lundi 18 novembre 2013

هل الإيمان بالله وراثيّ أو مكتسب ؟ مواطن العالم د. محمد كشار


هل الإيمان بالله وراثيّ أو مكتسب ؟   مواطن العالم د. محمد كشار


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.

أنطلق هذه المرّة من جزء صغير من بحث علمي شخصي، أجريته علي عيّنة تتكوّن من 275 أستاذ تعليم ثانوي تونسيّ، وذلك في إطار الإعداد لشهادة دكتورا - تحت إشراف جامعة كلود برنار بفرنسا و جامعة تونس - في اختصاص علوم التربية فرع تعلمية البيولوجيا، 2007.
 طرحت في سؤال من جملة 25 سؤال ما يلي: هل يوجد استعداد جينيّ للإيمان بالله، يورّثه الآباء للأبناء ؟
 أجِب بنعم أو لا ثم علّل جوابك.

بعد فرز الأجوبة, توصّلت إلي النتائج الآتية:
78,5 % من الأساتذة أجابوا بلا و  %14,3 بنعم و%7,2  لم يجيبوا.
 لم يعلّل نصف المستجوبين تقريبا أجوبتهم و 40 %  فسروا رفضهم لتوارث الإيمان  بتأثير البيئة التي يعيش فيها الأبناء و 10 % قدّموا حججا أخري.

قبل أن أشرع في التحليل أطرح و أجيب علي سؤال قد يُسأل:
السؤال: لماذا هذا البحث من أصله و المسألة واضحة و محسومة لدي أهل العلم بأن الإيمان مكتسب و ليس وراثيّا؟
الجواب: كل العلماء يؤكدون أن لا وجود لأي مسألة علمية واضحة و محسومة. و الدليل أن السؤال قد طُرِحَ في نطاق بحث علمي في أرقى الجامعات الغربية و أجابوا عليه كالتالي:
ورد في غلاف مجلة "العلم و الحياة" بعنوان: "مخّ الإنسان مبرمج للإيمان. اكتشاف الجزيء  المسئول عن  العقيدة ؟". نتابع ما كُتب في الصفحة  49 من المجلة:
-         توّصل فريق من الباحثين في جامعة سويدية إلي ربط درجة  التديّن بنسبة "السروتونين"  في المخّ  و هي إفراز عصبيّ ينقل المعلومات من خليّة عصبيّة إلي أخري و هي هرمونة مخية مسؤولة عن الإحساس بالجوع و  العطش و النوم.
-          و توصّل فريق آخر في جامعة أمريكيّة إلي ربط التديّن بما هو مكتوب  رمزيّا في جينات المتدين  لا بالمحيط الذي ترعرع فيه الشخص المتدين.
انتهى الاستشهاد بالمجلة.

بكل احترام للعلم و العلماء، أوجه سؤالين إلي الفريقين المذكورين أعلاه:
-         أولا علي أي تديّن يتحدّثون ؟ المسيحيّة أم الإسلام أم اليهوديّة أم البهائية أم البوذيّة  أم  المجوسيّة؟
-          ثانيا، أين  ذهبت  جينة  التديّن  عند الملحدين ؟ هل  هي  موجودة و صامتة أم مفقودة تماما؟ و من المسؤول علي عدم وجودها أوصمتها؟

نترك العلماء الأفاضل يواصلون بحوثهم لعلّهم يكتشفون ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء. و نعود الآن إلي بحثنا الذي بيّن أنّ أكثرية الأساتذة يعتقدون أن الإيمان مكتسب و ليس وراثيّا. يقول المستجوبون أن الإيمان نابع من دور المحيط العائليّ و المدرسيّ و الثقافيّ في نحت سلوكيّات الإنسان و أفكاره و معتقداته خلال تجربته الشخصيّة في الحياة. أما الذين أجابوا بنعم فيبرّرون إجابتهم انطلاقا من نظرية الحتمية البيولوجية في إطار التفكير - أو  باراديقم - المسمى "كل شيء وراثي"، الذي يؤكد على أن  كل الصفات الذهنيّة كالذكاء و الإيمان بالله محدّدة مسبّقا في الجينات مثلها مثل الصفات الجسدية كلون العينين أو فصيلة الدم.

يبدو لي أن جل العلماء المعاصرين تقريبا قد أجمعوا علي أن كل الصفات الذهنيّة و السلوكيّة هي وليدة التّفاعل الدائم بين الموروث و المكتسب, أي بين الجينات و المحيط الداخلي و الخارجي للخلية منذ نشأتها من اتحاد الخليتيّن التناسليّتين البويضة و الحيوان المنويّ.

خلاصة القول:
الإيمان بالله هو سلوك ناتج عن إرث ثقافيّ مكتسب عبر العصور لكن لا يؤمن إلا من ورث مخّا بشرياّ لأن الحيوانات لا تدرك الأفكار المجرّدة و همّها الوحيد هو البقاء علي قيد الحياة أطول مدّة ممكنة و إشباع رغباتها الغذائيّة و الجنسيّة للمحافظة علي النوع.
نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان قائما بين نسبة الموروث ونسبة المكتسب في الصفات البشريّة و خاصة الذهنية منها، هذا الجدل العقيم  قد ولّي و انتهي و أصبحنا نقول اليوم أن الصفات الذهنية مثل صفات الإيمان بالله و الذكاء و العنف وراثيّة بنسبة 100 %  و مكتسبة بنسبة 100   % ، لأن الأسباب الوراثية و غير الوراثية، المسؤولة عن  تشكّل الصفات الذهنية، عديدة و متداخلة و متشابكة فيما بينها و تتفاعل مع بعضها باستمرار فلا نستطيع  تجزئتها أو فصلها ميكانيكيا عن بعضها البعض أو تحديد نسبة الوراثي فيها من نسبة المكتسب.


Références bibliographiques 
REVOY, N. & BOURDIAL, I. (2005). Pourquoi Dieu ne disparaîtra jamais.  Sciences & Vie, 1055, pp 47- 66
Atlan, H. (1999). La fin du « tout génétique » ? Vers de nouveaux paradigmes en biologie. Paris : Editions de l’INRA

Lexique
Prédisposition génétique : استعداد جيني مسبق
Molécule : جزيء
Code génétique : الترميز الجيني
Paradigme du « tout génétique » : إطار تفكير "كل شيء وراثي"
Sérotonine : سيروتونين

الإمضاء:
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire