حضرتُ البارحة اجتماعًا نظمته
جمعية "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي": دعوني لإلقاء كلمة حول تجربة
جمنة وانتهى الاجتماع ولم يطلبوا مني إلقاءها، سهوًا أو قصدًا، الله أعلم! مواطن
العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا
المكان: الحي الشعبي "سيدي حسين السيجومي"،
داخل قاعة واسعة وسقفها عالٍ عُلُوّ الطابق الأول، قاعة شبيهة بقاعة أفراح.
الزمان: السبت 13 فيفري 2016 من الساعة 13 إلى 15 حسب
البرنامج المعلن. بدأ الاجتماع أو المهرجان بتأخير ساعة (14:12) وانتهى بتأخير نصف
ساعة (15:35).
الحضور: مكثفٌ إلى درجة يصعب إحصاؤه، 200 أو 300. خليطٌ
غير قارٍّ من الجنسين، كهول وشباب وأطفال. تعرفت على واحد منهم فقط، سامي الطاهري
الكاتب العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، وعرفت الممثل المشهور عاطف بن
حسين شُهر "شوكو". قدمت نفسي لأحد المنظمين، المدعوّ سهيل العيدودي.
الجو العام: شعبي
"بالمِنجِدْ": الواقف أكثر من الجالس لعدم توفر الكراسي، تصفير وتصفيق
وتفاعل بصفة لم أعهدها في اجتماعات ثقافية أخرى، فوضى وموسيقى صاخبة وناشزة فنيا أكثر
من نشاز قاعات الأفراح. باب القاعة العالي مفتوح على مصراعيه، يدخل منه الجهور
ويخرجون كما يشاؤون. وزعوا على الحضور ماء معدني وقهوة ومقروض. اكتشفتُ أنني لستُ
شعبيا بهذا المفهوم لـ"الشعبية" الذي قدمته "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي".
سبب حضوري: "الجامعة
الشعبية محمد علي الحامي" دعت طاهر الطاهري، رئيس جمعية حماية واحات جمنة،
لإلقاء كلمة حول تجربة جمنة الثورية. استحال الحضور على صديقي الطاهر لأسباب تخصه
فطلب مني تعويضه فقبلتُ. هاتفني أحد المنظمين، وسيم العبيدي وأكد لي الدعوة.
حضّرتُ تدخلي بكل جدية على البوير بوينت (PowerPoint) بعد ما وعدوني بتوفير آلة عرض (vidéo-projecteur). لم أجدها في قاعة الاجتماع.
تقديم الجمعية: وقد أفادنا نصر الدين السهيلي رئيس جمعية
1864 أن الجامعة الشعبية محمد علي الحامي ستقدم برامج تعليمية في مجال العلوم الإنسانية
ومجال الاقتصاد التضامني فضلا عن تقديم ورشات في المسرح والسينما والموسيقى.
وتتوجه هذه البرامج بالأساس للعمال وللعاطلين عن العمل وللنساء والأطفال كذلك. وبينما
سيشرف على قسم العلوم الإنسانية بالجامعة الشعبية الأستاذ كمال الزغباني،
ستتولى مجموعة من الأساتذة مشهود لها بالكفاءة -على غرار قيس سعيد وغيره- تأمين
الدروس التي سيتم تقديمها. وتأتي الجامعة الشعبية، وفق ما أفادنا به السهيلي، في
إطار مشروع مواطني يهدف الى توفير فرص حقيقية للتكوين وللانخراط في الدورة
الاقتصادية بعيدا عن منطق الإقصاء والتهميش. وأضاف محدثنا أنه تم إطلاق اسم باعث
الحركة النقابية التونسية محمد علي الحامي على الجامعة لرمزية هذه الشخصية في
تاريخ تونس أولا ولكون الحامي درس في جامعة شعبية في ألمانيا في عشرينات القرن
الماضي. وختم نصر الدين السهيلي كلامه قائلا إن الجامعة بحاجة الى مساعدات عينية
كالكتب والروايات والآلات الموسيقية ملاحظا أن التسجيل بالجامعة ينطلق يوم الاثنين
15 فيفري 2016.
الاجتماع: افتتحه مؤسس "الجامعة
الشعبية محمد علي الحامي"، الكاتب والفيلسوف كمال الزغباني. تكلم دقيقة أو
دقيقتين ولم يسمعه أحد لرداءة الأكوستيك ولكثرة التشويش في القاعة وكذلك ضاعت بعده
كلمة سامي الطاهري. تتالت بعدها وصلات "موسيقية" لا غربية ولا شرقية ولا
تونسية ووصلات شعرية لا تسمع منها إلا القافية لكثرة ترديدها. "بافل"
أعراس غير معدل، ينبعث منه صوت بمئات الديسيبال، طلقات تضرب في القلب وتصم الأذن،
تلوث صوتي، ولولا التزامي بالحضور لَغادرتُ القاعة فورا مثلما أفعل عادة في قاعات
الأفراح.
خاتمة: ربي يعاون "الجامعة
الشعبية محمد علي الحامي" على تعميم الثقافة الشعبية التي تراها كما لا أراها
أنا (C`est ma première impression. Attention: la première impression pourrait
induire en erreur!). يبدو لي أنه قد يكون من الأفضل
أن تُقدم للطبقة الشعبية (مفهوم فضفاض هلامي غير واضح المعالم) طبقا ثقافيا، يكون ليس
أقل من مستواها فتحتقره وليس مطابقا لمستواها فلا يشدها وإنما يجب أن لا نبخس
ذكاءها ونقدم لها طبقا ثقافيا أعلى من مستواها قليلا حتى نجذب انتباهها (c`est le modèle pédagogique de Vygotsky : la
ZPD-Zone Proximale de Développement). لن أقبل العذرَ الممجوجَ الذي يختبئ وراءه المقصِّرون
والقائل أنها "أول تجربة". يبدو الإنسان (l`Homme) عملاقا
لا لشيء إلا لأنه يقف فوق جبل قُدَّ من تراكمِ تجاربِ الآخرين.
ملاحظة:
كل ما سبق وأن كتبته أعلاه في المقال (ما عدى العنوان)، والله العظيم كتبته أثناء
الاجتماع قبل المفاجأة التالية:
انتهى
الملتقى ولم يطلبوا مني إلقاء
كلمتي حول تجربة جمنة. اتصلت مباشرة بـِسهيل العيدودي و وسيم العبيدي وذكّرتهم
بدعوتهم لي. صمتا الإثنان. الثاني ظهر على وجهه بعض الأسف أما الأول فصمتٌ على
صمتٍ. لم أغضب كعادتي لنفسي كثيرا لأن جو الاجتماع لم يكن مهيأً إلى الإنصات
والخشوع اللذان تتطلبهما حكاية مثل حكاية ملحمة جمنة. عند رجوعنا إلى شارع بورڤيبة
في الحافلة الصغيرة المخصصة للغرض، أسررت بسُخطي على المنظمين إلى مشاركة شابة
تتقد حيوية ودِفئا وعينيها تشعان صدقا وأملا وبعد سمعتُ فمها ينطق منطقا لم أعهده
لدى شباب اليوم. دعتني إلى شرب فنجان قهوة وطلبت مني أن أحكي لها ملحمة جمنة. اسمها إيناس التليلي (صديقة
الممثل المبدع ابن أخي أسامة أحمد كشكار). أكون غيرَ مؤدبٍ لو لم ألبِّ طلبها!
جلسنا وكانت سوبارسانباتيك هي ومرافقتها الصحافية البرلمانية ثم التحق بنا المنظمان
المذكوران أعلاه وسيم العبيدي والمدعوّ سهيل العيدودي. الأول (صديق طاهر الطاهري) كرّر
أسفه واعتذاره وكان يذوبُ تواضعًا ويرقُّ حياءً أدبًا. أما زميله فلم ينبِس بكلمة
تنم عن اعتذار ولو بصفة غير مباشرة، أنا، بصدقٍ لا أعرفه لكنني أشك أنه هو يعرفني
وأظن (إن بعض الظن إثمٌ) أن السهوَ عني في الاجتماع لم يكن سهوًا، لذلك كتبتُ في
العنوان "دعوني لإلقاء كلمة حول تجربة جمنة ولم يطلبوا مني إلقاءها، سهوا أو
قصدا، الله أعلم!". بصدق، أتمنى أن أكون مخطئا؟ أنا قبلتُ اعتذار البقية
الصادقة ومنهم المهذب كمال الزغباني لكنني نبهتهم مسبقا وبكل بلطف ومحبة إلى ما
ورد في هذا المقال من نقد هدام والنقد هدامٌ أو لا يكون إذ لا وجود لبناء دون هدمٍ
يسبقه. ناقد العلم يجامل أما العلم فلا يجامل.
مفارقة: كنت أشكو من تجاهل عائلتي اليسارية وللأسف أول
مرة دعتني فيها، تجاهلتني ونسيتني! لا أستطيع أن أمسك نفسي عن مقارنة ملتقيات اليسار
الثقافية النادرة وملتقيات الحساسيات السياسية الأخرى المتعددة (نهضة، حراك،
جمهوري، الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس)، أقارن بينهما فيما يخصني عندما دَعَونَنِي مرارًا لإلقاء محاضرة أو
للمشاركة في الحضور: غيابُ الاستقبالِ والترحيبِ من قِبل اليساريين (أستثني ما قام
به في المقهى بعد الاجتماع ثلة من خيرة شباب اليسار وأستثني منهم المدعوّ س. ع)، يقابله
تبجيلٌ وتقديرٌ واحترامٌ من قِبل الآخرين. فوضى وسوء تنظيم عند ملتقيات اليساريين
وتنظيمٌ قريبٌ من الحسن عند ملتقيات الآخرين.
إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن
يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل
ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا
أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر
أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
Ma devise
principale : Faire avec les conceptions non scientifiques (elles ne sont
pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication
qui marche) pour aller contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les
autres à auto-construire leurs propres
conceptions scientifiques
Mon
public-cible: les gens du micro-pouvoir (Foucault) comme les enseignants,
les policiers, les artisans, les médecins, les infirmiers, les employés de la
fonction publique, etc
Mauris
Barrès : « Penser solitairement mène à penser solidairement »
Taoufik Ben
Brik : « nomme-moi offrande, et je m`offrirai ! »
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 14 نوفمبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire