mardi 19 novembre 2024

L`extrémisme, la guerre et le terrorisme ? Habib Ben Hamida

 

 

L`extrémisme et la violence représentent pour l`auteur deux issues de désespoir. Ces dérives extrémistes, maximalistes ont eu pour conséquence de briser l`élan de la renaissance dans le monde arabo-islamique. On assiste impuissant le plus souvent à un spectacle de désolation où le chaos crée un état de confusion à la fois intenable et durable, absurde et chronique, insoluble et indissoluble, et scandaleusement viable.

Les pays arabes sont sous la menace d`un démembrement inéluctable. Tout vole en éclat, il ne reste que les débris fracassés et les miettes éparpillées, tout le pays est dévasté comme en Syrie et c`est la guerre qui s`éternise.

La critique de Kochkar est une dénonciation de ceux qui font l`apologie de la violence et de la guerre, de ceux pour qui autrui est l`obstacle à supprimer, car le violent, le terroriste s`acharne contre l`autre, vole son domicile, viole son corps, profane sa vie privée…

La guerre viole les frontières, les foyers et les femmes, elle implique l`invasion et l`agression : elle est une chaîne de violences orientées avec l`intention d`éliminer l`autre. N`importe qui combat n`importe qui, voilà le nouveau visage de la guerre qui s`éternise dans le monde arabe : guerre à la fois étrangère et civile, guerre de tous contre tous où tout est brouillé, mélangé.

La guerre fabrique un monde de désespoir assez semblable à l`enfer.

Le propre du terrorisme c`est de forcer artificiellement toutes les forces à travailler pour la guerre, la mort et le chaos. Il pérennise l`état violent, rend la tension aiguë, explosive et insoutenable ; il dérègle tous les mécanismes de contrôle, de modération et transforme grâce à son génie diabolique les machines construits par le travail et pour le travail utile et vital, en armes de guerre qui accélèrent le naufrage de tous dans le chaos et le néant.

Le terroriste n`est pas un constructeur, un ingénieur ; il est plutôt un génie malfaisant, un manipulateur de tous les objets, de tous les outils ; c`est un agité qui fait fondre toutes les forces dans un gaspillage aveugle et c`est avec une frénésie aveugle qu`il dilapide tous les acquis de notre civilisation : c`est le délire d`une action dévastatrice, d`une violence pour rien, c`est de la démence pure.


Hammam-Chatt, mercredi 8 juin 2016.

 


 

الرجل الخارِق أو إرادة القوة عند الفيلسوف نيتشه ؟ محاضرة في اليوتوب ألقاها الفيلسوف ميشال أونفري. ترجمة وإعادة صياغة مواطن العالَم، تعليق حبيب بن حميدة

 

 

Titre : Le surhomme ou la volonté de puissance ou le vouloir vers la puissance.

كانت أخْتُ نيتشه تشوّه فِكرَ أخيها بعد موته. على عكسِ أخيها، لقد كانت صديقةً لِهتلر وموسولوني، وكانت تكره اليهود، وتزوجت من رجلٍ ناشطٍ عنصري ضد اليهود (Antisémite). لقد تعسّفتْ في تأويلِ فكرةِ أخيها حول "الرجل الخارِق أو إرادة القوة" وأظهرته وكأن فكرتَه هذه تبشّر بالنازية والفاشية وهو بريء من سوء نيتها أو جهلها أوعدم فهمها.

ما هو إذنْ الرجل الخارِق وما هي إرادة القوة ؟

الرجل الخارِق ليس وجهًا اجتماعيًّا ولا سياسيًّا، هو وجهٌ وجودي (ontologique) وتجريدي (métaphysique).

أما مفهوم "إرادة القوة" فلن نجد أفضل من الصورة التالية للتعبير عنه وشرحه: صورةُ زهرةٍ صغيرةٍ تنبتُ في عتبةٍ قُدّتْ من الإسمنت المسلّح، أو نبتة متعرّشة أو "شعباطة" تتسلقُ جذوعَ الأشجارِ الطويلةِ في الغابة حتى تصل إلى مبتغاها وترى الشمسَ في قِمَمٍ مَن تسلّقتْ وعليها تطفلتْ.

Une liane qui vit au Nord de l`Amérique du Sud, nommée Sipo Matador.

مَن يحرّك النبتتان في بيئة قاسية ؟ إنها إرادةُ الحياة ! وفي كل كائنٍ حيٍّ تسكنُ حياةٌ تريدُ الحياةَ، حيٌّ يبحثُ في داخلِه عن حيٍّ وكل الكائنات جميعًا لا تحرّكها غير "إرادة القوة"، جمادًا كانت أو نباتًا أو حيوانًا أو إنسانًا (من أجمل وأبلغ تعبير للفيلسوف أونفري).

يسكننا شيءٌ يريدنا وهو أقوى منّا. لا حريةَ إذنْ ؟ لا اختيارَ أيضًا ؟ نحنُ مسيَّرون ! لكن عندما تَعونَ أنكم مسيّرون ولستم مخيّرين فعليكم إذن أن تريدوا مصيركم وتحبّوا قَدَرَكم وترضوا به وتتمتعوا به أيضًا (Être déterministe). عندها فقط تبلغون السعادة القُصوى وتتنعّمون بالسكينةِ التامّةِ.

يجب علينا إذن أن نحبّ ما يأتينا، كل ما يأتينا، شرًّا كان أو خيرًا أو ما نسميه خيرًا وشرًّا (Pour Nietzsche, il n`y a ni bien ni mal)، نحبّ المرضَ والعافيةَ، نحبّ الضيقَ والعناءَ، نحبّ الألمَ والمعاناة، نحبّ الحياةَ والموتَ، نحبّ التداعِي والسقوطَ.

Aime ton destin, aimer ce qui nous arrive, tout ce qui nous arrive, dit Nietzsche.

حياةٌ واحدةٌ، أظنها لا تكفي لبلوغِ هذا المنال ؟

خاتمة: رحمَ الله المتنبي إذ قال يومًا فيما قال: "وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبارًا، تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ".

ملاحظة إبستمولوجية: أنا ضعيفٌ في الفلسفة وأقِرُّ بضعفي. أعلنه ولا أخفيه، ولِمَ أخفيه ؟ ولو حصل وقرأتُ كتابَ فلسفةٍ وفهمته فاغمضُ عينيَّ وأجزمُ أن مؤلّفَه ليس فيلسوفًا. قرأتُ فوكو ودولوز وسارتر وباشلار ولم أفهم سطرًا واحدًا مما خطّوا. لكن لو حدثت اليوم معجزةٌ على غير المعتادِ وفهمتُ كل ما قاله الفيلسوف ميشال أونفري في محاضرته حول نيتشه، لقلتُ: أهذا نيتشه القائل بأن "الله قد مات" ؟ يبدو لي أن تحليلَه هذا يتفقُ تمامًا مع المبدأ الإسلامي التالي: التسليمِ بالقضاء والقدر، خيره وشره، وما الخيرُ والشرُّ إلا ابتلاء من الله سبحانه وتعالَى.

ملاحظة استفزازية فكريًّا: هل يُصدّقكَ يساريٌّ أو إسلاميٌّ، عندما تُسِرُّ له أنك أخذتَ اليومَ درسًا قيّمًا في التسليمِ بالقضاء والقدر من فيلسوفٍ فرنسي ملحدٍ (أونفري) وهو يروي عن فيلسوفٍ ألماني يفوقه إلحادًا (نيتشه) ؟ أستثني الفلاسفة من الفريقيْنِ. الإسلاميُّ سوف يقول: "كيف يا مسلمُ يا عاقلُ تنشدُ الإيمان لدى الملحِدِين ؟ ونحن نعرفُ أن فاقدَ الشيءِ لا يُعطيه". أما اليساريُّ فحتمًا سوف يقول: "وماذا يفعلُ يساريٌّ عقلانيٌّ بالإيمان ؟".

صحّة شريبتكم !

حمام الشط، الاثنين 5 جوان 2017.

إضافةُ حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، صديقي وجليسي اليومي في المقهى، أنشرها بتاريخ الأربعاء 7 جوان 2017:

إضافةٌ تذهبُ عكس ما ذهبتُ إليه في ملاحظتي الإبستمولوجية أعلاه التي قلتُ فيها في استنتاجي السابق: "يبدو لي أن تحليلَه (أعني أونفري) هذا يتفقُ تمامًا مع المبدأ الإسلامي التالي: التسليمِ بالقضاء والقدر، خيره وشره، وما الخيرُ والشرُّ إلا ابتلاء من الله سبحانه وتعالَى".

قال مفنِّدًا ما ورد في استنتاجي الشخصي: "صحيح أن الإنسان النيتشوي والإنسان المسلم يتشابهانِ في التسليم بالقضاءِ والقدرِ وإلى هذا الحد يقف التطابُق ويبدأ الاختلاف الجوهري بينهما وهو التالي: الإنسان النيتشوي يُطلقُ العنانَ لإرادة القوة التي تسكنه لكي تتحقق بالكامل ولا يُعارضُ مشيئتَها مهما كانت تختلف مع الأخلاق السائدة أو المنشودة. أما الإنسان المسلم فلا يهمه في الآخِر إلا الامتثال لمشيئة الله وحدها وهذه الأخيرة تتعارضُ تمامًا مع مشيئة إرادة القوة الغريزية داخل الفرد. ومشيئةُ الله تدعو صراحة لكبتِ الغرائز والتحكّم فيها، وتأمرُ الإنسان المسلم بقمع إرادة القوة الكامنة فيه، وذلك بسنِّ شريعةٍ فيها ضوابطٌ وحدودٌ للمتعة الجسدية، حسية كانت أو جنسية، وفيها جهادٌ ضد شهوات النفس الأمّارةِ بالسوء".

lundi 18 novembre 2024

في المنطق الإسلامي، يبدو لي أنه لا يصحُّ أن نقول: أنا مسلمٌ صالِحٌ، وأنت مسلمٌ طالِحٌ ؟

 

 

"ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء" (قرآن).

يكفي أن تدّعي قولاً أنك صالحٌ عقائديًّا فقد زكيتَ نفسَكَ. الصلاحُ الكاملُ صفةٌ من صفاتِ الله ولن يبلغها بشرٌ مهما أوتِي من حكمةٍ.

"إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (قرآن).

يكفي أن تحكم على بشرٍ بالطلاحِ العقائديِّ فقد تجاوزتَ حدودك (La finitude humaine) واستشرفتَ مستقبله ودخلت في علم الغيب، علم يختص به الله وحده ولا يشاركه فيه بشرٌ ولا حتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

محمد الشعراوي: "حديث رسول الله لمّا مرّت جنازة يهودي، أخذ الرسول يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله، قال نفسٌ أفلتت منّي إلى النار" (موقع منتديات شبكة الأسهم القطرية). لاحِظ أن الرسول لم يستشرف مسبقًا ساعة اليهودي، ولم ييأس من هدايته إلا بعد وفاته، فَرَقّ قلبه وبكى أسفًا لأنه لم يقدر على إنقاذ نفسٍ بشريةٍ من النار.

لو فعلنا عكس ما فعل الرسول لَكنّا من المخطئين. يحضرني مثال الفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي الذي أسلم وهو في سن 69 عامًا بعدما كان شيوعيًّا ملحدًا. ليس صدفةً أن يُتركَ بابُ التوبةِ مفتوحًا على مصراعَيه حتى الرمق الأخير على شرط أن يكون الطمعُ في رحمةِ الله الواسعة عفويًّا وليس انتهازيًّا أو مبرمجًا سلفًا.

أما الحركات الإسلامية السياسية السنية (إخوان، سلفيون، قاعديون أو دواعش) التي تدّعي أن الله اصطفاها لتحقيق مشيئته على الأرضِ مثلما يدّعي بَابَا المسيحية أو مرشد الشيعة، فالله لم يصطفِ من البشرِ إلا المُصطفَى. اصطفاه الله وعصمه من الخطأ، لم يكلفه بفرض شريعته سبحانه بالقوة بل كلفه بتبليغ رسالته، بيانه وقرآنه، وقال له آمرًا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ". فإن كان الرسول، جل قدرُهُ، مذكِّرًا، فهل يحق لمرشد الشيعة أو أمير الحركات الإسلامية السنية أن يسيطروا ؟ مشيئةُ الله لن يحققها على الأرضِ إلا الله، لأنه هو وحده الذي يعرفها مسبقًا.

 

الله خلق عبدَه (Sa créature) جسمًا وروحًا، خلقه

(Ni bête ni ange, un mélange faible et instable)

وجعل بين الجسم والروح تفاعلا وتبادلا ورحمةً ومودةً، ثم أسكنَ الجسمَ نفسًا "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا". بإرادته العلِيّة، خلقَ بشرًا ناقصًا وما على المخلوقِ الناقصِ إلا التسليمُ والانحناء أمام عظمةِ الخالقِ الكاملِ. الروحُ مجرّدةٌ عاليةٌ ساميةٌ وهي من أمرِ ربي (C`est à dire insaisissable et intouchable)، أما الجسمُ فهو من خلقِ الله أيضًا، بناه على غير الروح، بناءه بناءً ماديًّا محسوسًا وهشًّا وذلك لحكمةٍ نجهلها. فإن ضعُف الجسمُ وعصا ربه، فهل يحق لنا أن نعذبه أو نقتله أو نحرقه ؟

الله خلقه ضعيفًا فهل تريدون لخلقِ الله تبديلا ؟ أتبغون تنصيبَ أنفسكم فوق مشيئة الله ؟ أأنتم أدرَى بمستقبل الفرد أم الله به أعلمُ ؟ أنظرتُكم أشملُ أم نظرة الله ؟

أيها الإسلاميون السياسيون المتطرّفون الذين لأنفسهم مُزَكُّونْ وعلينا حُكّامٌ مُنصَّبون وفي رقابنا متحكمون ولديننا محرّفون وفي الشر تفتون ومن فِعل الخير تتنصلون، أيها المتكبّرونْ المتعصبونْ الاستئصاليونْ الإقصائيونْ، حراسُ المعبد المزيفونْ: في الحق والباطل تكبّرون ؟ في السلم والحرب تكبّرون ؟ في المظاهرات تكبّرون ؟ في قتل الكفار تكبّرون ؟ في قتل المسلمين تكبّرون ؟ في نسف بيوت الله تكبّرون ؟ في الانتخابات تكبّرون ؟ في الإضرابات تكبّرون ؟ أمام قصر العدالة تكبّرون ؟

الله كبيرٌ برحمته ولا يحتاجُ إلى تكبيركم بمناسبة ودون مناسبة، أما أنتم فصغارٌ كالبعوض أو أقل، صغارٌ بأفعالكم المشينة، صغارٌ بحروبكم الأهلية والطائفية والعرقية، صغارٌ بتكبّركم، صغارٌ بسيطرتكم على خلق الله، صغارٌ باستباق مشيئة الله، فلْتعلموا أن لا وجود لمسلمٍ مثالي إلا في خيالكم ولا وجود لعاصٍ أبديٍّ إلا لِقصرِ نظركم. اتقوا الله في خلق الله، تنحّوا جانبًا، حلّوا عن سمائنا واتركوا الحساب للخالق فهو الأرحم بعباده.

 

حمام الشط، الاثنين 27 نوفمبر 2017.

dimanche 17 novembre 2024

سؤال في المقهى: لماذا لم يتوحد اليسار التونسي المتحزب المعاصر ؟

 

 

حبيب: أكثر المحللين يرون أن العائق الأكبر للوحدة يتجسم في حب الزعاماتية لدى الأمناء العامين للأحزاب اليسارية، أما أنا فأرى أن العائق الحقيقي أعمق من ذلك بكثير ويتمثل في اختلاف في البرامج والأهداف بين يسار راديكالي و يسار ليبرالي:

1.  اليسار الراديكالي: حزب العمال، حزب الموحد، حزب الوطد الثوري الماركسي اللينيني. أحزاب ماركسية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة اشتراكية على المنوال اللينيني-الستاليني، لكنها تكتيكيا تتعامل مع الواقع كما هو.

2.  اليسار الليبرالي: حزب العمل الوطني الديمقراطي، حزب المسار، حزب التكتل (اشتراكي ديمقراطي)، حزب الجمهوري (يسار وسط). أحزاب يسارية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة ديمقراطية (قطاع عام + قطاع خاص) على المنوال الفرنسي أو الألماني أو الأسكندنافي وتتعامل مع الواقع بشفافية تامة دون خطاب مزدوج ودون بديل جاهز.

 

محمد: أضيفُ تيارًا يساريًّا ثالثًا غير موجود في تونس لكنه موجود بقلة في فرنسا وأبرز مفكريه الفيلسوف ميشيل أونفري الذي يعرّف نفسه كالآتي: يساري غير ماركسي، غير ليبرالي (Anti-libéral, Anti-capitaliste, Anti-impérialiste)، تحرّري (Libertaire)، فوضوي ( Anarchiste Proudhonien)، أؤمن بالنظام (L`ordre est le but suprême de l`anarchie) والتسيير الذاتي (Auto-gestion) والتعاضد والتضامن والدولة الفدرالية (Solidarité, coopératisme à but social non lucratif, fédéralisme ) وأقبل باقتصاد السوق في خدمة المجتمع وأرفض سيطرة السوق على المجتمع.

حبيب: أعرّف نفسي كالآتي:

-       إيديولوجيا: ماركسي.

-       فلسفيا: تحرّري الحلم.

-       واقعيا: اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.

مواطن العالَم: أعرّف نفسي كالآتي:

-       إيديولوجيا: يساري غير ماركسي.

-       فلسفيا: تحرري الحلم.

-       واقعيا: اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.


حمام الشط، الإثنين 29 أوت 2016.

jeudi 14 novembre 2024

هل الهُوية تَصنعُ الفردَ وتسبِقُ وجودَه أو الفردُ هو الذي يصنع هُويتَه ؟ فكرة فيلسوف حمام الشط وجليسِي اليومي حبيب بن حميدة. صياغة وتأثيث مواطن العالَم

 

 

قال الفيلسوف الفرنسي سارتر (1905-1980) - فيما قال - قولَتَيْن شهيرَتَيْن:

القولة الأولى: "كل الكائنات تسبقها هُوياتُها إلا الإنسان، فهو الكائن العاقلُ الوحيد الذي يُحدد هُويتَه بِنفسِه"

(L`Homo Sapiens, âgé de 50 mille ans)

مثال 1: الكرسي أو الطاولة أو الشبّاك، كائنات جامدة تسبقها هُوياتها في مخ النجار قبل صُنعِها.

مثال 2: النحلة أو النخلة: كائنات حية تسبقها هُوياتها مُبرمجة مسبّقًا ومكتوبة بِلغة رمزية في جيناتِها (Leurs codes génétiques différents) داخل صِبغِياتِها الموروثة قبل ولادتها وهي التي تُحدد صفاتها وسلوكاتِها طيلة حياتها (L`ensemble des chromosomes de leurs ADN).

أما الإنسان ورغم أنه ورثَ جيناته عن والِديْه فهو مختلِفٌ عن النبات والحيوان بِفَرادَتِه لأن موروثه الجيني لا يُحدد قُدراته الذهنية مثل الذكاء والعُدوانية (Ses performances intellectuelles) مع العلم أنه هو أيضًا يخضع لِقانون الوراثة وتطبيقاته المكتوبة في جيناته الموروثة

 (Création divine pour les croyants, Évolution darwinienne pour les non-croyants

وهي التي تُحدد وبصفة مسبقة صفاته الجسمية مثل لون العينين ونوع الفصيلة الدمويه. لكن الذكاء عند الإنسان لا يُورّث كليًّا في الجينات بل هو صفة ذهنية تنبثق مِن تفاعل الجينات مع المكتسبات (التربية والتعليم والتجربة والخطأ، إلخ.). أما الهُوية فهي تنبثق من تفاعل الموروث الحضاري مع المكتسب الثقافي، وهي مفهومٌ متحركٌ يتأثر بالتاريخ وليس مفهومًا ساكنًا عابِرًا للتاريخ، وهي كالكائن الحي تأخذ مُغذيات فكرية من مصادر متنوعة (تربية، تراث، تاريخ، جغرافيا، دين، لغة، فكر محلي ومستورد، حروب، إرهاب، فقر، غِنَى، إلخ) وتستوعبها ثم تهضمها فتترك بصمات بيولوجية على الوصلات العصبية المُخِّيّة (Les synapses) التي تحفظ الموروث وربما تصنع وتنتج وتبدع وتبتكر قِيمًا جديدة أكثر ثراءً وإيمانًا بِإنسانية الإنسان وأكثر إحساسًا بِعالمية مصيره وأكثر تفتّحًا على الآخر وأكثر احترامًا للغير مهما كان هذا الغير ما لم يعتدِ على غيره ماديًّا أو رمزيًّا.

 

القولة الثانية: "كل الإيديولوجيات تدعو للحرية وتطبق العدلَ عند بداية تَشكُّلِها، وما إن تتمكن من السلطة حتى تصبح هي نفسها تقمع الحريات وتحرص على الحفاظ على سلطتها المتكلسة وتُقنِّنُ الظلمِ وتُحاول أن تُؤبِّدَه".

Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites. Sartre Jean Paul, 1948, qu’est-ce que la littérature ? collection idées / Editions Gallimard p.193.

أعني بالإيديولوجيات، الليبرالية الرأسمالية والشيوعية وتأويل الدين (وليس الدين المحفوظ في النصوص المقدسة) والبوذية والكونفوشيوسية وغيرها، كلها جاءت لِتنظيم حياة البشر وهذا مكسبٌ جيدٌ وتطوّرٌ إيجابيٌّ، لكن أصحابَها ومن فرطِ تَكبُّرِهِم يدّعون أن ليس لِسُنَنِهم تبديلا.

(L`Orgueil de l`Homme, c. à d. L`instinct animal, primitif et réducteur)

إذا كانوا مؤمنين فهذا شِرك بِالله وفَرعَنَة لأن سُنة الله وحدها ولا غيرها ليس لها تبديلا (النص المقدس ثابِتٌ وهو الدين أما تأويل البشر للنص المقدس فهو إيديولوجيا والمفروض أنه يتغير مع تَغيُّرِ حياة البشر ويتطور مع تَطوُّرِ مجتمعاتهم)، وإن كانوا ملحدين ماديين فأحرَى بهم أن يعترفوا بِضعفِ الفرد وهو حسب فلسفتهم آتٍ مِن عدمٍ وذاهبٌ إلى عدمٍ.

يبدو لي أن بعض الفلاسفة المصابين بجنون العظمة وبعض رجال الدين المتزمتين مِن مُبدِعِي الإيديولوجيات القديمة والحديثة يظنون أنهم وحدهم أتوا بِما لم يأت به الأوائل ويتصورون أيضًا أن أيديولوجياتهم هي نهاية التاريخ ولن يأتي بِأفضلِ منها بعدهم أحدٌ.

أرجو من الله أن يُجنّبنا تزمت رجال الدين (مثل سيد قطب والمودودي -بأمانة علمية قرأتُ للأول وسمعتُ عن الثاني- وشيوخ التلفزة) وأرجو من الفلاسفة المتواضعين المعاصرين الأحرار (Les libertaires de Gauche) مثل أمين معلوف وشلومو ساند وميشال أونفري -النيتشوي النزعة- أن يتفلسفوا بِالمِطرقة ويهدِموا أنظمة زملائهم المتكبّرين الغابرين مثل كانت وهيڤل وماركس وسارتر وهنتنڤتون وغيرهم كثيرون (Philosopher à coups de marteau, Nietzsche).


حمام الشط، الجمعة 14 أفريل 2017.

mercredi 13 novembre 2024

دردشة مقاهي بين فيلسوف حمام الشط (ماركسي) ومواطن العالَم (يساري غير ماركسي) حول دخول الإسلام إلى تونس: هل هو استعمارٌ أو فتحٌ ؟


الفيلسوف يغنّي وأنا أردّ عليه !

مواطن العالَم: القرطاجنيون والفرنسيون استعمرونا ولم يختلطوا بالسكان الأصليين (Les indigènes: les berbères)، أما الإمبراطورية الرومانية فقد منحت المواطنة لكل التونسيين (La Pax Romana : entre 29 av J.C. et 180 ap J. C)، لكن التونسيين لم يترَوْمَنوا ! جاء الإسلام العربي فأسلموا ثم تعرّبوا !

فيلسوف حمام الشط: فى الإسلام، يكفي ان تقول "أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله وأَشْهَدُ أن محمداً رسول الله"، لِتُصبحَ بين لحظةٍ وأخرى مواطنًا كامل الحقوق، حلٌّ منقِذٌ سهلٌ ومريحٌ في الدنيا والآخرة.

مواطن العالم: كنتُ أقول عن الحضارة العربية الإسلامية مقارنةً بالحضارات الأخرى المعاصرة لها (الفارسية، البيزنطية، الصينية، الهندية)، أنها لم تبنِ ولم تُشيّد قصورًا ولا دورَ عبادةٍ فاخرةٍ، ولم تترك لنا آثارًا كالتي تركتها الحضارةُ الفرعونيةُ. والآن فهمتُ أنها لم تبنِ ما بناه الأوائلُ بسببِ عدلِها النسبي وانعدام العنصرية والإقطاعية في نظامها الاجتماعي، لكنها بَنَتْ ما هو أهم، بَنَتْ فكرةً، وبها هزمت أعتى حضارتين غنيتَين منافِستَين (البيزنطية والفارسية)، ثم أسست فوق أراضيهما إمبراطوريةً مترامية الأطراف انطلاقًا من صحراءٍ قاحلةٍ فقيرةٍ.

كنتُ أردد أيضًا استنتاجَ عالِمة الإنسان جاكلين الشابي (Anthropologue)، التي تقول فيه أن الفتوحات في العهد الأموي تمت بِـواعزٍ قَبَلِيّ وليس إسلامي.  والآن فهمتُ أنها تمّت بِواعزٍ قَبَلِيّ وإسلامي في نفس الوقت، لأن القوة المادية الخالية من فكرة تسندها لا يمكن أن تُمكّنَ قبائل عربية بدوية من نصرٍ ساحقٍ على دولٍ مركزيةٍ عريقةٍ. ثم أنهيتُ كلامي بطرحِ الإشكالية التالية: لماذا لا نرى مثل هذا النقاش الهادئ حول مسألةٍ مهمّةٍ كهذه لدي المنتمين لأحزابنا اليسارية ؟

فيلسوف حمام الشط:

 Tu cherches midi à 14h. Ils sont embrigadés. Et qu`est-ce que l`embrigadement ? C`est ne plus penser par soi-même.

مواطن العالم: المفروض أن ماركسيينا، خلافًا لرفاقهم الغربيين، هم مواطنون خالون من العوائق النفسية (Les obstacles psychologiques) التي قد تمنعهم من حب الإسلام والمسلمين بما أن أهلهم مسلمون، لكن يبدو لي أن العوائق المعرفية هي التي تمنعهم (Les obstacles épistémologiques).

فيلسوف حمام الشط: المفروض.. الوهمُ...

lundi 11 novembre 2024

ما هَلَكَنَا في تونس إلا "النضال الإيديولوجي" ! فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، صياغة مواطن العالَم

 

 

أعني النضال بجميع تمظهراته، الدستورية والنقابية والقومية واليسارية والدينية-الإيديولوجية (وليس الإسلامية-العقائدية كما فعل أسلافُنا العرب من الصحابة، "الرجال الأحرار" على حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه). كلها لم تأتِ لنا بحلولٍ لمشاكلنا بل زادتها تعقيدًا وحوّلت كل مشكلةٍ عندنا (مشكل له حل) إلى معضلةٍ (مشكل لا حل له في المستقبل القريب)، وعوض أن ننظر مباشرة في واقعنا نظرنا إلى ما تقوله الإيديولوجيات المستوردة في واقعنا.

وفدت علينا الدستورية والقومية والنقابية من العالم الحر (أوروبا وأمريكا)، والشيوعية من الاتحاد السوفياتي، والإخوانية من مصر والوهابية من السعودية.  كلها وافدة ومنبتّة في بلادنا وغير متجذّرة في ترابنا. كنا مجتمعًا متناسقًا فشتتتنا الإيديولوجيات شِيعًا وأحزابًا وفرّقت بين الأخ وأخيه وبين الابن وأبيه.

1.  "النضال" الدستوري قسّم البلاد في فجر استقلالها إلى بورڤيبيين ويوسفيين، وقامت بينهم حربٌ أهليةٌ انتصر فيها الأقربُ لأطروحات فرنسا الاستعمارية لا الثورية.

2.  "النضال" النقابي انتشر في غير موضعه الطبيعي، أي في القطاع العمومي عوض القطاع الخاص، مَهْدُ نشأته وسِرُّ نجاعته. حسب رأيي يجب مَنْع الإضراب في القطاع العمومي لأن كل يوم انقطاع عن العمل يدفع ثمنه دافعو الضرائب لا الرأسماليين.

3.  "النضال" القومي جزّءنا أكثر ممّا وحّدنا وجلب لنا الهزيمة تلو الهزيمة، 48، 56، 67، 73، 2003 والقادم أشوم.

4.  "النضال" اليساري، صراعُ طبقات أردنا تطبيقه في بلدٍ لم تتكون فيه الطبقاتُ بعدُ لأن الطبقة يحددها وعيُ الطبقة بنفسها كطبقة وليس مستواها المادي:

La classe est déterminée par sa conscience.

5.  "النضال" الديني-الإيديولوجي (وليس الديني-العقائدي) ضد العلمانيين المسلمين أنتج حروبًا أهلية مدمِّرة لقوانا الذاتيّة في مصر والسودان والجزائر وسوريا والعراق ولبنان واليمن (إضافة جديدة في 12 أكتوبر 2024:  و"القاتل والمقتول في النار" كما قال أخيرًا صديقي، الإسلامي التونسي، الديداكتيكي منصف الساكري).

خاتمة: هذا وصفٌ وليس تحليلا لكنها نتيجةٌ كارثيةٌ لا أجد لها تفسيرًا ولا تبريرًا. خللٌ في المناعة أصاب الجسم العربي (Une maladie auto-immune)، مرضٌ عُضالٌ لا علاجَ له لأن مضاداتنا الحيوية (Les anticorps) أصبحت لا تُفرّق بين الأخ والعدو (Le soi et le non-soi) بل تقضي على الأول قبل الثاني. ضعُفت مناعتُنا الداخلية حتى أصبح كيانُنا عُرضةً للأمراض الانتهازية (Les maladies opportunistes) وأصبحت أوطانُنا مستباحةً من قِبل الأعداء الضعفاء قبل الأقوياء. علينا إذن تحطيم الإيديولوجيات وبناء الكفاءات. فهل يقدر على هذا "مناضلونا" ؟

 (Les militants et les activistes de tous bords)

 مناضلونا "الأشاوس" لا يجدون وقتًا كافيًا للتفكير، همهم الوحيد يتمثلُ في الوصول إلى السلطة حتى ولو كانت على حساب إخوانهم في الوطن والدين واللغة والثقافة.

لو كنتُ في السلطة -ولن أكون فلا تفزعوا أيها "المناضلون"- لَمنعتُ كل "المناضلين" الإيديولوجيين بجميع تلويناتهم من تولِّي المناصب العليا في الدولة، وعوض أن أكرّمهم، سوف أحاسبهم على الفُرَصِ التاريخية التي فوّتوها علينا للحاق بِرَكْبِ الدول المتقدمة وأفضَلُها عندي اليوم ووقتيًّا هي الدول الأسكندنافية الأكثر عدلاً والأقل إيديولوجية !

ملاحظة ديونتولوجية: رجاءً هاجموا الفكرة ولا تشتموا ناقلَ الفكرة أو صاحبَها (وحيدُ زمانه، وهو جليسي اليومي المفضّل في مقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية، المقهى الثقافي التي تتحطم فيه الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات).


حمام الشط، الأربعاء 2 أوت 2017.