mardi 23 avril 2024

قبل أن ننقد الدولة على ما لم تفعله، علينا أولا أن ننقد أنفسنا على ما في وسعنا أن نفعله ولم نفعله !

 

 

السلطة الكبيرة والسلطة الصغيرة (Le macro-pouvoir & Le micro-pouvoir)

 

أبدأ بتحديد المفهومَين أعلاه باختصار واختزال شديدين خوفاً من الوقوع في الخطأ الذي قد يجرني إليه تواضع اطلاعي:

أقصد بـ"السلطة الكبيرة"، سلطة الرئيس ومستشاريه والحكومة ووزرائها والبرلمان ونوابه والدولة وجميع كبار مسؤوليها من رئيس المركز ورئيس البلدية إلى الوالي والمندوبين وغيرهم من القائمين على تنفيذ سياسة الدولة حتى لو كانت سياستها ضد قناعاتهم الشخصية أو الإيديولوجية، إلخ.
أقصد بـ"السلطة الصغيرة"، سلطة المدرس في المدرسة والموظف في الإدارة والشرطي في المركز أو في الطريق العام والميكانيكي في الورشة والطبيب في المستشفى أو في العيادة الخاصة والتاجر في المغازة والعامل في المصنع أو في الحقل أو في مقاولة بناء، إلخ.

ملاحظة منهجية: التركيز في هذا المقال على نقد "السلطة الصغيرة" لا يعني البتة إغفال أو إهمال نقد "السلطة الكبيرة" فالاثنتان تربطهما علاقة جدلية ولكن لكل مقام مقال.

 

أوحَى إليّ بهذا المقال ما سمعته اليوم في مقهى الشيحي من أستاذ جامعي، قال: "على الدولة أن تغلق نهائياً جل المعاهد العليا التي توجد داخل الجمهورية وخارج العاصمة. لقد سبق لي ودرّستُ في واحد منها وشعرتُ بأن الإدارة والطلبة لا يتركوننا نتعمق في اختصاصنا ويجرّوننا جرّا إلى تضخيم الأعداد (gonflement des notes) حتى يحققوا أعلى نسبة نجاح، على عكس ما يقع في كلية العلوم بالعاصمة التي درّستُ فيها أيضاً".

تعليقي الذي لم أقله للأستاذ (يئست من زملائي لأن جل مَن خاطبتُ منهم لا يقبل النقد الذاتي): "لو درّستَ يا أستاذ في هذه المعاهد العليا بنفس الجدية التي درّستَ بها في كلية العلوم لَما أصبح التعليم العالي في الداخل على ما هو عليه اليوم من تسيّب يتحمل مسؤوليته الأستاذ قبل الطالب. أنا درّستُ 38 عاماً في الثانوي في تونس والجزائر ولم يفرض عليّ أحدٌ يوماً كيفية إسناد الأعداد أو كيفية التدريس. فكيف يُفرَض عليكم تضخيم الأعداد في الجامعة يا أستاذ ؟ أنا أعرف أن الأستاذ الجامعي هو "بَايْ زمانه" ويحكم بأحكامه لذلك أرجوك، فقبل أن تنقد وزارة التعليم العالي على التسيب الذي قد تكون ساهمت فيه في المعاهد العليا الداخلية بصورة غير مباشرة، عليك أولا أن تنقد نفسك على ما تسببتَ أنت فيه وبصورة مباشرة من عدم تعمق في اختصاصك ومن تضخيم إرادي ومقصود في الأعداد لم يجبرك عليه أحدٌ".

 

كل فئة قطاعية تتهم غيرها بالفساد وترى في نفسها الفرقة الوحيدة الناجية:

-  المدرّسون يحمّلون مسؤولية تردّي التعليم في تونس للوزارة والإدارة والميزانية والبنية التحتية والبنية الفوقية والأولياء والرأسمالية والليبرالية والإمبريالية، لكنهم عادة ما يستثنون أنفسهم. أنا لا أنكر أن كل هذه العناصر لها ضلع في ما وصلنا إليه اليوم من تخلف علمي لكن كلها تُعدُّ خارج عن نطاق نفوذ الأستاذ. ماذا يفعل المدرس إذن في مثل هذه الحالة ؟ حسب رأيي، يبدأ بإصلاح نفسه ولا ينتظر إصلاح المنظومة الرسمس وكذلك يفعل المواطن الواعي الناقد أو يستحي ويصمت، طبيبًا كان المتحدث أو تاجرًا أو مهندسًا أو ممرضًا أو موظفًا أوفلاحًا أو عاملاً ǃ

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه التلامذة وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للمدرسين والقيمين والإداريين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المرضى وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للأطباء والممرضين وإداريي المستشفى ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه اليساريون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لأحزاب اليسار ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الإسلاميون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ للأحزاب الإسلامية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الليبراليون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ للأحزاب الليبرالية ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المسلمون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض مظاهر التدين الشائع والسائد منذ 14 قرناً ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الشيوعيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض تجارب الماركسية في القرن العشرين ؟

-  هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه النقابيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل ؟

 - قتلنا التعصب الأعمى للوطن والإيديولوجيا والقطاعية السخيفة (Le  corporatisme) ؟

-  هل سمعتم يوماً صاحب مهنة ينقد في وسائل الإعلام أداءه أو أداء زملائه أو منتمياً لحزبٍ ينقد حزبه أو إيديولوجيته ؟

 

أنا من جانبي فعلتُها بما تيسر لي من معرفة، نقدتُ علنا سيرتي المهنية والنقابية والفكرية وكثيرا من المثقفين التونسيين فعلوها قبلي وأحسن مني.

 

ماركس نفسه وَعَدَ بممارسة النقد الذاتي عند كتابة "البيان الشيوعي" ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على الماركسيين الأرتدوكسيين أرتودكسيتهم التي تقول أن رأيهم هو الصراط الوحيد المستقيم.

كان محمد صلى الله عليه وسلم مجددا ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على المسلمين السلفيين سلفيتهم الشكلية.

سارتر تمنى وتنبأ بانقراض مهنته كمثقف يفكر للآخرين.

فوق وقبل هؤلاء جميعا بـ14 قرن، فعلها القرآن الكريم ونقل لنا حرفيا حجج الشيطان في عصيان أوامر ربه ونقل لنا أيضًا حجج غير المصدقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

بعد حفظ مقام القرآن الكريم، تصور اليوم مثلا جريدة "الضمير" لحزب حركة النهضة تخصص صفحة حرة لنقاد الحركات الإسلامية أو جريدة "صوت الشعب" لحزب العمال تخصص صفحة حرة لنقاد الأحزاب الشيوعية أو جريدة حزب حركة الشعب تخصص صفحة حرة لنقاد عبد الناصر وصدامǃ  ما أحوجنا لمثل هذا في زماننا هذا ǃ

 

 


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire