وجهة نظر حول الدرس
الذي يسبق خطبة الجمعة. مواطن العالم د. محمد كشكار
لست
من أهل الاختصاص في المسائل الفقهيّة و لكن موضوعات الدرس الذي يسبق عادة خطبة الجمعة تهمني لأنها قد تكون دنيوية، لذا فقد رأيت من واجبي الكتابة في هذا الجانب
منها، مشاركة مني في الارتقاء بالمستوي العلميّ لهذا الدرس.
أبدأ بتقديم معلومات حول خطبة
الجمعة أستقيتها دون بحث طويل و دون تفضيل من موقع في الأنترنات عنوانه "خطبة
الجمعة و دورها في تربية الأمّة" للدكتور عبد الغنيّ أحمد جبر مزهر الذي يقول
فيها الآتي :
-
"تتميّز
خطبة الجمعة بالاستمرارية و التكرار في كل أسبوع, ففي
العام الواحد يستمع المصلي لاثنين و خمسين خطبة, و هذا يمثّل مساقا دراسيا كاملا, فإذا أحسن إعداده
كانت آثاره جليلة و ثمراته عظيمة (...).
-
تتميّز بتنوّع الحاضرين فيها, باختلاف مستوياتهم
و طبقاتهم العلميّة و الاجتماعيّة (...).
-
من مقوّمات الخطيب علمه و ثقافته (...).
-
المناسبة (الحدث) لها أثر كبير في تحديد المنطلق
الرئيس لموضوع الخطبة (...). لا بد للخطيب أن يقصد هدفا محدّدا بالذات من خطبته, و
هذا يجعله لا يصعد المنبر بصورة تلقائيّة رتيبة ليقول ما يخطر على باله.
-
و خطبة الجمعة, هدفها النهائيّ الموعظة و تربية
الأمّة (...).
-
و من الأمور التي تساعد الخطيب على إعداد
الخطبة و اختيار الموضوعات المؤثّرة: الأحداث اليومية و الأخبار التي يسمعها و ما
يقرؤه في الصحف و المجلاّت و ما قرأ من الكتب و المؤلّفات و مسائل الناس و
مشكلاتهم، التي يسألونه عنها و يطلبون رأيه فيها (...). و من المفيد أن يتمّ
اختيار الموضوع في بعض الأحيان بناء على استشارة عدد من المصلّين الذين يحضرون
خطبه غالبا" (ديمقراطية اختيار موضوع خطبة الجمعة)".
-
انتهى الاستشهاد بالدكتور عبد الغنيّ أحمد جبر
مزهر.
لنترك جانبًا الإمام الكلاسيكي
المختصّ في الدين و هو موظّف قارّ و لن أتدخّل في دوره لأنني غير مختصّ في الدين.
أقترح في كل جمعة، وبعد تنسيق و إعداد مسبق, استدعاء متدخّل من بين المواظبين على
الصلاة - يُختر هذا الشخص تحت إشراف الإمام و يكون محل ثقته و ثقة مرتادي الجامع - و من الأفضل أن يكون مختصّا
في فرع من فروع العلم و متطوّعا غير قارّ لأن "من مقوّمات الخطيب علمه و
ثقافته"، و العلم و الثقافة مجموعة إختصاصات لا يمكن أن يلمّ بها و يتقنها
شخص واحد، لا سيّما في عصرنا هذا، و لا يُعقل أن يصمت المصلّي المختصّ و هو يسمع خطيبا
غير مختصّ يشرح و يحلّل و يعظ و يرشد في "مسائل الناس و مشكلاتهم (الدنيويّة)
التي يسألونه عنها و يطلبون رأيه فيها".
على سبيل الذكر لا الحصر,
أسوق أمثلة تجسّم الموضوعات الدنيويّة التي يُرجى أن يتدخّل فيها الضيف الخطيب العالِم
الدنيوي في درس الجمعة الدنيوي الذي يسبق خطبة الجمعة الدينية:
1. ما أحوجنا كلنا لتوصيات خطيب
مختصّ في كتابة عقود البيع و الشّراء و نحن نتعرّض يوميا للاحتيال باسم القانون.
2. في افتتاح السنة
الدراسية, نأتي بخطيب مختصّ في علوم التربية يشرح للناس كيفيّة تهيئة ابنائهم لعام
دراسي ناجح.
3. بمناسبة الأزمة الماليّة
العالميّة نستدعي خطيبا خبيرا في الشؤون الماليّة يشرح للناس أسباب الأزمة و نتائجها.
4. إثر انتشار مرض معيّن في
العالم أو في البلاد, نرحّب بخطيب طبيب في الجامع يُطَمْئن الناس و ينصحهم بما يجب
فعله في مثل هذه الظروف.
5. في موسم الحج, ندعو خطيبا
مختصّا في الطبّ الوقائيّ، يشرح للمرشّحين للحج فوائد و مضار التلقيح و كيفية اتّقاء
ارتفاع درجة الحرارة في الأراضي المقدسة.
6. قبل رمضان, نستقدم خطيبا مختصّا
في التغذية يحذّر المرضى من كبار السن و المعذورين شرعيا من مخاطر الصوم على صحتهم
و على صحة من يقوم عليهم.
7. قبل فصل الصيف و كثرة
حركة السيارات, يفيدنا بعلمه و تجربته خطيب خبير في حوادث الطرقات، هذه الحوادث التي تقضي سنويا على 36 ألف بشر و تصيب 400 ألف
مواطن في جملة البلدان العربية.
8. قبل موسم الأفراح, ينبئنا
خطيب خبير في التلوّث الصوتيّ عن مضارّ الضجيج و النشاز الموسيقي المنبعث من مكبرات
الصوت.
9. في اختتام السنة
الدراسية, نستضيف خطيبا عالِم نفس يفسر للأولياء أسباب النجاح و الفشل الدّراسي و
كيفيّة التعامل مع أبنائهم في كلا الوضعيّتين.
لقارئ أن يعلّق و يقول: "هذه
موضوعات محاضرات علميّة مختصّة تُلقى في دور الثقافة و الجامعات"، و سوف
أجيبه كالآتي: "ما الضّرر لو يصبح "جامعنا" دار دين و منارة علم في
آن".
بالله عليك، أيها القارئ
الكريم، تصوّر معي و احلم, و لو للحظة, بالفائدة التي ستحصل لمواطن مسلم مواظب على
خطبة الجمعة (و من المصلين من لا يرتادوا دور الثقافة لانشغالهم بعملهم و منهم من
لم يسعفه النظام التربوي و ظروفه الخاصّة في الوصول للجامعة) عندما يتلقّى اثنين و
خمسين تدخّلا علميّا و لو لعشر دقائق في
الأسبوع في مجالات علمية مختلفة خلال سنة
على يد مختصّين "و هذا يمثل مساقا دراسيا كاملا" تتخرّج منه أجيال و تستفيد
علميا.
و لقارئ آخر أن يحتجّ و يتمسّك
بتراث السلف الصالح فلا يريد تغييرا حتى و لو كان مفيدا. و سوف أجيبه بالآتي:
"في العصور الماضية كانت العلوم قليلة و اجتماعها في إمام واحد ممكن و ترسيخ
العقيدة كان يشغل بالهم أكثر من المسائل الدنيويّة و العلميّة".
أنا لا أدّعي أن هذه التدخّلات
سوف تعوّض محاضرات الجامعة أو دروس المعهد و هذا غير ممكن عمليّا "لتنوّع المستمعين
اليها, باختلاف مستوياتهم و طبقاتهم العلميّة و الاجتماعيّة" و لقِصَر زمن
الخطبة.
لو قدّر الله و طُبّقت هذه
المبادرة فسوف تمهّد لإرساء ثقافة شعبيّة سمعيّة، نفسيّة و تربويّة و صحيّة و
حقوقيّة، مبسّطة لكن صحيحة لأنها صادرة عن مختصّين، نحن في أشدّ الحاجة اليها خاصّة
في مجتمع ابتعد كثيرا عن القراءة و الثقافة.
قد تفتح هذه المبادرة
المجال للعمل الخيريّ و تؤسّس لنمط جديد من التطوّع العلميّ يعطي فرصة لأصحاب
المعرفة - و جلهم فقراء في بلادنا - حتى يتصدّقوا بما يملكون من العلم و العلم هو الكنز
الوحيد الذي يزيد كلما أنفقت منه.
إمضاء م. ع. د. م. ك.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر
على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن
يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية
السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج
العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض
رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل
إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, أنا لست
داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن
تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا
عن إدراكه, و إن عارضتها فيشرّفني أن يصبح
لفكرتي معارضين.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في
28 نوفمبر 2008.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire