1. صرخة ضد
التمييز حسب العائلة:
يقولون: هذا "وِلدْ عائلة" أو "وِلدْ أصل". أتساءل:
وماذا عساه أن يكون الآخر؟ طبيعي وِلدْ عائلة أيضاً، يحبها ويعتز بها مثل كل ابنٍ
غير عاقٍّ ؟ من حسن حظ البشرية أن الأخلاق الهابطة والتربية السيئة كما الأخلاق
العالية والتربية الجيدة لا تُورَّث جينيا بل تُكتسب، الأولى بالكسل والثانية
بالكد والجد والعمل فكل فردٍ إذن هو قادرٌ على التحلي بالأخلاق العالية والتربية
الجيدة إذا أراد ذلك واجتهد فكلنا إذن "أولاد عائلة وأولاد أصل"، لا
فضلَ لأحدٍ عن الآخر إلا بما اكتسب من أخلاق طيبة.
2. صرخة ضد
التمييز حسب المهنة:
يُكتب على قفا
بطاقة التعريف الوطنية التونسية مهنة حاملها: أستاذ، طبيب، مهندس، عامل يومي، إلخ.
تقود سيارتك
الخاصة، ترتكب خطأ مروريّاً،
يوقفك شرطي المرور ويطلب أوراق السيارة مع بطاقة الهوية فيخاطبك مبتسما إذا كنت طبيبا أو أستاذا وعابسا إذا كنت عاملا يوميا.
أتساءل: ما
الفرق في السياقة بين طبيب سائق سيارته بنفسه أو عامل سائق سيارته بنفسه ؟ ولعل في
بعض الأحيان العامل يكون السائق بنفسه أفضل في السياقة من الطبيب السائق بنفسه
(مهنته السياقة مثلاً) !
ما دخلُ المهنة
الأصلية للسائق في حِذق السياقة ؟ ما ذنبُ العامل السائق بنفسه وبماذا يمتاز عليه
الطبيب السائق بنفسه في احترام إشارات المرور؟ لماذا يُمنح الطبيب السائق بنفسه
امتيازاً من قِبل الشرطي ويُعامَل معاملة حسنة وفي جل الحالات يُعفى من تطبيق
القانون إذا أخطأ ؟ لماذا لا يُمنَح العامل السائق بنفسه نفس الامتياز من قِبل
الشرطي ولماذا يُعامله الشرطي معاملة سيئة وفي أغلب الأحيان تُسلَّط عليه عقوبة
مالية إذا أخطأ ؟ يبدو لي أن العاملَ الطيبَ أجدر بالمعاملة الحسنة من الطبيب
التاجر بالصحة أو الأستاذ المقاول بالعلم وقد تخفي المهنة عورات لا نراها.
أطالبُ بحذف
المهنة من بطاقة التعريف حتى يُعامَلَ التونسي في الطريق العام كمواطن وليس كطبيب
أو عامل، لأن الطبيبَ طبيبٌ في المستشفى أما خارج المستشفى فهو مواطن متساوٍ في
الحقوق مع جميع المواطنين، اللهم إذا كان في مهمة في سيارة إسعاف.
يبدو لي أننا،
نحن التونسيون، نخلط بين الحقوق والواجبات. الناس ليسوا سواسية في أداء الواجبات،
العامل ليس كالطبيب، كلٍّ حسب اختصاصه لكنهم سواسية في الحقوق وبهذا فقط يمتاز
المتحضر على غير المتحضر.
يُحكَى أن في
دولة مصر الشقيقة يُكتب اسم الدين على بطاقة الهوية. يُحكَى أن في دول الغرب
الصديقة لا يُكتب نوع المهنة ولا اسم الدين على بطاقة الهوية إذا وُجدت، والمقارنة
مع الأحسن أفضل. من حسن حظي أنني لم أعد مميزا في بطاقة التعريف: لقد حُذِفت كلمة
أستاذ وحلت محلها كلمة متقاعد فأصبح المتقاعدون من مختلف المهن سواسية رغم أنوفهم
والحمد لله.
3. صرخة ضد
التمييز حسب الشهادة العلمية:
عادة ما يتكبر
بعض الناس بشهاداتهم العلمية ويُصرّون على ارتكاب فعل التمييز ضد مَن أقل منهم في المستوى العلمي،
ولا يرضون إلا إذا خاطبتهم بِــ : يا دكتور أو يا أستاذ !
لا يكون الدكتورُ دكتوراً إلا في اختصاصه وعادة ما يكون اختصاصه ضيقا
ومحدودا جدا فمثلا أنا -وأعوذ بالله من كلمة أنا- أنا دكتور في تعلمية البيولوجيا
(يعني كيف تُعلِّم أو تتعلم البيولوجيا)، لكنني لا أفقه إلا القليل في أقرب
الاختصاصات إلى اختصاصي مثل تعلمية الرياضيات أو تعلمية الفيزياء، ولا أفقه شيئا
في الفقه والفلك والشعر والفن والجغرافيا والاقتصاد وصيد السمك، وقائمة جهلي
بالمعارف المتبقية أطول من نهر النيل، وفي غير اختصاصي أتساوى مع أي إنسان عادي،
وقد أضرّك أكثر مما أنفعك إذا استشرتني ووثقت فيّ في غير اختصاصي، وقد يفيدك آخر
ممن هو أقل مني شهائد علمية، وقد تجد في مجتمعنا دكتورا جاهلا بعديد المواضيع
الاجتماعية الهامة، وفي نفس الوقت قد تجد فاقدَ شهائد علمية أعلَمَ من الدكتور
بكثير في هذه المواضيع وقد صادفتُ بنفسي هذا الصنف النوعي من العالِمِين
العِصامِيّين.
خلاصة القول: أقف بشدة ضد التمييز حسب العائلة أو المهنة أو الشهادة العلمية، لكنني في الوقت نفسه
أقف وبحماس مع التمييز الإيجابي للمعاقين وكبار السن كأن نخصص مثلا حصة خاصة في كل
وزارة لانتداب المعوقين عضويا أو نبجّل مُسِنّاً في الحافلة أو في الصف.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire