samedi 2 mai 2015

ما هي العناصر المتوفرة في بيئة جمنة الخمسينات و الستينات التي تركت أثرها واضحا في تربيتي و في سُلّم قِيمي الأخلاقية و الفكرية؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

ما هي العناصر المتوفرة في بيئة جمنة الخمسينات و الستينات التي تركت أثرها واضحا في تربيتي و في سُلّم قِيمي الأخلاقية و الفكرية؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

مقال مستوحى - لكنه مشخّص و محيّن و مكيّف - من كتاب "حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري، 1، الثقافة و المنهج"، تحرير سوزان حرفي، دار الفكر، دمشق، 2012، 392 صفحة.

كان الإطار الذي نشأت فيه في طفولتي هو إطار الجيرة الممتدة و ليس إطار الأسرة الممتدة كما هو سائد في مثل هذه الأطُرِ الريفية القديمة و المعاصرة. كانت أسرتي نووية بالمعنى الحديث للكلمة يعني تقتصر على الأب و الأم و الإخوة و الأخوات و عمة وحيدة حنون في جمنة "عمتي اِرْڤيَّة" (بالضبط ابنة أخت أبي و ليست أخته التي توفيت في دارنا وأنا في الثانية ابتدائي) وخالة وحيدة في العاصمة لا ولد لها لذلك كنا ندعوها "أمي برنية"، لا عم ولا خال. أما جاراتي - اللواتي تربيت في أحضانهن بالمعني الحرفي و ليس بالمعنى المجازي للكلمة - وجيراني فهم ليسوا من عرشي و لا من أقاربي، هم من "عرش الحَوامِد أو الڤصَارَى" أولاد "سيدي حامد الحشّاني" (عرشي الوراثي يُدْعَى "عرش الشتاوَى") لكنهم كانوا أقرب لي من أقاربي ولم أعرف لي في صبايَ عرشا غير عرشهم، حُضنٌ أشعَرني و أنا صغير بدفئ الانتماء الإنساني السامي غير القبَلي و جنّبني العنصرية العروشية السخيفة و هيأني في شبابي لتبني المواطنة العالمية عن اقتناع.

كان الوقت الذي أقضيه في الشارع ليس مجرد لعب كما يعتقد الكهول و الشيوخ و إنما وقت مخصص للتعلم البنائي الذاتي الاجتماعي (L`auto-socio-constructivisme de Montessori, Vygotsky et Piaget)، كما كان كبار حيّنا يراقبون صغارنا و كأنهم أولياء أمورهم. كنت مُحاطا بأفراد كثيرين أكبر مني،  شبابا و كهولا و شيوخا، و كان كل واحد منهم  أو كل واحدة منهن يمثل أو تمثل لي نموذجا مختلفا، مما أتاح لي فرصة الاختيار فاصطفيت اثنين، أفضلهن وأفضلهم في نظري و أحَبهن و أحبهم  إلى قلبي، "أمي يامنة" الغالية و جارنا المرحوم "عمي نصر بالهانئ".

لا توجد في قريتنا آنذاك سلطة برّانية و لا مؤسسات، كانت تربطنا شبكة من العلاقات العائلية و علاقات الجيرة لذالك لا يتعامل الفرد إلا مع من يعرفهم و يعرفونه. كان بهو منزلنا الواسع المسقف الظليل مكانا تحلو فيه القيلولة لجميع نساء و أطفال الحي الصغير (أو الزنڤة الحادة) و كان حبل غسيلنا المغلف ببكرات الخياطة الفارغة المكان المفضل لتجفيف ملابس الحي كله و كان أبي يجمع حول مائدته يوم العيد الكبير جميع الجيران الذكور، كلّ عائلة محمّلة بما طبخته بُرْمَتُهُا (القِدْر)، عادة ورثها عنه عمي نصر ثم انقرضت بعد مماته.

كنا نرفق بالصغير (نتركه يتعلم بنفسه دون رقابة) و كذلك نفعل بالشيخ و العجوز (نحترمهما و نسمع كلامهما) و الحيوانات الأليفة (قِطَطُنا تعيش معنا و تأكل من قصعتنا، ماعِزنا لا نذبحها إلا في عيد الأضحى و حمارُنا لا نحمل عليه أكثر مما يتحمل) و الماء (لا نستعمله إلا للوضوء و غسل الوجه و استحمام النساء أما الرجال فيعومون في جابية الماء الجاري الصالح للرَّي) و الأرض (لا نثقل كاهلها ولا نشيد فوقها إلا ما نقطعه من أديمها) و النبات (لا نقطع منه إلا قوت حيواناتنا أو مصدر طاقتنا للطبخ و التدفئة).

كنا مجتمعا مغلقا صغيرا، لا غنيَّ فيه ولا فقيرا. مجتمع غير إقطاعي و غير طبقي. مِلكية مفتتة لم تمكّن أحدا من الغطرسة والتكبّر. وضع اجتماعي ريفي فقير يضمن الكرامة لكل أفراده لكنه لا يوفر لهم العيش الكريم لذلك هاجر معظم شبابه المعطل إلى فرنسا.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

ملاحظة هامة:
جميع حقوق التأليف و النشر لجميع مقالاتي الألف و نيف إنتاجا و ترجمة أصبحت أخيرا و الحمد لله مسجلة و محفوظة لدى "اتحاد المدوّنين" و "شركة ڤوڤل العالمية". (سري للغاية و معترف بشهادتهما لدى المحاكم التونسية و الدولية).


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 3  ماي 2015.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire