بوضوحٍ تامٍّ، لقد كنتُ
معجبًا بسهام بن سدرين قبل الثورة، كإعجابي بنفس الدرجة بكل المناضلين ضد بورڤيبة
وضد بن علي، يوسفيين كانوا أو إسلاميين أو قوميين أو يساريين، وذلك لأنهم يمتلكون
جرأة وشجاعة لا يمتلكها إلا القليلُ. لا أفرّقُ بينهم في نبل غاياتهم خدمةً للصالح
العام، لكنني أختلف معهم جميعًا في الوسائل، والوسيلةُ عندي أهم من الغاية،
والغاية، مهما بلغت من الصدق، لا تبرر الوسيلة خاصة عندما تكون هذه الوسيلةُ مشبوهةً
أو انتهازيةً.
بعد الثورة، لم أحدد بعدُ
موقفًا واضحًا من سهام، لا معها ولا ضدها. سمعتُ جميع حُججِ مُحِبّيها كما حُججِ مناوئيها،
قد يكون الحق مع الأولين وقد يكون أيضًا مع الثانين، ينقصني المقياسُ الموضوعي،
ولذلك أرجئ حكمي إلى حين.
بماذا يتهمها خصومُها؟
1.
التهمة 1:
"تترأس هيئة عدالة انتقالية
وهي ليست محايدة، بما أنها هي نفسها ضحية نظامَي بورڤيبة وبن على، ولذلك لا يمكن
لها إذن أن تكون الخصم والحكم".
الدفاع
1:
منذ
متى كان الثوارُ محايدين؟
هل
للحيادِ مكانٌ بين الجلادِ والضحيةِ؟
هل
الحيادُ، إن وُجد في هذه الحالة، صفةٌ محمودةٌ؟ وهل
يوجد في تونس بعد الثورة عينةٌ تونسيةٌ واحدةٌ من هذا الصنفِ لتستلمَ مهمةَ رئاسةِ
"هيئة الحقيقة والكرامة"؟
هل
ثوارُ فرنسا 1789 كانوا محايدين مع النبلاء ورجال الدين؟ وهل المسلمون الأوائل كانوا
محايدين مع الكفارِ؟
2.
التهمة 2:
"طالبتْ بإعادةِ كتابةِ تاريخ
الحركة الوطنية".
الدفاع
2:
وما
العيبُ في ذلك؟ هل مسّت مقدسات؟
هل
مَن كَتَبَ التاريخَ أو درّسَه في عهد بورڤيبة تعرّضَ من قريبٍ أو بعيدٍ للمسألة
اليوسفية بحيادٍ وموضوعيةٍ؟
هل
مَن كَتَبَ التاريخَ أو درّسَه في عهد بن علي تعرّضَ من قريبٍ أو بعيدٍ لمسألة تعذيبِ
الإسلاميين في المراكز والسجون بحيادٍ وموضوعيةٍ؟
هل
التاريخُ علمٌ موضوعيٌّ ومحايدٌ؟ وهل يوجد أصلاً علمٌ واحدٌ موضوعيٌّ ومحايدٌ؟
الحيادُ والموضوعيةُ في العلم، يحضران ويغيبان حسب المصلحة، ومصلحة القَوِيِّ
أولَى.
العلمُ،
لعلمكم يا سادتي العلماء الأجلاء، منحازٌ لمموليه، وأكبر دليلِ على ذلك هو احتكار
العلم النووي والعلم الصيدلي من قِبل بعض الشركات الرأسمالية الغربية الأنانية الجشعة.
3.
التهمة 3:
"عريضة الستين مؤرخًا ضد سهام".
الدفاع
3: سهام ليست ندًّا علميًّا لكم حتى تتجمعوا كلكم ضدها. هي أقل من ذلك بكثير، خاصة
في مجال اختصاصكم الأكاديمي، ولم تحاول أبدًا منافستكم فيه، فلماذا أنتم إذن تنافسونها في ميدانها، السياسة، ميدانٌ ليس من اختصاصكم؟ هي سياسية
بامتياز، ومن حقها - للأسف - الشرعي أن تناور وتختار الوقت المناسب لتباغِت خصومها
وخصومنا السياسيين (الدساترة والتجمعيون المورّطون في التعذيب والفساد وسرقة المال
العام واستغلال النفوذ للإثراء غير القانوني). احترموا علمكم ودرجتكم الأكاديمية
العالية، وانأوا بأنفسكم وتعالَوا، ولا تُجارونها في مهاتراتها السياسية الظرفية
إن كنتم ترونها كذلك، وانكبّوا على دراسة شهادات المعذبين في الأرض (يوسفيين وقوميين
ويساريين وإسلاميين بالآلاف) التي قدمتها لكم سهام دون أن تبذلوا في سبيلها عناء البحث،
تناولوها بالدرس والتمحيص وافرزوا الغث من السمين، وهذا هو دوركم الأول والأخير، وكفاكم
به شرفًا وفخرًا وحظوةً عند التونسيين والعالمين أجمعين.
4.
التهمة 4، أوجهها لها أنا:
"تقول سهام أن وثيقة
الاستقلال تحوي تنازلات سرية لصالح فرنسا".
وهل
يوجد في العالم استقلالٌ واحدٌ غير منقوصٍ؟
-
ألمانيا تخلت بعد الهزيمة عن ثلث مساحتها ولا زال آلاف
الجنود الأمريكان المنتصرون، منذ نصف قرنٍ أو أكثر قليلاً، يرتعون في ألمانيا
المستقلة موزعين على ما يقارب السبعين قاعدة عسكرية.
-
اليابان تخلت بعد الهزيمة عن جزرٍ لصالح روسيا، ولا
زال آلاف الجنود الأمريكان المنتصرون، منذ نصف قرنٍ أو أكثر قليلاً، يرتعون في اليابان
المستقلة موزعين على قواعد عسكرية متعددة، ودستورها الحالي كتبه لها الأمريكان من
ألِفِه إلى يائه.
-
الصين الشيوعية انتصرت، وقطعتان واسعتان من أرضها خارج
سيطرتها، فورموزا لا زالت متمردة حتى اليوم، وهونڤ كونڤ استرجعتها حديثًا دون
مقاومةٍ من تحت براثن
الاحتلال
البريطاني.
-
نابليون انتصر في جل معاركه، ذهب وترك مساحة فرنسا أقل
مما استلمها.
-
المكسيك استقلت وولاية التكساس انتزعها منها عنوةً
الأمريكان.
-
الثوريان بامتياز، فيدال كاسترو وشي ڤيفارا، حررا كوبا
وتركا ڤواتنامو الكوبية تحت احتلال العدو الأمريكي.
-
المغرب استقل، وسبتة ومليلة، المدينتان المغربيتان لا
زالتا تقبعان تحت الاحتلال الأسباني منذ ما يزيد عن 500 سنة.
فبأيِّ آلاءِ الواقعِ الاستعماريِّ البغيضِ تكذبان؟ وهل المواطن الجزائري (البلاد التي تحررت بفضل الكفاح
المسلح، بلاد المليون ونصف شهيد) أكثر استقلالاً حاليًّا من المواطن الألماني أو الياباني؟
5.
التهمة 5، أوجهها لها أنا أيضًا:
"تقول سهام أن ثرواتنا الباطنية
لا زالت تُنهَب من قِبل المستعمِر القديم، فرنسا".
هل
يوجد في العالم الثالث كله ثروةٌ باطنيةٌ واحدةٌ غير منهوبةٍ من قِبل بعض الشركات
الرأسمالية الغربية الاستعمارية الأنانية الجشعة، مؤممةً كانت أو غير مؤممةٍ؟ وهل
يوجد غِرٌّ عربيٌّ واحدٌ لا يعي هذه الحقيقةُ، فما الجديدُ في صيدِكِ
"الثمينِ" هذا كما تدعينَ يا سهامُ؟
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد
فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل
أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد"
مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ
طُولًا" (قرآن)
Les
vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du
peuple gouverné
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 28 مارس
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire