ملاحظة
للأمانة العلمية، أسلوبُ المقال
أسفله أسلوبٌ مستوحَى من طُرفة بعنوان "العهد الجديد"، ص 86 من كتاب
"البدائع والطرائف"، جبران خليل جبران، دار المعارف، سوسة\تونس، الطبعة
الثانية، 1997، 148 صفحة.
في تونس اليوم فئتان متصارعتان
بصمت: فئة صادقة و فئة
غشاشة. أما الفئة الغشاشة فحتما لن تبنيَ لنا غدًا أفضل. وأما الفئة الصادقة ورغم
نُدرتها فلن يبنيَ تونس غيرها وهي مطالَبة بتوسيع دائرة صدقها ولو بالتضحية ببعض نفسِها
ونفيسها.
تعال وأخبرني ما أنت ومَن أنت
ومِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير ؟
1.
أأنت نقابي يريد أن ينتفع لوحده من النشاط النقابي ؟
أم
أنت نقابي يريد أن ينفع منظوريه وينتفع هو أوتوماتيكيا من النشاط النقابي ؟
إن كنت من الفئة الأولى (نقابي أناني) فأنت انتهازيٌّ.. أنت نبتة طفيلية وجب اقتلاعها قبل أن تتفرع جذورها لأنك كلما ارتقيت نقابيا أكثر كلما أصبحت قدرتك على إدارة النفاق أكبر، أنت منافق بالقوة
(sens philosophique : hypocrite en puissance)،
منافق لم يرث النفاق في جيناته بل اكتسبه في
حياته.
وإن
كنت من الفئة الثانية (نقابي نزيه) فأنت بذرة طيبة وجب على العمال رعايتها دون شطط
حتى لا تعلو كثيرا فيستحيل عليهم قطف ثمارها، ولو كنت أمينا صادقا فثق أنك لن تتجاوز
حتما عضوية نقابة أساسية أو رئاستها.
للأسف
الشديد فإن الفئة الأولى سائدةٌ في مجتمعنا التونسي أما الثانية فمهمّشةٌ !
2.
أأنت مُصلٍّ يتردد على الجامع خمس مرات في اليوم وخارج
الجامع تاجر يحتكر الضروريات ليبيع بعشرة دنانير ما ابتاعه بدينار.. مدرّسٌ يعطي
دروسا خصوصية أسبوعية لخمسين أو مائة تلميذ من تلامذته وغير تلامذته، خارج المؤسسة
التربوية العمومية أو الخاصة، في ظروف غير صحية وغير بيداغوجية ويمتص عرق أوليائهم
باسم العلم.. موظفٌ متقاعسٌ.. حِرَفيٌّ غشاشٌ.. طبيبٌ تاجرٌ.. قاضٍ مرتشٍ.. محامٍ
متحيّلٍ ؟
أم
أنت مُصلٍّ تقيٌّ يخاف ربه داخل الجامع وخارجه.. تاجرٌ يُسهِّل التبادل
بين المنتِج والمستهلِك.. مدرّسٌ يقوم
بواجبه على أحسن وجه داخل المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة وإن أعطي دروسا
خصوصية فبمقابل مادي معقول ولِعدد قليل من غير تلامذته.. موظفٌ صاحب رسالة وضمير
نقي حي.. حِرَفيٌّ كفءٌ أمينٌ.. طبيبٌ مؤمنٌ برسالته الإنسانية.. قاضٍ عادلٌ..
محامٍ عاشقٌ للعدلِ.
إن كنت من الفئة الأولى (مُصلٍّ منافق) فأنت
خطرٌ على المجتمع، ترددتَ على الجامع أو الحانة. ألا تعرف أن الله يراك داخل الجامع
وخارجه حتى وإن كنت أنت لا تراه داخل الجامع وخارجه ؟ ألا تعرف أن الله ربما يسامح
في حقه ولا يسامح في حق عبده ؟ ألا تعلم أن أفضل طريقة للتقرّب من ربّك هي الإحسان
لعبده (موعظةٌ
جميلة وحديث سمعتها في قطار تونس-حمام الشط من شاب سلفي: "أن ترافق محتاجا
وتساعده في قضاء حاجته خير من قضاء شهر اعتكاف في مسجد") ؟ ألا تعي أن الله غنيٌّ عن خيرك ولا يضرّه شرّك ؟ أتنافِق
مَن يستحيل نفاقه ؟ أتداهِن مَن لا يمكن أن يُداهَن ؟ ألا تعرف أنك غير محبوب من
الخالق قبل المخلوق ؟ ربما نجحت في التحايل على الثاني فهل تتصور ولو للحظة أنك
ستنجح مع الأول ؟
وإن
كنت من الفئة الثانية (مُصلٍّ تقيٌّ)
فأنت في الطريق المستقيم شَكَرَكَ الناس أو جحدوك.
للأسف
الشديد فإن الفئة الأولى متواجدةٌ في مجتمعنا التونسي أكثر من الثانية ولو
كنا عكس ما نحن عليه اليوم لَكُنا عدَونا وسبقنا ظلنا ولَكُنا من أوائل الدول
المتقدمة ولَصَلُحَ أمرُنا وكُنا عن جدارة "خير أمة أخرِجت للناس" ولَكُنا
قدوة ورحمة للعالمين ولَما كان حالنا اليوم كما هو عليه اليوم !
3.
أأنت معارضٌ يتخذ المعارضة زينة وخطابا مفرغا من الصدق
والإيمان، معارضٌ ناقد متحمس للسلطة، في الاتحاد والمقاهي والملتقيات، وهو في
واقعه مدرسٌ يتأخر عن الالتحاق بقسمه 25 دقيقة في فترة الراحة أو موظفٌ لا تجده
إلا نادرا في مكتبه أو طبيبٌ يجدد لك عطلة طويلة الأمد دون أن يرى وجهك أو متقاعدٌ
يتمتع بجراية وهو لم يعمل بإخلاص يوما واحدا في حياته المهنية ؟
أم
أنت معارضٌ يقوم بواجبه في عمله ويلوم المتقاعسين عن القيام بواجبهم، مسؤولين
كانوا أو عمالا أو موظفين ؟
إن
كنت من الفئة الأولى (معارضٌ مزيّفٌ) فأنت كالحرباء ذو لونين ولا يحق لك
نقد الآخرين على فعلٍ تأتي أنت بمثله أو أشنع منه.
وإن
كنت من الفئة الثانية (معارضٌ صادقٌ) فأنت متماهٍ مع نقدك صادقٌ في لومك ويحق
لك أن تقسو على الفئة الأولى وأمثالها كما يحلو لك وكما تشاء.
للأسف
الشديد فإن الفئة الأولى تتكاثر في مجتمعنا التونسي بسرعة أكبر من الفئة
الثانية وإلا لَما احتجنا للنقد أصلا !
إمضائي:
نفسي مثقلةٌ بالأحلامِ فهل مِن بين القُرّاءِ مَن يشاركني حُلْمِي ويخفّف عني
حَمْلِي ؟
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 23 سبتمبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire