جيلُ الكهولِ وجيلُ الشيوخِ،
جِيلِي، جيلُ الخمسينياتِ والستينياتِ والسبعينياتِ، يلومُ جيلَ الشبابِ على عدمِ إقبالِه على المطالعةِ والقراءةِ والكتابةِ. نصَبَ
محكمةً، حَكَمَ القاضِي وأصدر حكمه دونَ
حضورِ المتهمِ ومحامِيه.
يبدو لي أن التهمةُ باطلةً.
كيفَ ؟
عكس ما يتهيأ للشيوخ من
أمثالي، فجيلُ الشباب، جيلٌ يقرأُ، يكتبُ، يشاهدُ، يسمعُ، يعلقُ، ويحاورُ أكثر ألف
مرة من جيلِي، والدليلُ موثق بالصوتِ والصورةِ في صفحاتِ الفيسبوكِ وفيديوهاتِ اليوتوبِ
ومهرجاناتِ السينما والمسرحِ، جيلٌ يقرأُ ما لا نقرأُ ويشاهدُ ما لا نشاهدُ،
اهتماماتُه علميةُ وتكنولوجيةُ وسنمائيةُ ومسرحيةُ وموسيقيةُ وفكريةُ وتربويةُ وتعليميةُ
ومُتْعَوِيةُ وأدبيةُ واجتماعيةُ وسياسيةُ، لكنها اهتماماتٌ تختلف عن اهتماماتِنا وهي أوسعُ مجالاِ،
وهذا ما لم يستوعبْه جِيلِي، لكن العينَ لا ترى إلا ما تريدُ أن ترى!
وهل رأينا كبارَنا يقرؤون حتى
نلومَ صغارَنا ؟
يا أندادي، أفيقوا فعصرُ
المثقفِ الذي يفكرُ للآخر قد ولّى وانتهى ! من أنتم حتى يتخذَكم جيلُ
المستقبلِ قُدوةً؟ جيلٌ أغلبُه فاشلٌ في دراستِه، فاشلٌ في حياتِه، فاشلٌ في تربِية
أولادِه وبناتِه، فاشلٌ في نضالِه، الرجل فاشلٌ مع المرأةِ والمرأةُ فاشلةٌ مع
الرجلِ، فاشلٌ مع النظافةِ، متأقلم مع الوساخةِ، فاشلٌ في الإبداعِ، متأقلمٌ مع
الفشلِ نفسِه !
كان الأجدرُ بكم أن تبدؤوا بنقدِ
أنفُسِكم قبل أن تنقدوا الشبابَ وتصفوه
بالجهلِ وانعدامِ الضميرِ والأخلاقِ. ألستُم مسؤولين على تربيةِ هذا الجيلِ ؟ فإذا كان به اعوجاجٌ فهو
من صنعِ أيدِيكم، وإذا كان ناقص تربيةً فمن حسنِ أخلاقِكم، وإذا كان جاهلاً فهو
متخرجٌ من مدرستِكم العموميةِ، وإذا كان مهزومًا فقد رضعَ الهزيمةَ من انتصاراتِكم
في حرب 67، وإذا كان جبانًا متخاذلاً فقد تعلمَ الشجاعةَ إبانَ سقوطِ بغداد في 2003، وإذا كان فاسدًا فالفسادُ قد اكتسبَه من تقليدِ سلوكاتِكم "المستقيمةِ". ألستُم المسؤولينَ الأولينَ والأخيرينَ عن ضِياعِه إذا كان حقًّا ضائعًا كما تدّعونَ وتُبالِغون دونَ دراسةٍ أو قياسٍ
علميٍّ ؟ سامحَكم الله على ما
تأتونَ من ظلمٍ وافتراءٍ في حقِّ أبنائكم !
أنا عن نفسي، أستاذٌ متقاعدٌ
وكاتبٌ هاوٍ فاشلٌ متقوقِعٌ في "بَبُّوشْتِي"، أكتبُ لمتعتِي الفكريةِ ولا أهتمُّ تمامًا بمشاكلِ الشبابِ لأنها ببساطةٍ ليستْ
مشاكلِي، في المقابلِ، أنا لستُ مسؤولاً سياسيًّا، ولا داعيةً ديني أو إيديولوجي
أو فلسفي، ولستُ صاحبَ رسالةٍ تنويريةٍ أو تثقيفيةٍ أو تربويةٍ في هذا الوضع
الفوضوي العبثي، ولم أدّعِ يومًا نُصْحَ أحدٍ أو هدايةِ الآخرينَ أو قيادَتِهم. يبدو لي أن المسؤوليةَ تقعُ بالكاملِ على عاتقِ مَن زكُّوا
أنفسَهم لتحمُّلِها، أعني بهم، المدرسينَ المباشرينَ في التعليمِ العموميِّ والخاصِّ،
النوابَ المنتخَبينَ، مثقفِي السلطةِ والمعارضةِ، الأحزابَ، الجمعيات، النقابات،
منشطي دورِ الثقافةِ والشبابِ، السنمائيينَ، المسرحينَ، الصحفيينَ وأخص باللوم
منهم الإعلاميينَ في الإذاعاتِ والتلفزاتِ، الأئمةَ والوعّاظَ، رجالَ الأعمال،
الآباءَ والأمهات، المبدعينَ الكبارَ، والقائمةُ تطولُ...
خاتمة: بني وطني لا تحزنوا فكلنا في الهواء سواء، والمصيبةُ إن
عَمت خَفّت، فالعالَمُ الليبرالي كله يحكمُه الشعارُ القاسي التالي (Les vices privés font la vertu publique)، وعالَمُنا اليوم، كله عالمٌ ليبرالي
متوحش، والحمدُ لله الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواهُ !
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد
فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل
أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد"
مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ
طُولًا" (قرآن)
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 14 مارس
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire