الحرية والعدالة
الاجتماعية قِيمتانِ نبيلتانِ، لكن للأسف لم يتحققا معًا بالتوازي في أي مجتمع
وتحت أي إيديولوجيا أو دين عبر التاريخ القديم والحديث.
لِنبدأ بإعطاء أمثلة من
الواقع ولو أن منهجيتي غير فلسفية وقد سبق أن نبّهتُ قرّائي أنني لستُ فيلسوفًا
وإنما أنا مُحبٌّ للفلاسفة المحبّين للحكمة:
- من المفارقات
أن الإيديولوجيا الشيوعية والديانة الإسلامية يشتركان في إعلاء مبدأ العدل وفي نفس
الوقت يهملان مبدأ الحرية أو يؤجلان على الأقل تطبيقه أو يعتبرانه تناقضًا
ثانويًّا. يبدو لي أن بعض الأنظمة الإسلامية القديمة وبعض الأنظمة الشيوعية
الحديثة حققت نسبيًّا نوعًا من العدالة الاجتماعية في المجتمعات التي حكمتها لكنها
أهملت، وأفضل مثال على ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه (في عهده لم تنقرض
العبودية) وستالين "أب الشعوب" (في عهده سُجن مئات الآلاف في الڤولاڤ
ظلمًا).
- أما الأنظمة
الليبرالية الرأسمالية فقد حققت نوعًا من الحرية الفردية في شكلها البورجوازي
المحدود وفي نفس الوقت فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية وأفضل مثال على ذلك دوامُ
البؤسِ في الهندِ، الدولة الديمقراطية، بمئاتِ الملايينِ وانتشارُ الفقرِ في
الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بعشراتِ الملايين. وحتى الثراء النسبي الملاحَظ لدى
الطبقات الوسطى في أوروبا قد يكون ناتجًا ومرتكِزًا في أقلّه إذا لم نقل في أغلبه
على نهبِ ثروات العالَمِ الثالثِ منذ أواخر القرن 19 م، عصرِ الاستعمار المباشر،
إلى يومنا هذا، عصر الاستعمار غير المباشر.
سألته: وما قولك في الأنظمة الأسكندنافية الحالية الديمقراطية الاشتراكية،
ألم تحقق لشعوبها الحرية والعدالة الاجتماعية في آن ؟ قال: لِـنُنسّب الأشياء،
صحيح لقد حققت درجة من العدالة الاجتماعية عن طريق ما يُسَمَّى توزيع الثروة التي
راكمتها من الاستغلال الرأسمالي الفاحش في بلدانها ومستعمراتها السابقة. ثم استرسل
يَنقُش: يتوهم المواطن التونسي أن ثورة 17 - 14 ستحقق له عدالةً اجتماعيةً. يكفي
هذه الثورة شرفًا أنها حققت الحرية الفردية للمواطن العادي والمتحزب (على الأقل
وقتيّا)، فأصبح "الخوانجي" التونسي لا يرتعد في فراشه فزعًا عند سماع
محرك سيارة تدخل فجرًا النهج الذي يقطنه، وأصبح اليساري المنتمي يُعلن عن اسم
حزبه في المقهى دون خوفٍ من آذانٍ أو
عيونٍ لا تنام. لكن وفي نفس الوقت أفقدت الحريةُ الليبراليةُ الفرديةُ المواطنَ
التونسي توازنَه النفسي بعد ما حرمتة من عكاكيزه التقليدية التي يتكئ عليها
والمتمثلة في الدولة الراعية البقرة الحلوب (état providentiel) والعائلة الممتدة الضامنة اجتماعيًّا
والقبيلة الحامية أمنيًّا. وجد نفسه المسكينُ عاريًا يواجه مصيره بنفسه وهو
المتعود على الكسل الفكري والتواكل الاجتماعي، فأصيبَ بهستيريا المطلبية التي لم
ولن تُلَبَّى مهما صاحَ وأضربَ وقطع الطرقات وبِغيرِ قواه الذاتية اعتصم.
حمام الشط، الأحد 30 أفريل 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire