1.
الحجة الأولى، التي تدور اليوم في الأوساط اليسارية،
تقول أن العالمَ مقسّمٌ إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تمثل 1% من سكان
العالم، تضم الأكثر رخاءً فيهم، وتستأثر بجل فوائد التنمية الرأسمالية. المجموعة الثانية تمثل الـ99% المتبقية من سكان العالم، تضم جميع المتضررين من هذه
التنمية الرأسمالية اللامتكافئة. لكن هذه الأخيرة نجد فيها مثلاً، العامل والفلاح
والمعلم وأستاذ الثانوي، كما نجد فيها أيضًا الطبيب والمحامي والأستاذ الجامعي، فمِن
الصعب إذن أن نتخيل أن بين الطبقتين، الدنيا والوسطى، قد توجد مصالحٌ مشتركةٌ، ومن
المستحيلات أن يكوّن الاثنان طبقةً سياسيةً ذات وعيٍ طبقيٍّ متجانسٍ (La conscience de classe).
2.
الحجة الثانية وهي متداولةٌ عند
اليسار أيضًا، تقول أن الـ"معركة الثقافية" هي فكرةٌ، فكرةٌ في الواقع ليست خاطئة في حد ذاتها، لكنها تفتح أبوابًا
على إستراتيجيةٍ سياسيةٍ إشكاليةٍ.
3.
فكرة المفكر الماركسي الإيطالي
أنطونيو ڤرامشي تتمثل في مفهومِ "الهيمنة الثقافية" الشهير
(L`hégémonie culturelle).
فكرةٌ
بسيطةٌ: السياسة ترتكز في آخر المطاف على الثقافة. فإذا كانت الحكومات لا تطبق برنامجها، فليس لأنها تفتقر
للشجاعة أو الطموح، ولا لأنها ترفض الدفاع عن مصالح مَن انتخبوها، بل لأن الجو
السياسي يعارض تطبيقها (Le fond de l`air politique). يجب
إذن تغيير هذا الجو وجعلِه مقبولاً. الصين، مثلاً، لم تصل إلى المرتبة الثانية
اقتصاديًّا في العالم عن طريق أي "معركة ثقافية"، بل وصلتها بفضل قوتها
الاقتصادية التي يحاول زعماؤها بكل جَهدٍ تحويلها إلى قوة عسكرية. لكن الهيمنةَ الليبراليةَ
الجديدةَ لم تنبثق إلا بعد تغييرات هيكلية أضعفت القوى التقدمية، وواهمٌ مَن يتصور
أنه يكفي أن تربح الـ"معركة الثقافية" حتى يتغير النظام.
4.
الحجة الأولى والثانية تنطلقان
من تصورٍ واحدٍ للعالم الاجتماعي. تصورٌ يَعتبِر المجتمع ككيانٍ غير متمايزٍ
(Une entité indifférenciée)،
كفضاء
مَرِنٍ نشكّله بالحوار في اتجاهٍ أو آخرَ. وعكس بعض مفسّري ڤرامشي الذين يقوّلون
ڤرامشي ما لم يقل: هو لم يرغب أبدًا في أن يجعلَ من الـ"معركة الثقافية" القلب النابض
للصراع الطبقي. يذكر ڤرامشي تطور ماركسية عصره ويؤكد أن "المرحلة الأحدث من
تطورها تتمثل بحق في المطالبة بلحظة "الهيمنة" كعنصرٍ أساسيٍّ في تصورها
للدولة وفي تثمين العامل الثقافي، النشاط
الثقافي، وضرورة تأسيس جبهة ثقافية جنب الجبهات الاقتصادية والسياسية
البحتة". ربطُ "الجبهة الثقافية" بالجبهات الاقتصادية والسياسية:
هذه هي الفكرة الكبرى! فكرةُ "الهيمنة الثقافية" الڤرامشية ليست خطبةً
منمقةً لمثقفين أو زعماء معارضين على شاشات الفضائيات مثلما ما يفعل عندنا زعماءُ
"الجبهة الشعبية"، إنها قدرة الحزب على خلق وتسيير كتلة اجتماعية موسعة،
وذلك عن طريق تأسيس وتطوير الوعي الطبقي، المهمة اليسارية الأساسية التي لم يقم
بها أي حزب يساري تونسي منذ ما يقارب قرنًا من الزمن، منذ تأسيس الحزب الشيوعي
التونسي سنة 1934.
5.
شَنُّ الـ"معركة الثقافية"
يتطلب من اليساريين الڤرامشيين تسييس الطبقات الشعبية الجديدة (بروليتاريا متنوعة تختلف عن البروليتاريا
الكلاسيكية في السبعينيات)، وذلك عن طريق إذكاءِ وخوضِ صراعاتٍ نقابيةٍ نوعيةٍ،
صراعاتٌ لا تقف عند سقف تحقيق مطالب مادية على أهميتها. النقابيون الواعون طبقيًّا
هم ورثةُ ڤرامشي الحقيقيون.
Référence: Le Monde diplomatique, mars 2018, extrais de l`article
«Les idées suffisent-elles à changer le monde. Ce que la bataille culturelle
n`est pas», par Razmig Keucheyan, Professeur de sociologie à l`Université de
Bordeaux, p. 3
إمضائي:
Les
vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du
peuple gouverné
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 31 مارس
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire