أمرنا الإسلام، فنفذ المسلمون عكس ما أمر به دينهم! مواطن
العالَم د. محمد كشكار
أبدأ بأجمل بدء و هو ذكر القرآن
الكريم و أسوق لكم منه تعريفا من التعريفات المتعددة و المختلفة لمفهوم "أمّة": "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ".
لللأسف الشديد، يبدو لي - حسب
التعريف القرآني أعلاه - أن أمتنا، الأمة الإسلامية لا تتجسم وحدتها و لا تتحقق
إلا لماما في المساجد و الجوامع و الأعياد و المواسم (مواسم الحج و الإفطار في
رمضان و المصافحة في عيد الفطر و نحر الأضحية في عيد الأضحى و صلاة الجنازة و
قراءة الفاتحة و ما تيسّر من الأحزاب في الأفراح و الختان و "الفرْق" و
"الأربعينية" و "الألفية" (كلمة ألفية لا تعني ألف يوم بعد
الوفاة بل تعني عدد السور أو الأحزاب الذي يكررها القارئ الورع أو المأجور تحضيرا
لهذه المناسبة الدينية ترحّما على الميتين، عادة دينية حية في مسقط رأسي جمنة).
و في غير هذه الأماكن و غير
هذه المناسبات لم نر يوما أمتنا اتفقت على كلمة سواء منذ الفتنة الكبرى بين علي -
رضي الله عنه - و عائشة - أم المؤمنين -
بل رأينا وما زلنا نرى العكس فهي قد اتفقت على أن لا تتفق، "اتفق" جلها على
التقاتل فيما بينهم ، و الغش، و الكذب، و الزيف، و الفرقة، و الجفاء، و النفاق، و
انعدام الضمير المهني، و عدم إتقان العمل، و خيانة الأمانة، والتجارة بالعرض و
الأرض و الدين، و التفويت في الأوطان تحت طغيان الأعداء و جبن المسلمين العرب:
فوّتوا في القدس الفلسطينية إلى إسرائيل، و لواء الأسكندرون السوري إلى تركيا،
وسبتة و مليلة المغربيتبن إلى إسبانيا، و طنب الصغرى وطنب الكبرى الإماراتيتين إلى
إيران، و شط العرب و الأهواز العراقيين إلى إيران أيضا، و جنوب السودان إلى دولة
جنوب السودان الانفصالية المسيحية الجديدة. ألم نكن في الجاهلية هكذا، قبائل
تتصارع فيما بينها؟
فهل تجاوزنا اليوم ظلام الجاهلية
و القبلية إلى نور الإسلام و وحدة الأمة الإسلامية بعد رحلة دامت 15عشر قرنا؟ أنا
أشك و دليلي هو التالي:
-
أمرنا الإسلام أن لا نُكرِه غير المسلمين على الإيمان
بالإسلام (تقول الآية الكريمة: "و
قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر")، لكن الإمبراطوريات الإسلامية (الأموية و العباسية و العثمانية) -
و ككل الإمبراطوريات في عصرها - توسعت بواسطة السلاح و فتحت بالقوة نصف العالَم
غير الإسلامي، و لكنها خرجت بعد قرون مهزومة مدحورة من نصف البلدان التي احتلتها
تحت الضربات المسلحة لعدو غير مسلم (مثل ما وقع في إسبانيا و صقلية و بلغاريا و
ألبانيا و كوسوفو و البوسنة و الهرسك و الجبل الأسود و غيرها من البلدان الأوروبية
التي فتحها بالقوة العثمانيون الأتراك).
و
في المقابل، دخل الإسلام إلى إفريقيا السوداء عن طريق الصوفية دون استعمال السيف و
انتشر فيها دون عنف و لم يخرج منها حتى اليوم. و دخل أندونيسيا (دولة تضم اليوم
أكبر عدد من المسلمين غير العرب مقارنة بالدول الإسلامية المعاصرة الأخرى) عن طريق
التجار المسلمين دون سيف و لم يخرج منها حتى اليوم. و دخل حديثا أوروبا الشمالية و
أمريكا و كندا و أستراليا دون عنف عن طريق المهاجرين المسلمين الجدد من عمال و
مفكرين و تجار وعلماء متجنسين وغير متجنسين.
-
أمرنا الإسلام بالصلاة خمس مرات في اليوم و قال لنا أن
الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر، و لو كانت صلاتنا كذلك لكُنّا خير أمة أُخرِجت
للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر، و لَما كانت حالتنا اليوم كما هي عليه الآن،
و لَما عششت المشاكل الاجتماعية في ديارنا (فقر، جهل، إدمان على الكحول و
المخدرات، لواط، دعارة، سرقة، اغتصاب، رشوة وغيرها) و لَما سكنت التصورات غير
العلمية عقولنا على مدى 14 قرنا.
-
أمرنا الإسلام أن نتآخى في الله، فتقاتلنا فيما بيننا و
تقاسمنا لحمنا غنائم بيننا.
-
أمرنا الإسلام أن نكون رحماء بيننا أشداء على الأعداء،
ففعلنا عكس ما أمرنا به: تغافلنا على عدونا الصهيوني و هو على مرمى حجر من سوريا،
و ذبح المسلم منا أخاه المسلم و شق قلبه و أكله حيا أمام كاميرات فضائيات العالم
كله.
-
أمرنا الإسلام أن ندعو إلى سبيل الله بالحكمة و الموعظة
الحسنة، لم ندع إلى الله بل دعونا لأنفسنا و لأحزابنا و لمذهبنا و لطائفتنا و
لعرقنا و لمصلحتنا الوطنية الشوفينية الضيقة بالكلاشنكوف و الحزام الناسف.
-
أمرنا الإسلام أن نحرر العبيد تدريجيا، فأبقينا عليهم
عبيدا على مدى 14 قرنا حتى جاء أبراهام لنكولن و حررهم من بين أيدينا.
-
أمرنا الإسلام أن نحترم و نكرّم و نبجل المرأة، فأصبحنا
نُعَرَّف في العالم بهضم حقوق المرأة.
-
أمرنا الإسلام أن نرد المعروف بأحسن منه، فتنكرنا للعَلمانيين
الغربيين الذين استضافونا و أجارونا و أكرمونا في أوقات الشدة و حمونا من ظلم و
بطش حكامنا المسلمين و وفّروا لنا منبرا إعلاميا حيث لا منبر لنا في بلداننا
الإسلامية.
-
أمرنا الإسلام أن نتصدق بقسط قليل من أموالنا و ثرواتنا و هي و الحمد لله
غزيرة جدا، فلو طبقنا أمره حرفيا لما بقي في البلدان الإسلامية فقير مسلم واحد.
-
أمرنا الإسلام بالوالدين إحسانا، فلو طبقنا أمره حرفيا
لما فُتِح بيت واحد للعُجّز و فاقدي السند العائلي في البلدان الإسلامية.
-
أمرنا الإسلام أن نلتقي عند الاختلاف على كلمة سواء،
فالتقينا على إقصاء بعضنا البعض و تكفير بعضنا البعض و الاعتداء على بعضنا البعض و
التنكيل ببعضنا البعض. غابت شمس العدالة منذ اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
عدالة عمرية شملت المسلمين، عرب الجزيرة و العجم الفاتحين، و لم تشمل بنفس القدر
مَن لهم حق قرآني فيها و هم أهل الذمة (المسيحيين و اليهود الذين فُرِضت عليهم الجزية
تقريبا دون تمييز اجتماعي إيجابي لفقرائهم على أغنيائهم) و السبايا من النساء و الأطفال الذين فُصِلوا
عنوة عن أمهاتهم. و يبدو لي أن المسلمين الفاتحين بالسيف تغافلوا عن العمل بقوله
تعالى: "و إن أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه
مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون". فما بالك إذا كان هذا المشرك المستجير بك امرأة أو طفل
أعزل؟
-
بقي لنا بصيص واحد من الأمل، و لو أهملناه هذه المرة لانقرضنا
و ذهبت ريحنا بلا رجعة و انقرضت معنا حضارتنا مثل ما حدث لحضارات عدة مثل حضارة الهنود
الحمر في أمريكا. أمرنا الإسلام - وبإلحاح - بالأخذ بناصية العلم و العمل، و لو
طبقنا العلم و العمل بالفعل - و هما عبادتان - مثل ما فعلنا في القرن الثالث و
الرابع هجري، لعَدَونَا و سبقنا ظلنا و ظل الأمم المتقدمة التي سبقتنا كما فعلت كوريا
الجنوبية اليوم و هي التي كانت تُصنّف في خمسينات القرن الماضي كثالث أفقر دولة في
العالَم.
الإمضاء
"لا أحد
مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن
أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه"، عبد الله العروي.
"المثقف لا يجيد فعل شيء على الإطلاق، اللهم، إلا
الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار و الكلمات. غبر أن هذه الأفكار تحتاج لما يجسدها
لكي تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج لحركات
اجتماعية"، جان زيغلر.
"يخون المثقف وظيفته، إذا كانت هذه الأخيرة تتقوّم بالرغبة في
التأثير على النفوس"، ريجيس دوبريه.
"ما
أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا و ما أصعب أن تكون لنا رؤوسهم"، مطاع الصفدي.
م. ع. د. م. ك.:
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و
يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما
أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر، لذلك لا يضيرني إن قرأني واحد أو ألف لكن يبقى الكاتب منعزلا إذا لم يكن له قارئ ناقد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 14 ماي 2013.