samedi 17 mars 2018

حضرت البارحة حفل تكريم في معهد برج السدرية، أقِيمَ على شرف خمسة زملاء أحيلوا على التقاعد. مواطن العالَم


كان لقاءً شيقًا ومُحكَم التنظيم بفضل الأسرة التربوية بالمعهد وبفضل المشرِفة على التنظيم، زميلتي الرصينة، زهرة الزلفاني، أستاذة الفلسفة المتميزة بهدوئها وجديتها. كرم حاتمي: حلويات عربي، حلو ومالح، عصير، أجبان متنوعة. أستاذة جاءت في "حُولِي" مزركش بالذهب بمناسبة يوم الاحتفال باللباس التقليدي. موسيقى، غناء، إلقاء شعر.
الأستاذ نور الدين السرغيني، قَيدوم المعهد المتقاعد، أستاذ العربية القدير، ملك النكتة الخفيفة،  قال في كلمته ما يلي: "عِوضَ أن نقول "أحِيل الأستاذُ على شرف المهنة" أو "تقاعَد"، نقول: عيد ميلاد شباب الشيخوخة".

ليس لي ما أهديه لزملائي الخمسة المتقاعدين الجدد إلا آخر كتاب صدر لي حديثًا تحت عنوان "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي".

كلمتي بالمناسبة (مُعَدَّةٌ وليست مُرْتَجَلَةً، كالعادةِ)
عَمِلتُ مع ثلاثة منهم، أستاذة الفرنسية الجميلة راضية بن سعد والأستاذان الرياضيان، عبد الله الشورابي وجلال الشنوفي.

بهذه المناسبة التربوية المحترمة أريد التحدث حول ثلاثة نماذج تربوية (Trois modèles éducatifs) مهمة لكنها منسية أو مهملة في نظامنا التربوي، وهي الصبر على الظروف الصعبة في المدرسة والبيت، اختيار الوسط بين حَدّين، وتعليم القِيم.

النموذج الأول، أي الصبر على الظروف الصعبة في المدرسة والبيت، قال فيه الفيلسوف نيتشه الحكمة الشهيرة "أحِبَّ قدرَك" (Aime ton destin) بحُلوه ومُره، اِفرحْ بِحلوِه واصبِرْ على مرّه، كما صبرنا وصَبَرَ معلمونا الأوائل وأمهاتُنا وآباؤنا في الخمسينيات والستينيات في سنوات بدايات الاستقلال وحتى اليوم لا زالوا يكابدون ويصبرون.

النموذج الثاني أي اختيار الوسط بين حَدّين، فقد قال فيه الفيلسوف أرسطو "الخير هو الوسط بين شَرّين" (La vertu est le juste milieu entre deux vices.)، مثلاً الشجاعة هي الوسط بين التهور والجُبن. نحن في تونس نربي صغارَنا كما نربي أحصنة السباق، ندربهم على التنافس المحموم ليصل قلة منهم إلى المراتب الأولى، عوض أن نربيهم على التعاون المحمود ليبلغ أغلبهم مرتبة الوسط. وللأسف الشديد حصدنا ما زرعنا، حصدنا تلميذًا يهتم أكثر بالتقييم والأعداد أكثر من اهتمامه بالتكوين المعرفي.

أما النموذج الثالث والأخير، أي تعليم القِيم، فيبدو لي أننا في تونس أكثرنا من تلقين الأخلاق في المدرسة والجامع. الأخلاق، يا أحبائي، ليست معرفةً تُدرّس في المدارس (C`est à dire une connaissance) ولن نتعلمها أيضًا بالوعظ والإرشاد، الأخلاق، يا سادة يا كرام، فعلٌ نتدرب عليه بالممارسة داخل المجتمع (une pratique)، مع الإشارة إلى أن تدريس المعارف أو تلقينها لا يغير أوتوماتيكيًّا القيم كما قد يتبادر إلى أذهان بعض المربين. مثال: في النظام التربوي الكندي، يُطالبُ تلميذ الثانوي بإنجاز أربعين ساعة عمل تطوعي خارج المدرسة، وإلا فلن يحصلَ على شهادة الباكلوريا حتى ولو كان معدله في الامتحان يساوي 20\20.

الخلاصة: التعليم رسالة وليس تجارة، التعليم (Savoir et non Avoir)، التعليمُ كنزٌ، ويا للمفارقة الكبرى (Un grand paradoxe)، كنزٌ يزيدُ مع القسمة والانتشار وينقص مع الاحتكار وغلاء الأسعار. أيها المربي اِرفعْ رأسك وافتخرْ، إنك تمارس أنبل وأشق مهنة في التاريخ، وتشتغل في معبد الرسالات الثلاث: العلم، العقلانية والدين.

خاتمة: أوجه تحية من المتقاعدين إلى زملائنا المباشرين، سَدَنَةُ المعبد وحاملي مشعل التنوير.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 17 مارس 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire