On ne peut pas lutter contre la corruption avec un modèle
de développement libéral corrompu
الفكرة واضحة
جدا وبسيطة جدا والحجة الدامغة والصارخة تتمثل في الآتي: كل
الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الاستقلال، قبل وبعد الثورة، لم تنجح في محاربة
الفساد (الرشوة، المحسوبية، التهريب، التهرّب من الضرائب، الغِش، الاحتكار،
الزيادة في الأسعار، إلخ.)، لا بل استفحل وانتشر بصمتها وفي أكثر الأحيان بتواطئها
رغم أنها كلها رفعت شعار "محاربة الفساد"، كلمة حق أرِيد باطلٌ. لماذا؟
لأن الفساد لا يمكن أن يُحارب بمنوال اقتصادي تنموي ليبرالي فاسد! وواهمٌ مَن
ينتظر العسل من عش الدبابير!
للتوضيح أكثر،
أعطي مثالاً حيًّا معاصرًا تحقق على أرض الواقع في تجربة جمنة (مسقط رأسي في ولاية
ڤبلي)، تجربة صغيرة في الحجم، كبيرة في المعنى:
1. قبل التجربة، كان المنوال الاقتصادي التنموي الليبرالي الفاسد سائدًا في
تونس: توجد بجمنة واحة على ملك الدولة، تعد 11 ألف نخلة، دخلُها السنوي الحالي يقارب
المليونَيْ دينار. عرضتْها الدولة للكراء في صفقة أقل ما يُقال فيها أنها صفقة
مشبوهة ويكفي أن تطّلِعوا على معلوم الكراء السنوي حتى تتأكدوا من فساد الصفقة، الصفقة
تمّت بالمراكنة (دون نشرٍ) واستُعمِلت فيها المحسوبية والرشوة (20 ألف دينار
سنويًّا معلوم كراء لِواحة تدرّ ربحًا سنويًّا يساوي المليون دينار بعد طرح مصاريف
العناية بالنخيل). كان المستثمر يضع كل الأرباح في جيبه وبعضها في جيوب مَن يتستّر
على فساده من المسؤولين الحكوميين المحلّفين. لم يكن يشغّل إلا عشرة عمال قارّين
فقط ولم يوظّف أي مليم في أي مشروع تنموي بجمنة، خيري أو ربحي. منوالٌ تنمويٌّ
يخدم المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
2. خلال الثورة وقبل هروب بن علي (بالضبط، يوم 12 جانفي 2011)، طُرِد المستثمر الرأسمالي، استرجَع أهالي
جمنة ملك جدودهم الذي اغتصبه المستعمر سنة 1910، اغتصابٌ أبّدته الدولة التونسية
عوض إرجاع الواحة للجمنين أصحاب الأرض الشرعيين.
تغيّر المنوال التنموي، من منوال تنموي اقتصادي ليبرالي فاسد إلى منوال اقتصادي
تنموي تشاركي-تضامني، فتغيّرت معه التنمية: فجأة، سَطَعَ نورُ الشفافية، انقرض
الفساد، ذُلِّلت العوائق البيروقراطية، تضاعف الإنتاج وزاد الربحُ المشترك، ارتفع
عدد العمال القارّين من 10 إلى 130. أصبح كل المدخول السنوي بعد طرح المصاريف
(مليون دينار) يُصرف لفائدة المصلحة العامة حيث أنجزت الجمعية المسيِّرة للواحة
عدة مشاريع اقتصادية غير ربحية ومشاريع اجتماعية وثقافية وأخرى خيرية وعمّ خيرها بلدة جمنة وأحوازها.
ملاحظة 1 موجهة
للمشككين في المنوال التنموي الاقتصادي التشاركي-التضامني
(Modèle de développement
d`économie sociale et solidaire):
في فرنسا الرأسمالية
الليبرالية يساهم هذا المنوال في الاقتصاد الفرنسي بنسبة 12% ويشغِّل مئات الآلاف من
الأجراء-الشركاء.
ملاحظة 2 موجهة
إلى المتفائلين المنتظرين خيرًا قد يأتي من حكومة الشاهد: وثيقة المخطط الخماسي لهذه الحكومة تعِد
التونسيين برفع مساهمة الاقتصاد التشاركي-التضامني، مساهمة قد تصل إلى 7% من الاقتصاد التونسي
في نهاية 2020. الوعدُ كاذبٌ من أساسه والدليل أن هذه الحكومة نفسها هي التي تحارب
اليوم
تجربة جمنة وتريد القضاء عليها في المهد خوفًا من
انتشارها في كامل تراب الجمهورية، ولو كانت صادقة في وعدها لشجعت تجربة جمنة
واعتمدتها كنموذجٍ للمستقبل.
ملاحظة 3: هذه الكلمة أعلاه، ألقيتُها يوم السبت 10
جوان 2018 في مسامرة رمضانية بقاعة الأفراح ببلدية حمام الشط نظمها فرع حزب
الجمهوري بحمام الشط تحت إشراف عصام الشابي الأمين العام للحزب والمولدي الفاهم عضو المكتب السياسي
وثالث لا أعرف اسمه ورابع لا أريد ذكر اسمه. حضرها جمعٌ غفيرٌ (14 امرأة و46 رجل) وكان
عنوانها "الوضع السياسي الراهن".
إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 11 جوان
2018.