سيرةٌ
ذاتيةٌ فاشلةٌ لا يُحتذَى بها على الإطلاق وعلى كل المستويات، الدراسي والعلمي
والاجتماعي والسياسي والثقافي:
-
مسارٌ دراسيٌّ متعثِّرٌ ومُمَطَّطٌ: في سن 22 تخرجتُ أستاذ
إعدادي
(ENPA, Tunis, 1974, CAPES sans Bac)، في سن 28 باكالوريا جزائرية (Annaba, 1980)، في سن 30 عام فلسفة في فرنسا بالمراسلة (Université de Reims, France, 1983) تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل
المالية لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم
أقدر على مواجهتِها، في سن 41 الأستاذية في علوم الحياة والأرض (ISEFC, Tunis, 1993)، في سن 48 ديبلوم الدراسات المعمقة في
ديداكتيك البيولوجيا (ISEFC, Tunis, 2000)،
في سن 55 دكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (UCBL1,
France, 2007).
-
مسارٌ علميٌّ مَبتورٌ: لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة
الدكتورا لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في
الاختصاص بل هي تمثل بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي. أنا تحصلتُ على بطاقة دخول
وكالتلميذ المتنطع خرجتُ من الجامعة ولم ألتحق بقاعة المخبر، مكره أخاكم لا بطل.
-
مسارٌ اجتماعيٌّ بدأ بالفقر، أي موظف عمومي متوسط، وانتهى بالفقر، أستاذ تعليم ثانوي متقاعد.
-
مسارٌ سياسيٌّ على هامش النضال السياسي، أعتبر نفسي معارضًا في
عهد بورڤيبة وبن علي لكنني لم أنتمِ في حياتي لأي حزبٍ معارِضٍ، خوفٌ مُشرَّبٌ
باستقلاليةٍ فكريةٍ صادقةٍ، وكما قال القِدّيسُ أو الروح العظيمة،
المهاتما غاندي: "لو أجبِرتُ على الاختيارِ بين العُنفِ والجُبنِ، لَنصحتُ
باختيارِ العُنفِ".
-
مسارٌ ثقافيٌّ: المجالات الثقافية التي أجهلها تُعدّ بالعشرات
ولا أعرف إلا مجالاً واحدًا أحدًا وهو علوم التربية، وداخل هذه العلوم لا أعرف إلا
علمًا واحدًا أحدًا هو علم الديداكتيك، وداخل هذا العلم لا أعرف إلا فرعًا واحدًا
أحدًا هو ديداكتيك البيولوجيا. أجهل اللغة الأنڤليزية، وعدم إتقانها هو
بمثابة فقر دم ثقافي. أجهل الفلسفة ما عدى فلسفة البيولوجيا. أجهل علوم الاقتصاد
والجغرافيا والتاريخ والفقه، إلخ. لم أربِّ أذنِي ولا عينِي، ولم أصقل ذوقي على
سماع السمفونيات أو الشعر ولا على الاستمتاع باللوحات الفنية. أنا
رجلُ فكرٍ ولستُ رجلَ سياسة ولا طموحَ لي ولا رغبة إلا في القراءة والكتابة والنشر
بكل متعة وحريةٍ واستقلاليةٍ وأنانيةٍ وذاتيةٍ وفرديةٍ، ولا أقدر على غير ذلك.
-
أنا
صوفِي النزعة بمقياس القرن 21 ولا أرى لأفكاري أي تأثيرٍ على المجتمع إلا مَن
رَحِمَ ربي. أنا أعشق الروتين الذي أعيش فيه وأسعد به في حمام الشط: صباحًا مطالعة
في مقهى الشيحي، مساءً نقاشٌ فلسفي في مقهى أمازونيا مع أفضل أستاذ فلسفة صاحبته
في حياتي، زميل التقاعد الجديد حبيب بن حميدة، وبين المقهَيَيْنِ كتابةٌ ونشرٌ
وتمتعٌ واستمتاعٌ بأعز الناس، مثل الفلاسفة الثلاثة إدڤار موران وميشيل سارْ
وميشيل أونفري والعالِمان السياسيان فرانسوا بورڤا وجورج قرم وعالِم الوراثة ألبير جاكار وغيرهم
كثير في اليوتوب "الله يرحم والديه"، وفي الليل أرضخُ لذوق زوجتي المصون
وألغِي عقلي وأستسلم لأتفه الناس في برامج "لباس" و"كلام
الناس" و"أمور جدية" وما شابه.
-
لقد تجنبتُ
قصدًا تقمّصَ دورَ الضحية (Le syndrome de victimisation) واكتفيتُ بسردِ سيرتي الذاتية
دون زيادةٍ أو نقصانٍ، لأن كل ضحية ليست عادة بريئة مائة في المائة كما تدّعي هي، أو كما قد يتبادر إلى أذهانِ المتعاطفين معها، ولأن داخل
كل ضحيةٍ كبيرةٍ يوجد جلادٌ صغيرٌ، أو بمعنى أوضح أنا أتحمل جزئيًّا ونسبيًّا
المسؤولية في ما أحاق بي من فشلٍ طِوالَ مسيرتي في الحياة.
إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر
آخر" (جبران)"
المصدر: نَصُّ قَفَا غلاف كتابي الأخير "الإشكاليات العامة
في النظام التربوي التونسي، سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956 -
2016)".