"متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟". مواطن
العالم د. محمد كشكار
صيحة أطلقها عمر بن الخطاب،
رضي الله عنه، منذ خمسة عشر قرنا "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم
أحرارا؟" و مع ذلك ظل المسلم يستعبد أخاه المسلم أربعة عشر قرنا بعد تاريخ القولة
(أُلغِيت العبودية في موريتانيا في القرن الماضي). نداء الفاروق، رحمه الله، لم
يشمل جميع البشر في ذلك العصر و ذلك لوجود العبيد في عهده لأن الإسلام لم يحرم
العبودية بل اكتفى فقط بالتشجيع على تحرير العبيد. و مَن يطالب بتحرير العبيد جملة
و تفصيلا في ذلك الزمان كمَن يطالب بالمستحيل التفكير فيه في ذلك العهد. صيحة عمر،
هي صرخة إنسانية تكرِّم الإنسان لا شك في ذلك، لكنها صرخة جاءت قبل أوانها بالنسبة
للعبيد (يحق للحر أن يستعبد العبد) و في أوانها بالنسبة للأحرار العرب (لا يحق
للحر أن يستعبد الحر و هنا يتنزل سؤال أو احتجاج عمر) و قد سبقه بخمسة قرون
الأسياد اليونانيون في مساواة الأحرار بين بعضهم البعض.
و ما وقع في الحضارة
الإسلامية من ممارسات عبودية، وقع بنفس الدرجة أو أكثر في الحضارة المسيحية فلا
يحق إذن لهذه الأخيرة أن تزايد علينا في مجال حقوق الإنسان: ملايين من الأفارقة هُجِّروا
قسرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، نصفهم مات في البواخر و نصفهم الآخر بَنَا
أمريكا و هو مستعبَد.
ثار العبيد عدة مرات و في
أماكن مختلفة و أزمنة مختلفة، لكنهم لم ينجحوا في تحرير أنفسهم قبل الأوان و لم
ينفعهم أو يعجل بتحريرهم أي دين سماوي أو أرضي. حررهم تقدم البشرية و تطور وسائل
الإنتاج و ليس صدفة أن يبدأ تحريرهم في أكثر الدول تقدما، الولايات المتحدة
الأمريكية. حررهم العقل البشري و ساهمت مَكْنَنَة وسائل الإنتاج في عتقهم من
أغلالهم. أصبحوا عبئا على صاحب الأرض فقال لهم غصبا عنه أو عن طواعية في بعض
الحالات: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". خرجوا من سجنهم الضيق إلى السجن
الكبير. خرجوا من سجن أحادي اللون إلى سجن ملوّن، فيه الأسود و الأبيض و الأصفر و
الأحمر. كانوا يبادلون العمل بالقوت اليومي فأصبحوا يبادلونه بأجر زهيد لا يكفيهم
قوت يومهم. كانوا وحدهم في العبودية فأصبح لهم إخوة كثر، عمالا و فلاحين أجراء و عاطلين
عن العمل.
خاتمة:
الحرية ليست شيئا قائما في
ذاته نبحث عنه لكي نقبض عليه، بل هي شيء نمارسه و نصنعه أو ننتجه! الحرية لا تنزل
من السماء و هي ليست موجودة على الأرض لكي
نقترب منها، بل هي نتاج يُنتج و صناعة تُصنع في المعيش اليومي.
إمضاء:
-
كل ما يُقال لك نصف الحقيقة، فابحث عن النصف الآخر
بنفسك.
-
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
-
أقرأ و أكتبُ و أنقل و أنشر للمتعة الفكرية و للمتعة الفكرية
فقط، لا أكثر و لا أقل، و لكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي
الكرام و السلام.
تاريخ أول نشر على النات:
حمام الشط في 4 جوان 2012.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire