lundi 6 avril 2020

هل فَهم المثقف التونسي الواقع التونسي؟ مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 9 ديسمبر 2011 (أعيد نشره مخفَّفًا).

"المعاصَرة خلقٌ وإبداعٌ ولا تتم إلا بالالتحام الوثيق بمسيرة المجتمع ودور المثقف هنا يتمثل في إنارة السبيل بعد فهم الواقع وبعد رفع القناع عن ملابساته" د. عبد الوهاب بوحديبة

هل تصح مقولة د. عبد الوهاب بوحديبة في المثقف التونسي أيام ثورة 2011؟
لقد كتبتُ أيام الثورة عن مثقفينا، بجميع أطيافهم السياسية، وقلت أن جلهم لم يفهموا ما وقع قبل 14 جانفي ولا بعده، ولا أستثني نفسي بل أضعها في خانة غير الفاهمين، لم يرفعوا القناع عن ملابسات ما وقع ولم ينيروا السبيل لعامة الناس. كنتُ أعتقد أن المثقفين السياسيين، ليبراليين وقوميين ويساريين وإسلاميين، الذين ناضلوا منذ الستينات ضد بورقيبة وضد بن علي وقادوا المظاهرات وشاركوا في الاعتصامات والإضرابات، كنتُ أعتقد أنهم هم الذين أطاحوا بالطاغية بن علي بمعية المعطلين والمهمشين وأجبروه على الهروب إلى دولة الرجعية والعمالة والخيانة.  كنتُ أظن أنهم أوسع منا ثقافة وأعمق منا تحليلا، نحن القاعدة المثقفة غير المسيسة، لكن الظاهر أنه لا يرى إلا مَن يريد أن يرى، ومَن لا يريد أن يرى فلن يرى حتى ولو كان له ألف عين. الرؤية بالمخ ليست بالعيون. العين كاميرا والمخ هو المُخرِج.

لو لم يكن هؤلاء المتحزبين قصيرِي النظر لما تهافتوا على تكوين أحزاب ذات فكر منبت عن واقعنا، يخاطبون الشعب التونسي العربي المسلم بواسطة إيديولوجيا ماضوية متخلفة عن عصرنا أو إيديولوجيا حداثية مستوردة رغم اعترافهم العلني والصريح بأن هوية الشعب التونسي هي هوية عربية إسلامية. عصرنا هذا يمتاز بالتكامل بين العقل وبين ما لا يدركه العقل، أو ما يسمى ما وراء الطبيعة (أو اللاوعي أو الدين أو الأسطورة أو الخرافة أو السريالية). العقل وما لا يدركه العقل، مفهومان غير متصارعين، فعصر الصراع بينهما قد ذهب وولّى إلى غير رجعة، وأصبح العقل وما وراءه يتكاملان في إنتاج  التوازن البشري الضروري للحياة.

لو لم يكن هؤلاء منبتّين عن واقعهم لما تاهوا وضيّعوا وقتهم ووقتنا في تحليل وتفسير المشاغل الاجتماعية الثانوية تونسيا مثل حرية المعتقد والمساواة في الإرث وحرية الفن وحق المنقّبة في الدخول إلى قاعة الامتحان، ولما تجاهلوا قضايانا الأساسية مثل تكريم عائلات شهداء الثورة معنويا وماديا ومحاسبة القناصة والقتلة وحل قضية البِطالة المتفشية في الشباب ومجانية التعليم والصحة ومحاربة الفساد ومحاكمة رموزه والتمييز الإيجابي للمناطق الداخلية.

تهافتت هذه النخب على اقتسام كعكة مسمومة أعدّتها مطابخ الإدارات الغربية التي أجهضت مسارات ثورة 17/14، وهي نفس النخب التي  احتكرت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة منذ 14 جانفي إلى اليوم. لم نَرَ يومًا منبرا تلفزيا واحدا يناقش سياسة التعليم المتخلفة أو سياسة الصحة وفشل "الكنام" (الصندوق الوطني للتأمين الصحي) أو الديمقراطية داخل الاتحاد العام التونسي للشغل أو قضية المناولة والمتاجرة بعرق العمال أو احتكار التجار الوسطاء للمنتوجات الغذائية وترفيعهم في الأسعار مثلما يريدون ووقت ما يشاؤون.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire