمة و متجددة لزملائي المربين: في ألمانيا المعلمون أعلى
دخلاً في البلد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون بالمساواة ؛ ردت عليهم
ميركل: كيف أساويكم بمن علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو
كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية الضيقة الإقصائية
و المتعصبة فاقدة للحواس الخمس
تاريخ أول نشر على مدونتي
و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث
حمام الشط في 27
أوت 2010
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire