vendredi 1 novembre 2024

يساريان منفردان في مقهى يتناقشان حول العرب والإسلام

 

 

واحد أستاذ فلسفة والآخر عاشق للفلسفة.

- الحضارة الإسلامية حضارة مساواة بامتياز.

- إذن هي حضارة لا يخضع فيها الفرد إلا لخالقه ولا يطلب المغفرة إلا منه عكس ما هو سائد في الحضارة المسيحية حيث البابا يمنح صكوك الغفران أو في الحضارة الرأسمالية حيث ورث البورجوازي استرقاق العامل عن سلفه النبيل والاثنان، البابا والبورجوازي، لا يختلفان كثيراً في استعباد البشر الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.

- الحضارة الإسلامية لم تمرّ بالطبقية، لا في شكلها الأرستقراطي القديم ولا في شكلها البرجوازي الحديث.

- إذن لا وجود لتراتبية فيها، فأفقر إنسان فيها قد يصبح إماما والمساجد منتشرة في كل حي ويديرها أهل الحي أنفسهم.

- لكن المفارقة تتمثل في أن التراتبية والعبودية هما اللتان خلقتا الحضارة الغربية التي بَنت الكنائس الفخمة والقصور وشيّدت الطرقات وراكمت الثروات وصنعت نخبة من العلماء والفلاسفة والفنانين لكن La     ruse de la raison حوّلت السيدَ عبداً لعبدِه.

- حضارتهم إذن هي حضارة يد وحضارتنا حضارة شعر وكلام (علم الكلام).

- العربُ والناطقون بالعربية هم أول مَن بعث الروح في فلسفة كادت تنقرض، أعني بها الفلسفة اليونانية التي سبقتهم بعشرة قرون في العلم والفن والتعليم، لكن للأسف فهُم أنفسهم مَن حاصرها في دار الإسلام فهاجرت إلى دار الكُفر أي الغرب فكانت بمثابة سر نهضتهم، أما هجرتُها من بلادنا فكانت بمثابة إعلان بداية نكبتِنا بدايةً من نهاية القرن الثاني عشر ميلادي وأؤرخها أنا بحرق كتب ابن رشد في الأندلس. فكيف تقول إذن أن لا حضارة أفضل من حضارة ؟ أليست حضارتهم أفضل من حضارتنا ؟

- لو كانت كما تقول لَما أنجبت ستالين وموسولوني وهتلر وفرانكو ! من المفارقة أن قيمة المساواة (Société égalitaire) هي التي قضت على حضارتنا كما قضت على الشيوعية.

- في الجاهلية كان المجتمع قبليّاً، لكنه مجتمع يحفظ للفرد كرامته (الشنفرى كان صعلوكا أبيّاً وحرا لا يخضع لأي قبيلة).

- لا تفتخر كثيرا بقِيم أجدادك الرعاة فأرسطو قال عن أمثالهم أنهم طفيليون (Des parasites) فهُم للدواب تابعون وفي حليبها ولحمها طامعون ووراءها في الفيافي تائهون ولبلدانهم غير معمّرين وبهويّتهم البدائية ملتصقون وعلى العالم غير منفتحين وبالحضارات المعاصرة غير متأثرين بل كانوا ولا زالوا لها رافضون وعلى أنفسهم منغلقون، لم يعرفوا الناس فتوهّموا أنهم هم المقصودون بقوله تعالى "خيرُ أمة أخرِجت للناس". 

- كنا في جمنة الخمسينيات نعيش أحرارا، ورغم فقرنا كانت أنوفنا في السماء، لا نخفض جناح الذل لأحد إلا احترامًا لكبار السن فينا وكانت المرأة في قريتنا حرة تستقبل أقاربها وجيرانها في "حُوشها" لا فرق بين رجلٍ وامرأةٍ حتى لو كان زوجها غير حاضر حينها في "الحُوش"، وتخرج للعمل في "سانيتها" دون إذنِ أحد، وتمشي في "زنـﭬتنا الحادة" سافِرةً تضرب بقدميها الأرض شموخا. كنا مجتمعا غير طبقي، لا غنيَّ فينا ولا متسلط.

- الغرب بَنَى ثروته على أكتاف العبيد والأقنان والاستعمار وأخيراً العمال. أما نحن في الجاهلية فلم يكن اقتصاد الكفاف عندنا يحتاج إلى كثير من العبيد ثم جاء الإسلام وحث على تحريرهم رغم قلتهم لكن المسلمين فعلوا عكس ما أمر به القرآن فاستطابوا الجواري والغلمان ولو طبقوا ما جاء في الكتابِ لكان لهم السبقُ في تحرير العبيد أربعة عشر قرنا قبل قانون أبراهام لنكولن في أمريكا الشمالية.

- الحرية الفردية والمساواة والكرامة قِيمٌ متجذرة فينا إذن ونحن ردمناها بالطقوس وتركنا المقاصد العليا للشرع وتشبثنا بالنصوص ففسحنا المجال للصوص من الداخل والخارج.

- الحركة السلفية الجهادية (القاعدة وداعش) هي حركة حداثية، حركة أحدثُ من الشيوعية، ولو أراد الغرب أن يُشوِّه الإسلامَ لَما نجح في تشويهه أكثر مما شوّهَه أهلُه، كما شُوِّهت الماركسية من قِبل اللينينيين والستالينيين. ولو قام محمد بن عبد الله صلوات الله عليه لأنكر على الجهاديين إسلامَهم، ولو قام ماركس لأنكر على الماركسيين المعاصرين لينينيتهم وستالينيتهم.

- سمعتُ اليوم في الحوار التربوي كلاما لم يعد يستقيم بعد ما سمعتك أيها الفيلسوف، يقولون: "القِيمُ الغربيةُ، مثل الحرية والمساواة والتسامح وحرية المعتقد، هي وحدها القِيمُ الكونيةُ". يجب أن يقولوا: "القيمُ العربيةُ-الإسلاميةُ، مثل الحرية والمساواة والتسامح وحرية المعتقد ولا وساطة لمخلوق بين الخالق وعبده حتى ولو كان الرسول نفسه، هي القِيمُ الكونيةُ". وأنا راجعٌ في طريق العودة إلى المنزل، اعترضني مسلمٌ باحثٌ جامعيٌّ لكنه متزمّتٌ فقال لي "ناصِحًا": "مَن لا يصلي لا ينتمي للإسلام". أجبته في قلبي: "بالله عليك يا أخا العرب، كنتُ أنا والفيلسوف نجنّح بالإسلام في عالم القِيم الإنسانية الكونية فأنزلتني إلى حضيض التعصّب والانغلاق والطقوسية المفرغة من الإيمان، رحمة ربي واسعة وأنتم بفضل جهلكم ضيقتم فيها، ولحكمة لا يعلمها إلا هو خَلَقَنَا مختلفين وأنتم تريدوننا كدجاج الحاكم، لا طعم له ولا رائحة. هيا تصبح على خير".


حمام الشط، الثلاثاء 17 ماي 2016.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire