mercredi 4 septembre 2024

قصة "الطالب" الذي أبرَمَ صفقةً مع الشيطانْ ؟

 


LÉtudiant de Prague, Film allemand muet, 1913

فيلم يروي قصة طالب فقير وطَموح باعَ للشيطان صورتَه في المرآة. قبض ثمنها ذهباً ساعده على أن يحيا الحياة الرغدة التي كان يحلم بها، حياةٌ ملؤها الإغواءُ والإغراءُ. هذه الصفقة مع الشيطان لم تكن تؤنّبُ ضميرَه كثيراً إلى أن حدث ما لم يكن في الحُسبانْ حيث رأى صورتَه تلك التي اقتلعها الشيطانُ من المرآة، رآها تتجول في الشوارع والطرقات، ترتاد دُور اللهو التي يرتادُها هو نفسه، تثير فيها الشغبَ وترتكب فيها أبشعَ الجرائم.

منذ ذلك الاكتشافِ الرهيبِ أصبحَ يتجنبُ المرايا حتى لا يفتضحَ أمرُه، وأصبح يتجنبُ ملاقاتها وهي تصرّ على مطاردته في كل مكان وكأنها تريدُ أن تنتقمَ منه هو الذي فرّطَ فيها بسهولة وباعَها للشيطان.

كَثُرَ عنده الاضطرابُ والهُواسُ،  ووصل به الأمر إلى التفكير في قتلها والتخطيط للجريمة حتى يضعَ حدّاً لعذاباتِه. وخلال شجارٍ معها حدثَ في غرفته، أطلقَ النارَ عليها، كَسَرَ المرآةَ، قتلَ صورتَه وماتَ معها في نفس اللحظة.

علق الفيلسوف بودريلار على الفيلم وقال: "بِإقدامِهِ على قتلِ صورته، قتلَ "الطالبُ" نفسَه، لأن صورتَه هي التي أصبحت تتصرّفُ مكانه، وبشكلٍ غيرِ محسوسٍ أصبحت حيّةً وحقيقيةً. (...) هذه الصورة هنا تعني رمزيّاً أفعالَنا (nos actes)، أفعالَنا التي تكوّنُ حولنا عالَماً قُدَّ على صورتِنا (un monde à notre image). (...) فلو افتقدناها اليوم فهذه علامةٌ على أن هذا العالَم باتَ غيرَ شفّافٍ، وعلامةٌ أيضاً على أننا فقدنا السيطرة على أفعالِنا ولم نعدْ قادرينَ على بلورةِ فكرةٍ صحيحةٍ حول أنفسِنا. دون هذه الضمانة، ضاعت الهُويّة: أنا أصبحتُ بالنسبة لنفسي كائناً آخر غريبًا، أصبحتُ إذن كائناً مستَلَباً (je suis aliéné)".

الفيلسوف بودريلار بيّنَ أن المطاردة التي تَعرّضَ لها الطالبُ أصبحتْ هي الموضوعَ، والهروبُ -أمام هذه الصورة المنفصلة عن ذاته والتي تتصرّف بدلاً عنه وتسلبه حياتَه- أصبحَ هو "الحقيقةُ غيرُ المغشوشةِ لعمليةِ الإستِلابِ".

هذا الإستِلابُ هو حِرمانٌ ذاتيٌّ يقودُ إلى مصادرةِ الوجودِ وتعويضِه بصورةِ الوجودِ، صورةِ مشاكلِ الشغلِ والاستهلاكِ التي تطاردُنا، تؤرّقُنا وتنغِّصُ حياتَنا. وكما يؤكّد بودريلار، فهذا "إستِلابٌ لا يمكنُ تَجاوزَه، وهو أصلُ الصفقةِ مع الشيطانِ، وهو أيضاً أساسُ المجتمعاتِ الرأسماليةِ"، والمجتمعاتُ الرأسماليةُ هي مجتمعاتٌ شيطانيةٌ ! هذه الصورة أصبحتْ في الوقت نفسه توأمَنا المنفصلَ عنّا والذي لا يُفارِقُنا أبداً !".

هذا الفيلم يوضّحُ وبصِدقِيةٍ عاليةٍ مأساةَ الوجودِ في عالَمنا اليوم، عالَم السلعنة والاستهلاك والمشهد (La société du spectacle). لقد أجرَمتْ الرأسمالية في حق الإنسان عندما اختزلَته في صورتِهِ لا في ذاته فأصبحَ الإنسانُ في عهدِها شهيدَ رغباتِهِ وشهواتِهِ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire